- اقـتراح الـحـريتي يـمـنح السلطة القضائية كامل الاستقلال في تقدير نفقاتها وميزانياتها الملحقة وإدراجها في الباب الخامس لميزانية الدولة
- وجود مـيـزانية ملحقة للسلطة القضائية ترجمة لاستقلال الـقـضاء وإبعاده عـن ضـغوطات الحكومةالـمميزات الوظيفيــــة للقضـاة
أثير اللغط وهو حتما يثور عند الحديث عن استقلال القضاء، فهناك من يرى تحجيمه وتقييده من خلال محاولة إخضاعه للسلطة التنفيذية إداريا تارة وماليا تارة أخرى، وهناك من يسعى الى تعظيمه واستقلاله وإبعاده عن الخضوع لأي تأثير من قبل السلطة التنفيذية.
وإذا كان الدستور الكويتي قد ضمن استقلال القضاء وأنشأه كسلطة عامة مستقلة قائمة بذاتها وأمر المشرع العادي بكفالة استقلاله فإن مفهوم الاستقلال لا يمكن تصوره إلا اداريا وماليا، بل ان الاستقلال المالي هو جوهر الاستقلال وضمانته الأساسية ذلك انه من خلال الأموال يمكن التأثير على القضاء فالتغيير في الميزانية ورفض المزايا المالية للقضاة وحرمانهم من تحسين أوضاعهم المعيشية قد يضعهم تحت الضغوط او على الأقل تحت مظنة التأثر بالقرار السياسي الاداري للسلطة التنفيذية او للسلطة التشريعية وهي تناقش وتصوت على الميزانية العامة للدولة.
ان مفهوم الاستقلال المالي للسلطة القضائية لا يتحقق إلا بجعل مالية القضاء مستقلة عن الميزانية العامة للدولة او على الأقل ملحقة بها ولكن بشكل منفصل من خلال تمكين السلطة القضائية من إعداد مشروع ميزانيتها لاسيما النفقات العامة بها ثم إدراجها كرقم في الباب الخامس من أبواب النفقات العامة للدولة دون ترك الأمر للسلطة التنفيذية في تقدير تلك النفقات او إخضاعها لمفهوم التوازن المالي وباعتبارها نفقات متماثلة مع بقية النفقات العامة في الدولة تدخل في ميدان المساومة بل تستقل السلطة القضائية في تحديد الاعتمادات المالية ثم تعرضها على وزير المالية الذي بدوره يرفعها للحكومة كي تصدر مشروعا بقانون الميزانية الملحقة ويعرض على مجلس الأمة لمناقشته ثم التصويت عليه مع مجموعة من الميزانيات الملحقة وفقا للقانون رقم 3 لسنة 2003 في شأن إجراءات إصدار بعض الميزانيات الملحقة والمستقلة وحساباتها الختامية.
ان فقه القانون المالي يمكننا الاعتماد عليه في تبرير اللجوء لمفهوم الميزانيات الملحقة او المستقلة ومن ثم منحها للسلطتين التشريعية والقضائية.
وفي حقيقة الأمر والواقع كان الأصل ان تسبغ الميزانية المستقلة للسلطتين التشريعية والقضائية، ولكن جرى العمل في القانون المقارن بان يكتفى بالميزانية الملحقة للسلطات التشريعية والقضائية اي إلحاق ميزانيتها بالميزانية العامة للدولة بحيث تكون منفصلة عنها في تقدير أرقام النفقات فيها وفي تبويب الإنفاق العام والإيرادات العامة وهذه الأخيرة تأتي من مصدرين الأول التمويل التلقائي من أبواب النفقات العامة للدولة وتدرج رقما واحدا فيها دون ان يترك الأمر للحكومة لإخضاع هذه النفقات للمناقشة او المساومة وفقا لمبدأ توازن الميزانية وتفاضل النفقات العامة تبعا لحاجات الإشباع العام.
اما المصدر الثاني لإيرادات السلطتين التشريعية والقضائية فهو الإيرادات الذاتية كالأثمان العامة والرسوم وهي إيرادات غير كبيرة ولا تكفي بحد ذاتها لتمويل النفقات العامة منها.
ان الاقتراح المقدم من النائب حسين الحريتي بتعديل أحكام قانون تنظيم السلطة القضائية أتى متسقا مع أحكام الدستور والقانون العام المالي ومفهوم الميزانيات الملحقة والمستقلة وهو يكرس ـ بحق ـ مبدأ استقلال السلطة القضائية لاسيما فكرة الاستقلال المالي بنصه في المادة (69) منه بمنح الميزانية الملحقة للسلطة القضائية.
وفي هذه الدراسة نسلط الفكر الدستوري وأحكامه في القانون العام المالي لنقف على حقيقة الأمر والواقع في ضرورة هذا التعديل وحاجة استقلال القضاء له.
ولا شك في ان هناك مبادئ دستورية تحكم شكل وموضوع الميزانيات العامة وعلى رأسها مبدآ وحدة الميزانية العامة والشيوع وهما من المبادئ الراسخة في الفكر المالي الدستوري التي يتعين عدم المساس بها او الانحراف عنها وإلا وصم القانون بعدم الدستورية.
ان مبادئ الميزانية العامة استطيع وصفها بأنها مبادئ فوق دستورية بمعنى وجودها في الميزانيات أمر حتمي حتى لو لم ينص عليها في الدستور المكتوب بحسبانها أساسية لا تقوم الميزانيات العامة دون وجودها.
ان الاقتراح المقدم من النائب حسين الحريتي وان كان متسقا مكتملا إلا أننا نرى وجود بعض المصطلحات في المذكرة التفسيرية له غير صحيحة ويتعين رفعها لعدم صحتها قانونا، فلقد ورد في المذكرة التفسيرية مصطلح ميزانية عامة مستقلة ملحقة بميزانية الدولة. ولا يوجد اي معنى في فقه وعلم القانون العام المالي لهذا الوصف فالميزانية اما ان تكون مستقلة او ملحقة اما مستقلة ملحقة فهذا مصطلح غير علمي لا يمكن قبوله ويتعين استبداله بميزانية ملحقة فقط او بميزانية تستقل السلطة القضائية بتحضيرها وتكون ملحقة بالميزانية العامة للدولة، كما ان الاقتراح أتى خجولا في الحديث عن تخصيص جزء من الرسوم القضائية (7%) لتمويل صندوق الخدمات الصحية والاجتماعية للقضاة وأعضاء النيابة العامة، والحقيقة هي ان الأمر في رأينا يستوجب تخصيص كل الرسوم القضائية للسلطة القضائية وهو أمر ممكن وجائز ومعمول به في القانون المقارن من ناحية وهو أمر لا تمنعه النصوص الدستورية المرعية في الكويت من ناحية ثانية.
ان الدراسة تتطلب منا بيان مدى دستورية تقرير الميزانية الملحقة للسلطة القضائية أولا ثم بيان حتمية الميزانية الملحقة للسلطة القضائية.
أولا: دستورية منح الميزانية الملحقة
نص الاقتراح في المادة (69) منه على «ان تكون للقضاء والنيابة العامة ميزانية سنوية ملحقة»، ولا شك في دستورية هذا النص وصحة تبنيه من قبل المشرع بحسبان السلطة القضائية جهة مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وقد أوجب الدستور في المادة (163) منه كفالة القانون لاستقلال القضاء، والاستقلال كما يكون إداريا، فإن الاستقلال يتعين ان يكون ماليا من خلال تقرير الميزانية المستقلة للسلطة القضائية او على اقل تقدير جعل الميزانية ملحقة بالميزانية العامة للدولة حتى تتحرر من الإجراءات المعقدة التي تصطبغ بها الميزانية العامة للدولة من ناحية وحتى تستقل السلطة القضائية بوضع اعتماداتها المالية فتبعد عن الضغوط الإدارية والسياسية من ناحية ثانية، ان الميزانية الملحقة استثناء على مبدأ وحدة الميزانية الذي يوجب وجود ميزانية واحدة لجميع إيرادات ونفقات الدولة ولجميع الجهات والأشخاص الاعتبارية العامة سواء كانت الدولة او الأشخاص العامة المرفقية، إما الأشخاص العامة الإقليمية كالبلديات فهي تتمتع بميزانية مستقلة بطبيعتها في القانون المالي بحسبانها شخصا عاما مستقلا عن الدولة في موضوعه واختصاصاته ولا تعتبر الميزانية المستقلة للبلديات استثناء من مبدأ وحدة الميزانية.
ان القضاء مرفق عام وهو سلطة مستقلة ولكنه ليس بجهة من الجهات فهو ليس بهيئة ولا مؤسسة ومن ثم قد يثور السؤال حول مدى إمكانية منح السلطات العامة ميزانيات ملحقة او مستقلة. والحقيقة ان مفهوم الجهات في القانون المالي ينصرف للهيئات والمؤسسات وهي كيانات يمنحها المشرع عادة الشخصية الاعتبارية المستقلة عن الدولة ويقرر لها الميزانية المستقلة ان كانت ذات طبيعة اقتصادية (تجارية او صناعية او مالية) وذلك على اعتبار ان هذه الجهات لديها القدرة على تحقيق إيرادات ذاتية وفقا لنشاطها، كما ان نفقاتها تختلف عن الطبيعة التقليدية لنفقات الدولة ومن ثم لا تتبع التقسيم الخماسي في أبواب النفقات العامة ومن ذلك بنك الكويت المركزي والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ومؤسسة الموانئ ومؤسسة الخطوط الجوية الكويتية وهناك أكثر من اثنتي عشرة ميزانية مستقلة في الكويت.
وقد يقرر المشرع ـ بقانون كذلك ـ ان يمنح بعض الجهات وان كانت تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة عن الدولة الميزانية الملحقة بحسبان هذه الجهات وان كانت ذات طبيعة غير اقتصادية الا أنها تمارس نشاطا يختلف عن النشاط الروتيني للدولة وتحتاج الى نوع من المرونة لاسيما في تحديد وتوجيه نفقاتها بالنظر الى الطبيعة الخاصة لهذه الجهات وهي غالبا ما تكون جهات ذات نشاط اجتماعي او ثقافي او سياسي، ومن أمثلتها في الكويت الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب والهيئة العامة للشباب والرياضة والهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية وهناك اثنتا عشرة ميزانية ملحقة في الكويت.
ولا مندوحة عن التأكيد ان المشرع الكويتي يقع في الخطأ القانوني في الكثير من الأحيان في مجال القانون العام المالي ويستخدم مصطلحات في غير محلها او يخلق كيانات ويقرر لها ميزانيات ملحقة او مستقلة بالمخالفة لحقيقة المفاهيم الدستورية والفقهية في مجال القانون المالي.
ومن أمثلة تلك المخالفات منح المشرع الكويتي الميزانية الملحقة للهيئة العامة للاستثمار وهي مؤسسة ذات طابع اقتصادي ولها القدرة على تحقيق إيرادات ذاتية تساوي وقد تتفوق على الإيرادات العامة للميزانية العامة للدولة وكان من المتعين ان تكون ميزانيتها مستقلة لا ملحقة وعلى النقيض من ذلك نرى المشرع يمنح الميزانية المستقلة لمعهد الكويت للأبحاث العلمية بالرغم من كون المعهد لا يتمتع بالمقدرة على الحصول على إيرادات ذاتية تغطي نفقاته وكان الأجدر بل الأحق قانونا وفقها منح معهد الكويت للأبحاث العلمية الميزانية الملحقة.
ويحدث ان يمنح المشرع جهة معينة الميزانية الملحقة رغم أنها لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة عن الدولة ومن ذلك في الكويت جامعة الكويت فرغم ان الجامعة قد أنشئت بالقانون رقم 29 لسنة 1966 الا ان المشرع لم يمنحها الشخصية الاعتبارية ولا يمكن بأي حال من الأحوال افتراض الشخصية الاعتبارية فهي لا تقرر إلا بقانون وفقا للمادة «133» من الدستور.
ومما يتعين بيانه في شأن الميزانيات الملحقة والمستقلة ان الدستور الكويتي في المادة «148» لم يشترط تقرير هذه الميزانيات لجهات تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة ولم يتضمن النص ما يشير الى منح الميزانية الملحقة او المستقلة لهيئة او مؤسسة وإنما قرر المشرع الدستوري فقط وجوب ان تمنح الميزانية الملحقة او المستقلة بقانون، وهذا مسلك متميز للمشرع الدستوري ذلك ان بعض الإدارات داخل الدولة تقوم بإعمال تختلف بطبيعتها عن العمل التقليدي للدولة وتحتاج الى نوع من المرونة المالية فتمنح الميزانية الملحقة فمن الممكن ان تمنح الميزانية الملحقة لبعض الإدارات كإدارة الطيران المدني او الإدارة العامة للإطفاء او الإدارة العامة للإحصاء ولا مخالفة في ذلك دستوريا او وفقا لفلسفة القانون العام المالي.
واذا كانت الميزانية الملحقة تمنح عادة لكيانات او جهات او لإدارات ذات الطبيعة الاجتماعية او الثقافية او الدينية او العلمية فانه من علم القانون مما يؤكده الفقه ان تقرر الميزانيات الملحقة للسلطات العامة ونعي بذلك السلطتين التشريعية والقضائية بحسبان الدولة بطبيعتها ميزانيتها هي الميزانية العامة السنوية الواحدة الشاملة الشائعة المتوازنة.
ويصار عادة الى تقرير الميزانية الملحقة للسلطة التشريعية رغم أنها سلطة مستقلة بحسبان عدم مقدرة السلطة التشريعية على تحقيق إيرادات ذاتية تستطيع من خلالها ان تمول نفقاتها، ذلك انه في فقه القانون المالي تمنح الميزانيات المستقلة للكيانات او الجهات ذات الطبيعة الاقتصادية. وتقرير الميزانية الملحقة للسلطة التشريعية لا يعني بحال من الأحوال ان السلطة التشريعية ملحقة بالسلطة التنفيذية بل يعني الأمر ان النفقات الخاصة بميزانية السلطة التشريعية تمول بصورة تلقائية وفورية من قبل الميزانية العامة للدولة دون حاجة لموافقة الحكومة او وزير المالية كما هو الشأن بالنسبة للوزارات والإدارات الحكومية التي يشترط تمويل نفقاتها ومناقلات هذه النفقات موافقة وزير المالية.
وإذا كان ينص في اللائحة الداخلية لمجلس الأمة (م172) بان مجلس الأمة يقر ميزانيته الملحقة في حدود الاعتمادات المدرجة في هذا الخصوص في ميزانية الدولة بالاتفاق مع الحكومة فذلك لان الميزانيات العامة والملحقة والمستقلة وغيرها من الميزانيات الخاصة (وهي كثيرة ولا مجال للحديث عنها هنا) لا يمكن ان تقدم إلا على شكل مشروع بقانون اي من قبل الحكومة وقد أكدت المادة (140) من الدستور ذلك بنصها انه «تعد الدولة مشروع الميزانية السنوية......».. كما نصت المادة (148) من الدستور في عجزها بأنه «وتسري في شأنها (اي في شأن الميزانيات الملحقة والمستقلة) الأحكام الخاصة بميزانية الدولة».
ولا يوجد ما يمنع تقرير الميزانية المستقلة لمجلس الأمة بحسبانه سلطة عامة بغض النظر عن عدم كونه ذا طبيعة اقتصادية. ذلك ان الميزانيات المستقلة تقرر بقانون دون اي اشتراط آخر ولكن من الناحية الفنية لا تمنح الميزانيات المستقلة إلا للجهات ذات الطبيعة الاقتصادية، وفقه القانون المالي يذهب في مجموعه الى تأييد هذا الاتجاه بحسبان الميزانيات المستقلة تتبع الطابع الاقتصادي (الصناعي والتجاري) في نفقاتها وحساباتها وبيان أرباحها وخسائرها في حين ان مجلس الأمة ليس له شيء في تلك النفقات ولا في الحسابات. ولا مفر بعد ذلك من تقرير الميزانية الملحقة للسلطة القضائية بل هذا هو ما يتعين العمل به منذ صدور أول قانون لتنظيم القضاء في الكويت.
ثانيا: الميزانية الملحقة حتمية للسلطة للقضائية
ان السلطة القضائية من السلطات العامة وقد وصفها الدستور الكويتي في الفصل الخامس من الباب الرابع الذي جاء بعنوان السلطات، بالسلطة القضائية مقررا في المادة (163) استقلال القضاء.
ان استقلال القضاء يعني حتما استقلاله الاداري واستقلاله المالي، ولا تتحقق الضمانات التي قررها الدستور للقضاء إلا بالاستقلال المالي وتقرير ميزانية له ينفرد المجلس الأعلى للقضاء بوضع مشروعها ويقدمه الى وزير المالية ثم الى مجلس الوزراء حتى يصدر مرسوم بمشروع قانون الميزانية الذي يقدم الى مجلس الأمة فيصدر قانون الميزانية الملحقة للسلطة القضائية.
ولا شك ـ عندنا ـ في ان اختيار الميزانية الملحقة للقضاء أمر يحتمه الدستور الذي اوجب كفالة استقلال القضاء بقانون.
ولا شك أيضا في ان طبيعة عمل السلطة القضائية تختلف عن طبيعة عمل الجهاز الاداري في الدولة، فالنشاط القضائي له خصوصية من حيث الموضوع ومن حيث الشكل، ان السلطة القضائية تشمل القضاة وأعضاء النيابة العامة وهؤلاء يتمتعون أصلا بالاستقلال وهو عنوان للنزاهة والعدالة. ان أحكام وقواعد شغلهم لمراكزهم الوظيفية لها طابع خاص، كما أنهم يقومون بحسم المنازعات والقضاء وهم لا سلطان عليهم في قضائهم.
ان طبيعة عمل السلطة القضائية تنفرد وتتميز عن طبيعة عمل الجهاز الحكومي فهذه سلطة تنفيذية، كما يتميز عمل السلطة القضائية عن عمل مجلس الأمة فهذا سلطة تشريعية، ان تميز عمل السلطة القضائية يقتضي تحريره من الروتين الحكومي او المنهج المتبع في الميزانية العامة للدولة التي تخضع لإطار فلسفي لا يتماشى مع عمل السلطتين التشريعية او القضائية.
ولا مندوحة عن إسناد مهمة وضع اقتراح النفقات العامة للقضاء من مجلسه الأعلى، فالمجلس الأعلى للقضاء ليس من صنع المشرع العادي، بل ان المشرع الدستوري اوجب وجوده في المادة (168) من الدستور وقرر ان تكون له صلاحيات تضع مفاهيم ومبادئ السلطة القضائية في حيز التنفيذ.
ان وجود ميزانية ملحقة للسلطة القضائية ترجمة لاستقلال القضاء وإبعاده عن ضغوطات الحكومة إذ تستطيع هذه الأخيرة في حالة كينونة الميزانية تابعة لها وجزء منها ان تدخلها في مبدأ التوازن الذي يحكم الميزانية العامة للدولة فتتم المساواة في تخصيص النفقات الخاصة بالقضاء مع أنشطة أخرى وهذا يؤثر حتما على نشاط السلطة القضائية وأعمالها.
ان المميزات الوظيفية للقضاة والمكافآت وساعات العمل والاشتراك في المؤتمرات الدولية والمشاركة في الاجتماعات الداخلية والإقليمية والدولية لا يمكن تركها او ترك تحديد تكاليفها المالية للسلطة التنفيذية فيكون ذلك ـ بالحتم واللزوم ـ تدخلا في أعمال القضاء ويهز من استقلاله وحياديته.
ان تمويل الميزانية العامة للدولة للميزانية الملحقة للقضاء بشكل تلقائي وفقا لما يقرره المجلس الأعلى للقضاء من نفقات عامة هو الشكل الطبيعي لمفهوم الاستقلال المالي.
وإذا كان القضاء يحصل على إيرادات ذاتية تتمثل في رسوم التقاضي فانه لا يوجد ما يمنع دستوريا من تخصيص هذه الإيرادات للسلطة القضائية فتدخل في أبواب الإيرادات وتخصص لنفقات معينة يحددها المجلس الأعلى للقضاء.
وإذا كان الدستور الكويتي قد تبنى مبدأ شيوع الميزانية العامة في المادة (142) منه وإذا كانت الإيرادات العامة في الميزانيات الملحقة تؤول تلقائيا للميزانية العامة للدولة، فانه لا يوجد ما يمنع بحسب نص الدستور في المادة (142) من تخصيص الإيرادات لنفقات معينة، كما ان إنشاء الميزانيات الملحقة والمستقلة وتمويلها من قبل الدولة من الباب الخامس في النفقات العامة هو أصلا استثناء على مبدأ شيوع الميزانية العامة، وهذا التخصيص مشروع ما دام قد تم بقانون. وهذا ما يعمل في القانون المقارن كفرنسا ومصر في شان تخصيص جزء من الرسوم القضائية لنفقات القضاء. ومن البديهي ـ كما جاء في الاقتراح ـ ان تحدد النفقات المالية المخصصة للسلطة القضائية بالاتفاق مع الحكومة وتدرج رقما واحدا في الميزانية العامة للدولة اي في الباب الخامس من أبواب النفقات العامة، فالدولة هي التي تعد مشروع قانون الميزانية العامة والميزانيات الملحقة والمستقلة وغيرها وتقدمها لمجلس الأمة وفقا لإحكام المواد (140، 141، 142، 143، 148).
وبحسب الاقتراح المقدم ستستقل السلطة القضائية في تقدير نفقاتها ومن ثم ميزانياتها الملحقة وان حجم النفقات العامة للسلطة القضائية تدرج ضمن اعتمادات الباب الخامس للميزانية العامة للدولة.
ومما تجدر ملاحظته في المادة (80) من المقترح بأنها بعد ان أنشأت صندوقا للخدمات الصحية والاجتماعية للقضاة وأعضاء النيابة العامة قد خصصت (7%) من الرسوم القضائية لتمويل ذلك، ونحن نؤكد ان هذا المسلك يتماشى بشكل لا تشوبه شائبة مع مواد الدستور وفلسفة الاستقلال المالي وفقا للقانون العام المالي.
ان الدستور في المادة 142 قد أجاز التخصيص بقانون وهذا قانون كما أجاز المشرع الدستوري في المادة 148 بشأن الميزانيات الملحقة والمستقلة بقانون وهذا ما يتم الآن. إننا نرى تخصيص جميع الرسوم القضائية لنفقات السلطة القضائية وان يتدخل المشرع لإقرار ذلك في تعديل قانون القضاء فهذا التخصيص من شأنه ان يخفف حجم التمويل المالي لميزانية السلطة القضائية من الميزانية العامة للدولة من ناحية كما انه سيمكن المجلس الأعلى للقضاء من تحديد توجهات هذه الإيرادات في تمويل نفقات السلطة القضائية بما يحقق تحسين الأنشطة القضائية وتوفير الحاجات الاجتماعية والثقافية للقضاة وأعضاء النيابة العامة من ناحية ثانية.