- الفلاح: آذربيجان استطاعت أن تعبر الأزمات بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وتحقق الأمن والاستقرار والتوافق الاجتماعي
العاصمة الآذربيجانية باكو- أسامة أبوالسعود
افتتح رئيس جمهـــــوريـــة اذربيجــــان الرئيـــس الهــام علييف اعمال المؤتمر الدولي «الحوار بين الاديان: من التفاهم المشترك نحو التعاون معا» والذي يعقد في العاصمة الاذربيجانية باكو تحت رعايته بحضور رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف ورئيس جمهورية داغستان موخو علييف ونخبة من العلماء المسلمين من الكويت والسعودية والامارات والبحرين والبطارقة والقساوسة وعلماء اليهود من مختلف دول العالم.
ورحب الرئيس علييف في بداية كلمته بالحضور الكبير المشارك في المؤتمر وفي الاحتفال بالذكرى الستين لميلاد شيخ الإسلام الله شكر باشا زاده والذكرى الثلاثين لتوليه منصب شيخ الإسلام.
واعرب الرئيس علييف عن أمله في ان يسهم هذا المؤتمر في تنمية الحوار بين الأديان والحضارات مشيرا الى ان اذربيجان وعلى مر تاريخها حققت الحوار بين الحضارات بغض النظر عن الأنظمة السياسية والاقتصادية الحاكمة لها.
وشدد على ان اذربيجان كانت معقلا للتسامح الديني مشيرا الى ان المؤسسات الدينية النشطة في اذربيجان نشرت التسامح ولم نر في بلادنا أي خلافات دينية أو عرقية رغم الاختلافات مؤكدا ان كل الاذربيجانيين سواسية يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات ويعملون جميعا لصالح بلدهم ورفاهيته.
وقال علييف: الوتيرة التاريخية لأذربيجان والأهمية التي نوليها للحوار بين الحضارات والعلاقة بينها تدفعنا الى ان نعلن باكو عاصمة رمزية للحوار بين الحضارات، فقد تم اختيارها عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي ونحن جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي وعضو منظمة المؤتمر الإسلامي».
وتابع قائلا «نحن بلد وفي في مجال الدين والعادات ونحن في مسائل اخرى ننتمي لهويات دولية وعالمية وعلينا ان نستفيد من كل الامكانات المتاحة لتحقيق الأمن والسلام في العالم ولابد من تعزيز الحوار بين الحضارات وعلينا ان نتوصل الى نتائج فعلية ونسعى لتحقيقها في أسرع وقت ممكن، فإذا حققنا ذلك يتحقق السلام والامن في ربوع العالم».
وشدد الرئيس علييف على ان القوقاز هو عضو واحد وما يحدث في شماله او جنوبه يضر بباقي أجزائه لأنهم جميعا كالجسد الواحد داعيا الى ضرورة العمل على تحقيق الرفاهية لجميع شعوب القوقاز عبر التعاون والشراكة والاحترام المتبادل وتضافر القوى بين ابنائه.
واوضح ان اذربيجان تقوم بما عليها في هذا الإطار مشيرا الى ان هذا المؤتمر يساهم في تلك الرسالة.
وتابع الرئيس علييف قائلا «أنا أؤمن بأن اذربيجان ستصبح خلال السنوات المقبلة مركزا مهما لتعزيز التعاون والحوار بين الحضارات، وكما أعلنت باكو عاصمة للثقافة الإسلامية فإنها أيضا ستكون عاصمة للثقافة في أوروبا».
وقال «انشأنا أكثر من 1000 مسجد في اذربيجان وتم بناء وترميم الكنائس والمباني المسيحية واليهودية، وهناك نهضة اقتصادية شاملة نشاهدها اليوم وبلدنا يفسح المجال لأن نتقدم أكثر الى الأمام ونحن لا نكتفي بهذه الانجازات، فأذربيجان لديها سياسة هادئة لتحسين الأداء».
العلاقة بين القوميات
وشدد على ان الدستور الاذربيجاني لا يميز بين الأديان مشيرا الى ان اذربيجان بلد متنوع عرقيا واثنيا «ونحن نفتخر بذلك، فعلى مر العصور عاشت في بلادنا أقليات وعرقيات مختلفة ونحن نقدر دورها في حياتنا، ونعمل اليوم على تحسين هذا الوضع ونعمم التنمية في كل المناطق التي توجد بها أقليات».
واوضح ان اذربيجان وبرغم انها عانت من أزمة اقتصادية خلال العام الحالي الا انها تسعى لتحقيق سياسة اقتصادية مستقلة حيث بدأ دورها يتزايد يوما بعد آخر بمجرد زيادة اقتصادها على المستوى العالمي.
وتابع الرئيس علييف قائلا «نحن نركز على انشاء مجتمع مدني وتحسين العلاقات بين القوميات ونشجع النشاط الناجع للمؤسات الخيرية، وفي هذا السياق اقدر عاليا مجهودات شيخ الإسلام الله شكر باشا زاده الذي اثر بجهوده في تنمية ورفاهية اذربيجان وعمل على مدى 30 عاما لإعلاء قيم الإسلام رغم كل المعوقات التي واجهته أيام الاتحاد السوفييتي حيث تمكن من الاحتفاظ بعدله وحكمته، ونقل الى المحافل الدولية كلمة اذربيجان العادلة».
دولة علمانية
واضاف الرئيس الهام علييف قائلا «في اذربيجان الدولة منفصلة عن الدين وهي دولة علمانية ومع ذلك الدين مرتبط مع الدولة ويساهم في تحسين رفاهية الشارع الاذربيجاني، ونتذكر هنا بعد الاستقلال كيف واجهتنا مشاكل عديدة في مجالات الاقتصاد والصناعة، وكان هناك جمود، ووقتها قام شيخ الاسلام بإصلاحات دينية ساهمت في تنمية هذا البلد، حيث انه يتمتع بنفوذ كبير على مستوى العالم، وكان صديقا لوالدي الرئيس الشعبي حيدر علييف، وساهم في توجيه الدين توجيها صحيحا».
حروب إرهابية
من جانبه ألقى الرئيسي الشيشاني رمضان قديروف كلمة قال فيها «في عالمنا المعاصر نرى العديد من النزاعات المختلفة سواء على المستوى الاقليمي أو الدولي، وأيضا بعض الشعوب تواجه مخاطر كبيرة في طريق الاستقلال، وفي دولنا وجوارنا نزاعات كبيرة سواء في أفغانستان أو العراق وبعض المنظمات الدولية تحاول منع هذه المشاكل».
وقال الرئيس الشيشاني «في رأيي ليس هناك خلاف بين الاديان، فرجال الدين الحقيقيون لا يمكن ان يكونوا منافسين لبعضهم البعض، فلغة التفاهم والتعاون هي التي تسود بين العلماء، رغم ان هناك بعض الحرب الدولية نشبت على ضوء خلافات دينية او مذهبية».
وشدد على ان الغرب حاول تقسيم دولنا باسم الاسلام، مشيرا الى ان والده الرئيس السابق احمد قديروف فهم تلك السياسة، فالإرهابيون لم يكونوا يحاربون باسم الاسلام، وإنما كان لهم فهمهم بتفتيت روسيا وتحويله الى بلد مشتت وفوضوي.
وأكد قديروف ان السلام حل اليوم في روسيا والشيشان وأصبح الشيشانيون أحرارا في ممارسة عباداتهم وشعائرهم الدينية.متمنيا ان ينجح المؤتمر في التكاتف والتصدي لمن وصفهم بـ «قوى الشر».
الحرب باسم الدين
من جانبه، ألقى رئيس جمهورية داغستان موخو علييف كلمة قال فيها «انه ومع الاسف الشديد فإن هناك من يقدمون الاسلام كدين ينشر الرعب والخوف وينشرون صورة سيئة عن الاسلام، وهو ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر، لكننا رأينا في الوقت ذاته كشف ان اذربيجان بفضل قيادة الرئيس إلهام علييف تعمل بنجاح حتى يعم المنطقة كلها السلام والحوار، وان تبعد عن كل ويلات التطرف والارهاب».
وتابع موجها كلامه لعلماء المسلمين الحضور قائلا «فأنتم تقدمون الاسلام كدين للتسامح والحرية والحضارة وكما قال الرئيس الروسي ديمتري مدڤيديڤ ان هناك 40 مؤسسة اسلامية في روسيا تنتهج نهجا بناء وتحقق الحوار مع المؤسسات المسيحية الاخرى، وفي بلادنا فالظروف ملائمة لكل الدول والشعوب للتعايش والحوار، حيث بنينا مئات المدارس الدينية وتصدر العديد من الصحف الدينية والبرامج التوعوية ويتم التسليط على الاسلام على مستوى الحكومة».
ولفت الى ان داغستان شهدت العديد من العمليات الارهابية باسم الاسلام والدين الاسلامي وارتكبت أبشع الجرائم باسم الدين الاسلامي وهؤلاء يحفزون الشباب الصغير على القيام بأعمال ارهابية ويأخذونهم الى مسارات مختلفة.
وأكد رئيس داغستان ان منطقة القوقاز مفعمة بالثقافات والعرقيات المهمة، ولهذا فإن الحوار ضرورة وهي أساس البناء والعمل في تلك المنطقة، مشيدا في هذا الاطار بجهود شيخ الاسلام شكر الله باشا زاده على ما قدمه من جهد مخلص في هذا الاطار».
مصالحة مسيحية ـ إسلامية
ومن جهته اكد رئيس منظمة المؤتمر الاسلامي د.اكمل الدين احسان اوغلو ان الحوار هو ضرورة حتمية للتعايش بين الاديان السماوية، مشددا على ان امامنا فوارق كثيرة وقسمات مشتركة منها الايمان بالله وبوجود الآخرة والمسائل الاخلاقية».
ودعا اوغلو الى ضرورة ترتيب برنامج عمل لحوار حقيقي بين المسيحيين والمسلمين مثلما حدث في الستينات من حوار ومصالحة بين المسيحيين واليهود تحت رعاية الڤاتيكان وعلينا ان نتحلى فيه بارادة سياسية ومصالحة حقيقية ووقتها سيتكلل الحوار بين الحضارات بما نرجوه.
قيادة حكيمة
ومن جانبه قال وكيل وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية د.عادل الفلاح «اسمحوا لي ان اشارك في هذه المناسبة العزيزة لاخي شكر باشا زاده في ذكرى ميلاده الستين وذكرى توليه مسؤولية القوقاز لثلاثين عاما.
وتابع د.الفلاح قائلا «اسمحوا لي ان اعبر عن مشاعري تجاه هذه الشخصية الفذة وان اعبر عن ارائي لشخصية عرفتها عن قرب طوال 16 عاما من خلال المؤتمرات والندوات والمحاضرات والحوارات والجلسات العامة والخاصة، تعرفت على كنوز من هذه الشخصية المعطاءة التي جاءت في وقت الامة والمجتمع الاذربيجاني بأمس الحاجة اليها».
واضاف الفلاح قائلا: كلنا يعرف ما حدث للمنطقة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق وما حدث فيها من نزاعات وحروب اهلية واضطرابات ولكن اذربيجان هيأ الله لها قيادة سياسية حكيمة وقيادة دينية رزينة استطاعت ان تعبر الازمات وتحقق الامن والاستقرار والتوافق الاجتماعي والنمو والازدهار ـ كما نراها اليوم ـ متمنيا من الله العلي القدير ان يتم نعمته بعودة كراباخ بالطرق السلمية.
واردف الفلاح قائلا «ان الحديث عن شيخ الاسلام الله شكر باشا زاده حديث تحتار فيه العقول فهو بحر زاخر لا ساحل له على سطحه السكينة والطمأنينة وفي قاعة اللؤلؤ والمرجان وفي اطرافه المتنائية جمال يسحر، فللناظر والسابح والغواص متعة وفوائد لا حدود لها».
واضاف قائلا «لعل من اكثر القضايا المثارة عصريا وحديث العالم اجمع من اعلى المنابر الدولية والتي شكلت لها المنظمات والمؤسسات والتحالفات، قضية التسامح الديني والعرقي وتحقيق التعايش السلمي ونبذ العنف والتعصب والتطرف، وكل الدول تنادي به وتتشدق به ولكن اذربيجان بقيادتها السياسية والدينية جسدت هذه المعاني في عالم الواقع وقدمت نموذجا يقتدى ويحتذى به، وانا دائما اقول في المحافل الدولية ان من اراد ان يرى تجسيدا واقعيا للتعايش السلمي والتسامح فلينظر الى النموذج الاذربيجاني».
وتابع الفلاح قائلا «ان هذه المعاني الجميلة التي نتكلم عنها لم تات من فراغ ولكن بجهود مخلصة ودؤوبة من شيخ الاسلام الله شكر باشا زاده الذي عمل ليل نهار في الادارة الدينية لغرس هذه المبادئ ومحاربة أي فتنة تطل براسها على المجتمع، كل هذا بحكمة بالغة وراي سديد واجراء سليم».
وختم الفلاح كلمته بالقول «هذه الخصال الكريمة والشمائل الطيبة التي تجسدت في شيخ الاسلام هي التي حملتني ان اكتب عن هذه الشخصية الكريمة التي قدمت نموذجا حيا وواقعيا جسّد معاني الاسلام من التسامح الديني والتعايش السلمي والتوافق الاجتماعي والعرقي، هذا النموذج حملني على كتابة المؤلف عن الشيخ وترجمته لعدة لغات لتعم الفائدة في ديار المسلمين وغيرهم وان تتغذى الاجيال على معانيه الكريمة وتنهل من نبعه الصافي، فهو على سبيل المثال ـ لا الحصر ـ عضو لجنة العلاقات بين المذهبين الكاثوليكي والارثوذكسي بناء على اقتراح من الكنيسة الكاثوليكية بروما والارثوذكسية بروسيا عام 2006، وكان لفضيلته فضل السبق مع بطريرك موسكو وروسيا (الكسي الثاني) في اقتراح مجلس شورى الاديان التابع لهيئة الامم المتحدة وقد اختير سماحته رئيسا لمجلس شورى قادة الدين الاسلامي بدول رابطة الدول المستقلة في المؤتمر الدولي الذي عقد في موسكو في شهر يونيو 2009».