-
من جاء إلى هذا البلد فعليه أن يحترم ثقافة الكويتيين الراسخة على الطيبة والتسامح والانفتاح على الآخر
-
«تبون تعرفون ليش صار في البلد تزمت اقروا أسماء أعضاء مجلس الأمة»
-
مشكلتـنا أن الـبـعض لا يفرق بين التوثيق التاريخي والعلاقات الاجتماعية في البلد
-
كثير من الحوادث التاريخية لم تدون بشكل صحيح في الكويت وتم التغاضي عنها «عشان لا يزعل» البعض
-
لماذا لا أحد يسأل عن الأسرى الكويتيين الذين تم القبض عليهم بعد معركة الصريف ونسيت حكايتهم؟
-
قام التاجر سلطان الكليب بجمع التبرعات عام 1935 فاتهمه الحساد بأنه «يريد أن يحكم الكويت»
-
لا يوجد شيء اسمه حضري وبدوي هناك كويتيون فقط وعلينا أن نتعامل وفق هذا المسمى
ذعار الرشيدي
«صدقني الديرة من غير دستور كانت وايد أحسن» كانت هذه الجملة التي أطلقها الباحث الفلكي العم د.صالح العجيري خلال حواره مع «الأنباء» بمثابة الصدمة وبداية الانطلاق لحوار مختلف مع العالم الجليل الذي بلغ الثامنة والثمانين من عمره هذا العام، ولم يخف العجيري عتبه على ما يحدث في البلد من تناحر ملقيا باللوم على أعضاء مجلس الأمة أولا وأخيرا في كونهم تحولوا من مشرعين إلى مراقبين على أخلاقيات الناس ومحاولة بعضهم تصدير ثقافات جديدة لا يعرفها الكويتيون. رافضا في ذات الوقت أن يقوم البعض بتفسير الديموقراطية على هواه موضحا أن الديموقراطية للجميع، ورغم إعلانه وبكل صراحة أنه يرى أن البلد كان أفضل حالا من غير الدستور إلا أنه أوضح أنه وبما أن الدستور أصبح موجودا ومكتسبا شعبيا فلا تراجع عنه رافضا تماما المساس به وخاصة في ظل الدعوات الأخيرة الداعية لتنقيحه. من جانب آخر يرى العجيري أن البلد تغير «بسبب قادمين جدد» رافضا وصفه بالعنصري خاصة عندما قال صراحة: «إن من جاء إلى هذا البلد واستوطن به فعليه أن يعيش وفق ثقافته الأصلية الطيبة المتسامحة المنفتحة على الآخر لا أن يحاول أن يفرض ثقافته» موضحا أن تصادم الثقافات هو سبب ما تعيشه البلاد هذه الأيام من انقسام مشيرا إلى أن هذا الصراع سيستمر لسنوات قبل أن يلتقي الطرفان وتعود روح التسامح الكويتية.
وهذا نص الحوار:
كأنك وبعد هذه السنوات الطويلة من الحضور الإعلامي بقي لديك الكثير مما لم تقله أو ما لم يقل؟
عمري الآن 88 عاما رأيت الكثير وسمعت الكثير وعاصرت الكثيرين ولم يتبق من أصدقاء طفولتي وأصدقائي وممن كنت أعرف من الزمن الجميل سوى القلة.
أي الحقبات التي مرت في تاريخ بلدنا تعتبرها هي فعلا ما تستحق أن نطلق عليها «الزمن الجميل»؟
هي حقبة ما قبل الدستور
هل كانت البلد بحال أفضل قبل الدستور؟
نعم أفضل وبكثير.
وكأنك تريد القول إنك لست مع الدستور أو لست مع وجود الدستور؟
كرأي شخصي نعم.
هكذا ستفهم أنك مع تعليق الدستور؟
أنا لم أقل هذا، ليس هذا ما قصدته.
هل يمكنك أن تفسر أكثر لأن الأمور هذه الأيام لا تحتمل أي تأويل خاصة أن تصريحا كهذا صادر من شخص بحجم عالم مثلك وسيؤخذ عليك؟
دعهم يأخذون ما يشاءون، وليؤولوا كما يريدون أنا مقتنع بما قلته، زمن ما قبل الدستور هو الزمن الأفضل بالنسبة لي وهو ما اعتبره الزمن الجميل.
رأي شخصي
تصريحك هذا يأتي في ظل وجود دعوات لتنقيح الدستور وكذلك وجود دعوات غير معلنة لتعليق الدستور؟
حسنا دعني اشرح ببساطة، كرأي شخصي قلت لك وجهة نظري الشخصية التي تخصني وحدي وفق رؤيتي لزمن ما قبل الدستور وزمن ما بعده، ولكن، وهنا استدراك كبير، بما أن الشعب وافق على وجود الدستور فأنا أول المدافعين عن الدستور، ووجوده أصبح جزءا من الكيان الكويتي ولن نقبل المساس بالدستور ما دام الجميع قد وافق عليه، أنا كنت أستحضر روح الكويت عندما كانت بلدا صغيرا الكل يعرفون بعضهم البعض متوائمين متحابين متسامحين، تلك الفترة كنت أراها الأجمل، وهذا لا يعني أنني ضد الدستور بل وبما أنه أصبح واقعا وباتفاق شعبي مع آل الصباح أصبح قدرنا وأنا سأدافع عنه وأرفض الدعوات التي تنادي بتنقيحه أو تعديله، فهو أساس ديموقراطيتنا وحريتنا، ولكن هناك مأخذ على بعض الممارسات النيابية والتشاحن الذي نشهده هذه الأيام..
هل يضايقك التشاحن السياسي؟
لا يضايقني وحدي بل يضايق الجميع وبلا استثناء، فقد أصبح هناك تزمت وغلو في استخدام الأدوات الدستورية ما أدى إلى تراجع جميع مجالات الحياة والتنمية وحتى الحرية بدأ البعض يخنقها باسم الديموقراطية والحرية فانغلق البلد وأصبحنا نعيش حالة من التوتر المستمر.
وماذا عن فترة ما قبل الدستور؟
كانت أهدأ وأكثر تراحما وتقاربا وتكاتفا.
ما الذي تغير الآن؟
البلد كبر، ودخلت جموع جديدة بثقافاتهم المختلفة عن الثقافة الكويتية المتسامحة فبدأ صراع ثقافي، وبدأ الجدد يحاولون أن يفرضوا ثقافة مختلفة لا نعرفها ومن هنا نشأ مثل هذا الصراع.
بدو وحضر
هل تقصد الصراع بين الحضر والبدو كما يشيع البعض اليوم بوجود مثل هذا الصراع؟
لا أبدا لا أقصد هذا الأمر، فوجود البدو في الكويت تماما كوجود الحضر فهناك العوازم والرشايدة وغيرهم وأنا قضيت طفولتي في فريج الرشايدة «خلف صيدلية الغانم حاليا بالعاصمة» وتربيت بينهم، لا يوجد شيء اسمه بدو وحضر، بل هناك صراع ثقافة جديدة دخلت على البلد جاء بها البعض من خلفيات اجتماعية لا نعرفها في محاولة لفرض ثقافة لا نعرفها في الكويت سابقا، وهذه الثقافة هي جزء من صراع ثقافي عام سببه مجيء مجاميع بثقافات مختلفة عن ثقافة الكويتيين، لا يوجد في الكويت شيء اسمه بدو وحضر أو سنة وشيعة هناك كويتيون فقط وعلينا أن نتعامل وفق هذا الأساس وأي تقسيم من هذا النوع لن يجر علينا سوى الخراب.
هل يمكنك أن توضح أكثر خاصة أن هذه النقطة قد تدخلك في دائرة اتهام العنصرية؟
لست عنصريا، ولك أن تقرأ أسماء أعضاء مجلس الأمة لتعرف ما أعني وأقصد تماما، محاولة فرض تلك الثقافات الجديدة غير مقبولة، وإذا كانت العنصرية في أن أرفض المساس بثقافة التسامح الكويتية الأصيلة فليعتبروني عنصري، لأنني أريد أن أحافظ على الهوية الكويتية الأصيلة التي بنيت على التسامح وقبول الآخر والانفتاح على الجميع بلا تفرقة أما إن كان البعض يريد الانغلاق وأن نتعامل مع بعضنا بالشحناء فهذا ما لا نقبله.
ثقافات جديدة
هل تقصد أن مصدر تلك الثقافات الجديدة قادمة من مجلس الأمة؟
نعم ومصدرها نواب يريدون فرض ثقافة لا نعرفها، وهو ما ولد التزمت والانغلاق والتراجع على جميع المستويات الحياتية والثقافية والاجتماعية، وما أقوله اختصارا هو أن من جاء إلى هذه البلد أيا كان ولا أقصد فئة معينة واستوطن فيها عليه أن يتعايش وفق ثقافتها لا أن يحاول فرض ثقافته.
ولكنك تحدثت عن الصراع السياسي الذي تسبب في تعطيل كثير من مظاهر الحياة المنفتحة السابقة في الكويت؟
نعم بعض أعضاء مجلس الأمة فهم الديموقراطية خطأ، وفسرها على هواه، فالديموقراطية كما يجب أن يفهم الجميع هي للكل وليست لأحد دون الآخر، والصراع الحاصل اليوم خنق البلد وشلها تماما.
وما الأمور التي لا تقال في البلد أو لم ترو أو تدون تاريخيا كما يجب؟
كثيرة هي الأمور التي أغفلت عمدا، وذلك خوفا من أن «يزعل» البعض، ودائما ما تغفل أو تهمل كثير من الحوادث التاريخية الهامة رغبة في عدم إثارة غضب البعض من أقرباء أو عائلات أصحاب تلك الروايات المرتبطة بأحداث معينة.
أزمة «سكة الغوص»
هل يمكنك أن تروي شيئا مما لم يرو أو يدون سابقا؟
أتذكر مثلا بين عامي 1935 و1936 عندما ضربت الكويت أزمة اقتصادية كادت تطيح بالبلد، وعرفت باسم «طاحت سكة الغوص» وذلك عندما لم يعد أحد يخرج للغوص بعد أن اكتشف اليابانيون اللؤلؤ الصناعي وتوصلوا لطريقة عملية لاستزراعه وصناعته فكسدت تجارة اللؤلؤ الطبيعي وتأثرت الكويت وتوقفت مراكب الغوص في ذلك العام عن الدخول إلى الغوص، وهذه الحادثة الكل يعرفها إلا أن ما لم يرو حول تلك الحادثة أن كثيرا من النواخذة والتجار قاموا ببيع منازل البحارة والغاصة التي كانت مرهونة لديهم، وأصبح كثير من البحارة والغاصة بلا منازل في تلك الأعوام بعد أن طردوا منها، وعندما قام الناس بلوم التجار على تصرفهم بمنازل البحارة التي كانت مرهونة لديهم تعذروا بأنهم مدينين لتجار من خارج الكويت لذا قاموا بالتصرف وبيع منازل البحارة وكان هذا مثار جدل في الكويت يومها ولكنه لم يدون سابقا على الأقل ليس كما قلت أنا الآن.
ألا تشابه هذه الحادثة ما يحصل في أيامنا هذه من كساد اقتصادي كبير سببه الأزمة المالية العالمية؟
إلى حد كبير نعم خاصة أنها في تلك الأيام تزامنت مع آثار الحرب العالمية الثانية.
وكيف تغلب الكويتيون على تلك الأزمة؟
لقد قاموا في العام التالي لأزمة اللؤلؤ الصناعي بتحويل سفنهم من سفن غوص إلى سفن تجارية، وبدأوا بنقل البضائع من وإلى الكويت وخلال فترة وجيزة كانت الكويت قد تجاوزت الأزمة وبعدها بقليل ظهر النفط.
400 أسير كويتي
وماذا عن الحوادث التاريخية؟ هل أغفل تاريخنا أن يدون أحداثا تراها هامة ولم تذكر أو توثق؟
نعم ومع احترامي لكثير من المؤرخين إلا أن هناك أحداثا تم إغفالها، ولا ألومهم كون مجرد ذكرها قد يثير حفيظة البعض و«ربعنا بسرعة يزعلون» ولا يعرفون الفرق بين توثيق التاريخ والعلاقة الاجتماعية، ومن هذه الحوادث أن التاريخ أغفل سقوط 400 من أهل الكويت اسرى بعد معركة الصريف وتم إعدامهم جميعا.
وليس هذا فقط بل هناك مؤرخون أغفلوا سبب الهزيمة في معركة الصريف وهو اختلاف بعض أبناء القبائل الكويتيين قبل المعركة بقليل وهو كان السبب الرئيسي في رأيي لخسارة المعركة الشهيرة تلك.
ولماذا لا يذكر التاريخ مثل تلك الحوادث أو تعلن أو تكتب وتدون كون من حق الجميع معرفتها؟
قلت لك البعض يخلط تدوين التاريخ بالعلاقات الاجتماعية والعائلية والقبلية لذا وخشية «زعل» البعض يتم إغفال مثل تلك الحوادث، ومثلا هناك حادثة تاريخية شهيرة كان اسمها «مشروع الآنة» وبطلها التاجر المعروف المرحوم سلطان الكليب، عندما قام في العام 1935 ببدء مشروع الآنة الذي انتهى قبل أن يتم عامه الأول بسبب الحساد والبخلاء من بعض التجار.
مشروع الآنة
وما تلك الحادثة التي لم تدون؟
في ثلاثينيات القرن الماضي كان التجار الكويتيون يفتحون محلاتهم يوم الجمعة حتى ما قبل الصلاة، وكان المتسولون والمحتاجون يختارون هذا اليوم بالذات للطواف على التجار، وهذا كان يتسبب بكثير من الحرج خاصة أن التجار لا يعرفون من المحتاج فعلا ومن هو المدعي من بين هؤلاء المتسولين، ووجد التاجر الخير المرحوم سلطان الكليب حلا، وجاء بفكرة «مشروع الآنة» وهو أن يقوم بعمل حصالات معدنية يقوم عليها شباب متطوعون ويطوفون بها على التجار ليضع كل تاجر فيها آنة واحدة فقط ثم يتم تقسيم المبلغ على المحتاجين بمعرفة الكليب والشباب المتطوعين معه، وبدأ المشروع ينجح لولا أن البعض من التجار البخلاء والحساد أشاعوا جملة مفادها «سلطان الكليب حكم في الكويت وبدأ يجمع الضرائب من التجار» وكانت هذه الإشاعة سببا في إنهاء مشروع الآنة الخيري.