- التخلص من المخلفات يتم بطريقة يدوية عبر الدفن مباشرة في التربة بالقرب من المياه الجوفية المغذية لمزارع الوفرة
حنان عبدالمعبود
شاركت الكويت دول العالم خلال اكتوبر الماضي احياء اليوم العالمي لمكافحة مرض سرطان الثدي، وفي الحفل الختامي لحملة «لأجلك سيدتي» وهي احدى الحملات الخاصة بالتوعية والكشف المبكر عن سرطان الثدي، ألقى وزير الصحة د.هلال الساير كلمة جاء في مجملها ان الاصابة بسرطان الثدي في الكويت تختلف عن غيرها من الدول من حيث اصابة النساء في سن مبكرة، وأشار الوزير الى ضرورة عمل ابحاث لرصد الاسباب الكامنة وراء ذلك.
ونحن بدورنا نضع بين يديه احد اهم اسباب الاصابة بسرطان الثدي في سن مبكرة، وكذلك أنواع اخرى من امراض السرطان القاتلة.
انها محارق النفايات الطبية التي تنتشر في ربوع الكويت شرقا وغربا، وليست فقط اثنتين كما هو معلن، فمحارق النفايات الطبية موجودة تقريبا بكل مستشفى بالكويت، ومع ان هناك من سيرد بأن محارق النفايات بالمستشفيات مغلقة، لكننا نؤكد من خلال مصادر موثوقة انها تستخدم كثيرا، خاصة مع التعطل الدائم للمحرقتين الكبيرتين في منطقة ميناء عبدالله.
وبالنسبة لتقييم المختصين للمحارق الكبيرة الرئيسية، فإنهم يقولون ان المحرقة الاولى متهالكة ولا تطابق أدنى المواصفات المطلوبة للأمن وسلامة العمل، حيث انه حدث انفجار في الطوب الحراري لغرفة الحرق الاساسية عند بداية تشغيلها.
أما المحرقة الثانية والتي تم تركيبها عام 2005 فهي عبارة عن اجزاء مستعملة تم تجميعها لتكون في مجملها محرقة غير متكاملة لعدم وجود الوصلات التنسيقية interface components الامر الذي جعلها غير آمنة للاستخدام وعملها غير متكامل، على الرغم من القدرة على تشغيلها، مما يؤدي الى عدم تحقيق معدلات درجة الحرارة اللازمة لحرق مادة الديوكسين الناتجة عن الحرق غير التام للنفايات الطبية.
الى جانب انتاج المواد السامة الصلبة والغازية والتي يبلغ عددها 73 مادة، والتي لا يتم التخلص منها بالطريقة السليمة، مسببة آثارا ضارة جدا على البيئة والصحة العامة.
ونظرا لهروب الشركة المنفذة من استكمال مشروع المحرقة في عام 2005 والذي شابه بعض التجاوزات الفنية في التنفيذ، فقد نتج عن ذلك صعوبة في تشغيل المحرقة منذ البداية، وكذلك التسبب في اعطالها الكثيرة وعدم وجود جدول زمني لإجراء الصيانة الوقائية، بالاضافة الى انه لا يمكن صيانتها اضطراريا لعدم وجود قطع غيار عند تعطلها، وصعوبة الحصول عليها، لأن المحرقة تم توريدها قديمة ومستعملة.
والاخطر مما سبق هو التسرب الحتمي لمادة الديوكسين والمواد السامة الاخرى نظرا لعدم وجود الوصلات، حيث انها وحدات مجمعة.
ومما يزيد الامر سوءا، والوضع ترديا ان التخلص من مخلفات المحرقة السامة ومخلفات الرماد لمادة الديوكسين يتم بطريقة يدوية، فيتم دفنها مباشرة في التربة بالقرب من المياه الجوفية المغذية لمزارع الوفرة، مما يدمر صحة العاملين والصحة العامة.
من جانبه، تحفظ معهد الكويت للابحاث العلمية عن اجراء الفحوصات الاختبارية اللازمة للتأكد من عدم انبعاث مادة الديوكسين اثناء تشغيل المحارق ورصد نسبة الديوكسين وطلب المعهد احالة الامر الى احدى الشركات التي لم تجر الى الآن اي اختبار.
وبالطبع فإنه ونتيجة لحدوث الاعطال المستمرة للمحرقتين وعدم وجود خطة واضحة، فان هذا الامر نتج عنه اضطرار المسؤولين الى تشغيل المحارق المتهالكة القديمة والتي من المؤكد انه يصدر عنها مادة الديوكسين والموجودة في المستشفيات العامة في وسط المناطق السكنية.
ونظرا لأهمية الموضوع، فقد أوصت المنظمات والهيئات العالمية بضرورة اجراء الفحوصات الدورية لرصد كمية انبعاث مادة الديوكسين من المحارق من خلال مختبرات عالمية متخصصة عالية التقنية والدقة في هذا المجال.
ومادة الديوكسين:لمن لا يعرفها هي مادة كيميائية شديدة السمية تنتج من الحرق غير الكامل للنفايات الطبية، وهي أكثر المواد بقاء في البيئة، فبمجرد تكوينها تبقى الى الابد ولا يمكن ان تتحلل أو تتفكك.
ويسمى الديوكسين المدمر الحقيقي للصحة، فمن مجمل ما رصد عن هذه المادة الكيميائية الفتاكة انه عندما تصل مستويات الديوكسين في دهون جسم الانسان الى قيم ضئيلة اقل من اجزاء من التريليون يصبح مادة شديدة الفتك عن طريق الارتباط بمستقبلات الهرمونات والخلايا الحية مما يغير من الميكانيكية الوراثية والوظيفية للخلية. وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية عام 1996 ان الديوكسين مادة سرطانية قاتلة، وأوصت بالحد من معدلات انبعاثه، كما حظرت تعرض الانسان لهذه المادة على اعتبار أنه لا توجد نسب مأمونة لانبعاثاتها لخطورتها الشديدة.
بالاضافة الى ما ينتج عن احراق الزئبق الذي يستخدم في موازين الحرارة، وآلات قياس ضغط الدم، وأنابيب التوسيع والتغذية، بالاضافة الى البطاريات والمصابيح، ولهذا فإن النفايات الطبية تتسبب في 20% من كمية الزئبق الموجودة في مجموع النفايات الصلبة بشكل عام، والزئبق خطر لأن الحرق لا يدمره، بل يجعله ينبعث بقوة من مداخن المحارق مما يساعد على انتشاره بقوة في الهواء وانتقاله الى المناطق السكنية المجاورة. وتكمن خطورة هذه المادة في انها المتسبب الرئيسي في اصابة الانسان بالتسمم العصبي، حيث تضر ضررا بالغا بالجهاز العصبي المركزي في الجسم.
وبالتالي فإن استخدام هذه المحارق يسبب مدى واسعا من الآثار المفجعة على الصحة العامة.
إصرار على تدمير البيئة
بالرغم من كل ما هو معروف عن هذه المحارق والكوارث التي تتسبب بها، والالمام الجيد للمختصين بكل ما هو حديث ويتفادى هذه المصائب الصحية والبيئية، فإن أحد المسؤولين يصر وبشدة على استخدام هذه المحارق بإنشاء محارق جديدة (عدد 2-3 محارق) في حفر الباطن المجاورة للمملكة العربية السعودية وأخرى على الطريق الدائري السابع علما أن المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج قد ألغت المحارق.
أمراض خطيرة
علمت «الأنباء» من مصادر موثوقة أن هناك دراسة علمية سرية تمت بالتعاون بين وزارة الصحة ومعهد الكويت للأبحاث العلمية والتي أثبتت انبعاث مادة الديوكسين والمخلفات السامة الأخرى (heavy toxic metals) نتيجة لعدم مطابقة المحارق الحالية للمواصفات العالمية وقد تم التحفظ على هذه الدراسة، وإخفاء نتائجها، حيث يؤدي الديوكسين إلى الاصابة بأمراض كثيرة منها: السرطان، ضعف المناعة، اعتلال الجهاز العصبي، إجهاض المواليد والتشوهات الخلقية، الإصابة بمرض السكري، انخفاض هرمونات الذكورة، ارتفاع حالات سرطان الخصية، تضاعف حالات سرطان البروستاتا، سرطان الرحم، سرطان الثدي، العظم الشوكي المشقوق، آثار سلوكية غير طبيعية وعلل تعليمية، يؤثر في الهرمونات البشرية والكرومسومات، يضعف الغدد الصماء مسببا العديد من الأمراض الخطيرة.
طرح الحلول
نبهت العديد من المنظمات والهيئات العالمية الى خطورة حرق المخلفات وعلى وجه الخصوص المخلفات الطبية ودعت الى التحول لطرق معالجة بديلة أكثر أمنا بالتخلص من النفايات الطبية بدلا من حرقها ودعت هذه المنظمات للحد والتقليل منذ البداية وعند انتاج المخلفات الطبية من المواد المحتوية على مادة (pvc) حيث ان مادة الديوكسين تنتج حتى من المحارق العالية التقنية، ومنه المواد التي تحتوي على pvc المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد العلبة الصفراء المستخدمة للتخلص من الإبر والمواد الحادة الملوثة والتي تم توريد كميات ضخمة من هذه العلب الصفراء وتوزيعها على المستشفيات وإرغامهم على التخلص منها خلال (24-48 ساعة) أحيانا دون التقيد بالاشتراطات السليمة لاستخدام هذه العلب الصفراء. ولهذا فانه يجب تطبيق التقنيات الحديثة لمعالجة النفايات الطبية كاستعمال: تقنية أجهزة التعقيم بالبخار، تقنية الميكروويف، استحداث مراكز المعالجة الآمنة في موقع إنتاج النفايات الطبية لتفادي نشر الأمراض المعدية والكثير من المشاكل المتعلقة بنقل هذه النفايات الطبية كما هو حاصل في الوضع القائم حاليا. وفي الوقت نفسه يجب أن يتم وقف مشروع استيراد المحارق الجديدة حفاظا على البيئة البرية والبحرية والجوية والغذائية والصحة العامة لدولة الكويت والدول المجاورة.