- المحكمة: القانون لا يستلزم موافقة مجلس البترول على تسويق المنتجات البترولية
عبدالكريم أحمد
اصدرت الدائرة الادارية بمحكمة الاستئناف برئاسة المستشار بدر الطريري حكما بالغاء حكم محكمة اول درجة القاضي بالغاء القرار الحكومي بالغاء قرار زيادة اسعار الوقود، وبذلك الحكم يتأيد قرار مجلس الوزراء رقم 32/2016 المؤرخ في 1 اغسطس الماضي فيما تضمنه من زيادة اسعار البنزين.
وذكرت المحكمة في حكمها ان القرار المطعون فيه جاء متفقا مع احكام الدستور والقانون ومتدثرا برداء المشروعية، ويكون الطعن عليه قد بني على غير اساس من حكم القانون، ما يتعين معه القضاء مجددا برفض الدعويين الصادر فيهما الحكمين المطعون فيهما بهذين الاستئنافين.
واضافت المحكمة: لا ينال مما تقدم القول ان القرار المطعون فيه صدر مخالفا لنص المادة 4 من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 1980 بإنشاء مؤسسة البترول الكويتية، ركونا على ان هذا النص يستلزم ان تكون زيادة اسعار البنزين بموافقة المجلس الاعلى للبترول ويصدر بها مرسوم، لأن هذا القول مردود عليه أولا: بأنه يتعارض مع صراحة نص هذه المادة الذي جاء من الوضوح والبيان، ودون غموض او ابهام، بأنه قد فرق بين امرين، اولهما: اختصاص مؤسسة البترول الكويتية بتسويق النفط الخام والغاز العائد للدولة، فاشترط المشرع في الفقرة الاولى من نص هذه المادة ان يكون التسويق طبقا للاسس المالية التي يقترحها وزير النفط، ويوافق عليها المجلس الاعلى للبترول ويصدر بها مرسوم، وثانيهما: اختصاص المؤسسة بتسويق المنتجات البترولية المكررة والغاز المسيل والمنتجات البتروكيماوية، ومنها بلا شك البنزين ـ بحسب انه عمليا سائل طيار سريع الاشتعال ينتج عن تقطير البترول ويستعمل وقودا لتشغيل المحركات وهو مذيب جيد للزيوت والدهون واقل كثافة من الكيروسين ـ فتتولى المؤسسة تسويقه دون العرض على المجلس الاعلى للبترول وموافقته او صدور مرسوم بذلك.
واستطردت: طالما ان النص المشار اليه جاء صريحا على هذا الوجه، فإن المحكمة مطالبة اساسا بالرجوع الى هذا النص ذاته واعماله على واقعة الدعوى في حدود عباراته، فإذا كانت واضحة الدلالة فلا يجوز الاخذ بما يخالفها، لما في ذلك من استحداث لحكم مغاير لمراد المشرع عن طريق التأويل الذي يكون في غير محله.
وفيما يلي النص الكامل للحكم:
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، وإتمام المداولة:
حيث ان وقائع هذه المنازعة تخلص - حسبما يتضح من الحكمين المستأنفين وسائر الاوراق - في ان المستأنف الاول في الاستئناف الاول أقام الدعوى رقم 4057 لسنة 2016/11 بإيداع صحيفتها إدارة كتاب المحكمة الكلية بتاريخ 30/8/2016، طالبا في ختامها الحكم بقبولها شكلا، وبوقف تنفيذ والغاء قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 1/8/2016 برفع اسعار البنزين بداية من 1/9/2016، وما يترتب على ذلك من آثار.
واسس المدعي دعواه على سند من القول حاصلة ان مجلس الوزراء اصدر القرار رقم 32 لسنة 2016 بإعادة هيكلة اسعار البنزين وفرض اسعار جديدة له ليكون سعر اللتر 65 فلسا للممتاز 91، و105 فلوس للخصوصي، و165 فلسا للالترا البريمو 98، واوصى مجلس الوزراء باعادة دراسة انواع الدعوم الحكومية المختلفة بتقييم الاسعار كل ثلاثة اشهر لتتوافق مع اسعار النفط العالمية، على ان يسري هذا القرار من 1/9/2016 وبما ان المدعي مواطن كويتي ولديه سيارة خاصة مرخصة فتكون له المصلحة الشخصية المباشرة في اقامته هذه الدعوى، ولما كانت المادة 4 من القانون رقم 6 لسنة 1980 بانشاء مؤسسة البترول الكويتية، تقضي بأن تتولى المؤسسة تسويق النفط الخام والغاز العائد للدولة وفقا للأسس المالية التي يقترحها وزير النفط، ويوافق عليها المجلس الاعلى للبترول، ويصدر بها مرسوم، ولما كان البنزين احد مشتقات النفط، فإن القرار المطعون يكون قد صدر بالمخالفة لهذا القانون، ويكون مشوبا بعدم المشروعية مما تختص بالطعن عليه الدائرة الادارية بالمحكمة الكلية، فضلا عن ذلك فإ القرار الطعين صدر معيبا بعدم الدستورية اذ خالف نصوص المواد (20 و21 و134) من الدستور التي توجب على الدولة مراعاة امن الوطن والمواطن لدى استغلال لأي من مصادر الثروة الطبيعية، ومنها البنزين الذي هو ملك للدولة والشعب وليس ملكا للحكومة تتصرف فيه كيفما تشاء بقرارات ادارية مما كان يستوجب معه ان يصدر بزيادة اسعاره قانون خاص من مجلس الامة نفاذا لاحكام الدستور، واذ يترتب على زيادة اسعار البنزين ضرر جسيم به فقد اقام هذه الدعوى بطلباته سالفة البيان.
وتداولت الدعوى امام المحكمة الكلية (الدائرة الادارية المذكورة) وفقا للثابت في محاضر جلساتها قدم خلالها الخصوم المستندات واوجه الدفاع المنوه عنها في هذه المنحاضر كما قدم المستأنف ضدهم (الثاني والثالث والرابع) طلبا بتدخلهما انضماميا للمدعي، وبجلسة 28/9/2016 حكمت بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بالغاء قرار مجلس الوزراء رقم 32 لسنة 2016 المؤرخ 1/8/2016 فيما تضمنه من زيادة اسعار البنزين، وما يترتب على ذلك من آثار، على النحو المبين بالاسباب، وألزمت الجهة الادارية المصروفات وعشرة دنانير مقابل اتعاب المحاماة، وبعد قبول طلب التدخل الانضمامي المشار اليه، ورفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الاداري استنادا من المحكمة على ان القرار المطعون فيه في حكم القرار الاداري، والالتفات عن بحث الشق العاجل بحسب ان الفصل في الموضوع يغني عنه، وتحديد طبيعة مقابل البنزين بأنه ثمن عام وليس ضريبة او رسما، ولا يطبق عليه القانون رقم 10 لسنة 1979 في شأن الرسوم والتكاليف المالية مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة، وكذلك القانون رقم 79 لسنة 1995 الصادر في هذا الشأن، واستعراض نص المادة 4 من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 1980 بانشاء مؤسسة البترول الكويتية شيدت المحكمة قضاءها على ان الثابت من الاوراق ان مجلس الوزراء قرر في اجتماعه رقم 32 المنعقد بتاريخ 1/8/2016 الموافقة على المقترح المقدم من لجنة اعادة دراسة مختلف انواع الدعوم التي تقدمها الدولة في شأن تحديد اسعار البنزين على النحو التالي (لتر البنزين الممتاز 91/85 فلسا، لتر النزين الخصوصي 95/105 فلسا، لتر البنزين الترا 98/165 فلسا)، وتكليف نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية ووزير المالية بالوكالة، باتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذ ما ورد في المقترح المقدم، على ان يعمل بهذا القرار اعتبارا من 1/9/2016 ثم مضت مؤسسة البترول الكويتية قدما بتغيير اسعار سلعة البنزين، وادخل القرار المطعون عليه حيز التنفيذ من هذا التاريخ، واذ خلت الاوراق مما يفيد اتخاذ وزير النفط الاجراءات القانونية المنصوص عليها وفق المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 1980 المشار اليه التي اوجبت عليه عرض المقترح المنوه عنه - اسعار البنزين - على المجلس الاعلى للبترول للموافقة عليه تمهيدا لاصداره بمرسوم فيكون القرار المطعون عليه قد صدر بالمخالفة لاحكام القانون مما يتعين معه القضاء بالغائه وما يترتب على ذلك من آثار، والتفتت المحكمة عن طلبي النفاذ المعجل وتنفيذ الحكم بموجب مسودة بغير اعلان ودون وضع صورة تنفيذية عليه.
وحيث ان هذا القضاء لم يلاق قبولا لدى الجهة الادارية فقد طعنت عليه بالاستئناف الاول بإيداع صحيفته ادارة كتاب المحكمة بتاريخ 5/10/2016، طالبة في ختامها الحكم بقبوله شكلا، وبإلغاء الحكم المستأنف، وفي الموضوع: أصليا: بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري، واحتياطيا: برفض الدعوى وفي أي من الحالين إلزام المستأنف ضدهم المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي، وساقت الجهة الإدارية أسبابا لهذا الاستئناف حاصلها، أن الحكم المستأنف صدر مشوبا بمخالفة القانون الخطأ في تطبيقه وتأويله، والفساد في الاستدلال، والقصور في التسبيب، من أربعة أوجه كما يلي:
(الوجه الاول) لما كان ما قرره مجلس الوزراء في اجتماعه رقم 32 المؤرخ 1/8/2016 هو مجرد توصية بالموافقة على المقترح المقدم من لجنة اعادة دراسة مختلف انواع الدعوم التي تقدمها الدولة في شأن اسعار البنزين، وتكليف وزير النفط باتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذ ما ورد في هذا المقترح، فإن ما قرره مجلس الوزراء في هذا الشأن هو مجرد توجيهات وتكليفات للوزير المختص واللجنة المختصة بدراسة مختلف أنواع الدعوم، وقامت مؤسسة البترول بتنفيذ تلك التوجيهات، ولما كانت طلبات المستأنف ضدهم أمام محكمة أول درجة قد انصبت على هذه التوجيهات بمقولة انها قرار إداري، ولم توجه إلى ما اتخذته المؤسسة بزيادة اسعار البنزين، فإن الدعوى تكون غير مقبولة شكلا لانتفاء القرار الاداري، ولم يقض الحكم المستأنف بهذا فإنه يكون مستوجبا الإلغاء من هذا الوجه.
(الوجه الثاني) أن المشرع بموجب قانون إنشاء مؤسسة البترول الكويتية المشار إليه، ناط بها اتباع الاسلوب الاقتصادي في ادارة اموال الدولة في الداخل والخارج، بحسب أنها ذات طابع اقتصادي تدار على أسس تجارية، ولها ميزانية مستقلة، ويشرف عليها وزير النفط، وبالتالي فإن ما تصدره من تصرفات أو إجراءات ومنها زيادة أسعار البنزين يدخل في نطاق الملكية الخاصة، وبالتالي فلا يمكن اسباغ وصف القرار الإداري على هذا التصرف، وبحسب ان ما قرره الحكم المستأنف أن مقابل البنزين يعد ثمنا عاما، ثم عاد ليقرر أن مؤسسة البترول قامت بتنفيذ قرار الزيادة من 1/9/2016، ولم يقم وزير النفط بعرض مقترح هذه الزيادة على المجلس الأعلى للبترول تمهيدا لاصدارها بمرسوم، ما يكون معه الحكم المستأنف قد أضفى على تصرف المؤسسة صفة القرار الإداري على خلاف الحقيقة ويكون معيبا واجبا القضاء بإلغائه.
(الوجه الثالث) لما كان نص المادة الرابعة من القانون رقم 6 لسنة 1980 المشار إليه، قد فرق بين أمرين: أولهما: تسويق النفط الخام والغاز، واشترط أن يكون هذا طبقا للأسس المالية التي يقترحها وزير النفط ويوافق عليها المجلس الأعلى للبترول ويصدر بها مرسوم، ونفاذا لهذا صدر المرسوم المؤرخ 71/1/1981 بالأسس المالية لتسويق النفط الخام والغاز، وثانيهما: أن تتولى هذه المؤسسة وحدها وبغير حاجة للعرض على المجلس الأعلى للبترول أو صدور مرسوم بذلك، تسويق المنتجات البترولية المكررة والغاز المسال والمنتجات البتروكيماوية ومنها البنزين، ولما يتطرق المرسوم المشار إليه لأسعار البنزين الذي يتم تسويقه وفقا للأسس الاقتصادية، وإذ خالف الحكم المستأنف هذا النظر وخلص الى وجوب عرض قرار زيادة اسعار البنزين على المجلس الأعلى للبترول وإصداره بمرسوم فإنه يكون قد استحدث حكما لم يرد في التشريع، فإنه يكون مخالفا للقانون جديرا بالالغاء.
(الوجه الرابع) أنه لما كان ما قرره مجلس الوزراء في شأن الموافقة على زيادة أسعار البنزين، واتخذ وزير النفط الإجراءات المتطلبة قانونا في هذا الشأن، وقامت مؤسسة البترول الكويتية بتحديد الاسعار وفقا لسلطاتها التقديرية في ضوء الأسعار العالمية، وشملت الزيادة جميع المواطنين والمقيمين، وتمثل هذه الزيادة دخلا للدولة، ما تكون معه المؤسسة قد التزمت بأحكام القانون وينتفي عن مسلكها هذا عيب اساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها، واختتمت الجهة الإدارية صحيفة هذا الاستئناف بطلباتها المشار إليها.
وحيث انه عن الاستئناف الثاني الذي تخلص وقائعه ـ على الوجه المبين بالحكم المستأنف وسائر الأوراق ـ في أن المستأنف أقام الدعوى رقم 3909 لسنة 2016 إداري/10 بإيداع صحيفتها ادارة كتاب المحكمة الكلية بتاريخ 22/8/2016، طالبا في ختامها الحكم بقبولها شكلا، وبالغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء في اجتماعه رقم 32 المؤرخ 1/8/2016 فيما تضمنه من زيادة اسعار الوقود الجازولين وما يترتب على ذلك من آثار، والزام الجهة الادارية بالتعويض الجابر لما اصابه من اضرار جراء القرار المطعون فيه، والمصروفات ومقابل اتعاب المحاماة، وأسس هذه الدعوى على ذات الوقائع المشار إليها في الاستئناف الأول، وتداولت الدعوى أمام المحكمة الكلية المذكورة على الوجه المدون بمحاضر جلساتها، وبجلسة 27/10/2016 حكمت بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالدعو رقم 4057 لسنة
2016 اداري/11، والزمت المدعي المصروفات، ومبلغ عشرة دنانير مقابل اتعاب المحاماة وشيدت قضاءها على ان البين من الاوراق صدور حكم في الدعوى المشار اليها بجلسة 28/9/2016 وكان محله الطعن على ذات القرار المطعون عليه في الدعوى الماثلة وعن ذات السبب اذا قضى بالغاء القرار الطعين فانه يتعين القضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها واردفت المحكمة انه لا ينال من هذا القضاء اختلاف الخصوم في الدعويين لان هذا اولا للمحكمة تقدره وثانيا ان ما قضى به في الحكم الاول يحقق مصلحة المدعي في الدعوى الجديدة وبالتالي فلا اهمية لوحدة الخصوم في هذه المسألة العامة لعمومية المصلحة فيهما.
وحيث ان هذا القضاء لم يلاق قبولا لدى مقيم الدعوى فقد طعن عليه بهذا الاستئناف فقيدت صحيفته كتاب المحكمة بتاريخ 9/11/2016 طالبا فيها الحكم بقبوله شكلا وبالغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددا بطلباته التي افتتح بها هذه المنازعة امام محكمة اول درجة والزام المستأنف ضدهم المصروفات ومقابل اتعاب المحاماة الفعلية عن درجتي التقاضي وساق المستأنف اسبابا لهذا الاستئناف مجملها ان الحكم المطعون فيه قد صدر مشوبا بالبطلان لمخالفته القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الواقع والثابت في الاوراق وبيانا لهذا تضمن صحيفة الاستئناف ان الخصوم في الدعويين مختلفين من حيث المدعين فيكون ما قضى به الحكم في غير محله فضلا عن ذلك فان القرار الطعين جاء مخالفا لاحكام الدستور والقانون واذ لم يقض الحكم المستأنف بالغائه فانه يكون مستوجبا الالغاء والقضاء مجددا بالطلبات التي اختتم بها المستأنف صحيفة هذا الاستئناف.
وتداولا الاستئنافان امام المحكمة على الوجه المبين بمحاضر جلساتها قدم خلالها الخصوم المستندات واوجه الدفاع المنوه عنها فيه ذه المحاضر وقررت المحكمة ضمهما للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد وبجلسة 5/2/2017 قررت اصدار الحكم فيهما بجلسة 18/4/2017 وفي هذه الجلسة قررت مد اجل النطق بالحكم فيهما لاستمرار المداولة لجلسة اليوم وفيها صدر واودعت مسودته المشتملة على اسبابه لدى النطق به.
وحيث ان كل من هذين الاستئناف قد استوفى سائر الاجراءات الشكيلية المقررة قانونا فانه يتعين القضاء بقبولهما شكلا.
وحيث ان النص في الفقرة الأولى من المادة 144 من قانون المرافعات على ان الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف فقط وفي الفقرة الثانية من ذات المادة على ان وتنظر المحكمة الاستئناف على اساس ما يقدم لها من ادلة ودفوع واوجه دفاع جديدة وما كان قد قدم من ذلك لمحكمة الدرجة الأولى يدل على ان الدعوى التي كانت مطروحة على محكمة الدرجة الأولى تعتبر مطروحة على محكمة الاستئناف برمتها بكل ما ابدى فيها امام تلك المحكمة من اقوال وطلبات وما قدم اليها من ادلة ودفوع وما اتخذ فيها من اجراءات اي جميع عناصرها واسانيدها القانونية ويكون لمحكمة الاستئناف في حدود الاستئناف المرفوع ان تعيد بحث الدعوى والنظر في صواب الحكم المستأنف وخطته من جميع نواحيه الواقعية والقانونية المختلف عليها، ومن المقرر كذلك انه على المحكمة ان تواجه كل دفاع جوهري يتمسك به الخصم وان تبدي فيه رأيها ما دام هذا الدفاع من شأنه ان يتغير ان صح وجه الرأي في الدعوى فان هي التفتت عن ذلك فان حكمها يكون مشوبا بالقصور كما انه من المقرر ان اسباب الحكم تعتبر مشوبة بالفساد في الاستدلال اذا انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط ويتحقق ذلك اذا استندت المحكمة الى ادلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للاقتناع بها او عدم فهم العناصر الواقعية التي ثبتت لديها وان الحكم اذا ركن الى اسباب لا تكفي لحمل النتيجة التي انتهى اليها كان مشوبا بالقصور.
في هذا المعنى حكم محكمة التمييز في الطعن رقم 63 لسنة 2009 اداري جلسة 26/4/2011 وحكمها محكمة التمييز الصادر في الطعن رقم 1796 لسنة 2015/اداري/1 جلسة 28/12/2016.
وحيث انه عن الدفع بعدم دستورية نص المادة 2 من القانون رقم 79 لسنة 1995 في شان الرسوم والتكاليف المالية مقابل الانتفاع بالمرافق العامة المبدى امام هذه المحكمة فانه لما كانت المادة الأولى من هذا القانون تنص على انه لا يجوز الا بقانون ان تزيد الرسوم والتكاليف المالية الواجب اداؤها مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات التي تقدمها على قيمتها في 31 ديسمبر 1994 وتنص المادة الثانية من ذات القانون على ان لا تسري احكام المادة السابقة على الاثمان التي تدفع مقابل الحصول على الخدمات والسلع التي تقدمها الهيئات العامة والمؤسسات العامة ذات الميزانية الملحقة والمستقلة، ولا تسري كذلك على مقابل الانتفاع والرسوم المقررة طبقا لاتفاقيات دولية، وإذ كان قضاء المحكمة الدستورية قد تواتر على انه يشترط لقبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة، ومناطها ان يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في النزاع الموضوعي الذي تدور حوله رحى الخصومة المطروحة على محكمة الموضوع، ومؤثرا على الفصل فيها، فإذ انتفى ذلك اللزوم وتلك الضرورة، كانت المنازعة الدستورية غير منتجة، ومن ثم غير مقبولة، وإذ كانت الدعوى الدستورية تستقل بموضوعها عن الدعوى الموضوعية باعتبار ان اولاهما تستهدف الفصل في التعارض المدعى به بين نص تشريعي وحكم الدستور، بينما تتناول الثانية الحقوق المدعى بها المتنازع عليها او الطلبات الموضوعية، إلا ان هاتين الدعويين بينهما صلة لا تنفصم، من جهة ان الفصل في الدعوى الأخيرة يتوقف حكما على الفصل في الدعوى الأولى، ولازم هذه الصلة الحتمية بين الدعويين الدستورية والموضوعية، ان يكون قضاء المحكمة الدستورية في أولهما متعلقا ومرتبطا بالنزاع الموضوعي في ثانيهما، ومن المقرر كذلك عدم كفاية المصلحة النظرية التي تستهدف الطعن في النصوص التشريعية ابتغاء إبطالها إبطالا مجردا، باعتبار ان هذه المصلحة لا يجوز الارتكان عليها لقبول الدعوى الدستورية (حكم المحكمة الدستورية في الدعوى رقم 15 لسنة 2012 دستوري - جلسة 25/11/2013) ولما كان هذا، وإذ كان النص التشريعي محل الدفع بعدم الدستورية الماثل لا يتصل اتصال قرار بالمنازعة الموضوعية المطروحة على هذه المحكمة، بحسب انه يتعلق باستثناء بعض الأثمان مقابل الخدمات والسلع التي تقدمها الهيئات والمؤسسات العامة ذات الميزانية المستقلة من ان تكون زيادتها بقانون، وأن موضوع المنازعة الماثلة يتعلق بما قرره مجلس الوزراء في شأن مقترح لجنة دراسة مختلف انواع الدعوم التي تقدمها الدولة بخصوص اسعار البنزين، فمن ثم فإ الفصل في مدى دستورية النص المشار إليه لن يكون له اثر او انعكاس على النزاع الموضوعي الماثل، مما يضحى معه هذا الدفع فاقدا مقومات جديته المتطلبة قانونا لاستقامته على سوقه ويتعين معه القضاء برفضه.
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري، بمقولة ان الطلبات في الدعوى الماثلة تنصب على توصية صادرة من مجلس الوزراء، وبالتالي يكون الحكم المستأنف قد شابه الخطأ في تكييف الطلبات، وردا على هذا فإن المحكمة تشاطر محكمة اول درجة فيما قضت به من رفض هذا الدفع وتضيف دعما وتعضيدا لما ركنت إليه محكمة اول درجة من اسباب في هذا الشأن، ان هذا الدفع مردود عليه أولا: بأن الدستور الكويتي ينص على انه: المادة 52 السلطة التنفيذية يتولاها الامير ومجلس الوزراء والوزراء على النحو المبين بالدستور، المادة 123 يهيمن مجلس الوزراء على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية، المادة 128 مداولات مجلس الوزراء سرية، وتصدر قراراته بحضور اغلبية اعضائه، وبموافقة اغلبية الحاضرين، وعند تساوي الاصوات يرجح الجانب الذي فيه الرئيس، وتلتزم الأقلية برأي الأغلبية ما لم تستقل، وترفع قرارات المجلس إلى الأمير للتصديق عليها في الأحوال التي تقتضي صدور مرسوم في شأنها، ومفاد هذه النصوص ان مجلس الوزراء ينعقد له الاختصاص برسم السياسة العامة للحكومة - ممثلة في رئيس مجلس الوزراء، والوزراء - ويتابع تنفيذها، كما يشرف على سير العمل في مختلف الإدارات الحكومية في الدولة، ويلتزم كل وزير في إدارته لوزارته بتنفيذ هذه السياسة، وأن ما يصدر عن مجلس الوزراء وفقا للآلية التي رسمها له الدستور بمثابة قرارات منها ما يعد نافذا بمجرد صدوره ومنها ما يتطلب تصديقا من الامير حال تطلب صدوره بمرسوم، وذلك بالإضافة لما يصدره من توجيهات او توصيات اخرى، ومردود عليه ثانيا: بأنه لما كان القرار الإداري هو إفصاح الجهة الإدارية عن إرادتها الملزمة في الشكل الذي يتطلبه القانون بما لها من سلطة مستمدة من القوانين واللوائح بقصد إحداث اثر قانوني يكون ممكنا وجائزا، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة، وأن المقرر في مجال التكييف القانوني للدعوى ولطلبات الخصوم فيها امر يستلزمه انزال حكم القانون الصحيح على واقع المنازعة، ويخضع بهذه المثابة لرقابة القضاء الذي ينبغي عليه في هذا السبيل ان يتقصى طلبات الخصوم ويمحصها ويستجلي مراميها بما يتفق والنية الحقيقية من وراء إبدائها دون الوقوف عند ظاهر المعنى الحرفي لها او بتكييف الخصوم لها، ويتقيد في هذا التكييف بحكم القانون فحسب وليس بما يزعمه الخصوم من اسانيد لطلباتهم، فإذ كان للخصوم تحديد طلباتهم بالعبارات التي يصوغونها وفقا لما يرونه محققا لمصلحة كل منهم ويختارون لهذه الطلبات السند القانوني الذي يرونه ارجح في قبول القضاء لهم موضوعيا بهذه الطلبات، فإن تحديد هذه الطلبات وتكييف حقيقة طبيعتها القانونية أمر مرجعه الى محكمة الموضوع اذ عليها ان تتعمق فيما يحدده الخصوم في المنازعة الادارية من طلبات واسانيد قانونية لتصل المحكمة الى التكييف الصحيح لحقيقة هذه الطلبات وتنزل عليها الحكم القانوني غير مقيدة بما اورده الخصم من عبارات او الفاظ لا تتحقق من خلال معناها الظاهر حقيقة نواياه وغاياته من المنازعات الادارية ومقاصده منها اذ من المسلمات ان العبرة بالمقاصد والمعاني وليس بالالفاظ والمباني والعبرة بفحوى القرار الاداري ومعناه لا بصيغته ومبناه.
حكم المحكمة الادارية العليا في الطعن رقم 7453 لسنة 47 ق - ع - جلسة 21/1/2006
ولما كان هذا واذ كان الثابت من الاوراق ان المستأنف ضدهم يستهدفون من دعواهم الصادر فيها الحكم المستأنف وفقا لمرادهم ومقصودهم الحقيقي من اقامتها الحكم بوقف تنفيذ والغاء القرار الصادر من مجلس الوزراء في اجتماعه 32 لسنة 2016 المنعقد بتاريخ 1/8/2016 في شان الموافقة على المقترح المقدم اليه من لجنة اعادة دراسة مختلف انواع الدعوم التي تقدمها الدولة وذلك لخصوص تحديد اسعار البنزين على الوجه المبين بكتاب امين عام مجلس الوزراء المؤرخ 4/8/2016 وهذا القرار الصادر عن مجلس الوزراء قد توافرت فيه مقومات واركان القرار الاداري بفحواه ومعناه من حيث الشكل والاختصاص والسبب والمحل والغاية واذ خلص الحكم المستأنف الى هذا التكييف فانه يكون منه استخلاص سائغ قانونا مما يتعين معه تأييده، ويضحي النعي عليه من هذا الوجه في غير محله جديرا بالالتفات عنه دون الاشارة الى هذا في منطوق الحكم ولا ينال من هذا ما جاء في حكم محكمة التمييز في الطعن رقم 98 لسنة 2007 اداري - الصادر في جلسة 4/5/2010 الذي ركنت اليه الجهة الادارية في هذا الدفع بان ما يصدر عن مجلس الوزراء من قرارات هي في حقيقتها توجيهات تخاطب الوزراء كل في حدود اختصاصه لاصدار ما يلزم من قرارات لتنفيذها والعمل بمقتضاها ومن ثم لا ترتب هذه تلقائيا اثارا قانونية مباشرة في مراكز الافراد كي يسوغ اعتبارها قرارات ادارية بالمعنى الصحيح للقرار الاداري وانما يلزم لتطبيقها صدور قرارات ادارية او تصرفات قانونية اخرى من الوزراء المختصين ترتيب الاثار القانونية المباشرة في حق الافراد ومراكز القانونية بحسب ان هذا مردود عليه بالاضافة الى ما تقدم بان ما قضت به محكمة التمييز في الطعن المشار اليه كان يتعلق بالمسألة المطروحة عليها بذاتها وفقا لطبيعتها القانونية وآلية اتخاذ قرار في شانها وذلك دون غيرها وبالتالي فانه يدور وجودا وعدما في فلكها دون ان يجاوز اطرها وحدودها بمده او اعمال حكمه على مسائل اخرى تختلف في وقائعها وظروفها عن تلك المسألة وخاصة المسألة الماثلة التي جاءت طبيعتها القانونية من الوضوح والبيان اتفاقا مع صراحة النصوص الدستورية سالفة البيان واصدر مجلس الوزراء قراره الطعين في شانها وكان هذا القرار متصفا بالنهائية والنفاذ بذاته وكل ما قام به وزير النفط او مؤسسة البترول الكويتية اتخاذ اجراءات تنفيذ هذا القرار وتطبيقه على الواقع حتى يترتب اثاره القانونية التي ابتغاها مجلس الوزراء من اصداره.
وحيث انه عن الدفع بعدم قبول الدعوى كذلك لانتفاء القرار الاداري بمقولة ان مجلس الوزراء اصدر توصية فيما عرض عليه في شان اسعار البنزين وان الزيادة التي طرأت على اسعار البنزين صادرة عن مؤسسة البترول الكويتية ولما كانت هذه المؤسسة مؤسسة تقوم بتسويق البنزين وفقا للاسس التجارية فان ما صدر عنها في شان البنزين يكون في اطار الملكية الخاصة وليس قرار اداري مما كان يتعين معه على محكمة اول درجة ان تقضي بعدم قبول الدعوى فان هذا الدفع مردود عليه بما سلف بيانه في الرد على الدفع السابق بان ما تم في شان زيادة اسعار البنزين هو ما قرره مجلس الوزراء بقراره الطعين وهذا الذي طبق في الواقع واثر في المراكز القانونية للمخاطبين به وان كل من وزير النفط والمؤسسة المذكورة قد اقتصر اختصاصهما على اتخاذ اجراءات تنفيذ ما قرره مجلس الوزراء ومن ثم يكون هذا الدفع فاقدا لسنده القانوني الصحيح متعينا رفضه اكتفاء بهذا كذلك في الاسباب دون بيانه في المنطوق.
وحيث انه عن الموضوع في الاستئنافين بغض النظر عما قضي به الحكم المستأنف في الاستئناف الثاني بعدم جواز نظرها لسابقة الفصل فيها بالحكم المطعون عليه بالاستئناف الاول وبحسب ان التطرق للموضوع يغني عن بحث هذا القضاء فان المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 1980 بانشاء مؤسسة البترول الكويتية تنص مواده المتعلقة بالمنازعة الماثلة على ان:
المادة 1: تنشأ مؤسسة عامة ذات طابع اقتصادي، ويكون لها شخصية اعتبارية مستقلة تسمى مؤسسة البترول الكويتية ويشرف عليها وزير النفط.
المادة 3: أغراض المؤسسة هي القيام بكل الاعمال المتعلقة بصناعات البترول والمواد الهيدروكربونية بصفة عامة في كل مراحلها، وبالصناعات المتفرعة من هذه الصناعات او المرتبطة او المتعلقة او المكملة لها في الكويت والخارج، ويدخل في ذلك على الاخص ما يلي:
نقل وتوزيع وتسويق النفط الخام والغاز الطبيعي والغاز المسيل وسائر المواد الهيدروكربونية الاخرى ومشتقاتها ومستخرجاتها المصنعة والمتاجرة في جميع هذه المواد...
المادة 4: تتولى المؤسسة تسويق النفط الخام والغاز العائد للدولة وذلك وفق الاسس المالية التي يقترحها وزير النفط ويوافق عليها المجلس الاعلى للبترول ويصدر بها مرسوم.
كما تتولى تسويق المنتجات البترولية المكررة والغاز المسيل والمنتجات البتروكيماوية.
المادة 20: تعتبر اموال المؤسسة من الاموال المملوكة للدولة ملكية خاصة، ما لم يكن المال مخصصا للنفع العام.
وحيث انه من المسلم به ـ كأصل عام في مجال تفسير النصوص التشريعية ـ انه وان كان لكل نص مضمون مستقل الا ان ذلك لا يعزله عن باقي النصوص الاخرى، بل يتعين ان يكون تفسيره متساندا معها، وذلك بفهم مدلوله على نحو يقيم بينها التوافق، وينأى بها عن التعارض، وبالنظر اليها بوصفها وحدة واحدة، متآلفة فيما بينها، متجانسة معانيها، متضافرة مراميها، يكمل بعضها بعضا بما لا ينفك معها متطلبات تطبيقا او يحيد بها عن الغاية المقصودة منها، فالنصوص لا تفهم معزولة بعضها عن بعض، انما تتأتى دلالة اي منها في ضوء ما تفيده النصوص الاخرى من معان شاملة، ومن المقرر انه اذا كان الاصل في تفسير النصوص وتفهم مدلولها ان تحمل على ما يقضي به الاصطلاح والعرف القانونيان، واذا اختلف النصان في الحكم والسبب يعمل بكل منهما في مجاله، كما انه من اصول التفسير ايضا ألا تحمل النصوص على غير مقاصدها وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها او يؤول الى الالتواء بها عن سياقها.
(قرار المحكمة الدستورية بجلسة 9/10/2006 في طلب التفسير رقم 8 لسنة 2004، وقرارها بجلسة 20/10/2011 في طلب التفسير رقم 10 لسنة 2011).
وانه اذا كان مقتضى تفسير النصوص التشريعية، تحري القصد التشريعي منها والنزول من ظاهرها الى مكنوناتها، بغية التعرف على فحواها الحقيقي، فإن تلك النصوص لا تفسر بمعزل عما ورد في مذكرتها التحضيرية الممهدة لسنها او اقرارها من السلطة التشريعية او المعاصرة لاعدادها، التي تلقي بظلالها على احكامها عند اعمالها بعد صدورها، مستهديا بما يستخلص منها من ادراك للتوجهات العامة التي توضح مقاصد النصوص من ايرادها والسياسة العامة التي اريد بها تحقيقها.
كما انه من المستقر عليه ان القاضي مطالب اساسا بالرجوع الى نص القانون ذاته واعماله على واقعة الدعوى في حدود عباراته، فاذا كانت واضحة الدلالة، فلا يجوز الاخذ بما يخالفها، لما في ذلك من استحداث لحكم مغاير لمراد المشرع عن طريق التأويل الذي يكون في غير محله.
وحيث ان مفاد ما تقدم من نصوص المرسوم بقانون بإنشاء مؤسسة البترول الكويتية رقم 6 لسنة 1980، في ضوء مذكرته الايضاحية، انه نظرا لأن الثروة النفطية في البلاد هي عماد هذا الوطن ومصدر قوته، ولما حققته صناعة النفط الكويتية من تطور، فإن انسب السبل لتدعيم هذه الصناعة هو انشاء مؤسسة واحدة تملك جميع الشركات العاملة في الصناعة البترولية، فكان انشاء مؤسسة البترول الكويتية بالمرسوم بقانون المشار اليه، على ان تكون ذات طابع اقتصادي، بمعنى ان تدار على اسس تجارية وتأخذ في الحسبان العوامل الاقتصادية البعيدة المدى بما في ذلك تطوير الصناعة والكفاءات الكويتية، وتشمل اغراضها جميع الاعمال المتعلقة بصناعة البترول من الاستكشاف والحفر وانتاج النفط والغاز الى النقل والتكرير والتسويق، ويدخل ضمن اغراضها تسويق النفط الخام والغاز العائد للدولة، وفقا للاسس المالية التي يقترحها وزير النفط ويوافق عليها المجلس الاعلى للبترول ويصدر بها مرسوم، والمقصود بذلك ان تحدد الدولة للمؤسسة السعر الذي تحاسب على أساسه نتيجة بيعها النفط الخام، وكذلك الغاز للاغراض المختلفة تاركة للمؤسسة هامش ربح معقول مقابل قيامها بعملية التسويق وبما يتناسب مع الجهد الذي تبذله في هذا الصدد، كما تتولى المؤسسة كذلك تسويق المنتجات البترولية المكررة والغاز المسيل والمنتجات البتروكيماوية، كما ان اموال المؤسسة ليست كلها اموالا عامة مخصصة لخدمة المرافق العامة واشباع الحاجات المباشرة للمواطنين، وانما منها الاموال التي تملكها الدولة ملكية خاصة وتخصصها للاستثمار الاقتصادي ومنها اموال المؤسسة، وذلك بحكم طبيعة نشاطها الاقتصادي والغرض من انشائها، كما ان صفة التاجر تثبت لها في علاقتها بالغير ليحقق لها اكبر قدر من المرونة في ممارسة نشاطها ومعاملاتها مع الغير في الداخل والخارج ومع الحرص في الوقت ذاته على ان تلحق صفة المال العام ما يكون من اموال المؤسسة مخصصا للمنفعة العامة، على انه اي كانت طبيعة اموال المؤسسة فإنها من اموال الدولة ولها امتياز على اموال مدينها ويتم تحصيلها بذات الطرق المقررة لتحصيل اموال الدولة.
وحيث انه لما كان ما تقدم، واذ كان الثابت في الاوراق ان مجلس الوزراء وفقا لما عهد اليه الدستور برسم السياسة العامة للحكومة ومتابعة تنفيذها، والاشراف على وزارات الدولة المختلفة وسير العمل في الادارات الحكومية، والمحافظة على الثروة الطبيعية للبلاد وحسن استغلالها، بمراعاة مقتضيات امن الدولة، واقتصادها الوطني، قد اطلع في اجتماعه رقم 32/2016 المؤرخ في 1/8/2016 على مقترح لجنة الشؤون الاقتصادية، وما تضمنه تقرير لجنة اعادة دراسة مختلف انواع الدعوم التي تقدمها الدولة، وذلك في شأن اسعار البنزين المقترحة، في ضوء المبادئ العامة لإصلاح دعم البنزين المقترح على أساس التدرج برفع الأسعار، وآلية حساب أسعار البنزين، والمقترح لهذه الأسعار، وبناء على استشراف أسعار النفط العالمية تقريبا (50 دولارا للبرميل)، مع إبقاء دعم جزئي على أسعار البنزين (91 و95) ومراجعة الأسعار دوريا باتجاه الاستمرار في ترشيد الدعم تدريجيا خلال الثلاث سنوات المقبلة، كما استعرض أسعار الجازولين في دول مجلس التعاون مقارنة مع أسعار دولة الكويت الحالية والمقترحة، وقرر الموافقة على المقترح المقدم من لجنة إعادة دراسة مختلف أنواع الدعوم التي تقدمها الدولة، في شأن تحديد أسعار البنزين، بحيث تكون الأسعار (البنزين الممتاز 91 بسعر 85 فلسا لليتر ـ البنزين الخصوصي 95 بسعر 105 فلوس لليتر ـ البنزين الترا 98 بسعر 165 فلسا لليتر) وذلك على أساس ربط سعر البنزين الترا 98 بأسعار النفط العالمية فيكون غير مدعوم، واضافة هامش ربح بنسبة 15% مع مراعاة مراجعة الأسعار كل ثلاثة اشهر على ضوء أسعار النفط العالمية، مع تكليف نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير النفط بالوكالة باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ ما قرره المجلس، على ان يعمل بهذا القرار بداية من 1/9/2016 ونفاذا لهذا قام وزير النفط بإبلاغ هذا القرار مؤسسة البترول الكويتية التي عهد لها القانون بتسويق المنتجات البترولية ومنها البنزين، فكلفت الشركات التابعة لها بإخطار محطات الوقود بما قرره مجلس الوزراء، وقد طبق على الواقع قرار الزيادة من التاريخ الذي حدده هذا المجلس وهو 1/9/2016.
ومتى كان الحال كذلك فإن ما قرره مجلس الوزراء في شأن زيادة أسعار البنزين وتخفيض الدعم عنه تمهيدا لرفعه جزئيا ليس متعلقا بضريبة أو رسم أو ثمن لسلعة البنزين، وبالتالي يكون قد تم وفقا لاختصاصات المجلس التي حددها الدستور بصفته نائبا عن الدولة في استغلال ثرواتها الطبيعة على الوجه المبين بالدستور ـ مما معه يكون قراره المطعون فيه الصادر في هذا الشأن متفقا مع أحكام الدستور والقانون ومتدثرا برداء المشروعية، ويكون الطعن عليه قد بُني على غير أساس من حكم القانون، مما يتعين معه القضاء مجددا برفض الدعويين الصادر فيهما الحكمان المطعون فيهما بهذين الاستئنافين.
وحيث انه لا ينال مما تقدم القول بأن القرار المطعون فيه صدر مخالفا لنص المادة 4 من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 1980 بإنشاء مؤسسة البترول الكويتية، ركونا على ان هذا النص يستلزم ان تكون زيادة أسعار البنزين بموافقة المجلس الأعلى للبترول ويصدر بها مرسوم، لأن هذا القول مردود عليه أولا: بأنه يتعارض مع صراحة نص هذه المادة الذي جاء من الوضوح والبيان، ودون غموض أو إبهام، بأنه قد فرق بين أمرين، أولهما: اختصاص مؤسسة البترول الكويتية بتسويق النفط الخام والغاز العائد للدولة، فاشترط المشرع في الفقرة الأولى من نص هذه المادة ان يكون التسويق طبقا للأسس المالية التي يقترحها وزير النفط، ويوافق عليها المجلس الأعلى للبترول ويصدر بها مرسوم، وثانيهما: اختصاص المؤسسة بتسويق المنتجات البترولية المكررة والغاز المسيل والمنتجات البتروكيماوية، ومنها بلا شك البنزين ـ بحسب انه علميا سائل طيار سريع الاشتعال ينتج عن تقطير البترول ويستعمل وقودا لتشغيل المحركات وهو مذيب جيد للزيوت والدهون وأقل كثافة من الكيروسين ـ فتتولى المؤسسة تسويقه دون العرض على المجلس الأعلى للبترول وموافقته أو صدور مرسوم بذلك، وطالما ان النص المشار اليه جاء صريحا على هذا الوجه، فإن المحكمة مطالبة أساسا بالرجوع الى هذا النص ذاته واعماله على واقعة الدعوى في حدود عباراته، فإذا كانت واضحة الدلالة فلا يجوز الأخذ بما يخالفها، لما في ذلك من استحداث لحكم مغاير لمراد المشرع عن طريق التأويل الذي يكون في غير محله، ومردود عليه ثانيا: بأن تطبيق النص وفقا لما خلصت اليه هذه المحكمة هو الذي يتفق مع بقية نصوص المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 1980 المشار اليه، بحسب انها تكمل بعضها بعضا وتمثل وحدة قانونية متكاملة، ولا يفسر أي نص منها بمعزل عن النصوص الأخرى، ومردود عليه ثالثا: بأنه مع صراحة النص ووضوح بيانه ومكنونه والهدف الذي أريد تحقيقه من إصداره، فلا عبرة بالظن بأنه يكمن معنى آخر خلاف الظاهر بحسب ان هذا الظن قد استبان خطؤه، ومردود عليه ثالثا: بأنه على فرض ان ثمة اختلافا في الرؤى حول تفسير نص تلك الفقرة، فإنه يتعين ان يكون تفسيرها استهداء بما يستخلص منها في ضوء التوجهات العامة التي توضح مقاصد المشرع من إيرادها والسياسة العامة التي أريد تحقيقها بها، وهذا الأمر لا ريب فيه جاء جليا واضحا لا لبس فيه بحيث يكون لمؤسسة البترول الكويتية قدر من المرونة والحرية في تسويق المنتجات البترولية المتكررة، ومنها البنزين، دون العرض على المجلس الأعلى للبترول وأخذ موافقته أو صدور مرسوم بذلك.
وحيث ان الحكمين المستأنفين قد سلكا مسلكا خلاف ما تقدم، فإن كل منهما يكون قد حاد عن التطبيق الصحيح لأحكام القانون متعينا الغاءهما، والقضاء مجددا بقبول الدعويين شكلا، ورفضهما موضوعا والزام الخاسر في كل استئناف المصروفات، وذلك عملا بأحكام قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولا: برفض الدفع بعدم دستورية المادة 2 من القانون رقم 79 لسنة 1995 في شأن الرسوم والتكاليف المالية مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة.
ثانيا: بقبول الاستئنافين شكلا، وبإلغاء الحكمين المستأنفين، وبقبول الدعويين شكلا ورفضهما موضوعا، وألزمت المستأنف ضدهم في الاستئناف الأول، والمستأنف في الاستئناف الثاني المصروفات ومبلغ عشرين دينارا مقابل أتعاب المحاماة.