ليلى الشافعي
اكد الامين العام لمنتدى المفكرين المسلمين د.عبدالرحمن الجميعان ان هناك معوقات تحجب الضوء عن المفكر في ظل الابواب الموصدة والفضاءات المسمومة حيث يحيا المفكر، ان لم يحرم حق الحياة تحت سراديب اللامعقول والاسطورة ويبقى العطاء الفكري حكرا على اصحاب الايمان الراسخ والعزائم القوية والتضحيات الجسام.
جاء ذلك خلال افتتاح اول اعمال منتدى المفكرين الاول الذي عقد في مقر الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية وبحضور عدد كبير من المفكرين والباحثين في الشأن الاسلامي من عدة دول عربية وخليجية الذي استمر لمدة يومين أقيمت فيه الورش النقاشية لكل المشاركين قال الجميعان انكم تدركون خصائص الفكر الاسلامي ومدى ثرائه وغناه على كل المستويات وبكل المعطيات فهو غني في مصدره، غني في محتواه، غني في عطائه وشموليته، فلايزال وهج وقوده يذهب بذوي الالباب حتى من ألد أعدائه فبرغم الهزات القوية التي طبعت مسيرة الفكر الاسلامي بقي متماسكا ومتمسكا بثوابته، محافظا على خصوصيته لم يستجب لمحاولة الاضمحلال او الذوبان في الحضارة المادية المتصاعدة حيث اندثرت حضارات وذابت ثقافات وهلكت أمم، وهكذا ظلت اجيال بعد اخرى ترفع رايته خفاقه تضع البدائل وتصنع الحلول وترد الطعنات، وقيد الله له رجال امة ينفضون عنه غبار التبعية العمياء ويجددون المناهج ناهلين من ينابيع الوحي المتجددة كأنها تنزلت الساعة.
واضاف الجميعان، ان اجتماعنا لهو تعبير صريح عن تلاقي افكار وعقول احست بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، وتريد ان تنهض بأمتها وتسير بها الى بر الأمان، في ظل هذه الامواج المتلاطمة وحيث ظهرت الفتن واختلط الحابل بالنابل، وأصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا، كما اخبر الصادق المصدوق.
وزاد انني لا اجتمع مع كوكبة من المفكرين بالمعنى التخصصي للفكر وحسب، بل اضافة الى ذلك اجلس مع نخبة من علماء الامة، جمعوا بين صفات الفكر بالوحي المستنير، والذين هم يشكلون اضافة الى نظرائهم من علماء الأمة ذلك العقل الجمعي المعصوم من الخطأ والضلال والذي حذر الوحي من مخالفة ما توصل اليه (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).
واكد الجميعان: ان الفكر سيبقى فكرا يسبح ويعلو في جنبات الكون الفسيح حتى يستدعيه المفكر ويدنيه من واقع الامة ليعيش المفكر مع فكره وواقع امته، وما لم يحصل ذلك فان المثالية ستبقى تنحت جسمه حتى يتمركز صاحبه حول ذاته، ويبتعد رويدا رويدا عن المجتمع ليعيش في ذاته وبين جوانحه، وهي حدود ضيقة لا يجوز للفكر ان يبقى حبيسها.
ولذا نحن تنادينا من كل حدب وصوب لنصرة المفكر والفكرة وتأييدها وقمنا بوضع باكورة بناء تحت مسمى «منتدى المفكرين المسلمين» نتدارس من خلاله قضايا الامة ونضع حلولا لمشكلاتها الفكرية، ونقف معها ضد ذلك العدوان ثلاثي الابعاد (الجهل، الاستبداد، الاستعمار) بغية رسم خط فكري مستنير بوحي خالقه معتزا بماضيه واعيا لحاضره موقنا بعاقبة المتقين.
تجديد المفاهيم
وفي أولى حلقات المنتدى والتي عنوانها «مفهوم المفكر ورسالته» تحدث د.ربيع الحافظ عن مفهوم المفكر قائلا «عند الحديث عن المفكر تصادفنا جملة حقائق ومفاهيم وسنن، مما يقتضي المرور عليها قبل الخوض في عملية إيجاد تعريف لهذا الطراز من الإنسان، من ذلك: نوازعه، منطلقاته، ما يرومه تجاه محيطه، من يخاطب، نمط تفكيره ونظرة المحيط إليه، ذلك أن البحث عن تعريف للمفكر بمعزل عن هذه العوامل عمل معتل، وعندما يعتل التعريف، يعتل توظيف المفكر في المكان المناسب، ويعتل نقد نتاجه والتمييز بين نجاحاته وإخفاقاته.
واضاف «هو الشخص الذي يتعامل مع النص بشكل مباشر، والمفكر هو النصي ـ وطائفته هم النصيون ـ ينهل من النص، وينحت منه صيغا تكون حلولا لمشكلات يصادفها المجتمع أو المؤسسة أو الشركة، أو ترمي إلى الارتقاء بهذا إلى مصافات جديدة. هذا النص يمكن أن يكون سماويا كما في الاسلام، أو نظرية كما في الاحزاب كالماركسية او الرأسمالية، أو قيما حضارية كالكونفيوشية. وقد يكون النص هو محض قيم الفطرة البشرية الاساسية ـ بالنسبة للإنسان الذي لا يؤمن برسالة سماوية أو نظرية أرضية ـ كالصدق، والأمانة، والانعتاق من الرق كما في منظمات حقوق الإنسان.
وتابع الحافظ «فالأزمات بوتقة تذيب القناعات، وهي بالنسبة للمفكر موسم خصب لزراعة الافكار، فهي فرصته لإعادة تشكيل قناعات في حالة انصهار قبل ان تتصلب ويلزم كسرها.
من جانبه قال د.محمد الحمداوي «ان الفكر هو الوقود الذي يمد المجتمعات بالطاقة والحيوية والنشاط، والحياة والاستمرارية في العطاء، فهو في الحقيقة إنما يعتبر بالنسبة للمجتمعات والأمم بمثابة الروح من الجسد، إذ إن أي مجتمع أو أمة إذا ما استهلكت افكارها وانتهى رصيدها الفكري والروحي، انتهت وتلاشت وماتت واضمحلت وتحللت، تماما كما يتحلل الجسد بعد مفارقة الروح» مبينا «ان أي مشروع مجتمعي يرجع في أصله إلى فكرة ملهمة، تتحول بعد اكتسابها للفاعلية الاجتماعية الى حقيقة شاخصة بأبعاد اجتماعية واقتصادية وعمرانية، وكل مشروع نهضوي ينطلق من فكرة نوعية أو منظومة فكرية أو نسق من الافكار المترابطة والمتكاملة، سرعان ما تتحول إلى حركية اجتماعية، بفعل ما تكتسبه من شرعية بعد ان تستقطب شريحة ممن يستعد للتضحية من أجل نشرها وتوسيع الاقتناع بها».