- من الممكن التعويل على خطاب صاحب السمو على أنه عهد جديد في الممارسة الديموقراطية والتعاون بين المجلس والحكومة
- لن نأسف على تأديب أي عابث أياً كان.. بل سنبارك أي إجراء يتخذ ضده ليتعظ الآخرون
محمد راتب
أكد رجل الأعمال عبدالرحمن عبدالعزيز الدعيج أن خطاب صاحب السمو الأمير الشيـخ صباح الأحمد، حمل بيـن سـطوره وكلمـاته السمحاء إنذارا للعـابثين بالوحدة الوطنية والأسس الدستورية، وللمفرطين في استخدام الحريات، لافتا إلى أن الشعب الكويتي كان على موعد مع أميره لسماع النطق السامي الذي يحتوي على العلاج الناجع والحاسم لما يعتلج في النفوس، وذلك بعد أن شعر بأن الكيل قد طفـح بسـبب البعض الذين تجاوزوا حدودهم في تفتيت الوحدة الوطـنية من خـلال انتقاد القبائل وتقسيم المجتمع الكويتي إلى حضر وبدو وسنة وشيعة. ودعا الدعيج من خلال لقائه مع «الأنباء» إلى ضرورة ترشيد الحريات من قبل الحكومة، وأن تضرب على يد المفسدين للتعايش السلمي بين الكويتيين بقوة وحزم وبصورة علنية أمام الآخرين ردعا لكل من تسول له نفسه الابتعاد عن الأصول والأعراف التي عهدها المجتمع الكويتي... فإلى التفاصيل:
بداية، اعتاد المواطنون من صاحب السمو الأمير أن يلقي خطاباته خلال مواسم معينة أو مناسبات محددة، فكيف تقرأ تزامن خطاب سموه مع الظروف السياسية المحتقنة في البلاد؟
بالفعل، لقد عودنا صاحب السمو أن تكون خطاباته في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك أو في بعض المناسبات الأخرى، ولكن بسبب ما شهدته البلاد في الفترة الأخيرة من ممارسات سيئة من قبل البعض فقد ارتأى سموه أهمية توجيه مثل هذا الخطاب في هذا الوقت بالتحديد، فهو صمام الأمان الذي يلجأ له الشعب عند الشدائد، فالكل إذن كان يترقب بعد أن أعلنت وسائل الأعلام بموعد خطاب سموه، وفي مساء يوم الثلاثاء 29 ديسمبر، (موعد إلقاء الخطاب) خلت شوارع الكويت وخفت حركة المرور، وكان غالبية المواطنين قد لزموا أماكنهم أمام أجهزة التلفاز بانتظار ما سوف يدلي به أميرهم وقائد نهضتهم حفظه الله ردا على الأحداث والفتن المؤسفة التي عصفت بالبلاد خلال الأسابيع الماضية، والتي لم تشهد لها الساحة الكويتية مثيلا من قبل.
وفي تمام الساعة السادسة مساء صمت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير، يترقبون ما يهدئ النفوس ويدحر الشرور والمحن التي قد تستفحل إذا ترك لها المجال، حيث بات من الضروري اتخاذ عمل يلجم الأفواه والأصوات النشاز، لينعم المواطن والمقيم ويطمئن على نفسه وعلى مستقبل أبنائه في منأى عن النعرات الطائفية والقبلية البغيضة، والتي تنمي رياح الفرقة والتناحر كما حصل خلال الأيام الماضية من أهواء ومشاغبات وفتن مضى عهدها.
أوجاع المواطن
ذكرت لي أن جميع المواطنين كانوا يتأهبون في هذه الفترة السياسية المحتقنة لخطاب من قبل سمو الأمير، فهل لامس هذا الخطاب ما يصبون إليه؟
طبعا، فأنا شخصيا اقتنعت بالكلام الموزون من قبل صاحب السمو، فمن غير المعقول أن يظهر صاحب السمو وبشكل مفاجئ ليهدد العابثين بالديموقراطية والوحدة الوطنية وهو عميد الديبلوماسية العالمية المحنك، ولكنه قام بإنذارهم فقد كان نطقه السامي منطقيا وسمحا، وشاملا مستعرضا لأوجاع الوطن والمواطن، بل شعرنا بأن صاحب السمو الأمير على علم ودراية تامة بجميع ما أصيب به المجتمع، فقد سبر سموه أغوار ما يجول في النفوس من ألم وحسرة لما وصلت إليه الشحناء بين أطياف المجتمع، وما ظهر من تناحر وتفاخر بالألقاب والأنساب ممن جنحوا جانبا عن الطريق القويم، وتركوا ديموقراطيتهم وتعايشهم السلمي خلف ظهورهم.
مظاهر دخيلة
صاحب السمو الأمير دعا في خطابه إلى التمسك بزمام الوحدة الوطنية، برأيك ما المظاهر الدخيلة على هذه الوحدة؟ وكيف يمكن وضع سد منيع للحفاظ على الوحدة الوطنية؟
الحقيقة أننا لم نألف أن تقوم فئات من الشعب وتعترض على الحكم أو سياسة الحاكم، ولم نعتد أن نرى من ينتقد الطوائف أو القبائل بصورة علنية، وإنما اعتدنا في المجتمع الكويتي أن نتعايش مع بعضنا البعض دون أن نفكر بقبيلة فلان أو مذهبه أو طائفته أو لونه، وكان حكمنا على الشخص ينبع من خلال انضباطيته وسلوكه ودوره في خدمة وطنه. وعلى العموم، فإن معظم أهل الكويت جاءوا من قبائل عربية وأطياف استوطنت الكويت منذ مئات السنين. وأهل الكويت الذين تعايشوا مع أسرة آل الصباح وأحبوها وبايعوها على الحكم وكانوا عندما يلتقوا بأميرهم يلتزمون بمبدأ المشورة والحكمة ومن ثم يتركون أمور قيادة السفينة لربانها، أنه ليحزنهم اليوم ما يفعله البعض من تدخل في أمور ليست من شأنهم.
الدستور والشريعة
كيف تقرأ نظرة صاحب السمو الأمير إلى التمسك بالدستور، وهل يفهم من خطابه عدم المساس بالدستور أو تعديله؟
حرص صاحب السمو الأمير على الدستور والديموقراطية كما دأب حكام الكويت منذ الاستقلال، وشعب الكويت عاش تحت مظلة هذا النهج في منتهى الروعة ودون أن يكون لديهم الرغبة في تبديله أو تعديله، ولكن لابد من الإشارة إلى أن لدينا لجنة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، والتي تعمل بصمت وهدوء وتحاول أن تكيف جميع القوانين الموجودة مع الشريعة، علما أن الدستور الكويتي في مادته الثانية تضمن بأن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع، وقد وجدت اللجنة أن الكثير من القوانين لا تتعارض مع الشريعة السمحاء.
كيف تصف لنا استيعاب المواطنين عموما للخطاب السامي؟
أعتقد أن المواطن استوعب كلمات أميره المفدى، وأحس بأن بين السطور تنبيها لمن تسول له نفسه بالتلاعب بالوحدة الوطنية، وإنذارا بأن الكيل قد طفح، آملا أن يؤدي النصح إلى الانضباط، وإلا فقد أعذر من أنذر، ولا يلومن أحد إلا نفسه.
وبعد أن رأينا بعض الأشخاص يسيئون إلى الكويت أولا ثم إلى أنفسهم، أزعجنا ذلك كثيرا، وأصبحنا نتطلع إلى أن يكون هناك علاج ناجع وحاسم.
ترشيد الحريات
ذكرت لنا بأن هناك تماديا واضحا في قضية الحريات وصار هناك فلتان، برأيك، ما الآلية التي ترشد هذه الحريات وتجنبها الإفراط؟
أقترح على الحكومة عند وجود من يتكلم بعيدا عن نطاق الأصول والعرف، بأن تضرب على يده بقوة وحزم ولا تتركه فيتشجع غيره، كما أرجو منها أن تطبق بعض الأحكام الشديدة جدا، والتي يفترض أن تطبق أمام الجمهور ردعا للمفسدين ولكي يحذر الناس من أمثالهم، وإلا ستمتلئ السجون الكويتية إذا لم يتم ذلك، وأنا متأكد أن جميع أهل الكويت يريدون الحزم من الحكومة في تنفيذ كل ما يصدر من القضاء الكويتي العادل، فالله تعالى يقول: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)، عندها لن يجرؤ أحد على تعدي حدوده.
محاور مفصلية
عم عبدالرحمن بعد أن سمعت خطاب صاحب السمو الأمير وكلك آذان صاغية، فهل لك أن توجز لنا المحور الأساسي الذي دار عليه الخطاب من وجهة نظرك؟
إن سمو الأمير حفظه الله قد شمل في خطابه جميع مواضيع الوحدة الوطنية، وقد قرأت بين سطور هذا النطق السامي تحذيرا لأولي الألباب بأن سموه لن يتهاون مع من تسول له نفسه بتمزيق الوحدة الوطنية بل وحتى المساس بها، كما أكد سموه حفظه الله بأن التمسك بالوحدة الوطنية والتي يدعو لها ديننا الحنيف سيقود البلاد إلى ما تتمناه من رفعة وتقدم وعدل ومساواة، وأن أي مساس بمقدرات الوطن سوف يؤثر على الجميع ولن يكون هناك رابح أو خاسر.
وعلى جانب الحريات، أسف سموه حفظه الله لما أبداه البعض من خلط للأمور وتجاوزات للأعراف بالتجريح من قبل مواطنين لأخوة لهم دون وازع من دين أو ضمير، قد يؤدي ذلك إلى الفوضى والإنفلات ونتائج لن ترضي الحاكم ولا المحكوم، وذلك من أجل كسب فوائد سياسية رخيصة.
عهد جديد للديموقراطية
كيف يمكن لهذا الخطاب أن يكون بمثابة خارطة طريق للسلطتين التشريعية والتنفيذية في النهوض بمصالح الوطن؟
هذا الأمر يعود للحكومة، والتي سمعت وقرأت خطاب صاحب السمو الأمير، ويجب أن يكون لديها الدافع القوي جدا للتصرف بما يريده سموه حفظه الله، وأن تشمر عن سواعد الجد فالخطاب يمكن التعويل عليه كبداية عهد جديد في الممارسة الديموقراطية وفي التعاون بين السلطتين اللتين نأمل أن تلتزما بخطاب سموه حرفيا، وأن يوفقهما الله لما فيه مصلحة الوطن والمواطن.
موجة حزم
في الختام، ما الذي تتوقعه بعد خطاب صاحب السمو الأمير؟
هذا الخطاب هو الأول من نوعه في توجيه إنذار من قبل سموه للمشاغبين والعابثين، وأتوقع أن يكون وراء هذا الإنذار موجة كبيرة من العمل الجماعي المثمر الذي يؤدي إلى اصلاح ما أفسده فتح باب الحريات على مصراعيه فهمه بعض ضعاف النفوس خطأ.