بالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وبمناسبة حصول د.احمد فؤاد باشا ود.مصطفى موالدي على جائزة «الكويت» مناصفة من المؤسسة لعام 2008 في مجال التراث العلمي العربي والاسلامي، وفي موضوع «اسهامات المسلمين في الحضارة الانسانية» قدمت دار الآثار الاسلامية وضمن موسمها الثقافي الخامس عشر 2009/2010 محاضرة باللغة العربية للدكتور باشا تحت عنوان «تراثنا العلمي.. ذاكرة الأمة ورصيدها الحضاري» قدمت المحاضرة في السابعة من مساء اول من امس بمركز الميدان الثقافي مقر منطقة حولي التعليمية بحضور سفير جمهورية مصر العربية طاهر فرحات ورئيس مجلس الدراسات الكويتية د.عبدالله الغنيم وجمع من الاكاديميين واعلام الفكر في الكويت، قدم للمحاضرة وادار حولها النقاش د.فيصل الكندري استاذ التاريخ الحديثة بكلية الآداب جامعة الكويت.
واستهل د.باشا حديثه بتناول دور العلم في تاريخ البشرية قائلا: ان التراث العلمي مشترك انساني يحظى باهتمام عالمي متزايد منذ عدة عقود، وذلك من خلال المؤسسات الاكاديمية والمؤتمرات الدولية والمجلات الدورية والترجمة والتأليف واحياء مآثر الاعلام في فروع العلم المختلفة، ولقد مر تاريخ الفكر البشري بثورات علمية وتقنية كبرى احدثت سلسلة من التغيرات في فكر الانسان وتصوره عن نفسه وعن العالم الذي يعيش فيه.
واضاف: كان لعلماء الحضارة الاسلامية في القرون الوسطى دور بالغ الأثر والاهمية في وضع اصول المنهج العلمي السليم، وتأسيس الكثير من المفاهيم والنظريات والعلوم والتقنيات التي قامت عليها النهضة الاوروبية الحديثة، ومهدت الطريق المؤدية لكل الانجازات الحضارية التي تجني البشرية ثمارها اليوم، ولابد لاي باحث منصف ان يأخذ هذه الحقيقة في الاعتبار عند التعامل مع القضايا الفكرية والعملية التي تحظى بدراسات نوعية متخصصة للوقوف على حقيقة اثرها في حاضرنا ومستقبلنا.
وعن طبيعة تطور الانجازات العلمية اضاف المحاضر ان مراجعة الخطاب العلمي بين حين وآخر باتت ضرورة حتمية من ضرورات التجديد الحضاري، انطلاقا من اهمية العلم ذاته كعنصر اساسي وحاكم في بناء الحياة المعاصرة وحركتها، وفي علاقتنا مع انفسنا ومع غيرنا في حدود اوضاع اجتماعية واقتصادية واخلاقية وروحية لا يمكن اغفالها بعد ان اصبحت موضوعاتها وثيقة الصلة بفلسفة العلم الجديدة.
واستطرد ينبغي للخطاب العلمي ايضا ان يوجه الى اشاعة الروح العلمية بين كل فئات المجتمع ليصبح التفكير العلمي منهاج عمل واسلوب حياة لمواجهة كل مظاهر الوهم والخرافة، مع التأكيد على اهمية البعد الاخلاقي في التطبيقات العملية لمنتجات البحث العلمي والتقني، والاعلاء من قيم التقدم الحضاري وما تتضمنه من شعور بالمسؤولية والتزام بالدقة والامانة والموضوعية.
وعن الربط بين الإسلام كعقيدة وطبيعة التطور العلمي وموقف البعض السلبي من ذلك قال د.باشا: ان ما يرجى من مراجعة الخطاب العلمي الاسلامي وتطويره هو التصدي لتفنيد مزاعم المشككين في الاسلام عقيدة وتاريخا وحضارة، خاصة اولئك الذين يتخذون من العلم ومنهجه رداء خادعا لكي تبدو مزاعمهم وكأنها نتاج منطقي للمعرفة العلمية وتعبير حقيقي عن الواقع الانساني، واكثر ما يزعج هؤلاء هو تصحيح واقع الفكر الانساني المعاصر لدى عقلاء العالم ومفكريه اذا ما وصلت اليهم حقائق الاسلام واستفادوا منها في اصلاح شؤون حضارتهم المادية المهددة بالانهيار، لقد سبق للإسلام ان انقذ امبراطوريات كبرى متهافتة من الفناء في القرن السابع الميلادي، وبمقدوره اليوم ان يأتي بحلول لهذا القلق الذي تعاني منه حضارة العصر.
وعن الدور الحيوي للجهد العلمي العربي كمنطلقات في زمانه واضافة الى الازمنة اللاحقة اوضح د.باشا اهمية التراث العلمي الاسلامي، باعتباره ذاكرة الامة ورصيدها الحضاري لفترة تمتد عبر الزمان على مدى اكثر من خمسة عشر قرنا، وتمتد مكانا الى مساحات شاسعة من ارض الله الواسعة، فهو الكاشف عن حقيقة ذاتها وطاقتها، والباعث لقيمها في نفوس ابنائها، والمضيء لمعالم طموحها وآفاق مستقبلها، كما تتضح اهمية البحث عن منهجية رشيدة في التعامل معه واعادة قراءته بلغة العصر وأسلوبه ومصطلحاته، للتعرف على طبيعة الظروف التي سمحت للمفاهيم والافكار الوليدة ان تنمو وتزدهر.