بقلم: د. مبارك جويعد العجمي
اختصاصي الأمراض الصدرية والجهاز التنفسي حائز على البورد الأميركي والكندي في الأمراض الباطنية والزمالة الكندية للأمراض الصدرية والجهاز التنفسي، من قسم أمراض الصدر والجهاز التنفسي في مستشفى طيبة
يُعد السعال من أهم الأسباب لزيارة الطبيب، إذ لا يكاد يوجد إنسان لم يعان من السعال في مرحلة من مراحل حياته، وعادة ما ينتج السعال الحاد عن التهابات فيروسية يتعرض لها الجهاز التنفسي العلوي، مما ينتج عنه تهيج الأغشية المبطنة لمجرى الأنف والحلق والشعب الهوائية، الذي ما يلبث ان يزول تدريجيا خلال بضعة أيام. السعال يوصف، طبيا، بالمزمن إذا استمر مدة تزيد على 3 أسابيع متواصلة، الأمر الذي يسبب الإزعاج والتوتر ويؤثر سلبا في جودة النوم والحياة العملية والاجتماعية للإنسان. ويصف معظم المصابين بالسعال المزمن حالتهم بالسيئة، إذ يحرمون من التمتع بالطعام والمشاركة في المناسبات الاجتماعية والنوم الهادئ ويعانون من سوء المزاج وعدم مقدرتهم على الدراسة والعمل بصورة طبيعية، وكثرا ما يلجأ الشخص المصاب الى تناول العديد من المضادات الحيوية وأدوية السعال المتوافرة في الصيدليات وحتى المستحضرات العشبية دون الحصول على النتيجة المرجوة وبعدها يذهب مضطرا لزيارة الطبيب، ويجب التنبيه الى ان السعال المزمن يعد عرضا دالا على مشكلة صحية نتيجة لأكثر من سبب في أغلب الأحيان، مما يجعل التشخيص والعلاج من أكبر التحديات التي تواجه الأطباء، وفي السياق نفسه، قد يأخذ الشفاء التام من السعال المزمن زمنا ليس بالقصير مما يتطلب تفهما كبيرا من المريض والطبيب على حد سواء.
أسباب السعال
إن للسعال أسبابا عديدة يمكن تلخيصها في الآتي: السعال الناتج عن التهاب الحلق أو الشعب الهوائية الحاد وينتج هذا النوع من السعال بسبب التهاب فيروسي يصيب الجهاز التنفسي العلوي مما يؤدي الى التهاب مجاري الهواء، وزيادة تهيجها، ويستمر حتى بعد انتهاء أعراض الزكام أو البرد الحادة كالرشح والحرارة، وهذا من اكثر أسباب السعال المزمن شيوعا، وفي أغلب الأحيان لا يستمر هذا النوع من السعال اكثر من 8 أسابيع، حيث يتلاشى تدريجيا مع مرور الوقت من دون علاج محدد، ويجب في هذه الحالة التأكد من عدم إصابة المريض بالتهاب رئوي أو غيره وذلك بإجراء الكشف الطبي وعمل أشعة سينية للصدر، ويمكن ان يعاني بعض الناس المصابين بالحساسية المفرطة من هذا النوع من السعال وهو ما قد يكون مؤشرا الى قابلية إصابتهم بالربو أو حساسية الجيوب الأنفية، ويُعد التدخين المزمن وتأثيره السلبي في الشعب الهوائية من العوامل التي لا تساعد على الشفاء العاجل من هذه المشكلة، ويصعب أحيانا علاج هذا النوع من السعال المزمن، إلا انه يمكن لمثبطات السعال، والامتناع عن التدخين، وتناول بعض أنواع موسعات الشعب الهوائية (artovent) أو مضادات الالتهاب كمضادات الهستامين أو مستنشقات الكورتيزون (flixotide, pulmicort) ان تعجل بالشفاء. وكذلك هناك السعال الناتج عن إفرازات الأنف الحلقية: ان هذا النوع من السعال يحدث عادة لدى الأشخاص الذين يعانون من أعراض التهاب وحساسية الأنف والجيوب الأنفية، كالشعور الدائم بوجود إفرازات تقطر في مجرى الأنف الخلفي ثم تتجمع في الحلق، وتؤدي الى محاولة طردها أو بلعها باستمرار مما قد يسبب السعال وتغير الصوت والتهاب الحلق وأحيانا الشعور بالاختناق أثناء النوم نظرا لنوبات تشنج الحبال الصوتية، ويمكن ايضا ان يعاني الشخص المصاب من اعراض اخرى كزيادة العطاس وحكة الأنف وسيلانه المستمر والإحساس بالضغط أو الصداع في منطقة الوجه والناصية نتيجة لانسداد الجيوب الأنفية والتهابها. ويمكن علاج هذا السعال بتجنب مهيجات الأغشية المخاطية للأنف والجيوب الأنفية كالعطور والبخور، واستعمال الأدوية كمضادات الهستامين (claritin, zyrtec) كما يمكن استخدام مضادات الاحتقان (decongestants) ذات المفعول السريع لبضعة أيام فقط وذلك لتجنب آثارها الجانبية والتعود عليها، بالإضافة الى أنواع معينة من المضادات الحيوية حسب مشورة الطبيب، أما في بعض الحالات المستعصية أو الشديدة، فيمكن للطبيب المختص اللجوء الى حبوب الكورتيزون (prednisolone) لمدة لا تزيد على 5 أيام وذلك للتخفيف من السعال الشديد في أسرع وقت، وهناك ايضاً السعال الناتج عن الربو الشعبي (bronchial asthma): انه العرض المرضي الذي يعاني منه المصابون بهذا المرض المزمن، وهو من أعراض حساسية الشعب الهوائية، الذي ليس بالضرورة ان يكون مصحوبا بغيره من الأعراض كضيق التنفس او صفير الصدر عند بذل الجهد او التعرض للأبخرة، وعادة ما يزداد هذا النوع من السعال سواء قبل الخلود للنوم، او عند التعرض للدخان او العطور القوية، وغالبا ما يكشف التاريخ المرضي إصابة أحد أفراد العائلة بالربو، ويمكن التأكد من التشخيص عن طريق فحص وظائف الرئتين والذي غالبا ما يظهر انسدادا في مجرى الهواء يمكن عكسه بواسطة موسعات الشعب الهوائية قصيرة الأمد. ويعالج هذا النوع من السعال المزمن بمستنشقات الكورتيزون (inhaled steroids) المضادة للالتهاب وموسعات الشعب الهوائية طويلة الأمد (symbicort, seretide) والتي يجب على الطبيب شرح آلية عملها وطريقة استخدامها للمريض ومتابعة نتائجها على المدى الطويل، ويعاني ما نسبته 80% من مرضى الربو من حساسية الأنف المزمنة، ما قد يكون سببا إضافيا للسعال المزمن والذي يجب علاجه بصفة مستقلة كما تقدم. السعال الناتج عن ارتجاع حموضة المعدة (gastro-esophageal reflux disease): او «حرقان الصدر» وهو احد الاسباب الخفية للسعال المزمن وينتج عن التأثير السلبي لحمض المعدة في الغشاء المخاطي للمريء، ما يؤدي الى تهيج الشعب الهوائية بطريقة غير مباشرة، ويتميز هذا النوع من السعال باشتداده بعد تناول الطعام او الاستلقاء وخلال ساعات النوم، ويمكن ان يسبب نوبات اختناق أثناء النوم وشعورا بطعم حمضي عند الاستيقاظ نظرا لسهولة وصول الحامض الى تجويف الحلق خلال ساعات النوم. ويمكن علاج هذا النوع من السعال بالامتناع عن التدخين، والتقليل من تناول المنبهات واتباع نظام غذائي صحي، وكذلك بتناول مثبطات حامض المعدة (nexium, losec, pantazol)، ويجب التنويه الى ان علاج هذا النوع من السعال يأخذ في العادة وقتا طويلا قد يصل الى 3 اشهر، ولذا يجب على المريض ألا يتوقف عن تناول الدواء الا باستشارة الطبيب.
وبناء على ما تقدم، نؤكد ضرورة ان يلجأ المريض الى استشارة الطبيب عند المعاناة من السعال المزمن بدلا من تناول العلاجات المختلفة بدون وصفة طبية، حيث تختلف العلاجات باختلاف الأسباب والتي قد تضطر الطبيب الى إجراء فحوص معينة ووصف بعض الأدوية قبل الحصول على النتيجة المرجوة.
الربو يمكن السيطرة عليه والتعايش معه
مرض الربو يصيب المجاري التنفسية ويؤدي إلى التهابها ومن ثم تضييقها وزيادة حساسيتها، وهو مرض شائع يصيب نحو 4-32% من البشر ويؤدي الى عدد كبير من المراجعات الى اقسام الطوارئ وعيادات الاطباء كما قد يؤدي إلى الوفاة في الحالات الشديدة، يعتقد الكثير من الباحثين ان نسبة الاصابة بالربو ازدادت بسبب التدخين وزيادة التلوث والاعتماد على المواد الصناعية والكيميائية، كما ان الربو له علاقة مباشرة بالغبار والأتربة ومخلفات العث والحشرات التي قد تسكن معنا في البيوت. إن الهواء النقي مع نسبة رطوبة ملائمة والسكن النظيف الخالي من دخان السجائر يعتبر من اهم العوامل المساعدة على تفادي الربو وعلى تحسين فرص علاجه، وبالرغم مما يشاع عن مرض الربو إلا انه يمكن علاجه والسيطرة عليه والتأقلم معه ولكن لابد للمريض والطبيب المعالج من التعاون للوصول لأحسن مستوى من السيطرة على المرض والتأقلم مع الحياة المنتجة، فهناك العديد من الرياضيين المحترفين المصابين بالربو المصاحب لرياضة الجهد وهم يقومون بأخذ أدويتهم بانتظام حسب ارشادات الطبيب ثم يقومون بالتمرين أو حتى المنافسة الرياضية ويعيشون حياتهم مثل اي انسان عادي يحب الرياضة ويستمتع بالمنافسة. مرض الربو كما يعلم القارئ مرض شائع جدا، وهناك الكثير من المرضى الذين يعانون منه، ونظام علاج الربو يخضع لمراجعة مستمرة من قبل المختصين، وهناك جهات علمية عالمية تضع ضوابط وطرق العلاج وتصدر هذه الضوابط بناء على أفضل الأدلة العلمية المتوافرة وتتم مراجعتها بصورة دورية كل سنة أو سنتين وتصدر الجهات الصحية في كثير من الدول ارشادات لعلاج الربو وهناك ارشادات سعودية يتم مراجعتها بصورة دورية.
ويتطلب علاج الربو تفهم التغيرات التي تحدث وتزيد من اعراض الربو، لذلك على الطبيب الحصول على معلومات مفصلة عن المرض من المريض، واذا كان المريض يتناول علاج الربو ولكنه لا يشعر بالتحسن، يجب حينئذ البحث عن سبب ذلك، كأن يكون المريض غير منتظم في أخذ العلاج أو لا يجيد استخدام العلاج او يحتاج الى تعديل في جرعة أو نوع العلاج كما سنبين لاحقا. كما يجب البحث عن اسباب زيادة اعراض الربو كالتهاب الجيوب الانفية او توقف التنفس او ارتداد الحمض الى المريء وعلاجها. كما يجب جعل بيئة غرفة النوم مناسبا جدا، حيث يفضل عدم استخدام السجاد (الموكيت) في غرف المصابين بالربو الليلي لأنه وسط مناسب جدا لعيش عثة الغبار كما ينصح بتنظيف غرفة النوم والفراش بصورة منتظمة من الغبار وغسل الشراشف وأكياس المخدات بصورة منتظمة وعدم السماح للحيوانات الاليفة بدخول غرف النوم.
النظام العلاجي للمرضى المصابين بالربو أو حساسية الصدر، فالعلاج في اساسه يتكون من البخاخات وفي بعض الاحيان بعض الاقراص.
وبخاخات الربو تتكون في الاساس من نوعين، النوع الأول موسعات الشعب أو ما يعرف ايضا بالادوية المسعفة ومنها بخاخ الفينتولين وتؤخذ عند اللزوم أو عند احساس المريض بضيق في التنفس والنوع الثاني الادوية الواقية وتأخذ عادة بانتظام مرتين أو مرة باليوم حسب وصف الطبيب. أما البخاخ المسعف فعلى المريض تناوله في أي وقت احتاج إليه. والفكرة من استخدام الادوية الواقية هي تغير فهم آلية مرض الربو، حيث ينظر الاطباء الآن لمرض الربو على أنه التهاب يحدث في مجاري وقصبات الهواء ويحدث اعراض الربو. فآلية مرض الربو اكثر بكثير من مجرد انقباض العضلات في قصبات الهواء مما يحدث ضيقا في مجرى التنفس. وتهدف الادوية الواقية الى وقف الالتهاب في قصبات الهواء ويتم ذلك على عدة مستويات وبعدة ادوية فالستيرويدات (الكورتيزون) المدعمة بموسعات الشعب طويلة المدى تعمل على مستوى معين لوقف الالتهاب ومضادات الليوكوتراييز (سنجلويير) تعمل على مستوى آخر وهكذا تستمر محاولات الاطباء والباحثين للوصول إلى أدوية واقية جديدة. وبفضل الله فإن النسبة العظمى من مرضى الربو يستجيبون للادوية الواقية المتمثلة في البخاخات الواقية. واطمئن القراء الى أن هذه الادوية آمنة في الاستخدام اذا استخدمت حسب وصفات الطبيب المختص وهناك خبرة طويلة للمعالجين مع هذه الادوية تصل الى عدد كبير من السنوات كما ان هذه الادوية آمنة الاستخدام اثناء فترة الحمل والرضاعة. وهناك اعتقاد لدى المرضى بأن الربو يمكن علاجه بصفة قاطعة ونهائية بحيث تنقطع الاعراض تماما ولا ترجع مرة أخرى، لذلك من المهم ان يعرف ان الربو ليس له علاج قاطع ونهائي مثله في ذلك مثل مرض السكر والضغط وغيرها وذلك نظرا لوجود العاملين المهمين في تكوينه وهما الاستعداد الوراثي والمحسسات الخارجية، إلا اذا تم عزل الانسان عن بيئته تماما وهذا غير ممكن، ولكن بمحاولة تجنب المحسسات البيئية واستعمال الادوية الفعالة يمكن للمصاب ان يعيش حياة طبيعية هادئة من دون أزمات ربوية أو أعراض مزعجة.