- الكبير يشعر بلذة العطاء ويعرف كيف يحرص عليها الصغار
- جيل اليوم له متطلبات أكبر وأغلى من الجيل السابق
- قديماً كان الأطفال يترقبون العيد
لميس بلال
العيديـة مـن العــــادات الاجتماعية التي دائما ما اقترنت فرحتها بالأطفال في الأعياد، فعلى الرغم من اختلاف العملات والأزمنة لاتزال «العيادي» عادة يحرص على إقامتها الكبار لما يلمسونه من بهجة وفرحة تدخل على نفوس الأطفال الذين يبنون من خلالها طموحاتهم وما يحلمون به ويخططون لإنفاقه قبل العيد بأيام، هذه الهدية القيمة من الآباء والأقارب ما هي إلا مشاركة الكبار وغرامة لهم سرعان ما تتحول إلى فرحة حين يمتلكها الصغار، «الأنباء» استطلعت الاراء، والتقت بعدد من الباحثين في التاريخ الكويتي ليوضحوا لنا ما تحمله «العيادي» من عادات تراثية وكويتية أصيلة تناقلتها الأجيال، كما استطلعت آراء عدد من الأطفال والشباب للتعرف أكثر على أهمية «العيادي» بالنسبة لهم وما تمثله تلك العادة من فرحة وبهجة تدخل في نفوس الكبار قبل الصغار، وإلى التفاصيل:
من الماضي
في البداية تطرق الباحث في التراثي الكويتي ورئيس الجمعية الكويتية للتراث هاني العسعوسي إلى ما تحمله هذه العادة من عبق التاريخ الكويتي الأصيل، لافتا إلى أنه في الأعياد قديما كان الأطفال يترقبون العيد قبل أن يهل هلاله ليتغنوا بالأغنية الخاصة بالعيد «باجر العيد ونذبح بقرة وننادي بروك كبير الخنفرة»، مشيرا إلى أن «كبيرة الخنفرة» يقصد بها كبير الأنف وهي علوقة أو أغنية يتغنى بها الأطفال احتفالا بالعيد ولا نزال نتغنى بها لنعيد أيام الطفولة.
وأضاف أن الأطفال وقبل حلول العيد يناشبون الآباء بطلباتهم لجهاز العيد، كما أن على الوالد ان يرضخ لطلباتهم وليراهم مرتدين الأزياء الكويتية التقليدية، حيث يذهب الأب لشراء الأقمشة ويخيطها عند الخياط وبعد تسلم الأطفال لجهاز العيد تجد كل طفل يأخذ الدشداشة للدوبي «المصبغة» ويتوسدها تحت رأسه «كالوسادة» من فرحته بالملابس الجديدة وينتظر العيد ويستيقظ من الفجر لوناسته من العيد ولحصوله على العيدية، حيث يذهب الى الدواوين مع الأب واخوانه، وتبدأ الجولة بالبيت العود ان كان عمهم او جدهم ليحصلوا على البيزات.
وتابع قائلا: «الأطفال في وقت زيارة الدواوين يمشون وراء الأب ولا تتعدى خطواتهم لكبير العائلة، ويدخلون الديوانية ويعايدون ليحصلوا على العيادي، وبعدها يحققون تطلعاتهم وامانيهم من خلال العيدية، فمنهم من يشتري «القاري» او البايسكل، وكانوا يتنافسون في عملية تزيين القاري بتيب ملون واضافة دناديش للسكان ويضيفون الكشافات والهرونات، حيث ان هذا القاري يعتبر سيارة الأطفال وما الى ذلك».
وأوضح أن الأطفال يحبون زيارة الدوارف التي تنتشر في الساحات «البراحة» المصنوعة من الأخشاب والبساطة، وعند الساحة نفسها يوجد الحمير في العيد التي تصبغ بصبغة غير معتادة لاستقطاب الجمهور، مشيرا إلى أن الأطفال عادة ما كانوا يرغبون في زيادة العيدية ليشتري الفيمتو ويصبه في اناء ويضيف له الماء والسكر وبعد عمل المزيج يوضع في قوالب من التنك والتي تحتوي على 12 خانة التي توضع في الثلاجة لتصبح على شكل مكعبات، يوضع في كل خانة عود من الخشب يكون بمنزلة المسكة التي يمسكها الطفل لأكل «البرد» أو الآيس كريم لتباع على الأطفال وهذه طريقة لزيادة الدخل في العيدية.
وفي سياق متصل، أشار فهد غازي العبدالجليل الباحث في تاريخ الكويت وعضو رابطة الأدباء، وأمين صندوق الجمعية الكويتية للتراث عن بعض العادات المتوارثة في العيد من القدم حتى الآن، قائلا: «التواصل الاجتماعي الجميل حاضر بقوة بين الحاكم والمحكوم وبين الكويتيين في العيد، حيث يبدأ الكويتيون يومهم بمعايدة الحاكم في قصر السيف بعد صلاة العيد، في السابق وبالتحديد منذ عهد الشيخ عبدالله الأول ابن الشيخ صباح الأول ثاني حكام الكويت كانت صلاة العيد تكون في مسجد السوق الذي أسسه الشيخ احمد ابن رزق عام 1794 ميلادي في آخر القرن الثامن عشر، وظل مسجد السوق المسجد الرسمي للدولة حتى ثمانينيات القرن الماضي في عهد الشيخ جابر الأحمد، حيث تم بناء المسجد الكبير في عهد الشيخ جابر الأحمد، واصبح المسجد الرسمي للدولة، وقبل المسجد الكبير كانت المناسبات الدينية وصلاة العيد تقام في مسجد السوق، هذا المسجد قائم الى يومنا هذا، وبعد صلاة العيد يذهب أهل الكويت الى قصر السيف وبالتحديد في عهد الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت السابع لأنه تم بناء قصر السيف في عهده عام 1907 ميلادي، حيث يذهب أهل الكويت لمعايدة حاكم الكويت والشيوخ، ومن ثم يبدأ التواصل الاجتماعي الجميل بين اهل الكويت.. فيزور أهل قبلة الدواوين في شرق، وفي اليوم الثاني يزورون اهل شرق دواوين قبلة والمرقاب، وكذلك قرى الكويت (الجهراء، الفحيحيل، بوحليفة والفنطاس)، وهناك دواوين وتواصل اجتماعي جميل بين ابناء هذه المناطق وهذه القرى».
وأضاف ان جمال العيد يرجع فيما يحمله من عادات وتقاليد ورثتها الأجيال التي تناقلتها من جيل إلى جيل، حيث انه الى الآن توجد «العيدية»، وكذلك اكلات العيد المعروفة، وفي صباح يوم العيد يجتمع افراد الأسرة الواحدة وتبدأ المعايدة بينهم، وفي فترة الضحى وتحديدا في الساحات الترابية والبراريح تبدأ الفرق الشعبية بالعرضة، وكانت هناك ايضا الألعاب للأطفال وبفضل رب العالمين لا تزال هذه المراسم حتى يومنا وتناقلت من الاجيال القديمة.
من جانبها، أكدت الطفلة لين مصطفى على ما تمثله العيدية من أهمية كبرى بالنسبة لها باعتبارها من أهم الأحداث السنوية لجميع الأطفال من عمرها، مشيرة إلى أنها بمنزلة الراتب والمكافأة التي تحصل عليها لطيلة العام لتبني من خلالها أحلامها وتختار ما تطمح الى اقتنائه، مشيرة إلى أنها لا تحب صرف هذا المبلغ الذي تحصل عليه في العيد على الألعاب والملابس خاصة وأنها ترى إنفاقها مسؤولية كبيرة لابد من انفاقها فيما ينفع، موضحة أنها تفضل شراء ما تحتاجه منها ليكمل والدها ما تبقى من احتياجاتها خلال العيد.
اما ليث اسماعيل، فيقول: «طوال العام نحصل على المصروف العادي الذي يمكننا من شراء احتياجاتنا العادية من مأكولات في المدرسة وغيرها، ولكن تبقى العيدية هي الأمل في أن تكون محفظتي ذات قيمة»، لافتا إلى أن أموال العيادي عادة ما تذهب في شراء أشرطة الألعاب الالكترونية الجديدة أو يتم استغلالها في التنزه مع الأصدقاء.من جانبه، أشار اسماعيل ثامر إلى حرصه على العمل جاهدا خلال العيد لزيارة أكبر عدد من الأهل والأقارب لجمع أكبر قدر منها، مؤكدا على حبه لفئة العشرين دينارا ويسعد برؤيتها في يده.
وأضاف اسماعيل أن العيدية بمنزلة الحدث الأهم في العام باعتبارها أحد موارد الميزانية السنوية له، مشددا على أن التخطيط لصرفها يتم بمنتهى الدقة والحرص ولكنها على الرغم من ذلك سرعان ما تصرف بسرعة في كل عام.
بدورها، أكدت أريج راشد على ما تحمله تلك العيدية من لذة اعطاء، مستذكرة في ذلك انتظارها وقت حصولها على العيدية في صغرها لما تمثله من فرحة وبهجة وشعور لا يوصف، لافتة إلى أنها في الوقت اللاحق تشعر بلذة العطاء كونها على علم بما تخلفه من فرحة وبهجة في نفوس الأطفال الذين يتهافتون للحصول على أكبر قدر من المبالغ، مشيرة إلى أن الأحلام باتت مختلفة في وقتنا الحالي، فجيل اليوم له متطلبات أكبر وأغلى من وقتنا في السابق، ولا يرضيهم ما كان يرضينا، إلا أنها عادة جميلة ومصدر سعادة للكبار قبل الصغار.
اللوغاني: يجب مراعاة الإتيكيت في تقديم «العيادي»
أكدت المدربة المعتمدة في فن الاتيكيت والبروتوكول الدولي لطيفة اللوغاني على ان العيدية مصدر سعادة بالنسبة للأطفال، وهي رسالة جميلة تدل على المحبة والاهتمام لنرى من خلالها براءة فرحتهم بالعيد، لتساعدنا على الايجابية عندما نرى ابتسامة وفرحة هؤلاء الأطفال، لافتة إلى أنه ليس بالضرورة ان يكون مبلغها كبيرا.
وفيما يتعلق بتربية الأطفال على اتيكيت العيادي، وهل هناك طريقة معينة يجب تعليمها لأطفالنا عندما يستقبلون العيادي؟ أكدت على أهمية تدريب الأبناء على الابتعاد عن المطالبة بالعيدية منعا لإحراج الطرفين، مع استخدام كلمات السحرية للرد عندما يستقبل العيدية.. مثل «شكرا عمي.. شكرا خالتي.. عيدكم مبارك.. الله يحفظك.. الله يطول بعمرك ويخليك ذخرا لنا» مع تفعيل الابتسامة الجميلة والابتعاد عن عد العيدية أمام صاحبها.
وبسؤالها حول مدى ارتباط العيدي بالأطفال فقط تقول اللوغاني: لا بالتأكيد.. فهي للكبار والصغار، فهي تساعد على انتعاش العلاقات الاجتماعية وصلة الرحم، ناصحة بذلك جميع الأبناء الموظفين بإهداء آبائهم وأمهاتهم وذويهم العيدية او الهدايا التي تعادلها لإدخال السرور على الجميع.
وحول اتيكيت إهداء العيادي للأطفال، أشارت اللوغاني إلى أهمية تجهيز العيادي قبل اللقاءات مع تقسيم العملات لفئات مختلفة، كما يفضل ان تكون تلك العيادي من الأوراق النقدية الجديدة والمستخرجة من البنك حتى يتمكن صاحب العيدية من توزيعها على الأطفال والكبار على حسب السن.
وأضافت أنه من الأخطاء الشائعة تقديم النقود في اليد، لافتة إلى أنه من الذوق وضع كل مبلغ في ظرف مكتوب عليه اسم الشخص، حتى لا يحرج الطرف الآخر بأن يعرف المبلغ المقدم ويضطر لإعطاء أبنائه نفس المبلغ، كما يجب ان تكون النقود جديدة لإضافة مزيد من البهجة.