-
النيابة العامة مثلها مثل إدارة الفتوى والتشريع لا تصدر أحكاماً واعتبرتها محكمة التمييز شعبة أصيلة من شُعب السلطة التنفيذية ومع ذلك لم يقل أحد إن النيابة العامة ليست جهة قضائية
-
إقرار المشرع بالوظيفة القضائية لإدارة الفتوى والتشريع لم يأت من فراغ وإنما جاء مستنداً إلى رأي الأساتذة المختصين بكلية الشريعة والحقوق بجامعة الكويت الذي صدر عنهم في سنة 1975
-
موقف القضاء الكويتي النزيه يؤكد الوظيفة القضائية لإدارة الفتوى والتشريع في أحكامه الصادرة من المحاكم المختلفة
-
«الاستئناف» تؤكد أن «الفتوى والتشريع» بنص المادة 170 من الدستور هي شطر من السلطة القضائية التي أفرد لها الدستور الفصل الخامس منه
في الفترة الأخيرة دأبت بعض الصحف المحلية على نشر آراء لعدد لا يتجاوز 4 من السادة المحامين وأساتذة القانون ينكرون فيها الوظيفة القضائية للفتوى والتشريع ولعل آخر هذه الآراء ما نشرته صحيفة القبس في صفحتها التاسعة بعددها رقم 12856 السنة 38 الصادر بتاريخ 15/3/2009، وما نشرته صحيفة الوطن في صفحتها 29 بعددها رقم 11919/6365 السنة 48 الصادر بتاريخ 17/3/2009، وفي صفحتها 37 بعددها رقم 11926/6372 السنة 48 الصادر بتاريخ 24/3/2009.
ولقد فضلنا عندما بدأت الصحف في نشر مثل هذه الآراء عدم الرد عليها لعدة أسباب أهمها:
أولا: لأن هذا الموضوع قد أثير لأول مرة منذ سنة 1977 وتم حسمه من جانب المشرع عندما أصدر المرسوم بالقانون رقم 14 لسنة 1977 في شأن درجات ومرتبات القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع المعدل بالمرسوم بالقانون رقم 124 لسنة 1992 وطبق مبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور على الجهات الثلاث (القضاة وأعضاء النيابة العامة والفتوى والتشريع) فيما يتعلق بالدرجات والمرتبات وكافة الميزات الأخرى وقصرها على هذه الجهات.
ثانيا: لأن قضاء دولة الكويت الشامخ والعادل عندما عرض عليه هذا الموضوع بصفة رسمية أصدر من منصته العالية ومن أعلى محكمة فيه وهى محكمة التمييز أحكاما عدة بعضها اعتبر إدارة الفتوى والتشريع شطر من السلطة القضائية وبعضها انتهى إلى أن ما تصدره النيابة العامة باعتبارها شعبة أصلية من شعب السلطة التنفيذية خصتها القوانين بسلطة قضائية بالتحقيق في الجرائم ورفع الدعوى وكلتا الجهتين لا تصدر أحكاما، كما أن المحكمة الدستورية قد انتهت في حكمها الصادر بجلسة 28/5/2008 إلى أن المشرع قد ساوى بين القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع فيما يتعلق بتنظيم شؤونهم الوظيفية وما يصاحبها من مزايا مادية وعينية.
ثالثا: لأنه ومنذ ما يقارب الخمسين عاما وتنفيذا لأحكام الدستور والتشريعات المختلفة التي صدرت في شأن جهات السلطة القضائية والمشرع يراعي دائما تحقيق المساواة بين رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع وذلك إيمانا منه بأن العمل الذي يؤديه شاغلو تلك الوظائف هو من أعمال السلطة القضائية كل في مجال اختصاصه. إلا أنه وقد تبين أن الذين ينكرون على إدارة الفتوى والتشريع وظيفتها القضائية قد وقعوا في خطأ نتيجة عدم التفرقة بين السلطة القضائية والجهات القضائية وربما لعدم إلمامهم بما صدر من أحكام في هذا الشأن لذلك وجب الرد.
وبيان ذلك يخلص في أن هؤلاء لم يفرقوا بين حكم المادة 53 من الدستور وما ورد من أحكام في المواد من 162 إلى 173 منه فالمشرع الدستوري وبمقتضى المادة 53 منه أناط بالمحاكم السلطة القضائية اي سلطة إصدار الأحكام فنصت على أن السلطة القضائية تتولاها المحاكم باسم الأمير في حدود الدستور وقد وردت هذه المادة تحت عنوان: الأحكام العامة ـ الفصل الأول من الباب الرابع والمخصص للسلطات إذ بعد أن أوضحت المادة 50 مبدأ الفصل بين السلطات عرفت المادة 51 السلطة التشريعية وعرفت المادة 52 السلطة التنفيذية ثم عرفت المادة 53 السلطة القضائية على النحو السابق بيانه.
أما المواد من 162 إلى 173 من الدستور فقد وردت تحت الفصل الخامس من الباب الرابع المخصص للسلطة القضائية ليس بالمعنى الوارد في المادة 53 من الدستور وإنما لبيان جهات السلطة القضائية فبينت المواد من 162 إلى 166 القضاء بمعنى الجهة التي تصدر الأحكام وهى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ثم أوضحت المادة 167 اختصاص النيابة العامة كجهة من جهات السلطة القضائية تتولى الدعوى العمومية باسم المجتمع وتشرف على شؤون الضبط القضائي، وأشارت المادة 169 إلى الجهة القضائية التي تفصل في الخصومات الإدارية، ثم نصت المادة 170 على أن يرتب القانون الهيئة التي تتولى إبداء الرأي القانوني للوزارات والمصالح العامة وتقوم بصياغة مشروعات القوانين واللوائح، كما يرتب تمثيل الدولة وسائر الهيئات العامة أمام جهات القضاء ثم أجازت المادة 171 إنشاء مجلس الدولة وبينت اختصاصه وأوضحت المادة 172 طريقة البت في الخلاف على الاختصاص بين جهات القضاء وتنازع الأحكام وأخيرا بينت المادة 173 الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح.
ويبين من ذلك أنه لا يلزم ـ وفقا لأحكام الدستور التي تعلو أحكامه على كل تشريع أو أي رأي ـ أن تكون الجهة القضائية قاصرة على الجهات التي تصدر الأحكام بأن يكفي أن يكون اختصاصها القيام بأعمال تعتبر قضائية كما استقرت على ذلك أحكام التمييز حسبما سنبين بالتفصيل فيما بعد، إذن فإن المشرع الدستوري كان قاصدا وبحق في أن يعتبر الجهة التي تباشر إبداء الرأي وصياغة التشريعات من جهات السلطة القضائية ولو أراد غير ذلك لاستبعدها من الجهات الواردة تحت الفصل الخامس من الباب الرابع من الدستور والقول بغير ذلك فيه مخالفة صريحة لأحكام الدستور ويجب الالتفات عنه.
بعد بيان التفرقة بين السلطة القضائية والهيئات القضائية نبين فيما يلي الرد على الذين ينكرون على إدارة الفتوى والتشريع وظيفتها القضائية.
أولا: التطور التاريخي للفتوى والتشريع وما أثير بشأن وظيفتها القضائية
1) صدر المرسوم الأميري رقم 12 لسنة 1960 بقانون تنظيم إدارة الفتوى والتشريع مبينا انها إدارة مستقلة تتولى صياغة مشروعات القوانين والمراسيم واللوائح والقرارات التنفيذية للقوانين وإبداء الرأي في المسائل التي يستفتيها فيها مجلس الوزراء والوزارات. وفيما يقوم من خلاف في وجهات النظر بين الوزارات بناء على طلب مجلس الوزراء، وبمراجعة العقود التي تبرمها الحكومة مع الشركات والمقاولين والأفراد وبإبداء الرأي في المسائل التي تنجم عن تنفيذ هذه العقود.. وبإبداء الرأي في كل التزام موضوعه استغلال مورد من موارد الثروة الطبيعية في البلاد أو مصلحة من مصالح الجمهور العامة وكل امتياز أو احتكار وفي تأسيس الشركات التي ينص القانون على أن يكون إنشاؤها بمرسوم، كما يتولى الدفاع عن مصالح الخزانة العامة في جميع القضايا التي ترفع أمام المحاكم على الحكومة أو منها.
2) عند صدور الدستور في سنة 1962 وجد المشرع الدستوري أن الوظائف التي تقوم بها إدارة الفتوى والتشريع وفقا لقانون إنشائها وظائف قضائية فقضى في المادة 170 من الدستور وتحت الفصل الخامس من الباب الرابع المخصص للسلطة القضائية (أي لبيان الجهات القضائية) على أن يرتب القانون الهيئة التي تتولى إبداء الرأي القانوني للوزارات والمصالح العامة وتقوم بصياغة القوانين واللوائح كما يرتب تمثيل الدولة وسائر الهيئات العامة أمام جهات القضاء وذلك كله على التفصيل السابق بيانه.
3) في سنة 1975 رأت القيادة السياسية في ذلك الوقت استطلاع رأي الأساتذة المختصين بكلية الحقوق والشريعة حول ما إذا كانت إدارة الفتوى والتشريع تعتبر طبقا للقانون المقارن ولأحكام الفصل الخامس من الدستور والقانون رقم 12 لسنة 1960 إحدى الهيئات القضائية أم تعتبر جهة إدارية شأنها كشأن سائر الإدارات القانونية بمختلف الوزارات وذلك للنظر في المعاملة المالية للأعضاء الفنيين بهذه الإدارة من مستشارين وغيرهم؟
4) وقد جاء رد وزير التربية ورئيس المجلس الأعلى للجامعات في هذا الوقت على الاستفسار المشار إليه بمقتضى كتاب موقع منه نفضل أن نورد نصه كاملا فيما يلي:
السيد المحترم الأمين العام لمجلس الوزراء
الموضوع: مشروع قانون بجدول درجات ومرتبات القضاة وأعضاء النيابة العامة
تحية طيبة وبعد:
فإشارة إلى كتابكم رقم 15/640 ـ 1872 بتاريخ 12/7/1975 في شأن ما قرره مجلس الوزراء بجلسته (25/75) من استطلاع رأي الأساتذة المختصين بكلية الحقوق والشريعة، عما إذا كانت إدارة الفتوى والتشريع، تعتبر طبقا للقانون المقارن، ولأحكام الفصل الخامس من الدستور الكويتي، وللقانون رقم 12 لسنة 1960، إحدى الهيئات القضائية، أم تعتبر جهة إدارية شأنها شأن سائر الادارات القانونية بمختلف الوزارات، وذلك للنظر في المعاملة المالية للأعضاء الفنيين بهذه الإدارة من مستشارين وغيرهم.
أنهي إليكم بأنه بإحالة الموضوع إلى كلية الحقوق والشريعة، أوضح الاساتذة المختصون بها أنهم انتهوا إلى الرأي التالي:
أولا: يخصص دستور الكويت الفصل الخامس منه للسلطة القضائية مبينا الهيئات المختلفة التي تتكون منها فيشير تباعا إلى كل المحاكم (المواد من 164 ـ 166) والنيابة العامة (167) والمجلس الأعلى للقضاء (مادة 168) والقضاء في المواد الإدارية (المادة 169) وهيئة الفتوى والتشريع (المادة 170) ومجلس الدولة بقسميه القضائي والافتائي (المادة 171) والقضاء الدستوري (مادة 173) ويبين من هذا أن الدستور الكويتي يعتبر «الهيئة التي تتولى إبداء الرأي القانوني للوزارات والمصالح العامة وتقوم بصياغة مشروعات القوانين واللوائح» إحدى الهيئات المكونة للسلطة القضائية في النظام الدستوري الكويتي، ويؤيد ذلك أن المادة 171 من الدستور الكويتي تشير إلى جواز إنشاء مجلس دولة يختص بوظائف القضاء الإداري والافتاء والصياغة المنصوص عليهما في المادتين 169 و170 مما يفيد أن المشرع الدستوري يجعل مهمة الفتوى والتشريع إحدى مهام هيئة لا خلاف في القانون المقارن في أنها هيئة قضائية هي مجلس الدولة.
ثانيا: تقوم إدارة الفتوى والتشريع وفقا للمرسوم الأميري رقم 12 لسنة 1960 بثلاث وظائف أساسية:
1) صياغة مشروعات القوانين ومشروعات المراسيم واللوائح والقرارات التنفيذية للقوانين (مادة 2).
2) إبداء الرأي في المسائل التي يستفتيها فيها مجلس الوزراء والوزارات والدوائر والمصالح (مادة 3 وما بعدها).
3) الدفاع عن مصالح الخزانة العامة في جميع القضايا التي ترفع أمام المحاكم على الحكومة أو منها (مادة 8).
وفي النظام القانوني المصري، يقوم مجلس الدولة بمهمتي الصياغة وإبداء الرأي (التشريع والفتوى) وتقوم إدارة قضايا الحكومة بمهمة الدفاع عن الحكومة أمام المحاكم. ولا خلاف في النظام القانوني المصري في أن كلا من مجلس الدولة وإدارة قضايا الحكومة يعتبر هيئة قضائية.
ثالثا: ولا يحول دون هذا الرأي ما هو مسلم من أن اعضاء إدارة الفتوى والتشريع في الكويت، قياسا على أعضاء قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة وأعضاء إدارة قضايا الحكومة في مصر، ليسوا قضاة، ذلك أنه يتعين التفرقة بين من يعتبر قاضيا ومن هو عضو في الهيئة القضائية، فاصطلاح الهيئة القضائية أوسع من اصطلاح القاضي فمن المعروف أن رجال النيابة العامة شأنهم شأن رجال الفتوى والتشريع وأعضاء إدارة قضايا الحكومة، ليسوا قضاة بالمعنى الدقيق، ولكنهم مع ذلك أعضاء دون جدال في الهيئة القضائية.
وتفضلوا بقبول فائق التحية.
وزير التربية والرئيس الأعلى للجامعة
جاسم خالد المرزوق
ملحوظة: انتهى نص كتاب وزير التربية
ومما يؤكد صحة الرأي الذي انتهى إليه الأساتذة المختصون بكلية الحقوق بجامعة الكويت أنه وبعد مرور ما يزيد على 35 سنة فإن المحكمة الدستورية بجمهورية مصر العربية انتهت في طلب التفسير رقم 2 لسنة 2006 قضائية «تفسير» جلسة 7/3/2004 إلى أنه يقصد بعبارة الهيئات القضائية الواردة بنص الفقرة الثانية من المادة 24 من القانون رقم 73 لسنة 1956 كل هيئة يسبغ عليها الدستور أو القانون الصادر بشأنه أو تنظيمها صفة «الهيئة القضائية» وتنضم بهذه الصفة الى تشكيل المجلس الأعلى للهيئات القضائية ويصدق ذلك على هيئتي قضايا الدولة والنيابة الادارية.
وقد ورد بأسباب هذا الحكم أن مصطلح الهيئة القضائية في النظام القانوني المصري إن هو إلا اسم جهة تندرج تحته عدة أنواع منها جهات تمسك بزمام العدالة.. وأخصها المحكمة الدستورية العليا ومحاكم جهتي القضاء العادي والاداري ومنها جهات قائمة بذاتها وهي إن لم يعهد اليها المشرع باختصاص الفصل في القضايا إلا أنه أسبغ عليها صفة الهيئة القضائية تقديرا منه بأنها هيئات بحكم الاختصاصات المنوط بها تسهم في سير العدالة وهى هيئتا قضايا الدولة والنيابة الادارية.
5) في 7/3/1977 أصدر المشرع المرسوم بالقانون رقم 14 لسنة 1977 في شأن درجات ومرتبات القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع المعدل بالمرسوم بالقانون رقم 124 لسنة 1992 وبمقتضى أحكامه ساوى بين القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع فيما يتعلق بدرجاتهم ومرتباتهم وبدلاتهم وجميع الميزات الأخرى وقد ورد بالمذكرة الايضاحية للمرسوم بالقانون رقم 14 لسنة 1977 المشار إليه ما يلي:
«وقد أخذ الدستور الكويتي في الفصل الخامس من الباب الرابع منه سنة التدرج فنص على الهيئات التي تمارس السلطة القضائية والقائمة فعلا عند صدوره والهيئات التي ستنشأ في المستقبل عندما تدعو الحاجة إليها، وهذه الهيئات هي المحاكم على اختلاف أنواعها (مادة 164) والنيابة العامة (مادة 167) ومحكمة القضاء الإداري وهي الشق القضائي من مجلس الدولة (مادة 169) وإدارة الفتوى والتشريع وهي الشق الاستشاري من مجلس الدولة (مادة 170) ومجلس الدولة (171) ومحكمة تنازع الاختصاص (مادة 182) والمحكمة الدستورية (مادة 173)».
وهذا ما يوضح صراحة أن المشرع بمقتضى أحكام المرسوم بالقانون رقم 14 لسنة 1977 المشار إليه قد اعتبر إدارة الفتوى والتشريع من بين الهيئات التي تمارس السلطة القضائية.
ثانيا: موقف القضاء الكويتي النزيه من الموضوع المذكور
بالرغم من أن الآراء التي تنكر على إدارة الفتوى والتشريع وظيفتها القضائية وسواء كان ذلك للخطأ في فهم كل من المادة 53 من ناحية والمواد من 162 إلى 173 من ناحية أخرى من الدستور أو لأي سبب آخر فإن القضاء الكويتي النزيه والعادل كان له موقف تاريخي بالنسبة لهذا الموضوع فأصدر في شأنه عدة قضايا على النحو التالي:
1) أشارت محكمة الاستئناف في أسباب حكمها الصادر بجلسة 31/3/1997 في الاستئنافين رقمي 82، 83 لسنة 1996 إداري إلى أن المرسوم الأميري بالقانون رقم 12 لسنة 1960 بتنظيم إدارة الفتوى والتشريع صدر منذ ما يقارب سبعا وثلاثين سنة أي قبل صدور الدستور لم يعد مواكبا سواء في أحكامه أو صياغته لما طرأ على النظام القانوني برمته للكويت من تطورات وما صدر أيضا من تشريعات متعاقبة في شأن تنظيم القضاء، حال أن إدارة الفتوى والتشريع في صورتها المرسومة بنص المادة 170 من الدستور هي شطر من السلطة القضائية التي أفرد لها الدستور الفصل الخامس منه وأسند لها اختصاصات هامة وكل ذلك مدعاة للمبادرة إلى إعادة النظر في قانون إنشاء الإدارة وتنظيمها على نحو يواكب كل ما طرأ على التنظيمات القانونية للدولة.
وقد تم الطعن على الحكم المذكور أمام محكمة التمييز وقيد الطعن برقم 233 لسنة 1997 إداري تجاري، وبجلسة 20/4/1998 قضت محكمة التمييز بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا، وهكذا أثبت القضاء الكويتي العادل ومن منصته العالية أن إدارة الفتوى والتشريع شطر من السلطة القضائية بل وناشد المشرع أن يتدخل لتعديل قانون تنظيمها مما يجعله متمشيا مع أحكام الدستور والتشريعات الأخرى نظرا لتطورها.
2) إذا كان أصحاب الرأي الذي ينكر على إدارة الفتوى والتشريع وظيفتها القضائية ويعتبرها إدارة تابعة للسلطة التنفيذية فإن أعضاء النيابة العامة وبنص المادة 60 من المرسوم بالقانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن قانون تنظيم القضاء المعدلة بالقانون رقم 10 لسنة 1996 يتبعون جميعا النائب العام ويتبع النائب العام وزير العدل وذلك فيما عدا الاختصاص المتعلق بأي شأن من شؤون الدعوى الجزائية... كما أن لوزير العدل بمقتضى المادة 64 من المرسوم بالقانون رقم 23 لسنة 1990 المشار إليه حق الرقابة والاشراف على النيابة العامة، ولعله من أجل ذلك أيضا أصدرت محكمة التمييز عدة أحكام انتهت فيها إلى أن ما تصدره النيابة العامة باعتبارها شعبة أصلية من شعب السلطة التنفيذية خصتها القوانين بسلطة قضائية بالتحقيق في الجرائم ورفع الدعوى على مرتكبها فإن ما تصدره بصفتها الأمينة على الدعوى العمومية والمشرفة على رجال الضبطية القضائية يكون أعمالا قضائية صادرة عن هيئة قضائية وليس من قبيل القرارات الإدارية ويخرج النزاع حوله عن ولاية القضاء الإداري.. ومن أحكام محكمة التمييز الصادرة في هذا الشأن حكمها الصادر بجلسة 13/1/1997 في الطعن رقم 253 لسنة 1995 تجاري، وحكمها الصادر بجلسة 18/3/2002 في الطعن رقم 243 لسنة 2001 مدني.
ويتضح مما تقدم أن النيابة العامة وهي تابعة لوزير العدل وتعتبر شعبة أصلية من شعب السلطة التنفيذية ولا تصدر أحكاما ومع ذلك تقوم بأعمال قضائية وتعتبر من جهات السلطة القضائية وهو ما ينطبق أيضا على إدارة الفتوى والتشريع وبالتالي تسقط الحجة التي يستند إليها أصحاب الرأي من الإدارة لا تعتبر جهة قضائية لأنها لا تصدر أحكاما قضائية.
3) ولعل خير رد على الذين ينكرون على الفتوى والتشريع وظيفتها القضائية هو الحكم الذي صدر من أعلى محكمة بدولة الكويت وهي المحكمة الدستورية التي أوضحت بما لا يدع مجالا لأي شك في حكم أصدرته بجلسة 28/5/2008 في الدعوى رقم 5 لسنة 2008 دستوري بأن المشرع قد أفرد للقضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع تنظيما خاصا ينظم شؤونهم الوظيفية تكفل ببيانه وضمنه القانون رقم 14 لسنة 1977 المعدل بالقانون رقم 124 لسنة 1992 وأخضع المخاطبين به ومن بينهم أعضاء الفتوى والتشريع سواء كانوا ذكورا أو إناثا إلى أحكامه وساوى في المعاملة بينهم في مختلف أوضاعهم الوظيفية وما يصاحبها من مزايا مادية أو عينية.
ولأهمية هذا الحكم في تقرير القاعدة المشار اليها وتأكيد مبدأ المساواة بين الجهات الثلاث في أسبابه وفقا لما نص عليه الدستور فإننا نورد ما يلي من أسباب الحكم المذكور.
وحيث إنه لما كان ذلك، وكان الدستور قد حرص على التأكيد على مبدأ المساواة حيث تناوله في عدد من نصوصه، فنص عليه صراحة في المادة (29) منه التي قضت بأن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو الدين «وهو النص المتمم لنص المادة (7) من الدستور الذي يقضي بأن «العدل والحرية والمساواة من دعامات المجتمع ونص المادة 8 الذي يقضي بأن «تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين»، ولا غرو في أن ما تضمنه نص المادة (29) سالف البيان هو حكم عام وخطاب موجه إلى جميع سلطات الدولة، تلتزم به السلطة التشريعية فيما تسنه من قوانين، كما تلتزم به السلطة التنفيذية فيما تصدره من لوائح وقواعد تنظيمية وقرارات فردية، كما تلتزم به السلطة القضائية فيما تتولاه متعلقا بشؤون العدالة وقضائها بين الناس، والمساواة في جوهرها تعني التسوية في المعاملة بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة، والمغايرة في المعاملة بين أصحاب المراكز القانونية المختلفة، والمقصود بمبدأ المساواة لدى القانون هو أن يكون الجميع أمام القانون سواء لا تفرقة بينهم أو تمييز، فالحقوق والمزايا التي يمنحها القانون وينعم بها المخاطبون بأحكامه يستظلون بها وفق قاعدة موحدة، وتحظى من القانون بحماية واحدة، وبدرجة متساوية، والواجبات والالتزامات التي يفرضها القانون عليهم يخضع لها الجميع على السواء بلا تفرقة بينهم أو تمييز لأحدهم على الآخر.
ومتى كان ما تقدم، وكان المشرع قد أفرد للقضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع تنظيما خاصا ينتظم شؤونهم الوظيفية تكفل ببيانه وضمنه القانون رقم (14) لسنة 1977 المعدل بالقانون رقم (124) لسنة 1992، وأخضع المخاطبين به ومن بينهم أعضاء إدارة الفتوى والتشريع سواء كانوا ذكورا أو إناثا إلى أحكامه، وساوى في المعاملة بينهم في مختلف أوضاعهم الوظيفية وما يصاحبها من مزايا مادية أو عينية، متضمنا القانون النص في المادة (8) منه على إعطاء كل من القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع سكنا خاصا يتناسب مع وظيفته وذلك طبقا للنظام الذي يصدر به قرار من مجلس الوزراء، وإذ أصدر مجلس الوزراء قراره رقم (142) لسنة 1992 بشأن إسكان القضاة وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع المعدل بالقرار رقم (162) لسنة 1992 والقرار رقم (734/سابعا) لسنة 1994، مقررا في المادة الثانية منه أحقيتهم في الخيار بين تخصيص سكن حكومي أو تقاضي بدل سكن، محددا فئته بالنسبة للأعزب وفئته بالنسبة للمتزوج، بغير أن يخل ذلك بحقهم في تقاضي العلاوة الاجتماعية المقررة لوظيفتهم، ونص في البند (5) من المادة الثالثة على حرمان الإناث من تلك الميزة إلا إذا كن متزوجات، على الرغم من تقريرها للأعزب من الذكور، ودون تقرير ذات الحق للإناث، مسقطا أحقيتهن في هذه الميزة في تلك الحالة، ومن ثم فإنه يكون قد غاير في المعاملة بين الخاضعين لنظام قانوني واحد، وأخل بمبدأ التكافؤ في الحقوق بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة، وأقام بذلك تفرقة دون مقتضى بين الذكور والإناث، تنطوي على تمييز تحكمي منهي عنه على أساس من الجنس، مخالفا مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (29) من الدستور، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم دستوريته فيما تضمنه متعلقا بهذا الشأن.
ملحوظة: انتهى ما أوردناه من أسباب حكم المحكمة الدستورية المشار إليه.
ثالثا: التفرقة بين رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة من جهة وبين أعضاء الفتوى والتشريع فيما يتعلق بمرتباتهم وبدلاتهم أو أي مزايا أخرى فيها عدول عن مبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور
1) لقد سبق أن أوضحنا أن المشرع قبل أن يصدر المرسوم بالقانون رقم 14 لسنة 1977 المشار اليه والذي ساوى بين رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة وادارة الفتوى والتشريع فيما يتعلق بدرجاتهم ومرتباتهم وبدلاتهم وكافة المزايا المالية الأخرى لجأ إلى استطلاع رأي نخبة من أعظم أساتذة القانون في كلية الحقوق والشريعة بجامعة الكويت في ذلك الوقت في شأن الطبيعة القضائية لإدارة الفتوى والتشريع وعلى ضوء النتيجة التي توصل إليها هؤلاء الأساتذة العظام أخذ المشرع بتلك النتيجة وأصدر المرسوم بالقانون رقم 14 لسنة 1977 سالف الذكر.
2) ومنذ سنة 1977 ظلت أحكام المرسوم بالقانون المشار اليه تطبق على كل من رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع إعمالا لمبدأ المساواة ودون أي تفرقة واستمر تطبيقها حتى بعد تعديل المرتبات والبدلات والعلاوات المقررة به بمقتضى مراسيم أميرية متعددة كانت تشمل الجهات الثلاث وهى القضاء والنيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع.
3) والجدير بالذكر أنه حتى عندما أصدر المشرع المرسوم الأميري رقم 108 لسنة 2003 في شأن مرتبات وبدلات القضاة وأعضاء النيابة العامة دون أعضاء إدارة الفتوى والتشريع فإن المشرع قد راعى تطبيق مبدأ المساواة إذ أصدر المرسوم رقم 144 لسنة 2003 في شأن جدول وظائف ومرتبات أعضاء إدارة الفتوى والتشريع متضمنا ذات المرتبات والبدلات وكافة الميزات الأخرى الواردة بالمرسوم رقم 108 لسنة 2003 المشار إليه.
4) وإذا كان المشرع قد أصدر مؤخرا المرسوم رقم 41 لسنة 2009 بمنح علاوة قضائية خاصة للقضاة وأعضاء النيابة العامة فنحن من جانبنا نبارك لهم ونرى أنهم جديرون بها نظرا للرسالة السامية التي يقومون بها من أجل تحقيق العدالة وما يتطلبه ذلك من جهد كبير خاصة إذا علمنا أن الدول المتقدمة تعطي عناية فائقة لقضائها وتمنح من يشغلون وظائف قضائية من الميزات المالية ما يكفل لهم حياة كريمة بل يزيد.
5) إننا في ذات الوقت على يقين من أن القيادة السياسية التي طبقت مبدأ المساواة بين رجال القضاء والنيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع فيما يتعلق بحقوقهم المالية الوظيفية منذ سنة 1977 حتى الآن لن تعدل عن هذا المبدأ بالقطع ونأمل أن يسارع المشرع لإصدار مرسوم يمنح بمقتضاه لأعضاء إدارة الفتوى والتشريع العلاوة التي منحها لزملائهم القضاة وأعضاء النيابة العامة بالمرسوم رقم 41 لسنة 2009 السابق الإشارة إليه.
6) بقي أن نوضح للذين ينكرون على إدارة الفتوى والتشريع وظيفتها القضائية ويقللون من الدور الذي تقوم به في مجالات متعددة أن كافة الأعمال التي تقوم بها الإدارة هى أعمال قضائية توفر لدولة الكويت آلاف الملايين من الدنانير بسبب الجهد الذي يبذله أعضاؤها في الحضور أمام المحاكم أو هيئات التحكيم سواء داخل الكويت أو في الدول الأجنبية، وكذلك إبداء الرأي القانوني لمجلس الوزراء والوزارات وكافة الجهات الحكومية في المسائل القانونية المختلفة ومراجعة العقود التي ترغب الدولة في إبرامها والتي تقدر قيمتها بآلاف الملايين سنويا إلى غير ذلك من الأعمال القضائية الأخرى والتي وردت في الدستور وقانون إنشائها فهل يقبل بعد ذلك القول ان إدارة الفتوى والتشريع دخيلة على السلطة القضائية؟ لا تعليق ولن نرد على ما قد ينشر مستقبلا في الصحف عن هذا الموضوع.
7) إننا أيضا نتوجه بخالص الشكر والتقدير إلى مجلس الأمة الموقر الذي سارعت نخبة من أعضائه إلى تقديم اقتراح بقانون في شأن هيئة الفتوى والتشريع وقضايا الدولة يقرر أنها هيئة قضائية حتى يتمشى مع ما نص عليه الدستور والتطور الذي لحق بالتشريعات في الكويت حسبما طالبت به محكمة الاستئناف في حكمها السابق الإشارة اليه، ونحن على يقين من أن مجلس الأمة الموقر سيتبنى الاقتراح بقانون المذكور ويطلب نظره على وجه الاستعجال لما له من أهمية قصوى لمصلحة الكويت.
والله الموفق