بيان عاكوم
انطلاقا من ثقل مصر الثقافي وريادتها في جميع المجالات لفتت إليها الأنظار في القرن الماضي، وكانت الكويت من أوليات الدول التي استفادت من التقدم والتطور المصري في النواحي الثقافية والعلمية والتجارية، لذلك نشأت بين الكويت ومصر علاقات بدأت منذ حملة محمد علي باشا على الحجاز، حيث بدأت المبادلات التجارية بين تجار الكويت ومصر وكذلك العلاقات الثقافية وكانت تلك الأسس التي بني عليها الحراك الثقافي الاقتصادي والسياسي والعسكري بين البلدين، كل ذلك رصده المؤلف د.عبدالله المحارب في كتابه الذي يحمل عنوان «الكويت ومصر دراسة توثيقية في العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية» والذي صدر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية لعام 2009.
وقسّم المؤلف كتابه الى خمسة فصول بدأها بالحراك العلمي من خلال البعثات الطلابية الكويتية التي كانت تذهب الى مصر للتعلم في الجامعات والمعاهد المصرية بالتحديد الأزهر الشريف، وكذلك تطرق الكاتب الى الموقف المصري من أزمة الكويت بسبب الادعاءات العراقية وإدانتها للغزو العراقي للكويت، وما قامت به الكويت من وقوفها الى جانب مصر في حربها ضد إسرائيل والمساعدات والقروض التي قدمها الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية عبر إنشاء الكثير من المشاريع في مصر.
الرواد
يتحدث المؤلف في الفصل الأول الذي يحمل عنوان «الرواد» عن بداية العلاقات بين الكويت ومصر والتي كانت عن طريق التعليم حين كان لشباب الكويت شغف في التزود علم والالتحاق بالمعاهد الكبرى وعلى رأسها الأزهر الشريف، متحدثا عن مجموعة من الرواد ذهبوا الى القاهرة في القرن التاسع عشر، مشيرا الى ان اول طالب كويتي وصل الى مصر لطلب العلم هو الشيخ عيسى بن علوي الذي سكن مصر ومات بها، وذلك روى الكاتب قصص الشيخ احمد الفارس والشيخ مساعد العازمي وغيرهما ممن جعلوا من مصر وطنا ثانيا احتضنهم وعلمهم علوم الدين.
صور من العلاقات
واستحضر الكاتب صورا من العلاقات على كل الاصعدة وتشمل المستوى الثقافي والسياسي والعسكري ثم الاقتصادي، وعزز دراسته بالوثائق، كما استخرج من قوائم الشركات الكويتية التي تعمل في مصر مجموعة من الجداول والإحصائيات التي تبين طبيعة نشاط رؤوس الأموال الكويتية ومدى انتشارها.
وأولى الكاتب اهتماما بالصحافة المصرية التي لفتت انتباه الكويتيين حيث فتحت أعينهم للحاق بالركب وهذا ما جعلهم يشتركون في بعض المجلات المصرية.
وفي مجال العلاقات التجارية اشار الكاتب الى تردد بعض التجار على مصر وكانت في مقدمة الأعمال التجارية تجارة الجمال.
أما في مجال العلاقات السياسية فبدأت بزيارة ولي العهد الشيخ أحمد الجابر بعد زيارته لبريطانيا حيث مر بمصر ومكث فيها عدة ايام حيث لفت المؤلف الى ان العلاقات تطورت عندما كثرت اعداد الطلاب الكويتيين في القاهرة وتم افتتاح بيت الكويت ليكون اول اتصال رسمي من الناحية السياسية والثقافية.
العلاقات الثقافية
رأى الكاتب د. عبدالله المحارب في الفصل الثاني الذي خصصه للعلاقات الثقافية بين مصر والكويت مدى الإسهام المصري في تطوير التعليم في الكويت، وبين ان العلاقات الثقافية الرسمية بين البلدين بدأت بعد تولي عبدالطيف الشملان منصب مدير المعارف في إمارة الكويت ومحاولاته إرسال أساتذة تساهم مصر في دفع نصف مرتباتهم وقبول بعثات طلابية تدرس في مصر على نفقة الحكومة المصرية.
واشار الكاتب الى ان بعثة المعلمين الاولى التي وصلت من مصر الى الكويت طبقت الخطط والمناهج المصرية في مدارس الكويت بعد اجراء بعض التعديلات بما يتناسب والمجتمع الكويتي.
وتحدث عن البعثات الطلابية الذين رأوا في مصر اطلالة مهمة الى عالم آخر، مشيرا الى انهم عبدوا لمن جاءوا بعدهم وعادوا الى بلادهم ليكونوا في مقدمة الصفوف التي تعمل على بناء الكويت ورقيها منهم عبدالعزيز حسين الذي كلف بالاشراف على بيت الكويت في القاهرة، كما كان صاحب اقتراح بانشاء مكتب الكويت في مصر الذي هو نواة سفارتنا في مصر بعد ذلك، وخص بالذكر افتتاح الرئيس جمال عبدالناصر والشيخ عبدالله الجابر ومعه الشيخ سعد العبدالله لبيت الكويت بعد انتقال مقره الى بيت آخر بالدقي، وهو الآن سفارتنا في القاهرة، وبين الكاتب ان الاسهام المصري في تطوير التعليم في الكويت لم يقتصر على التعليم العام والديني، انما شمل جوانب اخرى كالتعليم الفني والمهني.
زيارة الشيخ عبدالله الجابر لمصر
وتحدث الكاتب عن زيارة الشيخ عبدالله الجابر لمصر بعد ثورة 23 يوليو 1952 وقيامه بدور الوسيط ما بين الضباط الاحرار والاخوان المسلمين.
وبين الكاتب ان العلاقات الثقافية بين البلدين لم تقتصر على التعليم، انما شملت القضاء والشرطة والمطبوعات والتدريب على فنون الطيران المدني.
وصور الكاتب ما حصل في الكويت وقت العدوان الثلاثي على مصر ومشاركتها عواطف الاخوة والوفاء، متحدثا عن المساعدات المالية الكويتية لمصر التي لم تقتصر وقت الحرب انما امتدت لعقود طويلة، كما بين ترحيب الكويت بالوحدة بين مصر وسورية وقتها واملها في ان تقود هذه الوحدة الى الوحدة العربية الشاملة.
مواجهة أطماع العراق
في الفصل الثالث، تحدث المحارب عن اطماع العراق في الكويت التي بدأت مع الملك غازي ونوري السعيد ثم عبدالكريم قاسم الذي هاجم اعلان الكويت استقلالها في 19 يونيو 1961 واعلن من جانب واحد ضم الكويت الى العراق، وهنا وصف الكاتب الموقف المصري من هذا التصرف حيث سارعت الى اصدار بيان تنبذ فيه مسألة الضم، وبين الكاتب ان موقف مصر حينها لفت انظار العالم واظهر ان للكويت حليفا قويا يؤيدها في المحافظة على استقلالها.
وخص الكاتب جزءا للحديث عن غزو صدام للكويت وكيف بدأ بادعاءات واكاذيب بين فيها ان الكويت والامارات تغرقان الاسواق بالنفط لتدمر الاقتصاد العراقي وكيف ان العراق دافع عن الخليج في حربه مع ايران وارساله الملك حسين الى الخليج للمطالبة بسداد 30 مليار دولار للعراق وإلغاء الديون وربطه هذا بالحدود ما بين البلدين الذي لا يمكن انهاؤه الا بالموافقة الى جانب مطالبه بتأجير جزيرتي وربة وبوبيان للعراق إلا ان دول الخليج رفضت المطالب المتعجرفة تلك وبعدها ظهرت الحشود العسكرية على الحدود مما استدعى تدخل الرئيس المصري والملك فهد الا ان صدام طمأنهما ان الحشود ليست لحرب او اعتداء عسكري، واشار الكاتب الى ان صدام والملك حسين ظهرا في صورة تشكيل عصابي يعتمد على اسلوب التخويف وبعدها بدأ الغزو الصدامي على الكويت وبين خلاله الكاتب جهود مصر في مواجهة الغزو من خلال ادانة العدوان ودعوتها الى انسحاب القوات العراقية وعودة الحكومة الشرعية للكويت الى جانب التحرك الشعبي من خلال المظاهرات وايضا وقوف الاعلام المصري الى جانب الكويت.
كما وصف المؤلف أثر ذلك الغزو على الكويتيين الموجودين في مصر والمساعدات التي قدمتها مصر للمواطنين الكويتيين.
مواجهة إسرائيل
خصص الكاتب الفصل الرابع للحديث عن الكويت ومصر ومواجهتهما لإسرائيل واشار في بداية هذا الفصل الى الدور المصري في تنظيم الجيش الكويتي في بداية تأسيسه وتطرق الكاتب لحرب عام 1967 وكيف وقفت الكويت الى جانب مصر قيادة وشعبا، حيث كانوا يتابعون ما يحصل على خطوط المواجهة بين مصر واسرائيل وتتفاعل مع تلك الاحداث وتأييدها لموقف مصر باستعمال حقها في سد خليج العقبة بوجه العدو، وصدور مرسوم اميري بتعيين صالح محمد الصباح نائب رئيس الاركان العامة قائدا للواء اليرموك للاشتراك مع الجيوش العربية الاخرى في الدفاع عن الوطن العربي ضد اي عدوان، وقد شاركت الكويت بوحداتها ورجالها وذهب جميع الجيش الكويتي الى الجبهة المصرية.
حرب الاستنزاف
وذكر الكاتب ايضا مشاركتهم في حرب الاستنزاف حيث كان لكتيبة مغاوير اليرموك دور فعال في تلك الحرب من خلال اشتراكها بقصف مواقع القوات الاسرائيلية هذا الى جانب مشاركة القوة الجوية الكويتية في المجهود الحربي العربي اثناء حرب اكتوبر 1973 في الجبهة المصرية، وذكر الكاتب ان عدد الشهداء وصل الى 40 شهيدا سقطوا في حرب 73، مشيرا الى أنهم نسبة كبيرة بالقياس الى عدد الكويتيين في ذلك الوقت.
العلاقات الاقتصادية والتجارية
وعن الفصل الاخير، فقد خصصه للحديث عن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، مشيرا الى ان الاستثمارات الكويتية في مصر تأتي في المرتبة الاولى بين الدول العربية، حيث شكلت الاستثمارات الكويتية نسبة تفوق الـ 25% من جملة الاستثمارات العربية في مصر.
وأورد الكاتب مجموعة من الاتفاقيات التي وقعت بين البلدين والتي من شأنها أن تعزز التبادل التجاري، وتقدم التسهيلات لإجراءات استيراد السلع، الى جانب اتفاقيات عدة للتعاون العلمي والفني والسياسي والزراعي واتفاق تشجيع الاستثمارات المتبادلة.
كما قدم المؤلف موجزا عن الشركات الاستثمارية الكويتية ـ المصرية العاملة في مصر كالبنك العربي الافريقي الدولي، وشركة الاستثمار الكويتية ـ المصرية والشركة العربية الدولية للفنادق والسياحة.
وفي ختام الفصل، تحدث الكاتب عن القروض والمعونات التي قدمتها الكويت عبر الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، حيث ساهم الصندوق في تغطية نحو 32 مشروعا في مصر كمشروع تحسين قناة السويس وتطوير النقل البحري، ومشروع الصندوق الاجتماعي للتنمية.