ضاري المطيري
أثارت آراء رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة السابق د.أحمد الغامدي في قضية الاختلاط ردودا واسعة من علماء ودعاة في الكويت، حيث أبدوا استغرابهم من استدلاله بآيات ذات مدلولات عامة نزلت قبل نزول آية الحجاب وقبل فرضه على نساء المؤمنين، تاركا النصوص الصريحة الصحيحة المحرمة للاختلاط والداعية إلى التستر والابتعاد عن مواطن الفتن.
فمن جهته أكد الداعية حاي الحاي تحريم الاختلاط بين الرجال والنساء في مقاعد العمل والدراسة، مشيرا إلى أن التحريم يأتي متوافقا مع قواعد الشريعة الإسلامية التي تدعو سد أبواب الفتن والشر، وصريحا مع أمره صلى الله عليه وسلم بتفريق صفوف الرجال عن النساء في الصلاة وتحذيره من خلوة الرجل بالمرأة.
وأشار الى أنه لا يصح القول إن الأماكن والأسواق ومجتمعات المسلمين ومجالس ودور العلم وساحات الجهاد مجتمعات مختلطة، مبينا أن مساجد المسلمين وأسواقهم وطرقهم المعروفة لم يكن فيها هذا الاختلاط المذموم المحرم كما يردد دعاة الاختلاط، حيث كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم يصلون في مقدمة الصف الأول، والنساء في مؤخرة الصفوف، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصص للنساء في يوم العيد خطبة خاصة ليعظهن ويذكرهن وهن رضي الله عنهن في غاية الستر والحشمة والأدب والابتعاد عما يثير الفتنة مما يؤكد أن النساء كن في مكان بعيد عن الرجال.
أدلة الغامدي قبل نزول آية الحجاب
وأوضح أنه لاشك في أن أدلة تحريم الاختلاط أقوى وأصرح وأكد، فمن من الأدلة التي ذكرها الأخ الغامدي هداه الله للحق، وهي أدلة عامة قبل نزول آية الحجاب كما سيأتي، أما أدلة المنع فهي أدلة واضحة وبراهينها لائحة وشواهدها ساطعة ودلائلها لامعة وأماراتها صحيحة.
وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر الرجال من الدخول على النساء والاختلاط معهن والخلوة بهن، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والدخول على النساء» فقال رجل من الأنصار: أرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت» أخرجه البخاري ومسلم.
النظرة ومطمع الشيطان
وأضاف أن مسلم روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها»، مشيرا إلى أن هذه الأحاديث تدل على ضرورة إبعاد الرجال عن النساء في الصلاة وهي عبادة عظيمة لله تعالى فكيف بغيرها من ميادين العمل، فإن الشيطان يزين للرجال والنساء النظر إلى بعض وكما قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «ما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع».
وتابع قائلا: تأمل ما قالته هند بنت الحارث أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ويمكث هو في مقامه يسيرا قبل أن يقوم، قال الزهري رحمه الله: نرى ـ والله أعلم ـ أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال. أخرجه البخاري، وفي رواية عند البخاري كان صلى الله عليه وسلم يسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتابع الحاي قال الفقيه ابن قدامة رحمه الله: «إذا كان مع الإمام رجال ونساء فالمستحب أن يثبت هو والرجال بقدر ما يرى أنهن قد انصرفن، ويقمن هن عقب تسليمه» ثم قال مصرحا بالتحذير من الاختلاط: «لأن الإخلال بذلك من أحد الفريقين يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء».
الزعم ليس جديدا
وأوضح رئيس اللجنة العلمية التابعة لجمعية إحياء التراث الإسلامي الداعية محمد النجدي ان الزعم بتخصيص آية الحجاب بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ليست أمرا جديدا، مبينا أن آية الحجاب قد نزلت في ذي القعدة سنة 5 من الهجرة وهي قوله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما)، قال الحافظ ابن كثير: «أي وكما نهيتكم من الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها فلا ينظر إليهن، ولا يسألهن إلا من وراء حجاب».
وأشار إلى أن الآية تعمم بإطلاقها حجاب المؤمنات عن المؤمنين، والشبهة المثارة قديما وحديثا على لسان بعض المتطاولين على الشريعة أيامنا هذه: أن هذه الآية مختصة بأمهات المؤمنين؟ وأن هذه الآية عامة، تدل على حجاب البيوت وليس على حجاب الوجوه؟ والرد على هذه الشبهة الفاسدة من وجوه:
أولا: الحق أن هذه الآية عامة، تدل على حجاب البيوت وعلى حجاب الوجوه أيضا، وذلك أن قصر آية الحجاب على المساكن دون الوجوه، تحكم وتخصيص بغير دليل ولا برهان.
والأمر الآخر: أن قصرها على البـــيوت يقتــــضي عــــدم وجود ما يوجب تغطية الوجــــوه على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرجــــن من البيوت؟ فيلزمهم القول بجــــواز كشف الأزواج وجوههن، وهذا لم يقل به أحد من العلماء؟
ثانيا: لم يصرح أحد من المفسرين بقصر الحكم ـ الحجاب ـ في البيوت: فلم نجد في أقوال المفسرين التصريح بالقصر، بل ظاهر كلامهم شمول الحكم (الحجاب) في البيوت وخارجها، قال الإمام القسطلاني: «وفيه تنبيه على أن المراد بالحجاب التستر حتى لا يبدو من جسدهن شيء، لا حجب أشخاصهن في البيوت».
ثالثا: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب: وهذه القاعدة معروفة عند أهل العلم والتفسير، فهذه الآية وإن كانت خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم من حيث السبب، فهي عامة من جهة الحكم، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وأكثر آيات القرآن ذوات أسباب في نزولها بلا خلاف بين العلماء، فإذا حصرنا أحكامها ضمن دائرة أسبابها فما هو نصيبنا منها إذن؟
رابعا: ان خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة: فمما تقرر في أصول الشريعة ان خطاب الواحد يعم حكمه جميع الأمة، حتى يرد دليل على تخصيصه بالمخاطب، وليس هنا أي دليل على تخصيص حكم هذا الحجاب بأمهات المؤمنين.
خامسا: أن سياق الآية هو العموم وإن كانت قد وردت خطابا خاصا، لأن قوله تعالى: (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) ليس معناه: أنه يجوز للصحابة أن يدخلوا بيوتا غير بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يؤذن لهم!
علة الحجاب وحكمته
خامسا: ان علة الحجاب وحكمته واحدة وعامة: إن الله تعالى بين حكمة الحجاب وعلته فقال: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) وهذه العلة عامة، إذ لا أحد من المسلمين يقول: إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حاجتهن إلى طهر القلوب أكثر من غيرهن من المسلمات؟ ولا قلوب الرجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحوج للطهر من قلوب غيرهم من الرجال؟ فعموم علة الحجاب وحكمته في الرجال والنساء، دليل على عموم حكم الحجاب لجميع نساء المسلمين.
أ ـ وهو أن أمهات المؤمنين كن أطهر نساء الدنيا قلوبا، وأعظمهن قدرا في قلوب المؤمنين، ومع ذلك أمرن بالحجاب طلبا لتزكية قلوب الطرفين، فغيرهن من النساء أولى بهذا الأمر.
ب ـ أنهن أمهات المؤمنين، فنساء النبي صلى الله عليه وسلم جعلهن الله تعالى أمهات المؤمنين إذ قال الله تعالى: (وأزواجه أمهاتهم) فنكاحهن محرم على التأبيد على الصحابة، كنكاح الأمهات، فأي معنى إذن لحجبهن وحجابهن إذا كان الحكم مقصورا عليهن دون بقية المؤمنات؟ ومن هاهنا كان الحكم عاما يشمل كل مؤمنة إلى يوم القيامة، وكان من باب قياس الأولى، كتحريم الله تعالى التأفيف للوالدين، يدل على تحريم ضربهما من باب أولى.
سادسا: لابد من الربط بين آيات القرآن الكريم، وهاهنا لابد من الربط بين آية الحجاب هذه، وآية الجلباب التي يقول الله فيها: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيم) فآية إدناء الجلباب هذه، تتمة وتفسير لآية الحجاب السابقة، وآية الجلباب عامة لنساء المؤمنين بغير خلاف بين المسلمين، فلابد أن تكون آية الحجاب كذلك.
سابعا: الأحاديث الواردة عن فعل الصحابيات وحجابهن رضوان الله عليهن جميعا كما هو معلوم، كلها أدلة على عموم الحجاب للمؤمنات.