انطلاقا من جدلية وأهمية العلاقة بين المؤسسة التعليمية الثقافية والمبدع، وفي محاولة جادة لخلق فرصة لقاء بين المبدع وناقد المستقبل، وضمن الانشطة الثقافية لقسم النقد والادب المسرحي، في المعهد العالي للفنون المسرحية، أقيمت حلقة نقاشية نظمتها عضوة هيئة التدريس بقسم النقد سعداء الدعاس، وأدارها رئيس القسم د.علي العنزي، وحاضر فيها الروائي طالب الرفاعي عن كتابيه الجديدين «اسماعيل فهد اسماعيل.. حياة الكتابة وكتابة الحياة» ورواية «الثوب». ولقد جاء لقاء الرفاعي بهدف الاطلاع على فن السيرة الذاتية أو التخييل الذاتي، وشخص الروائي اسماعيل فهد اسماعيل، فضلا عن مناقشة وتحليل روايته الجديدة «الثوب».
تحدث الرفاعي مشيرا الى ان هاجس الكتابة عن الروائي اسماعيل الفهد يسكنه منذ زمن طويل، وذلك بالدرجة الاولى لأنه رائد الرواية الكويتية الاول، وبالدرجة الثانية بصفته «صاحب الفضل الاول في الاخذ بيدي نحو طريق الادب، حيث كان والدي إماما لمسجد قريب من بيتنا، وكانت والدتي أمية، ولم يكن للكتاب حضور في منزلنا، حتى قادني اسماعيل الفهد نحو القراءة».
ومضى الرفاعي قائلا انه حاول ان يقدم في كتابه، الجانب غير المعروف عن حياة الروائي اسماعيل الفهد الخاصة، ولهذا بدأ في الكتابة عنه منذ ولادته محاولا تقديم اجوبة عن تساؤلات مهمة بشأن طبيعة علاقة اسماعيل بوالديه، وما معنى ان يكون ابنا لرجل ضرير، وان يكون الاخ الاكبر، وما ذكريات طفولته وشبابه في البصرة، وما حكاية زيجاته الاربع، وما مدى امساك الرواية به وامساكه هو بها، في ظل الاشكالية الفنية التي يعاني منها، والمتمثلة في تحول كل قصة قصيرة يبدأ في كتابتها الى رواية طويلة، مشيرا الى ان المضمون والمحتوى النهائي للكتاب كان وراء منحه التسمية التالية «اسماعيل فهد اسماعيل.. كتابة الحياة وحياة الكتابة».
وقال الرفاعي: من المهم ان تكتب عن شيء تحبه وفي داخلي حب لإنسانية هذا الكاتب، مبينا ان حبه لإسماعيل لا يمكن ان يصيبه بالعمى الادبي، بل «يوقر اسماعيل الانسان»، مضيفا ان المكتبة الكويتية تفتقر للتراجم بشكل خاص، ونحن بشكل عام فقراء وبخلاء في تقديم عمل أدبي يليق بأولئك الذين قدموا حياتهم لكتابة ادب انساني جميل.
واستطرد الرفاعي موضحا ان اسماعيل الفهد الى جانب اهتمامه بقضايا وطنه، كان في اعماله الروائية مهموما بالشأن العربي، ومن هذا المنطلق كتب رواية «ملف الحادثة 67» عن القضية الفلسطينية وروايته «كانت السماء زرقاء» وثلاثية «الضفاف الاخرى» عن العراق، رواية «الشياح» عن لبنان، وأخيرا ثلاثية «النيل يجري شمالا» عن مصر. «وبالتالي من حق العالم العربي ان يتعرف على المشتغلين والمهمومين بالرواية العربية، خصوصا أولئك الذين استطاعوا ان يكونوا مرآة ناصعة وجميلة وصادقة لحركة الرواية الابداعية».
ثم تحدثت الرفاعي عن روايته الجديدة «الثوب» وقال انه خلال هذه الرواية، كما في روايتيه السابقتين «ظل الشمس» و«سمر كلمات»، حاول تقديم فهمه الخاص للواقع الذي يحيط به، متناولا سيرته الذاتية وأسرته وأصدقاءه بشكل صريح، يتقاطع مع حدث متخيل ضمن سياق الرواية.
معتمدا على الصدق الفني والكشف الفكري: بالرغم من اننا في العالم العربي لا نستطيع ان نمارس حق المكاشفة والبوح الحميم، بالنظر الى طبيعة الرقابات القاسية والكثيرة في المجتمع، ولسبب بسيط يتمثل في الخجل الشديد من فكرة المكاشفة. وهذا الامر يمكن تفهمه لحرج الانسان في ان يقدم عالمه الداخلي دون رتوش وتعمية، خاصة اذا تذكرنا ان العالم الغربي لم يتقبل تعري الروائي الاميركي هنري ميلر في رواية «مدار الجدي»، وكانت اعمال اوسكار وايلد عندما قدم رواية «صورة دوران جري» تقابل بضجة كبيرة في انجلترا، وكذلك اعمال الروائي الفرنسي جوستاف فولبير الذي قدم شخصية مدام بوفاري التي تقرر الانتحار بعد اخفاقها في ايجاد الحبيب الذي تتطلع اليه نفسها وبناء علاقة غرامية تتوق اليها روحها المتعطشة للحب، حيث تسبب طرحه الجريء وافكاره الصريحة بتفوق المرأة على الرجل بكثير من الصخب.
وذكر الرفاعي: نحن ننتمي الى مجتمعات غير متسامحة بشكل كاف، وليس لها تقاليد راسخة في قراءة الاعمال الروائية. فشريحة كبيرة من جمهور القراء، لا تقرأ الرواية بوصفها عملا فنيا قائما بذاته، ومحكوما بشروطه وضروراته الفنية، وان هناك فرقا بين الواقع الحياتي والواقع الفني، لذا فإن من يكتب عن نفسه يُنظر اليه على اساس انه يقدم فنا فضائحيا.
ومضى يقول: أنتمي لمجتمع محافظ، ولدي زوجة وأبناء وأقارب، وصلات عائلية واجتماعية كثيرة، وبالتالي فإنني حين أكتب عن نفسي، فإنني أكتب عن كل هؤلاء، بحكم انتمائي اليهم، وكم هو صعب ذلك؟ وعلى سبيل المثال، ففي رواية «سمر كلمات» ارتبطت بعلاقة عاطفية مع احدى شخصيات الرواية، شخصية اختلقتها فنيا، وذلك بغية الاجابة عن تساؤل مشروع حول الدوافع التي تكمن وراء خيانة الرجل لزوجته، وعلاقات الخيانة خارج مؤسسة الزواج. وكان رسم ملامح شخصية «ريم» وتحديد خط سيرها في الرواية قد تم لي بمساعدة زوجتي، لكن الضغوطات الاجتماعية والاتصالات المتطفلة وغير اللائقة، التي جاءت بعد نشر الرواية، كانت ثقيلة ومزعجة، وبما يشي بقدرة الفن العجيبة على ان يخلق واقعه الفني الساحر، الذي يكون احيانا صادقا حتى ليجد القارئ صعوبة في تجاوزه، والنظر اليه بوصفه فنا وليس واقعا حياتيا.
وبين الروائي الرفاعي، لقد عشت في «الثوب» مغامرات مختلفة بصحبة زوجتي وابنتي فرح وفادية، وكذلك الروائي اسماعيل الفهد والمحامي محمد مساعد الصالح، وصوت العقل الباطن متمثلا بشخصية «عليان»، واعتقد ان الناس يتعلقون بالادب، لأنه يجعل من معايشة الحياة أمرا ممكنا. فحياة الانسان مليئة بالقلق والمصاعب والوجع والألم والغربة، والادب هو الاكثر قدرة على تسهيل مأزق الحياة، عبر مختلف الاجناس الفنية، سواء كان ذلك قصيدة شعر أو لوحة تشكيلية او رواية او قصة قصيرة او فيلما سينمائيا او اغنية او مسرحية، ان وظيفة الادب العظيمة في الحياة تتمثل في قدرته على جعل الانسان متوازنا في واقع صعب وغير متوازن في الاساس.
وبسؤال احد طلبة قسم النقد عن سبب تسميته الرواية بـ«الثوب» رد الرفاعي: انطلقت التسمية من قناعتي بأن الثوب في اي مجتمع من المجتمعات هو واجهة وغطاء دال، وانه جزء لا يتجزأ من مرتديه، لأن الملابس تعكس قناعات مرتديها، موضحا جاءت التسمية مرتبطة بجزئية الطريق الذي سلكته في عالم الرواية وانطلاقا من وظيفة العنوان كعتبة اولى مكملة للعمل الروائي ودالة عليه ولا اقول كاشفة لمحتواه.
وبسؤاله عن الفرق بين السيرة الذاتية وما كتبه من ادب يرتبط بشخصيته في رواية الثوب قال الرفاعي: ان السيرة الذاتية تكون عادة للعظماء والمشاهير، وتتطلب ان يكون المؤلف دقيقا وموضوعيا وموثقا لرصد الاحداث والتواريخ، اما ما اكتبه فهو تخيل ذاتي يتجول فيه طالب الرفاعي باسمه الحقيقي كشخصية من شخوص العمل لذا فإن بعض افعالي وعلاقاتي تخيلية كعلاقتي بشخصية المليونير في رواية «الثوب» ووجودي في اعمال روائية سابقة: هو ايضا جزء من سيرتي الذاتية مبثوثة ضمن ثنايا العمل فوجودي في رواية «ظل الشمس»، كان مكرسا لتسليط الضوء على الظلم الواقع على العمالة الوافدة ممن حلموا ان يصبحوا اغنياء في الكويت وبلدان الخليج، وانتهى بهم المطاف محشورين في غرف من الصفيح. وكشف الرفاعي النقاب عن ان روايته القادمة قد تستمد مادتها من حياة ومعاناة الشاعر المبدع فهد العسكر وانه بصدد القراءة والبحث والتجهيز لها، وربما تحتاج الى سنتين للظهور، مبينا انه يقف بإجلال امام شخصية الشاعر العسكر، وانه عندما يستحضر الشاعر بكل تاريخه ومعاناته فإنه انما يستحضر فترة مهمة وحافلة بالاحداث من تاريخ الكويت ثقافيا واجتماعيا.
وختم الرفاعي ناصحا النقاد الشباب بالقراءة بنهم لأنها مفتاح الوعي الثقافي والنقد الأساسي مشيرا الى ان ما يصقل الناقد ويجعله ناقدا حقيقيا ليس مجرد حفظ نظريات النقد، بل ان يكون مهموما بالقراءة والتحصيل الثقافي والاطلاع، وان يكون لديه الاستعداد لأن يضحي بجوانب من حياته من اجل تحقيق مراده الأدبي وزاده الثقافي. مشددا على اهمية ان تتوافر لدى المتعامل بالأدب احاسيس التسامح والاعتداد بالنفس والقدرة على تلمس الألم العام من خلال الخاص، وان تكون لديه عين نافذة تقرأ ما بين السطور وتنفذ الى ما تحت السطح.