الموت غيّب وليد المرزوق.. صاحب كلمات نبض الوطن في كل أزماته
غيّب الموت أمس رئيس تحرير «الأنباء» الأسبق وليد خالد يوسف المرزوق. وقد تولى الراحل وليد خالد المرزوق، رحمه الله، رئاسة تحرير «الأنباء» بين العامين 1990 و1995.
ومنذ أن تولى الفقيد الراحل رئاسة تحرير «الأنباء» في مايو 1990 وهو يواكب بكلماته قضايا الكويت نصرة وتأييدا وسيفا مصلتا على المسيئين لها والمريدين بها شرا، فبعد توليه منصب رئاسة التحرير بشهور وتحديدا في 2/8/1990 كان الاحتلال الغاشم، وكان الخيار أمام «الأنباء» هو ان ترحل إلى القاهرة حيث كانت صوت الكويت العالي والهادر في وجه الطغاة والنظام البائد في العراق.
ومنذ أول يوم تسلم فيه رئاسة التحرير، أخذ وليد خالد المرزوق، رحمه الله، عهدا على نفسه ان تكون «الأنباء» منبرا لكلمة الحق كما كانت دائما، ولذلك وقف وليد خالد المرزوق بكل قوة مع قضايا الكويت، وكانت افتتاحياته في «الأنباء» سما ناقعا يذيقه لأعداء الكويت ومحتليها وشهدا يقدمه لأبناء الكويت والخليج والعرب الشرفاء لمن وقفوا مع الحق الكويتي في تلك المحنة الرهيبة التي استمرت شهورا قدم فيها الكويتيون دماءهم ثمنا للوطن.
وكانت كلمات الراحل وليد خالد المرزوق إحدى وسائل الصمود في وجه الاحتلال، والمحفز للمقاومة وكانت النبض الدائم للكويت وقضاياها المصيرية.
هذا وقام الراحل وليد خالد المرزوق بتأسيس والمشاركة في تأسيس العديد من الشركات الكويتية في مختلف المجالات والانشطة التجارية والاقتصادية، كما قام بالاسهام في تنمية وتطوير الاداء في معظم هذه الشركات من خلال تولي المناصب القيادية كمدير او رئيس وعضو منتدب او عضو بمجالس الادارة لهذه الشركات، وكان من بين هذه الشركات التي تولى بها المناصب القيادية:
ـ شركة دار الكويت للصحافة «جريدة الأنباء». ـ شركة عقارات الكويت. ـ شركة وربة للتأمين. ـ شركة لؤلؤة الكويت العقارية. ـ الشركة الكويتية لانتاج الرخام الصناعي. ـ شركة نوف العقارية للتجارة العامة والمقاولات. ـ شركة خالد المرزوق وشركاه للتجارة العامة والمقاولات. ـ شركة وليد المرزوق واخوانه للتجارة العامة والمقاولات. ـ شركة الشهب للمقاولات. ـ شركة نجد للصناعة والتجارة. ـ شركة مجموعة دلتا للمعدات التقنية. ـ شركة نوف مصر للاستثمار بجمهورية مصر العربية.
منذ اليوم الأول لتوليه مسؤولية رئاسة تحرير لـ «الأنباء» في العام 1990 رسّخ الراحل وليد خالد المرزوق نهج «الأنباء» المتمثل في خدمة الكويت وقضاياها، فكانت هذه الكلمات في افتتاحية قصيرة بعنوان «المبدأ والمسار»
المبدأ.. والمسار
منذ تأسست «الأنباء» في عام 1976 والهدف الرئيسي لها كان ومازال هو خدمة الكويت تحت قيادة والدنا سمو الامير الشيخ جابر الاحمد الصباح وولي عهده الامين الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح واسرة الخير والساحة العربية والاسلامية، ولم تحد «الأنباء» يوما عن هذا المسار منذ وضعه مؤسسوها. وكما الامس فهو اليوم كما هو المستقبل بالنسبة لهذه الاسس التي لا نحيد عنها، فالاساس هو المبدأ، وهذا ما عرفناه وتعلمناه من شيم قادة الديرة واهلها. و«الأنباء» بعد 14 عاما من صدور اول عدد لها وتبوئها المركز الاول بين الصحف الكويتية لثلاثة اعوام متتالية، ما كانت لتصل الى ماهي عليه اليوم لولا جهود الاخوة العاملين فيها، الصغار قبل الكبار، وشعورهم العميق بالانتماء والوفاء لها. واذ اتحمل اليوم واجب المسؤولية تجاه الله والكويت ووالدنا الامير وولي عهده الامين، فإنني اطلب من العلي القدير ان يوفقني في اداء هذا الواجب وتلك الرسالة لما فيه خير كويتنا الحبيبة وشعبها الاصيل وامتنا العربية والاسلامية.
-
وليد خالد المرزوق
-
21/5/1990
خلال المحنة وبعد أن وجه سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد كلمات إلى شعب الصبر والمحنة جاءت افتتاحية «الأنباء» بقلم المرحوم بإذن الله وليد خالد المرزوق لتبث الأمل في صدور الكويتيين بأن النصر قريب
سيدي الأمير: وأنت الصادق ونحن الواثقون
في كلمته إلى شعب الصبر والمحنة قال صاحب السمو أمير البلاد يوم امس الأول ان الله ابتلانا بالمحنة.. وعندما يبتلي الله عز وجل عباده فإنما ليجربن المؤمن وليعرف المنافق من الصادق، والثابت الأركان من ضعيف الإيمان.. ولقد حلت بنا هذه الكارثة، وما هي بالأولى، فسنوات العذاب والدمار مرت على كويتنا اكثر من مرة وكانت البلوى في كل منها كبيرة وخطيرة، وأدت الى دمار وموت كثير في ديارنا وفي الأنفس الغالية لشعبنا، ولكننا كنا دائما نضمد جراحنا ونستعيد تماسكنا على الأرض ونبدأ ببناء الكويت من جديد، وكانت الميزة الأساسية في كل هذه التجارب هي تعاطف اهل الديرة وتماسكهم وسلوكهم القائم على مبدأ الجسم الواحد والأسرة الواحدة، لذلك فإن سنة «الهدامة» أو سنة «الطبعة» وغيرها لم تزهق الروح الكويتية ولا أوصلت شعبنا الى حالة اليأس والضياع، كان الكويتيون يواجهون المأساة وحيدين، لا معين لهم غير الله سبحانه، وحين انتشر في ديارنا وباء الطاعون، راح اجدادنا يتساقطون امواتا على قارعة الطريق وداخل منازلهم دون ان تمتد إليهم يد الرحمة او العون من احد، ولعلنا هنا نتذكر ضرورة ان نسأل صدام التكريتي: إذا كانت الكويت عبر التاريخ جزءا من العراق فليتفضل ويشرح ما الذي قدمه لنا سادة الحكم في العراق لمواجهة هذه الكوارث؟ وهل كلف العراقيون انفسهم ذات مرة تزويدنا بدواء او غذاء؟ وهل جاءتنا منهم في اي يوم بعثة طبية تداوي مرضانا وتنقذ شعبنا من الهلاك ام ان رجال الحدود، عند تخوم البصرة كانوا يمنعوننا من عبورها خوفا على انفسهم من العدوى والبلاء؟!
أقول: لقد واجهنا مصائبنا وحدنا وعندما كان الموت يقرع كل بيت في كويتنا لم نجد احدا يقول اننا من اهله، لأن في ذلك مسؤولية التعاضد ومسؤولية مواجهة الخطر والموت، في تلك الايام السوداء لم يفطن العراقيون الى اننا جزء من الشعب العراقي، ولا ان الكويت قطعة من الارض ـ الأم! وبالطبع فإن مثل هذه الادعاءات التي بدأت مع نوري السعيد وورثها منه عبدالكريم قاسم وصدام حسين، انما ظهرت مع ظهور النفط وليس مع ظهور الكوليرا في ديارنا وصارت الكويت في عيونهم قطعة من الوطن، الأب أو الأم لا فارق، لأن فيها الثروات الطبيعية والعلم والتقدم التكنولوجي والاستثمارات المجزية، ولو كانت الكويت ارضا لا يختبئ تحت سطحها الذهب الاسود ولا تعمر خزائنها بالذهب الأحمر، لما تذكر احد انها جزء منه، لأنها عندئذ سوف تكون عبئا اقتصاديا وتعليميا وصحيا عليه، وهم العاجزون عن الوفاء بالتزامات شعبهم فكيف بالشعوب الاخرى؟! واقول ايضا اننا في هذه المحنة انما تجربنا الحياة لتأكيد حقنا في الحياة، وما رسالة اميرنا الجليل الينا سوى صورة لهذا الامتحان، ودعوة مباركة لإثبات جدارتنا بكل حقوقنا واولها حقنا في الحرية والسيادة الكاملة، ولم يغفل جابر الاحمد التركيز على مشاعر الوفاء تجاه من فتح لنا دياره وقلبه، قيادات وشعوبا، كما هو لم يترك هذه المناسبة لتذكير الكويتيين بواجبهم تجاه الدول والشعوب الشقيقة اذ شدد على السلوك باعتباره مقياس الحكم على جدارتنا الوطنية وعلى صلاحنا النفسي، لذلك فقد نبه صاحب السمو امير البلاد الى التمسك بالاخلاق وعدم تجاوز حدود المسؤولية تجاه الدول والشعوب، والحفاظ على مسلكنا الاخلاقي دون تشويه، لقد ولدت محنة الكويت في نفوسنا جراحا عميقة، ولكنها في الوقت ذاته يجب ان تكون الفرصة التاريخية المتاحة لاكتشاف الذات ولبناء الانسان الكويتي الجديد الذي تصهره الاحداث في بوتقة الايمان وتفولذ إرادته لخلق واقع جديد يكون فوق تراب الوطن علما من نار ونور، وقاعدة لمستقبل اكثر رسوخا وثباتا وصلابة، وان المقاومة الوطنية المسلحة هي اولى ثمار الانسان الكويتي الجديد، وان انتصارنا بها ومعها سوف يجعلنا في غد نطل على الماضي لنستفيد من دروسه، ونشرق على الايام المقبلة ونحن اكثر ايمانا وادراكا للحق وعملا به.
-
وليد خالد المرزوق
-
6/9/1990
كلمات الراحل وليد خالد المرزوق سطرت الدور المشرف لشعب الكويت الذي التف حول قيادته الشرعية، وكان مؤتمر جدة محطة أساسية في صمود هذا الشعب
ومن البدء كانت جدة..
سيكتب تاريخ الكويت أن البدء كان الشهادة، دما طاهرا على الحدود وعلى الطرقات وعلى بوابة دسمان، وسيكتب التاريخ أن مؤتمر الشعب في جدة وضع الحجر الأساس لتجذير روح المقاومة والصلابة في الصدر، وبنى القواعد لكويت الغد التي كنا على أول الطريق لبنائها، بقيادة جابر الوطن وسعده، نذهب الى المؤتمر اليوم لنستمع الى كلمة قائد الكويت وسيف صمودها جابر الأحمد، والذي سيضع أمامنا رؤيته للأحداث، ما جرى منها وما ستشهد الكويت والعالم في الأيام المقبلة، فرحلة التحرير التي بدأها جابر الأحمد لحظة أسقط مؤامرة الغزاة التي استهدفت حياته الغالية وحياة ولي عهده الصادق وأسرة الخير، هذه الرحلة تستمر منذ الثاني من آب (أغسطس)، ليتوقف موكبها في جدة اليوم، توقف اللحظة الواحدة، لأن المؤتمر سيكون محطة أساسية وراسخة على طريق الحرية والتحرير، وسيكون لمؤتمر جدة تاريخ، لأنه يسجل استمرار الشورى في حياتنا السياسية، وتمسكنا بروح العمل الواحد الموحد، تأكيدا لوحدة حياة هذا المجتمع الواحد، الذي سجل في تاريخ الشعوب ظاهرة لم يعرفها حين تفولذت ارادة كل الكويتيين على مبدأ مقاومة الاحتلال ورفض الغواية الشيطانية التي أراد. لقد أسقطنا كل التأويلات والمقولات التي عرفها العالم عبر تاريخ الشعوب التي وجد المحتل دائما في صفوفها من يختار الاحتلال قيادة والغزو شريعة فيرضى بالمكاسب وبالمناصب، ولكن شعبنا الوفي العظيم، كله كله لا بعضه، رفض كل شيء إلا الوطن الحر والقيادة الشرعية، ليثبت فعلا اننا أسرة واحدة، في قارب الحياة الواحد، لقد عبرنا الطوفان معا، واليوم نحن نقف معا لتكون لنا العودة الى الوطن الحر السيد الأبي، في موكب جابر الأحمد معا، هكذا يريد لنا الله ونريد، ولا راد لما كتب الله للمؤمنين، وسينصرنا الله فلا غالب لنا ولا ظالم لحقنا ولا محتل لوطننا. والله أكبر والمجد لنا.
-
وليد خالد المرزوق
-
13/10/1990
بالحجة والمنطق وفي 16 / 8 / 1990 خط الزميل الراحل وليد خالد المرزوق افتتاحية حول الموقف الكويتي المشرف الدائم مع جيرانه خصوصا جار الشمال الذي لم يحفظ الجميل ورد على الإحسان بأبشع إساءة فكانت هذه الكلمات
ماذا قدمت الكويت للعراق..وماذا قدمت العراق لها وللعرب؟
من المحزن لنا أن نتحدث عما قدمته الكويت للعراق لأن مبدأ الاخوة العربية لا يقوم على الفواتير، ولو كان مقياس العلاقة بين كل دولة عربية وأخرى هو ما قدمته هذه او تلك للأخرى، وشرعية احتلال دولة لأخرى وفق أرقام كمبيوتر المساعدات، لكان حريا بهذه الأمة ان تذهب الى الجحيم.
هذا من حيث المبدأ..
هذا من حيث القيم التي تفوق كل أموال الدنيا في حساب العلائق المصيرية بين أقطار الوطن الواحد والأمة الواحدة، ويكفي الكويت انها عرضت حياة أميرها العربي الكبير الشيخ جابر الأحمد للخطر ثمنا لموقفه القومي مع العراق والذي نجا يوم 25/5/1985 من شر المحاولة الآثمة لاغتياله وكاد يقضي لولا عناية الله ولطفه بالكويت وبالأمير وبالعروبة، ولكن لأن العراق هو الذي برر عدوانه على الكويت واجتياحه كامل ترابها وتعطيل سيادتها ومؤسساتها الشرعية، والبدء في محاولة تحطيم اقتصادها بمقارنة ديناره المتعب بدينار الكويت المقبول كأحد أقوى العملات في العالم، ونظرا لأن العراق، وخلال حملته الإعلامية الظالمة وبحثه المضني عن مبررات لغزوه العدواني البشع ضد دولة عربية شقيقة مجاورة، وتشريده لشعبها العربي المسالم، قد اختار لغة الفواتير فليسمح لنا بأن نبدأ بسؤاله:
هل يذكر العراق ان الكويت أسست أول صندوق للتنمية الاقتصادية.. العربية عام 1962، وان ميزانية هذا الصندوق بلغت الف مليون دينار كويتي، اي ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار؟ هل يذكر الاخوة في العراق ان اول دعم مادي قدم لحكومة الثورة، والتي تولت السلطة في بغداد في الثامن من فبراير 1963 كان ثلاثين مليون دينار كويتي لولاها لما وجد العراق في خزينته دينارا واحدا ينفق منه على شراء احتياجاته، وقد وجد الخزينة خاوية او شبه خاوية، بفضل السياسة الاشتراكية «الرشيدة» التي بدأ بتطبيقها بعد ثورة الرابع عشر من يوليو 1958؟
ثم هل طلب العراق يوما اي قرض او عون من الكويت ولم تقدمه له في سنوات السلام؟ والأخطر والأهم من ذلك كله: هل قصرت الكويت في دعم العراق وإسناده خلال سنوات الحرب الثماني التي بدأها ضد إيران، والتي تدخل تفصيلا الآن في الأسباب الحقيقية لتلك الحرب وفي نتائجها المدمرة وفي واقع الهزيمة السياسية الكاملة التي انتهت اليها. إن العراق حين أعلن الحرب على إيران ظهر يوم الثاني والعشرين من سبتمبر 1980 قال: إنه يشن حربه لتحرير أرضه واستعادة حقه في شط العرب ولمنعها من التدخل في شؤونه الداخلية، وهذه هي الحرب تنتهي، والأرض لاتزال محتلة وشط العرب باق على ما كان عليه حال السيادة فيه قبل الحرب، وسبعون ألف أسير عراقي ونصف مليون شهيد وجريح ومعوق فوق أرض العراق الشقيق، وإذا كنا نشير بإيجاز الى هذه الحقائق فلأن أول أسباب الغزو العراقي للكويت كان الرغبة في إشغال الرأي العام العراقي عن الكارثة والذي راح يتساءل غاضبا إن كانت الحرب قد جلبت له شيئا غير الدمار والموت.
ونعود إلى لغة الفواتير:
لقد حصل العراق من الكويت على مئات الملايين من الدولارات، على شكل قروض ومساعدات، لم تدفع حتى فوائدها القانونية، المترتبة على ذلك بموجب نظام صندوق التنمية الذي يحصل على فائدة رمزية، أقرب إلى الوهم منها الى الحقيقة في عالم المال، إن انخفاض أسعار العملات وتذبذب أسواق المال يجعل من فوائد صندوق التنمية الكويتية مجرد أجرة بريد يدفعه من قبض لمن يدفع، وهو ما لم يحصل لنا إذا اقتصرت العلاقة على قيامنا بالدفع دون قبض أجرة البريد هذه! في سنوات الحرب المحزنة بين العراق وإيران قدمت الكويت مساعدات لبغداد بلغت في مجملها تسعة عشر مليار دولار، كنا نعلم ان مصيرها لن يكون أفضل من مصير القرض الأول الذي وقع بروتوكوله المرحوم طاهر يحيى، رئيس وزراء العراق عام 1963، ولكن ذلك لم يكن العطاء العظيم بالنسبة لشعبنا، إن وقوف شعب الكويت مع العراق كان ركيزة اقتداره على الاستمرار في الحرب. وقد جسدت حكومة الكويت بأمر من صاحب السمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح إرادة الشعب حين قدمت المساعدات المادية، وحين خصصت أرصفة ميناء الشعيبة، التي حرص العراقيون على نسفها في ثاني أيام الغزو، خصصت الكويت الأرصفة هذه لتنزيل الأسلحة السوفياتية التي استعصى إيصالها الى العراق عن كل طريق عدا موانئ الكويت، وكنا نتمنى على الاخوة في بغداد ألا ينسوا ان الحرب العراقية ـ الإيرانية أدت الى ركود الاقتصاد الكويتي وإلى إفلاس مئات الشركات وإلى تدمير تجارة الترانزيت في الكويت، وتحميلنا آلاف ملايين الدولارات كنفقات إضافية في الشحن وفي تغيير مسار الطيران المدني الكويتي وفي التأمين على ما يستورده من غذاء ودواء لشعب الكويت والأشقاء العرب فوق أرضه، وكنا نتمنى ألا نضطر الى تذكير العراق بأننا فتحنا حدودنا أمام ملايين العراقيين لدخول الكويت وشراء المواد الغذائية والدوائية من الجمعيات التعاونية التي تبيعها بأسعار مخفضة، وتدفع الحكومة فارق الأثمان خدمة لشعبها، لقد شاركنا إخواننا في العراق غذاءنا المدعم حكوميا، ونشعر بالحرج الكثير اذ نضطر الى إنعاش ذاكرة بغداد بكل هذا، ولكن لا حرج علينا نحن إن فعلنا، لأننا لم نكن البادئين بحرب الفواتير.
وليأذن لنا حكام بغداد في مداخلة بسيطة: لقد تمكن العراق، ومن خلال سياسة مالية حازمة، تمكن من تكوين ودائع استثمارية قابلة للتسييل، بلغت قيمتها مع بداية العام 1979 ستة وخمسين مليار دولار، أودعها جميعا في بنوك الدول الأجنبية، وفي منتصف العام 1980، سنة الحرب، كان رصيد الحكومة العراقية لدى هذه البنوك الأجنبية وفي السندات الأميركية اكثر من سواها، قد وصل الى اثنين وستين مليار دولار، وقد تحصل العراق ذلك بفضل قرار المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود بقطع الإمدادات النفطية عن العالم، دعما لسورية ولمصر في حرب اكتوبر 1973، كما ان العراق، رغم ثروته المتنامية بعيدا عن الأنظار وفي سرية نحسده عليها لأنها لا تظهر في حسابات علنية، كما تفعل حكومتنا، ظل يحصل على المساعدات العربية والأجنبية ويتصرف كدولة مقترضة استعدادا لحروبه ضد الأشقاء العرب، ثم ضد إيران. إذا كان لدى العراق عشية الحرب 62 مليار دولار، فهل يأذن لنا السادة في بغداد ان نسألهم ما الذي قدموه هم للأشقاء العرب على مدى السنوات من العام 1973 حتى 1980؟ هل حصلت سورية منهم على غير السيارات المفخخة والقنابل الموقوتة، هل حصل الأردن على غير محاولة الإطاحة بالملك حسين؟ وهل حصلت الثورة الفلسطينية على شجرة بلح واحدة أم إن نصيبها كان فقط حرب المسدسات الصامتة التي شنتها أجهزة المخابرات العراقية ضد حركة «فتح» ثم ملايين الدولارات التي قدمتها بغداد للسيد صبري البنا، المعروف باسم «أبونضال»، ليتابع مسيرة اغتيال رموز العمل السياسي والفكري في حركة «فتح»، وهل حصل السودان يوما على دولارات من حكومة العراق، قبل الغزو الأخير للكويت! ولا نسأل عن نصيب اليمن، فأمر اليمن متروك دائما لله وحده. إن الذي يجيز لنفسه احتلال دولة شقيقة وتحويلها الى مقبرة لأحلام شعبها وأحلام عشرة ملايين عربي تتصل حياتهم اليومية بها، تحت ستار ضآلة ما قبض من الكويت، يجب ان يسمح لغيره ان يقيس تاريخه بالسكين ذاتها، في عصر أصبح فيه المصير العربي الواحد والتضامن العربي ومواقف بعض الدول العربية مجرد أرقام في حرب الفواتير العراقية.
-
وليد خالد المرزوق
-
16/8/1990
في القاهرة، كان منفى الأحرار فقد رحلت «الأنباء» ليس باختيارها وإنما بالإكراه الذي فرضه النظام العراقي البائد، وكانت «الأنباء» صوت الكويت والكويتيين
«الأنباء» في منفى الأحرار
تصدر «الأنباء» في المنفى، لا باختيارها، ولكن بالإكراه الذي يفرضه نظام صدام حسين على وطننا الكويتي الذي كان آمنا فجاء الغزو الصدامي ليجعل دورنا وشوارعنا ومدارسنا مسارح للدمار، وليحمل الى شعبنا وأطفالنا الموت، هدية من الرئيس صدام حسين العربي الى شعب الكويت العربي المسالم.. لقد كان الغزو الصدامي هو الدفعة الأولى في حساب الوفاء والسطر الأول في كتاب العروبة الصدامي.
تصدر في المنفى، والقاهرة على مدى التاريخ كانت منفى الأحرار وقبلة المظلومين ودرع كل من يلحق به الأذى والخراب. ومن القاهرة كان الأحرار يعودون الى أوطانهم مظفرين بالحق ومنصورين بإرادة الله ثم الشعوب، يهزمون أعداء الله والوطن والحرية ويسجلون للقاهرة في ضمائرهم كتاب العرفان. الى مصر الحرية التي وقفت معنا زمن الشدائد والصعاب... إلى الرئيس العربي الصادق الوفي محمد حسني مبارك... وإلى كل من يقف مع هذه الأوراق التي تصدر دفاعا عن حق وذودا عن وطن يغتصب وشرعية تطعن في الظهر.
إليكم جميعا شكرنا اليوم وشكرنا غدا وان غدا لناظره قريب...
-
وليد خالد المرزوق
-
15/8/1990
خلال أيام الاحتلال السوداء كانت «الأنباء» هي صوت الكويت العالي، وكانت كلمات الراحل وليد خالد المرزوق هي وقود الأمل.
شراع العودة
دخلنا قاعة المؤتمر الشعبي، وفي صدورنا صرخة الايمان بأن الشعوب، مهما طال ليل الغطرسة والجنون، تستعيد حريتها وتطلق في مجرى التاريخ عربة النصر المزينة بالتضحيات. ها نحن نجلس معا، كل اهل الكويت في هذا المؤتمر لا يغيب منهم وجه ولا صوت ولا ساعد. فالواحد منا يمثل كل أهله، وفي كل عضو من اعضاء المؤتمر السبعين، ألف مواطن ومواطنة ينطقون بالشهادتين، ويشهدون على ميلاد الكويت الجديدة في رحاب المملكة الشقيقة، التي لا تحتضن اليوم جسومنا، بل أحلامنا في التحرير والعودة. ونكاد من فرط المحبة والحفاوة والتكريم والتكاتف الصادق الذي نلمسه في العين واللسان والذراع، نكاد نقول اننا لم نترك الوطن أبدا، نحن اليوم نمثل الشعب، كل الشعب، لنا آراؤنا ولنا تصوراتنا ولكل منا رؤيته، ولكن ذلك ينصهر ذهبا في نار الوحدة الوطنية وفي نار الاصرار المشوق على العودة الى الكويت الحرة السيدة. ليس بيننا من يطلب وطنا بغير الحرية ولا حرية بغير الوطن. وليس بيننا من يناقش في التهيؤ النفسي الكامل للموت دفاعا عن الأرض، تحت راية حامل الراية وسيد الصبر وراسم الحلم الكويتي المزهر أملا ومحبة ووفاء. نستمع اليه، لم يتبدل فيه الصوت الهادئ الذي صاغه الله فيه من صلابة الايمان، ولا ضعفت فيه ارادة القائد المسؤول الذي يوقن الى أقصى حدود اليقين انه والكويت على موعد، وانه في هذا انما يواعد التاريخ على نصر، اخبارنا التي لا تذاع تقول ان تراب الوطن يحن الى جباهنا التي ستقبله غدا، لحظة يمشي موكب جابر الأحمد بالظفر الى ديرة الخير والأمل والمحبة والمجد، أبشر أيها التراب فإننا اليك نعود، وأبشري يا أمواج الكويت فإن شراعنا تبحر الى شاطئك الأمين، بربان السفينة الجابر وطنه وبسعدها الأمين.
-
وليد خالد المرزوق
-
14/10/1990
بعد أن منّ الله على الكويت بالتحرير، فإن الوعد من رئيس التحرير آنذاك الراحل وليد خالد المرزوق باللقاء على أرض الكويت
لقاؤنا قريب على أرض الكويت
اليوم يمثل خطا فاصلا في مسيرة «الأنباء» الصحافية وهو ليس فاصلا بمعنى الانفصال او التباعد بقدر ما هو يجسد نقطة انتقال وانطلاق بين مرحلتين: مرحلة الصدور المؤقت من خارج الكويت ومرحلة العودة الى الوطن بكل ما يحمله ذلك من معان عميقة وما يجيشه من مشاعر متدفقة وفياضة.
وإذا كانت «الأنباء» ستتوقف من الغد عن الصدور من القاهرة لفترة قصيرة ووجيزة تمهيدا واستعدادا لانطلاقتها الاعلامية من الكويت فإن هذا التوقف «الاضطراري» المؤقت هو أشبه باستراحة المحارب، فهو ليس «توقفا» للراحلة او الاستجمام او استجماع الانفاس من عناء المرحلة الماضية، لكنه «وقفة» للمراجعة والتخطيط والاعداد والتطوير واستكمال الاجهزة الفنية والطباعية تمهيدا لصدور «الأنباء» من الكويت بالصورة التي تواكب مرحلة البناء والتعمير، والتي تتيح لـ «الأنباء» في الوقت نفسه ان تؤدي واجبها الاعلامي ورسالتها الصحافية الطموحة في مواجهة تحديات المرحلتين الآنية والمقبلة لبناء كويت المستقبل. وقد حرصت «الأنباء» على ان تكون «وقفتها الاضطرارية» قصيرة للغاية حتى لا تغيب عن القارئ او تنقطع عن اداء مهمتها الاعلامية، وذلك رغم حجم الدمار الكبير الذي خلفه العدو العراقي في مقرها الرئيسي بالكويت، حيث قام بسرقة ونهب كل ماكيناتها الطباعية وأجهزتها ومعداتها الفنية الحديثة والمتطورة، وكان عزاؤنا في ذلك ان ما اصاب مبنى «الأنباء» من تخريب وتدمير هو جزء مما اصاب الكويت ككل على ايدي الغزاة المجرمين، كما ان ما ألحقه أشاوس العراق بـ «الأنباء» تعبيرا عن حقدهم الدفين لم يستطع ان يسكت او يؤثر على صوت «الأنباء» ولا على قلمها في ان يستمرا في أداء دورهما من اجل الكويت دفاعا عن قضيتها العادلة وتعبيرا عن شعبها الحر وقيادتها الشرعية الحكيمة، لقد استمرت «الأنباء» في الصدور بدءا من اليوم الثالث عشر للغزو الغادر وطوال شهور المحنة لتواكب حرب التحرير وتلاحق احداثها حتى تحقق النصر بحمد الله، واستعادت الكويت حريتها وسيادتها واستقلالها وشرعيتها. ان لقاءنا مع القارئ قريب، بل قريب جدا على ارض الكويت، حيث نستأنف المسيرة، ونواصل العمل، ونعزز الجهد، ونسرع الخطى نحو تحقيق كل ما يمليه علينا واجبنا الاعلامي المقدس تجاه الوطن والمواطنين. وعلى المحبة والعز والازدهار نلتقي.. على ارض الكويت.
-
وليد خالد المرزوق
-
16/8/1991
بعد 5 سنوات من العمل المتواصل في رئاسة تحرير «الأنباء» وتحقيقه أعظم النجاحات كان الشكر وليس الوداع بكلمات مؤثرة للزميل الراحل وليد خالد المرزوق.
شكراً.. وليس وداعاً
في البدء كانت الكلمة.. وفي الختام أيضا ستبقى الكلمة، لغة التخاطب والتعامل والتعايش، ولغة الرأي والحوار.. والديموقراطية. وبرغم ما للكلمة من سحر وبريق وتأثير فإنها تبقى دائما أمانة كبيرة ومسؤولية جسيمة.
رحلتي مع الكلمة عبر رئاسة تحرير «الأنباء» استمرت أكثر من خمسة أعوام حافلة بالأحداث التي تتطلب مواجهتها مبادئ راسخة ومواقف ثابتة. وإذا كنت اليوم أجد نفسي مضطرا لأن أودع «الكلمة» بسبب مشاغلي العديدة التي تحول بيني وبين التفرغ الصحفي لها، فإنني أشعر بالجزم واليقين أنني لن أكون بعيدا عنها، وكل ما هناك أن موقعي سينتقل من مقعد رئيس تحرير «الأنباء» إلى مقعد عضو مجلس إدارتها، وإلى الموقع الأهم والأرحب والأكثر اتساعا وتأثيرا وهو موقع القارئ، لاسيما أننا أرسينا في «الأنباء» مبدأ أساسيا لا نحيد عنه وهو أن «الأنباء» ملك لقرائها باعتبارها جريدة كل الكويتيين. وعلى صفحاتها يسطرون آراءهم، وفي مقالاتها يكتبون وجهات نظرهم حبا وإخلاصا وانتماء وولاء ووفاء للكويت.
إنني أدرك تماما ومن خلال التجربة والمعايشة أنه مهما كانت صعاب مهنة المتاعب، فإن لها أيضا بريقها وقوة تأثيرها، لكن التغيير هو سنة الحياة، خاصة أن الصحافة لا تقبل أي شريك لها، وتتطلب التفرغ التام على حساب المسؤوليات الأخرى.
لقد كانت رحلتي مع «الأنباء» غنية بالتجارب ثرية بالخبرات خاصة خلال فترة الاحتلال عندما سارعنا بإصدارها من القاهرة لتكون صوت الكويتيين إلى العالم، والمنبر القوي لإرادتهم الحرة الرافضة للاحتلال المتعطشة إلى الحرية، ثم عشت معها لبنات إعادة البناء من جديد لتواصل مسيرتها بعد التحرير، وتشارك بالكلمة الصادقة والرأي المستنير في مرحلة من أدق وأهم مراحل الكويت في تاريخها المعاصر.
لقد أكدت «الأنباء» منذ أول عدد لها السياسة التي وضعها لها مؤسسها الوالد خالد المرزوق، وهي أن تضع مصلحة الكويت والكويتيين فوق كل اعتبار وقبل أي مصالح شخصية أو خاصة، واستمرت مسيرتها قائمة على هذا المبدأ الوطني الأصيل، لترسخه أكثر فأكثر في سنوات ما بعد التحرير، غير عابئة بأي تضحيات مادية أو معنوية، حتى جاء قرار الحكومة الجائر بتعطيلها خمسة أيام وساما على صدرها وعلى صدري، وتأكيدا لاستقلاليتها ومصداقيتها واصرارها على خطها الوطني والشعبي الراسخ.
انني وأنا أودع مقعد رئاسة تحرير جريدة «الأنباء» أثق ثقة مطلقة في أنها ستواصل مسيرتها على طريق تحقيق طموحاتها العريضة بفضل الله، وبفضل دعم قرائها لها، وبفضل ما تضمه من كفاءات، وما افرزته ودعمته من كوادر صحفية كويتية مخلصة طبقا لسياسة التكويت التي حرص عليها والدي وحرصت عليها منذ بداية طريقها، وبفضل الروح الأسرية التي تجمع أعضاءها وأفرادها من زميلات وزملاء تحت إدارة شقيقتي بيبي المرزوق، التي ستتولى عني رئاسة تحرير «الأنباء».
تبقى في النهاية كلمة هي في الحقيقة كلمة البداية، إذ لا يسعني سوى أن أتقدم من أعماق نفسي بالشكر العميق والتقدير الكبير إلى والد الجميع صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه على رعايته الأبوية الكريمة التي حباني بها والتي كانت دوما حافزا لي وللزملاء في «الأنباء» لنزيد العطاء.. ونتفانى في خدمة الكويت.
كما لا يسعني سوى أن أعبر عن كل الشكر والتقدير لسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله، والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد، اللذين لا يمكن أن أنسى لهما مواقفهما الإيجابية ودعمهما المستمر.
أما الشكر الخاص الذي استميح القراء عذرا في أن أسجله على صفحات «الأنباء» فهو لوالدي السيد خالد المرزوق الذي تتلمذت على يديه في مدرسة الحياة، والذي تعلمت ومازلت أتعلم منه في كل يوم الكثير، والذي أتاح لي الفرصة لدخول البلاط الصحفي والاغتراف من معينه الذي لا ينضب، والذي كان وسيظل القدوة المثلى لي في أي موقع أزاول فيه الجهد والعمل.
يبقى الشكر الأخير والجزيل.. لقراء «الأنباء» الذين كان تواصلهم هو الدعامة الأكبر والأرسخ لزيادة انتشارها وقوة تأثيرها.. ونبض نجاحها.
شكرا للجميع من الأعماق.. ولا أقول وداعا للكلمة الصحفية في «الأنباء».. وإنما أقول إلى لقاء دائم مستمر وحميم معها.. من موقع القارئ المحب لها، الحريص عليها، الشغوف بكل صفحاتها وموضوعاتها وآرائها وتوجهاتها.
-
وليد خالد المرزوق
-
2/5/1995