أجمع عدد من المشاركين في ندوة «الجزر الكويتية ومدينة الحرير بين الحلم والواقع» على احترام الصين لإرادة شعوب المنطقة ورغبتها في التنمية والإصلاح وحرصها على توفير الدعم الملائم لها لإيجاد حلول تنموية تتفق مع الظروف الخاصة لكل دولة، لافتين إلى أن مبادرة «الحزام الطريق» التي طرحها الرئيس الصيني في العام 2013 ستسهم في بناء مجتمع المصير المشترك بين الصين والدول العربية.
وأوضحوا أن الشراكة في بناء «الحزام والطريق» ستضخ قوة دافعة جديدة تسهم بشكل مباشر في تعميق التعاون الاقتصادي الصيني ـ العربي، مستعرضين أهمية المناطق الصناعية الخاصة في نمو وازدهار الاقتصاد الصيني، لافتين إلى أن مفتاح نجاح المناطق الاقتصادية الخاصة يكمن في التخطيط الصناعي وازدهار الصناعات وتعزيز الخدمات اللوجيستية التي تعتبر من ابرز عوامل جذب السكان.
وتطرقوا إلى أهمية مبادرة «الحزام والطريق» بالنسبة للدول العربية، مشددين على أن الحزام والطريق ليس حلبة سباق بين الصين وأميركا باعتبارهما أكبر اقتصاديات العالم، إنما ساحة واسعة لاستكشاف نمط جديد من العلاقات بين الدول الكبرى، نمط يمكن تلخيصه بعبارة «وحدة مصيرية مشتركة» ولذلك فلن تعني مشاركة العرب في مبادرة الحزام والطريق التضحية بعلاقاتهم مع أي دولة في العالم، وفيما يلي آراء عدد من كبار المشاركين في الندوة:
«الحزام الطريق» يسهم في بناء مجتمع المصير المشترك بين الصين والدول العربيةسعادة السفير وو سي كه ـ مبعوث الصين الخاص لقضية الشرق الأوسط السابق
تتأثر التنمية العالمية في الوقت الحالي بسلسلة من عوامل غامضة، ولكن هناك نقطة مؤكدة أن علاقات الصداقة والتعاون بين الصين والدول العربية ستتطور باستمرار مهما تغير الوضع الدولي، وسيرتفع مستوى التعاون الذي تسوده المنفعة المتبادلة بين الجانبين باستمرار.
1 ـ ظلت الصين تنظر إلى علاقاتها مع الدول العربية بالنظرة الإستراتيجية، وإن توطيد وتعميق علاقات التعاون والصداقة التقليدية مع الدول العربية باستمرار يعتبر السياسة الخارجية الثابتة للصين.
منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، شهدت علاقات الصداقة والتعاون بين الصين والدول العربية تطورا وتجاوزا تاريخيا من حيث البعد والعمق، وأصبحت هذه العلاقات نموذجا للتعاون الجنوبي ـ الجنوبي.
في العام 2004، تأسس منتدى التعاون الصيني ـ العربي، وتم الارتقاء بالعلاقات الصينية ـ العربية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تهدف إلى «التعاون الشامل والتنمية المشتركة»، قد أصبح منتدى التعاون الصيني ـ العربي منصة مهمة للحوار الجماعي والتعاون العملي بين الصين والدول العربية على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة، الأمر الذي يقدم دعما قويا للتطور الدائم للعلاقات الصينية - العربية.
في السنوات الأخيرة، تنتشر الأفكار ضد العولمة والشعبوية في بعض الدول الغربية، الأمر الذي ترك تأثيرا سلبيا على حكم العالم والتنمية المشتركة للبشر، لكن التضامن بين الدول والتنمية السلمية والكسب المشترك هي ما زالت الرغبة المشتركة للمجتمع الدولي وشعوب العالم. إن الصين تدعو إلى بناء العلاقات الدولية الجديدة التي تتركز على التعاون والكسب المشترك، وهذا يتفق مع سعي الدول العربية إلى التنمية والتحول الاقتصادي.
إن الصين كصديق عزيز للشعوب العربية، تؤكد بوضوح وتلتزم باحترام إرادة الشعوب العربية واختيارها، ودائما تتخذ حفظ استقرار المنطقة وحماية المصالح الأساسية البعيدة المدى للشعوب العربية وصيانة علاقات الصداقة بين الشعب الصيني والشعوب العربية كأساس لوضع سياستها تجاه المنطقة.
ويمكن تلخيص الموقف الصيني تجاه التغيرات الكبيرة التي شهدتها منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا في السنوات الـ 6 الماضية بما يلي:
أولا: تحترم الصين إرادة شعوب المنطقة ورغبتها في التنمية والإصلاح، وتدعم هذه الدول لإيجاد طريق تنموي يتفق مع ظروفها الخاصة بإرادتها المستقلة.
ثانيا: تدعو الصين دول المنطقة والمجتمع الدولي لتسوية الخلافات عبر الحوار السياسي بشكل سلمي وشامل.
ثالثا: تدعو الصين المجتمع الدولي إلى التمسك بمقاصد ميثاق الأمم المتحدة، وتحترم سيادة دول المنطقة واستقلالها وسلامة أراضيها.
رابعا: تؤكد الصين أن المجتمع الدولي يجب عليه أن يولي اهتماما بالغا لقضية فلسطين، ويبذل جهودا دؤوبة لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط.
2 ـ التشارك في بناء «الحزام والطريق» سيضخ قوة دافعة جديدة إلى تعميق التعاون الصيني العربي. دخل الاقتصاد الصيني مرحلة «الحالة الطبيعية الجديدة»، أي مرحلة التنمية المستدامة بسرعة متوسطة أو عالية نسبيا، بعد النمو السريع للسنوات الـ 20 الأخيرة منذ انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح. وصل حجم الناتج المحلي الإجمالي للصين في العام 2016 إلى 11 تريليون دولار بزيادة 6.7%، ونسبة المساهمة في الاقتصاد العالمي وصلت إلى 33.2%.
في المستقبل، سيتميز الاقتصاد الصيني بخصائص «الابتكار والتنمية الخضراء والانفتاح والاستفادة المشتركة»، وان مبادرة «الحزام والطريق» قد رسمت خريطة الطريق للتعاون العملي وتحقيق الكسب المشترك مع الدول على طول «الحزام والطريق».
أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال لقائه مع وفد مجلس التعاون الخليجي الذي ترأسه النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد في يناير من العام 2014، أن الدول العربية التي تقع في الملتقى الغربي لـ «الحزام والطريق»، هي شريك طبيعي ومهم للتعاون مع الصين، إن الصين تعلق أهمية كبيرة على التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي في البناء المشترك لـ «الحزام والطريق». وفي الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي التي انعقدت في بكين في يونيو من العام 2014، طرح الرئيس شي بعض المبادرات لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين الصين والدول العربية، وتشمل هذه المبادرات التعاون في المجالات التقليدية مثل الطاقة والبنية التحتية وتقديم التسهيلات التجارية والاستثمارية، والمجالات الجديدة والحديثة مثل الطاقة النووية والأقمار الفضائية والطاقة الجديدة، وذلك من أجل الارتقاء بالتعاون العملي بين الصين والدول العربية إلى مستوى جديد.
3 ـ إن الكويت عضو مهم في الأسرة العربية الكبيرة، وتضرب جذور الصداقة بين الصين والكويت في أعماق التاريخ. إن الكويت أول دولة عربية خليجية أقامت العلاقات الديبلوماسية مع الصين، وتتطور العلاقات الصينية الكويتية بشكل سلس على مدى مرور 46 عاما على إقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، تتوطد الثقة السياسية المتبادلة، وظل الجانبان يتبادلان التفهم والدعم في القضايا المتعلقة بالهموم الرئيسية. حقق التعاون العملي بين البلدين إنجازات مثمرة في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والبنية التحتية وغيرها، ويتكثف تبادل الجانبين في مجالات الثقافة والتعليم والرياضة والصحة باستمرار.
إن الكويت سادس أكبر شريك تجاري للصين في الدول العربية، وبلغ حجم التجارة بين البلدين في العام 2016 نحو 9.37 مليارات دولار، ووصلت الصادرات النفطية الكويتية إلى الصين 16.34 مليون طن.
إن الكويت أول دولة وقعت مع الصين على وثيقة التعاون بشأن التشارك في بناء «الحزام والطريق»، وهذه الوثيقة أي مذكرة التفاهم حول دفع «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير» و«مدينة الحرير»، التي تم التوقيع عليها بين لجنة الدولة للتنمية والإصلاح للصين والمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية للكويت، تتحلى بأهمية كبيرة لتعزيز تعاون البلدين وفتح أفق أوسع للتعاون الصيني الكويتي في المستقبل. تعيش كل من الصين والكويت مرحلة حاسمة للإصلاح والتنمية، وتربط بين البلدين الطموحات المشتركة والمسؤوليات المشتركة بشكل وثيق. ومهما تغير الوضع الدولي، يظل الشعب الصيني يشارك الشعب الكويتي والشعوب العربية في مصير واحد، وتظل الصين صديقا حميما وأخا عزيزا للكويت والدول العربية الأخرى.
ماذا تعني مبادرة الحزام والطريق الصينية بالنسبة للعرب؟بقلم: شوي تشينغ قويه - أستاذ الدراسات العربية - جامعة الدراسات الأجنبية ببكين
لا شك أن المرحلة الحالية التي يمر بها العالم العربي هي مرحلة صعبة للغاية، بل يرى بعض المراقبين، وأنا منهم، أن المأساة التي يعيشها اليوم العالم العربي إجمالا، ليست مأساة سياسية واجتماعية وأمنية فقط، بل هي مأساة حضارية بامتياز، يتجلى ذلك في واقع مؤلم ذي دلالة رمزية هامة، إذ ان عواصم العصور العربية الباهرة عبر مراحلها التاريخية، وهي دمشق عاصمة العصر الأموي، وبغداد عاصمة العصر العباسي، والقاهرة عاصمة الدولة الفاطمية، كلها تمر، وإن بدرجات متفاوتة، بأصعب وأخطر أوقاتها منذ عقود بل قرون من الزمن، ذلك إضافة إلى أن اليمن وليبيا والصومال تكتوي بنيران الحرب الأهلية والطائفية، والشعب الفلسطيني لايزال يرزح تحت نير الاحتلال والاستيطان.
هكذا، يغلب على صورة العالم العربي اللون القاتم، وإن لم تخل سماؤه من تألقات تتجسد في مظاهر الأمن والاستقرار والرخاء التي تنعم بها بعض الدول العربية، وخاصة دول الخليج ومنها الكويت. والسؤال المطروح هنا: إلى أين تتجه الأمة العربية؟ أو أين المخرج؟
في هذا السياق، تكتسب المبادرة الصينية لبناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين (أي مبادرة الحزام والطريق) أهميتها بالنسبة للعرب، لأنها تطرح كتصور بديل لحل المشاكل في الشرق الأوسط، تصور يتركز على التنمية والبناء من الناحية المادية، وعلى السلام والتعاون والكسب المشترك من الناحية المعنوية.
ماديا، تعني هذه المبادرة التي طرحها الرئيس الصيني شي جينبينغ لأول مرة في عام 2013، مشاريع تنموية هائلة ومتنوعة تشارك فيها أكثر من 60 دولة على طول «الحزام والطريق» بما فيها معظم الدول العربية، مشاريع تتعلق بشق الطرق ومد سكك الحديد، وبناء المنشآت الأساسية لضمان سلاسة الشحن البري والبحري والجوي، والممرات العابرة للحدود للطاقة الكهربائية، إضافة إلى توصيل كابلات شبكات الاتصال التي تسمى مجازا بـ «طريق الحرير المعلوماتي»، وإنشاء مناطق التجارة الحرة لتنشيط التجارة، وتنمية الأعمال التجارية الإلكترونية العابرة للحدود، والتعاون في تطوير الطاقات النظيفة والمتجددة، وفي الحفاظ على التنوع البيولوجي ومواجهة التغير المناخي لبناء «طريق الحرير الأخضر»... لا شك أن هذه المشاريع التنموية الكثيرة، إذا تحولت من الورق إلى الواقع، ستحسن مرافق البنية التحتية وترفع القدرة الإنتاجية والتصنيعية للدول العربية إلى حد كبير، مما يساهم في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة وتحسين معيشة الشعب في هذه الدول.
إلا أن المغزى الأكبر للمبادرة الصينية بالنسبة للعرب، في رأيي، يتجلى في الناحية غير المادية. صحيح أن الشرق الأوسط يشهد اليوم اضطرابات خطيرة وحروبا طاحنة، مما يشكل تحديات كبيرة لتنفيذ مبادرة الحزام والطريق، ولكنه في الوقت نفسه يعطي هذه المبادرة قيمة أكبر، ذلك لأنها تتيح لبلدان المنطقة الفرصة لتكوين وحدة مصيرية مشتركة، تربط بينها مصالح تنموية تشاركية، مثل شبكات المواصلات الحديثة، ومناطق التجارة الحرة، وأنابيب النفط والغاز، وقنوات كبرى لنقل المياه إلخ، فتجد في التعاون والتناسق بينها فوائد أكبر بكثير من التنابذ والتصارع، الأمر الذي قد يجبر صناع القرار في المنطقة على إعادة النظر في سياساتها، حتى يحل مبدأ الكسب المشترك محل المعادلة الصفرية وعقلية الغالب والمغلوب.
من هنا يمكن أن تقدم المبادرة الصينية تصورا جديدا لحل النزاعات. ولا شك أنه ليس من السهل لبلدان المنطقة المتنازعة قبول هذا التصور على المدى القريب، ولكن، في اعتقادي، أن عددا متزايدا من الناس وخاصة النخبة الثقافية والسياسية ستدرك، عاجلا أم آجلا، عواقب الصراعات المزمنة التي لن تؤدي إلا إلى طريق مسدود، وإلى دوامة لا تنتهي إلا باستنزاف ثروات وقدرات شعوب المنطقة جميعا. فضلا عن ذلك، إن الفرص التنموية الكثيرة التي تجلبها هذه المبادرة ستعود بفوائد على المنطقة، وتساهم في القضاء على الفقر وإزالة تربة التطرف والإرهاب.
لذلك، من المهم بمكان إحياء مبادئ السلام والتعاون والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك، التي شكلت روح طريق الحرير في العصور القديمة، لأن تكون روح مبادرة الحزام والطريق في وقتنا الحاضر. وأميل إلى القول إن هذه الروح هي أهم منتج معنوي تصدره الصين إلى الشرق الأوسط حيث يعتبر هذا المنتج سلعة نادرة، ولا تقل أهميته عن أهمية المنتجات والتكنولوجيا والرأسمال والأجهزة الصينية.
وقد يتساءل بعض الناس في منطقة الشرق الأوسط هل تعني هذه المبادرة الصينية وجوب خيار العرب بين الاصطفاف مع الصين أو مع أميركا؟ فالجواب أن هذا التساؤل إنما نابع عن سوء الفهم لطبيعة المبادرة. إن بناء الحزام والطريق، على حد قول الرئيس الصيني شي جينبينغ، «يلتزم بمبادئ التشاور والتشارك والتقاسم، إنه ليس مغلقا حصريا بل هو منفتح واحتوائي، إنه ليس عزفا منفردا للصين وحدها، بل هو عزف جماعي للدول المعنية، كما أنه مفتوح على جميع دول العالم». فليس الحزام والطريق، حسب الرؤية الصينية، حلبة سباق بين الصين وأمريكا باعتبارهما أكبر اقتصاديين في العالم، إنما ساحة واسعة لاستكشاف نمط جديد من العلاقات بين الدول الكبرى، نمط يمكن تلخيصه بعبارة «وحدة مصيرية مشتركة». وتجسيدا لهذه الرؤية، عبر الرئيس الصيني عن ترحيب الصين بالولايات المتحدة للاشتراك في التعاون في إطار بناء الحزام والطريق أثناء لقائه بنظيره الأميركي دونالد ترامب في أوائل الشهر الجاري. لذا، فلن تعني مشاركة العرب في مبادرة الحزام والطريق التضحية بعلاقاتهم مع أي دولة في العالم.
والجدير بالذكر أن المبادرة الصينية تلتقي بالرؤى التنموية التي طرحت في السنوات الأخيرة في العديد من دول الخليج، بما فيها رؤية 2035 الكويتية. لذلك نرى أن الكويت، شأنها شأن بقية الدول الخليجية، أبدت ترحيبها الحار بالمبادرة الصينية واستعدادها للتعاون مع الصين والدول المعنية لتحقيق هذا الالتقاء، وانضمت إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) كعضو مؤسس فور انطلاقها عام 2014. أما الصين، فقد عبرت بدورها عن نيتها القوية في المساهمة في بناء مشروع «مدينة الحرير» الجبار وغيره من المشاريع في إطار تعاون البلدين لتفعيل مبادرة الحزام والطريق.
هكذا، تعني مبادرة الحزام والطريق آفاقا واسعة للغاية للتعاون الصيني العربي عامة، والصيني الكويتي خاصة، في الحاضر وفي المستقبل.
المناطق الاقتصادية الخاصة في الصين
بقلم: د.ليو رونغ شين - رئيسة قسم التخطيط والتنمية الإقليمية بمعهد التنمية الشاملة
تعتبر المنطقة الاقتصادية الخاصة ركنا أساسيا من معجزة النمو الاقتصادي في الصين منذ فتحت أبوابها للعالم في السبعينيات، والتي تهدف مبدئيا إلى خلق بيئة مفضلة في القانون والضرائب المفروضة على المستثمرين الأجانب الذين قد يبحثون عن سوق أعمال جديدة لو وجدوا هناك مخاطر كبيرة للاستثمار. وهذه المقالة ستقدم بشكل أساسي نبذة عن طبيعة ونظام وتجربة المناطق الاقتصادية الخاصة للصين.
أولا: طبيعة المناطق الاقتصادية الخاصة بالصين:
1 - أنواع المناطق الخاصة
في الصين، هناك بشكل أساسي نوعان من المناطق الخاصة، النوع الأول هو المناطق الاقتصادية الخاصة، وهي منطقة داخل المناطق الجمركية في البلد، حيث يطبق النظام والسياسة الخاصة لإدارة الاقتصاد.
والنوع الثاني هو المناطق الإدارية الخاصة مثل هونغ كونغ وماكاو. وكانت هذه المناطق سابقا معاقل للنفوذ الاستعماري في شرق آسيا، وتنتهج الآن النمط الفريد للتنمية.
من اجل ضمان الاستقرار والتنمية في هونغ كونغ وماكاو بعد استرجاع سيادتهما، تم تبني سياسة «دولة واحدة ونظامان»، ما يعني ان هونغ كونغ وماكاو ستحافظان على نظامهما السياسي والاقتصادي السابق في حين ان السيادة ترجع إلى الصين. وتعتبران في العالم منطقتين جمركيتين منفصلتين واقتصادين مستقلين، تطبق فيها نظام الجمارك والتجارة المستقلين فضلا عن النظام المالي والضريبي الخاص.
2 - مميزات وعيوب للنوعين من المناطق الخاصة
المنطقة الاقتصادية الخاصة هي جزء من المناطق الجمركية في البلاد، حيث يكسب المستثمر عادة فرص الحصول على العمالة الرخيصة والسوق المحلية، أما البلد المضيف فيكسب الاستثمار الأجنبي، الذي يعتبر المحرك للتصنيع. إلى جانب ذلك، تتدفق وتتحرك رؤوس الأموال والعوامل الاقتصادية الأخرى ومجموعات من الصناعات بحرية في داخل المنطقة، ما يسهم في الحد من مخاطر السوق للمستثمرين. ورغم ذلك، لا تزال تسيطر عليها السياسات العامة الوطنية للحكومة المركزية، مع تحرير اقتصادي محدود.
أما المنطقة الإدارية الخاصة، بوصفها منطقة جمركية منفصلة، فتتمتع بدرجة عالية نسبيا من الحرية الاقتصادية ويمكنها أن تطبق نظاما جمركيا وتجاريا مستقلا، فضلا عن النظام المالي والضريبي الخاص. وعلى سبيل المثال، اعتبرت هونغ كونغ واحدة من أكثر اقتصادات العالم تحررا. ومع ذلك، إن حجمها الاقتصادي صغير نسبيا بسبب العزلة عن السوق المحلية، ومن المرجح أن تتأثر بتقلبات السوق الدولية.
3 - استراتيجية الصين
بعد الدراسة الدقيقة، أنشأت الصين عدة مناطق اقتصادية خاصة لتكون بمنزلة «النوافذ» و«الرائد» لتطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح وخدمة الإقلاع الاقتصادي للبلاد. ومن ناحية اخرى، تمت دراسة الخبرات في هونغ كونغ وماكاو بدقة، لجذب رأس المال الأجنبي الى المناطق الاقتصادية الخاصة في البر الرئيسي. على سبيل المثال، كانت المنطقة الاقتصادية الخاصة في مدينة شنتشن قرية صغيرة قبل حوالي 30 عاما، وكان حجمها الاقتصادي 2500 مرة أصغر من هونغ كونغ. واليوم، حجمها الاقتصادي يساوي تقريبا هونغ كونغ وقدرتها التنافسية للابتكار تدعم الآن الترقية الصناعية لمنطقة هونغ كونغ.
ثانيا: نظام المنطقة الاقتصادية الخاصة في الصين:
1 - الأنواع والوظائف
بناء على الوظائف المختلفة، هناك عدة أنواع من المناطق الاقتصادية الخاصة، بما في ذلك المنطقة الاقتصادية الخاصة الشاملة، منطقة التنمية الاقتصادية والتكنولوجيا، منطقة تطوير التكنولوجيا الفائقة، المنطقة الحرة الخالية من التعريفة، منطقة التجارة الحرة وغيرها.
2 - النظام التنظيمي
في المرحلة المبكرة، قام مكتب المنطقة الاقتصادية الخاصة التابع لمجلس الدولة بتنظيم المناطق الاقتصادية الخاصة، وأنشأت الحكومات المحلية لجنة المنطقة الاقتصادية الخاصة لأداء مهام الإدارة.
3 - الأداء
تلعب المناطق الاقتصادية الخاصة دورا مهما في النمو الاقتصادي للصين، وإن تأثيرها كبير جدا، حيث شكلت في عام 2015 نسبة 20% من الناتج المحلي الإجمالي و50% من الاستثمارات الأجنبية و40% من إجمالي حجم التجارة و30% من الإيرادات الضريبية. وبصفة عامة، يعتمد النمو السريع للصين على المناطق الاقتصادية الخاصة بأنواعها المختلفة بدلا من المدن القديمة.
ثالثا: تجربة المنطقة الاقتصادية الخاصة للصين:
1 - استخدام فرصة التحول الصناعي العالمي واستغلال المزايا التنافسية للبلد
تم إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة في الصين لتسخير فرصة التحول الصناعي العالمي واستغلال المزايا التنافسية للبلاد. وفي الثمانينيات من القرن الماضي، سعت الصين الى اجتذاب الصناعات المنقولة من القوى الآسيوية التي كانت حافزا لبدء الصناعات الثقيلة في الصين. وفي التسعينيات، سعت الصين لتسلم الصناعة الإلكترونية المنقولة من الخارج وتطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها والصناعة الإلكترونية الاستهلاكية.
وفي أوائل القرن الحادي والعشرين، انضمت الصين الى منظمة التجارة العالمية وشاركت في التكامل الاقتصادي الدولي، وبالتالي شهدت نموا سريعا في الاستثمار والتجارة.
والمفتاح هو الاستفادة من موقع المنطقة الساحلية ومزايا العمالة الرخيصة والوافرة، وبيئة الاستثمار المناسبة في المنطقة الاقتصادية الخاصة، التي أصبحت سبيلا مهما لجذب رؤوس الأموال الأجنبية.
2 - استحداث سياسة تشجيع الاستثمار
ووضعت الكثير من السياسات الحافزة في المنطقة الاقتصادية الخاصة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية مثل الامتيازات الضريبية وتبسيط الإجراءات التجارية وزيادة الكفاءة الإدارية والتخليص الجمركي الميسر ما يسهل التجارة واللوجيستيات.
3 - نمط التنمية الذي يجمع بين الحكومة والسوق
ويتطلب تطوير المناطق الاقتصادية الخاصة عملا مشتركا بين الحكومة والسوق. وتضع الحكومة نظاما إداريا وتسن القوانين والأنظمة الخاصة بالمناطق الاقتصادية الخاصة وتطور البنية التحتية واحترام السوق. وإن السوق تخصص الموارد، وتجذب الاستثمار ويقوم المستثمرون بإدارة ومتابعة أعمالهم بشكل مستقل.
4 - نظام متكامل للتخطيط
على مدى عقود عديدة من التنمية، تعلمنا أن مفتاح نجاح المناطق الاقتصادية الخاصة يكمن في التخطيط الصناعي. وان ازدهار الصناعات يجذب السكان، ويعزز الخدمات اللوجيستية، وتعزيز الخدمات. بعد 15 إلى 20 سنة، الشكل الأساسي للمدينة الحديثة سوف يتكون. وباختصار، فإن مفتاح المنطقة الاقتصادية الخاصة للصين هو العمل التحضيري قبل بناء المنطقة، والذي يتضمن التشريعات ونظام متكامل لتخطيط المنطقة.