- الراشد: العــراق بحاجـة لجيل جديد يقبــل بالكويت ككيان مستقل بعيـداً عن أطماع الضمّ
أسامة دياب
عبر المدير المالي لجمعية الصحافيين الزميل عدنان الراشد عن سعادته باستقبال المفكر والكاتب الصحافي د.حسن علوي، خلال الندوة التي عقدتها الجمعية مساء أمس الأول تحت عنوان «التأثيرات الإقليمية للانتخابات البرلمانية العراقية»، ليطلع الحضور على رؤيته للمرحلة المقبلة من تاريخ العراق وأهم المستجدات على ساحته ومستقبل علاقاته بدول الجوار، مشيرا للقاءات المتعددة التي جمعته مع علوي قبل سقوط نظام صدام حسين وبعده، لافتا إلى أن الحديث مع علوي ممتع وإن كان أحيانا مثيرا للجدل.
في البداية استهل الكاتب الصحافي والمفكر د.حسن علوي حديثه مؤكدا على أن الكتابة في موضوع خليجي مغامرة كبرى ولولا تاريخه الطويل مع الكويت ما تجرأ على تحدي الناس في مختلف وسائل الإعلام، موضحا أن الكويت لم تكن يوما عراقية ومحاولات ضمها ليست عملا وحدويا بأي حال من الأحوال، مشيرا إلى أنه والكويت صديقان منذ أن كان في معسكر الاعتقال عام 1961 في الثكنة العسكرية بجلولاء التي بنيت عام 1936 وحولت في زمن الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم إلى معسكر اعتقال للشيوعيين والبعثيين والقوميين والرجعيين.
حدود العراق
وأوضح علوي أن حدود العراق التاريخية تنتهي عند مصب نهري دجلة والفرات في الخليج حيث لم يكن شط العرب قائما عند السومريين والبابليين، والعراق الإسلامي الذي فتحه عمر بن الخطاب والذي سمي بأرض السواد تنتهي حدوده عند اخر نخلة بالفاو ويبدأ بعد إقليم الجزيرة الذي له طبيعة طبوغرافية مختلفة، مبينا أن العراق الحديث تشكل بمذكرة رفعت للرئيس ويلسون عام 1919 ولم تكن الأمم المتحدة ولا عصبة الأمم موجودة آن ذاك وقدم ويلسون 14 بنـــدا لحق تقرير المصير وكتـــب علماء الشيعة مذكرة لويلســـون يطالبون باستقلال العـــراق وانفصالهم من البصــرة للفـــاو ولم يذكروا الكويــت بالرغــم مـن أنها كانت موجـــودة آن ذاك كمـــا خلت الخرائـــط التـــي أعدتهــا الأحزاب التي شكلت قبـــل الاستقلال من أي ذكر للكويت فهل كان هؤلاء خونة تنازلـــوا عن أرضهم للكويتيين حيـــث خلت خرائطهم من الكويــت؟ كما خلا خطاب العرش الأول في مجلس النواب العراقي فـــي يونيو عام 1925 من أي ذكـــر للكويت فهل كان الملك فيصــل خائنا هو الاخر ليتنازل عـــن أرضه للكويتيين؟
محاولات الاستيلاء على الكويت
ولفت إلى ان محاولات الاستيلاء على الكويت نتاج ثقافة نازية نقلها السفير الألماني في زمن الملك غازي جهوبه وكان الملك ثملا حينما أتخذ قرارا باحتلال الكويت، مشيرا إلى أن المطالبات الهزلية الكاريكاتيرية لعبدالكريم قاسم بضم الكويت وما سمي وقتها بالوحدة الوطنية كانت محض نكاية بالرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر، موضحا أن صدام حسين قال له ان دولتين لا يمكن أن يكون معهما حسن جوار سورية التي تعمل باسم حزبهم البعثي والثانية هي الكويت التي هي لنا وكان ذلك عام 1976.
وشدد على أن مشكلة الكويت أنها عالجت آثار الاجتياح ولم تعالج مشكلة وثقافة الضم ذاتها لأن إستراتيجيتها قائمة على مبدأ درء الأذى، لافتا إلى أنه عرض خلال زياراته المعلنة وغير المعلنة للكويت الى ضرورة خلق نوع من الشراكة بين البلدين ووضع برامج لدعم العلاقات المستقبلية بينهما، وبين أن فكرة ضم الكويت أصبحت شعبية في العراق بعد صدام حسين، مشددا على ضرورة أن يكون رفض الكويت لإخراج العراق من البند السابع من خلال قنوات سرية بعيدا عن تهييج الشارع ضد الكويت وترسيخ فكرة الضم.
انتخابات العراق مدولة
وأشار إلى أن الانتخابات في العراق مدولة تستخدم القبيلة والمذهب والحزب والايديولوجيا وسائل للوصول لقبة البرلمان، لافتا إلى أن الانتخابات «المعشرة» اسلم عاقبة وأنقى نفسا من الانتخابات «المدولة» إذ الإرادة في الأولى تبقى محلية لكنها في الثانية تخضع لإرادة دول وهنا تكمن خطورة هذه الانتخابات، موضحا أن الانتخابات العراقية هذه المرة ستكون نزيهة ولن يطعن بنزاهتها إلا الخاسر، مشيرا الى أن أجمل ما فيها سيكون أنها مفتوحة فيما كانت الانتخابات في الدورة السابقة مقنّعة، لا يعرف الناخب شيئا عمن سينتخبه وذلك للترويج الأعمى لقوائم شيعية وأخرى سنية وأخري كردية.
وشدد على أن العراق محاط بست دول هي إيران والكويت والمملكة العربية السعودية والأردن وسورية وتركيا وبالطبع تتفاوت أدوار هذه الدول ومدى تأثيرها في الانتخابات العراقية القادمة.
واستعرض علوي استراتجيات دول الجوار في العراق موضحا أن الإستراتيجية السعودية تشترك مع الإستراتيجية الكويتية في كونهما تأخذان بمبدأ الاحتراس إلى حد المبالغة. كما أن المملكة العربية السعودية لم تساعد أي تكتل أو حركة سنية في العراق بسبب خوف السعودية من الانجراف إلى مواجهات طائفية، فقد يستعين بها السنّة ويستعين الشيعية بإيران فيتواجه البلدان عسكريا في العراق، وهذا أمر تتجنبه السعودية رغم الضغوط العربية والشيعية عليها.
وقال: لقد كتبت رسالة واحدة بنص واحد إلى كل من صاحب السمو الأملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد السعودي آنذاك، وإلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي وأبلغتهما باحتمال حدوث صراع يراد منه جر بلديكما إليه.
وأضاف: في تلك الفترات أوعزت الولايات المتحدة لكتاب في محورها السياسي أن يتحدثوا عن المملكة باعتبارها البطل السنّي، مؤكدا أن هذا اللقب لم يضر السعودية التي كانت أكثر دهاء من واضعيه، مما أدى بها إلى الرد بوسائلها الديبلوماسية الناعمة أنها ليست في معرض البحث عن البطولة.
وظن أن المملكة أوفت لموقفها في تجنب الاقتراب من المسالة العراقية مع أنها طرف أساسي وقد دخلت الحرب وتحملت كلفة الحرب عن احتلال الكويــت واستقبلت قادة عراقــيين، لكنها سرعان ما توصـــلت إلــى حل بإرسال هؤلاء من رفاقــي المتآمرين إلى بريطانيا للحصــول على لجوء واقامات مع استمــرار الدعم السعودي لهم.
ولفت الى ان دور المملكة في الانتخابات الحالية يبدو متواضعا للغاية، ربما لأنها لم تجد التيار الذي يمكن أن تعطيه ثقتها، مشيرا إلى أنه بالرغم من محاولاته المستمرة لجعل المملكة تدعم الحركة المدنية، إلا انه لم يحصل على وعود سعودية، وإن كانت السيادة السعودية تميل إلى رؤية طبقة سياسية مدنية تحكم العراق لان الحكم الديني يعيدها إلى صراع طائفي لا تريد أن تكون طرفا فيه، مؤكدا أن الاستراتيجية السعودية بقيت شبه متفرجة حتى الآن على حركة الانتخابات العراقية.
ولفت إلى سذاجة الخطاب العربي في التعامل مع إيران، حيث تسطح إلى مستوى صبياني، وصرنا نسمع فيه عن فرس مجوس وكأننا إذا القينا هذه الصفة على خصمنا غلبناه وانتهى أمره.
وقال: ان حضارة العزلة تنمي القوى الذاتية للشعوب المعزولة واعتمادها على ذاتها القويمة، ولهذا أقامت الصين هذا السور العظيم، أما إيران، فقد يكون سورها من نوع آخر وهي صعوبة أن يتعايش مع المجتمع الفارسي شعب آخر يأخذ ذات السمات، ولهذا فقد بقي الأكراد في بلاد فارس والعرب والبلوش والتركمان بعيدين عن التجانس الاجتماعي، مؤكدا أن قوة إيران تكمن في عزلتها، موضحا أن الدعوة إلى حصارها تعد استجابة لشروط وجودها ونجاحها.
تعدد المحاور
وأشار إلى استخدام إيران لنظرية تعدد المحاور في علاقتها مع القوى الاجتماعية والكتل السياسية في العراق، ويقضي هذا المبدأ بأن تمد إيران من دعمها ومساندتها لمحاور ربما تكون متناقضة أو متقاتلة في العراق، مؤكدا انه من الخطأ وصف الإعلام العربي لإيران بالداعــم الرئيسي للشيعة فقط.
ورأى أن عددا من المنظمات والعشائر والكتل السياسية السنية تتلقى دعما مباشرا من إيران، معتقدا أن سنة السلطة الحالية قد لا يأخذون أماكنهم في رئاسة الجمهورية أو مجلس النواب دون مباركة إيرانية تحصل في بغداد أو في طهران. وبشكل عام فإن إيران هي اللاعب الأساسي الإقليمي الأول في العراق ولا دولة أخرى تحتل حتى المركز الرابع في هذا التسلسل من دول الجوار العراقي.
في معرض رده على سؤال طرحه من الرابح قال: الائتلاف الشيعي انشق والتوافق السني انشق والتحالف الكردستاني انشق بظهور الكتلة الثانية التي حصلت على 30% من الأصوات في برلمان كردستان بمعنى أن قائمة شيعية كبيرة وسنية كبيرة وكردية كبيرة لم تعد قائمة. متسائلا: فهل سيفتح المجال للتيار الثالث المدني أن يتقدم بزخم لاحتلال المراكز الأولى في الانتخابات وهي نتيجة لو حصلت فسيسر بها زعماء العرب وملوكهم.
أما بخصوص اثر الانتخابات البرلمانية العراقية على الكويت فأوضح علوي أن ذلك حزام النار قائلا للحضور: سجلوا علي إذا استمر الحكم الحالي في العراق فسيلتهب العراق، ولن تبقى فيه مؤسسة قائمة، وستجدون ما جرى في الأحد الدامي هو صورة لما سيشهده العراق إذا استمر هؤلاء.
متسائلا عن موقف الكويت وجوارهم يحترق والبطالة تنتشر والمافيا تزدهر والتنظيمات الباطنية تتوسع، واعتقد أنها صورة سوداء، فالمنطقة لم تعد تتقبل حكما على هذا الغرار.
وأشار لما قاله له موفق الربيعي مستشار الأمن القومي العراقي منذ أسبوع في جلسة في بيروت ان الرئيس مبارك تساءل كيف تغيرت منابع دجلة والفرات كيف صارت تنبع من الجنوب وان التضاريس في العراق تغيرت والمنطقة لا تسمح بهذا.
وأستطرد قائلا أقول لكم إذا كان الرئيس مبارك البعيد عن القضية العراقية توصل الى هذه القناعة فماذا عن الكويتيين ان يقولوا ويفعلوا والتضاريس سوف تتغير؟
وعلق الزميل عدنان الراشد على كلام علوي مؤكدا الحاجة الماسة لخلق جيل عراقي جديد يقبل بالكويت ككيان مستقل بعيدا عن أطماع الضم التي لها جذور تاريخية في نفوس العراقيين والتي هي بعيدة كل البعد عن الشرعية الدولية، داعيا إلى ضرورة معالجة هذه القضية على أسس موضوعية علمية.
وردا على سؤال للزميل سامي النصف حول سيناريوهات الانتخابات العراقية القادمة وعن علاقة يونس الأحمد بالتفجيرات الأخيرة في العراق، أفاد علوي بأن عراق المستقبل يتعلق بنوعية الحكومة التي ستأتي وهويتها، نافيا أن يكون يونس الأحمد خلف التفجيرات لافتقاره للقوة نظرا لضعف تنظيمه، مشيرا بأصابــع الاتهــام لتنظيــم عزت الدوري والذي أعــلن عن مسؤوليته عنها.
إستراتيجيات
عن الإستراتيجية الأردنية قال د.حسن علوي اعتمدت الإستراتيجية الأردنية على براغماتية عريضة وكانت متصالحة مع أي نظام عراقي يقوم في بغداد. وأضاف: تحتفظ الأردن بكتل عشائرية عراقية كبيرة وقد توجه إليها أثرياء الحزب والسلطة بأموالهم التي وزعها صدام بغية الاستفادة منها في مواجهة السلطة الحالية ففر معظمهم بها وقد أحدثوا خللا في معدلات الأسعار للعقارات والمواد الغذائية في الأردن بما كان لديهم من أموال نقدية سائلة.
ولفت الى أن الأردن تشجع علنا بعض رجال الأعمال وشيوخ العشائر على خوض الانتخابات وتوفر حرية الحركة لهم في المدن مؤكدا أن الأردن أهم ناشط انتخابي في الانتخابات العراقية وهو يعمل أيضا بنظرية تعدد المحاور، معلنا أن القائمة الرابحة ونقيضها مع السياسة الأردنية لدعم العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وقال: وقد تكون الأردن هي الأوضح والرابح من دول الجوار في الانتخابات العراقية رغم محدودية الامكانيات الاقتصادية والاجتماعية.
أما عن الإستراتيجية السورية فقال: المعروف أن الكتلة الانتخابية الأقرب إلى الحزب هي الأقرب لسورية بالتأكيد ولان حكومة المالكي شددت الطعون والتحريض الدولي على سورية فسيكون طبيعيا أن يشدد السوريون الدعم والتأييد للقوائم القادرة على عزل نوري المالكي ومن هنا فهم قد يؤيدون الائتلاف الوطني إلى جانب قائمتنا المدنية في وقت واحد.
وأضاف: تقوم الإستراتيجية السورية إلى جانب ذلك على نظرية إدارة الحدود الحمراء مشيرا إلى نجاح السوريين في إيران بهذا العامل لاستقرار بلادهم إذ القاعدة أن المركز إذا تدهور أو ضعف فان الحدود سوف تتدهور بنفس القوة والحجم.
وقال: ما دام المركز السوري قويا فالحدود الأردنية الحليفة التاريخية للغرب وحدود العراق الأميركي وحدود تركيا الأطلسية وحدود إسرائيل ولبنان ستبقى محفوظة وهذا هو سر قوة سورية.