بقلم: د.وليد حمد الموسى السيف
الحديث عن البيئة البحرية لم يعد شأنا خاصا، وانما هو شأن عام يخص كل خليجي يعيش على ضفاف الخليج، فهو يشرب مياهه بعد تقطيره، ويأكل من أسماكه، ويبحر على سطحه، ويسترزق من خيراته. وعندما اكتشف النفط في الخليج برا وبحرا في الربع الاول من القرن الماضي، اكتسب الخليج أهمية عالمية خاصة نظرا لضخامة موارده النفطية.
وللتاريخ، لم يغفل قادة دول مجلس التعاون الخليجي عن اهمية هذا الخليج الاستراتيجية وضرورة حماية بيئته من التلوث، فقد كان لهم موقف ثابت ودور بارز واهتمام خاص في شؤون حماية البيئة منذ تأسيس المجلس، حيث استحدثوا قطاعا لشؤون البيئة والانسان في الامانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي، واعتمدوا السياسات والمبادئ العامة لحماية البيئة في عام 1985، وباركوا مبادرة مملكة البحرين بإنشاء مركز دول مجلس التعاون لمواجهة الكوارث في الكويت، وأعلنوا منطقة الخليج العربي منطقة بحرية خاصة لحماية البيئة البحرية من مخلفات السفن من خلال تخصيص مرافق خاصة لتلك المخلفات، وتبنوا اعلان الكويت في القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، والذي اكد ان المحافظة على البيئة والاستخدام الامثل للموارد شرطان أساسيان لتحقيق اهداف التنمية المستدامة. وفي تاريخ 24 ابريل 2009 احتفلت دول مجلس التعاون من خلال المنظمة الاقليمية لحماية البيئة البحرية مع اعضاء دول المنظمة بيوم البيئة الاقليمي الذي يصادف ذكرى التوقيع على اتفاقية الكويت للتعاون في حماية البيئة البحرية من التلوث.
الا انه على الرغم من هذه الاهمية الاستراتيجية للخليج والجهود البيئية الحثيثة لقادة دول مجلس التعاون، لايزال الخليج يواجه اليوم مشاكل وتحديات ومخاطر بيئية تتطلب رفع مستوى التعاون الى أقصى حدوده بين قادة الدول المطلة على الخليج والمنظمات الدولية لوضع حلول بيئية كفيلة باستعادة التوازن البيئي للخليج، منها:
أولا: مفاعل بوشهر النووي الذي يقع على الخليج واحتمال نشوء كوارث «تشيرنوبلية» أو اشعاعات نووية ـ لا قدر الله ـ تؤثر على سكان المنطقة والبيئة البحرية.
ثانيا: نحو 300 سفينة غارقة في قاع شمال الخليج منذ الاحتلال العراقي الغاشم للكويت وما تحتويه تلك السفن من ملوثات كيماوية خطرة وذخيرة مجهولة الكم والنوع.
ثالثا: الانشاءات المقامة دون الأخذ بدراسات المردود البيئي.
رابعا: انخفاض المخزون السمكي كما ونوعا بسبب الصيد الجائر واستعمال وسائل صيد مضرة بالبيئة.
خامسا: مخلفات وتسريبات ناقلات النفط التي تجوب الخليج دون مراقبة دقيقة ومعاقبة رادعة نتيجة لضعف التشريعات البيئية،
سادسا: تلوث الهواء الناجم عن انبعاثات ومخلفات الصناعات النفطية والتحويلية الكبيرة المشيدة على سواحل الخليج دون الالتزام باستخدام وسائل وتقنيات تخفض من هذه الانبعاثات الضارة لصحة الانسان.
سابعا: تلوث البيئة البحرية بسبب الملوثات النفطية والصرف الصحي والصرف الصناعي وصرف محطات تقطير المياه.
واخيرا: العربدة البيئية التي مارسها المقبور صدام حسين على أرض الكويت في هدر ثمانية ملايين برميل من النفط الخام وتدمير 1073 بئرا نفطيا على اليابسة وإشعال النار في 613 بئرا نفطيا والتي لاتزال آثارها البيئية السلبية قائمة حتى يومنا هذا.
وختاما، أتذكر قصة حضوري لأحد الاجتماعات التي نظمها البنك الدولي ممثلا عن الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية وبحضور قادة الدول المطلة على بحر آرال في وسط آسيا لبحث الاحتياجات المالية الضخمة لمعالجة الاضرار البيئية التي لحقت ببحر آرال بسبب سياسات الاتحاد السوفيتي الرامية الى استغلال مياه الانهار التي كانت تصب فيه في مشاريع زراعة الارز، الامر الذي ادى الى انخفاض منسوب مياه البحر تدريجيا، وبعد سنوات عدة أصبحت مشكلة بحر آرال من اكبر الكوارث البيئية، حيث تحولت الموانئ البحرية ورافعاتها الى موانئ برية محاطة برمال مغطاة بأملاح البحر والكائنات البحرية الميتة وبعيدة بحوالي كيلومتر عن مياه البحر، وبالتالي شلت حركة التبادل التجاري على سطح بحر آرال، وانخفض المخزون السمكي كما ونوعا ولم يعد يعيش في هذا البحر سوى الكائنات البحرية التي تتحمل درجة عالية جدا من الملوحة. أما سكان شواطئ بحر آرال، فبالرغم من فقرهم وتدني مستوى معيشتهم، فقد فقدوا مورد غذائهم الرئيسي وتلوثت آبار مياههم الجوفية، مما ادى الى تدهور اوضاعهم الصحية. وأتمنى ألا أرى اليوم الذي يجتمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي مع المنظمات الدولية لبحث سبل انقاذ الخليج العربي من كارثة بيئية، كما أتمنى ألا يعاد تاريخ بحر آرال في خليجنا العربي، فاليوم لدينا الارادة والعزيمة والوقت والامكانيات المادية والكوادر البشرية لتصحيح الوضع البيئي للخليج وإعادة توازنه الطبيعي، وإنقاذه الآن بات أمرا ملحا قبل فوات الأوان.