- العسكري: إذا كانت هناك دائماً قوى عظمى تتقاسم تاريخياً الشرق والغرب منذ الفرس والروم حتى المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي فإن زماننا هو زمن قوة واحدة جديدة هي وسائط الاتصال
أسامة أبوالسعود
أكد وزير النفط ووزير الإعلام الشيخ أحمد العبدالله اننا كأمة عربية نعيش في مأزق حضاري يهدد وجودنا وكياننا القومي، فنحن مشتتون ومشغولون بصراعاتنا الداخلية دون ان ندري اننا تخلفنا كثيرا عن ركب الحضارة والتقدم، نعيش وسط خضم عصر المعلومات ونحن لسنا من صنّاعه ولا من المشاركين فيه.
جاء ذلك خلال كلمة للوزير العبدالله افتتح بها اعمال ندوة مجلة العربي السنوية والتي تعقد هذا العام تحت عنوان «الثقافة العربية في ظل وسائط الاتصال الحديثة» مساء امس الأول بفندق كراون بلازا بحضور حشد من المثقفين العرب.
وقال العبدالله: في بداية هذا الحفل يشرفني ان احمل اليكم تحيات راعي ندوتكم سمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، وأنقل لكم تمنياته لندوتكم بالنجاح والتوفيق، وان يكون نقاشكم حرا وثريا بالأفكار، وأضاف ان مجلة العربي التي تعتز الكويت بإصدارها، والتي أغنت الثقافة العربية على مدى اكثر من نصف قرن، قد أصبحت منذ 8 سنوات مضت تقوم بدور مزدوج، فهي تفتح صفحاتها طوال العام لتنشر إبداعات العقل العربي دون تفرقة أو انحياز، ثم تقوم لمرة كل عام بجمع نخبة مختارة من الكتّاب والإعلاميين العرب كي يحلوا ضيوفا كراما على أرض الكويت الكريمة ليناقشوا قضايا ثقافتنا المعاصرة.
تجربة متطورة
وتابع: نحن حريصون على وجود هذا الجمع الكريم في بلادنا، ليتسنى لهم ان يتعرفوا عن قرب على ملامح تجربة الكويت المتطورة في الحكم الرشيد، فهي تجربة ديموقراطية تحافظ على خصوصيتها العربية والإسلامية، وتنفتح في الوقت ذاته على التيارات السياسية المعاصرة، وتستقي منها ما يناسبها، وهو الأمر نفسه في تعامل المجتمع الكويتي مع وسائط الاتصال الحديثة، وهو الموضوع الذي تطرحه ندوتكم للنقاش.
وأكد ان الكويت مجتمع له قيمه العريقة المستمدة من الدين والعرف، ولكنه لا يتأخر عن الانفتاح على كل ما في العالم من تجارب ومبتكرات معاصرة، لذلك فمن الأهمية بمكان ان نناقش جميعا الكيفية التي يستقبل بها هذا المجتمع، هو وبقية المجتمعات العربية، كل ما تهبه التكنولوجيا المعاصرة من معارف ومعلومات حديثة، تساعده على تفهم العصر الذي نعيش فيه ويمضي في ركابه، ان جزءا مهما من دستور البلاد والديموقراطية التي نمارسها هو تبني الإعلام الحر، الذي تؤمن به الكويت، وتعرف قيمة دوره البناء في رقي المجتمع.
وأردف العبدالله: وقد عززت تجربتنا الديموقراطية دورنا الإعلامي والثقافي في محيطنا العربي ورسخت علاقاتنا الدولية، وهي التجربة التي تمضي بوعي وفهم وقناعات تاريخية.
وأضاف: لقد جاء دستورنا ليثبت قواعد للحكم، وهي القواعد التي قامت عليها العلاقة بين السلطة والشعب منذ مئات السنين، علاقة اعتمدت على الشورى الحكيمة والتعاون الخلاق، مما سجل لبلدنا تاريخه الطويل كوسيط فعال على درب التجارة ونهج الفكر ومسار العلاقات السياسية، لقد تعددت وسائط الإعلام في عصرنا وتنوعت أشكالها، فمن التقارير الصحافية والمجلات والانترنت والقنوات الفضائية والمحلية وقنوات الكيبل الى محطات الإذاعة العامة والخاصة، وأصبح الفضاء من حولنا مزدحما بكم هائل من المعلومات من الصعب مراقبتها أو التحكم فيها.
وشدد وزير الإعلام على ان أهم ثورة أحدثها تطور هذه الوسائط في اعتقادي الخاص انها بعد ان كانت وقفا خاصا للحكومات والأنظمة أصبح جزءا كبيرا منها تحت سيطرة الأفراد، وأتاح الإنترنت تلك الشبكة العنكبوتية الهائلة، مجالا حرا ومفتوحا لكل إنسان ليعبر عن نفسه بطريقة لم تتوافر من قبل، ولم يعد هناك مصدر وحيد للأخبار، بل مصادر متعددة، ولم يعد هناك رأي وتوجيه واحد، ولكن آراء متباينة، اننا نشهد هذه الأيام تحولات كبيرة مثل التي شهدتها البشرية في أوائل القرن الماضي حين فرض العلم نفسه على الفكر البشري وأعاد تشكيل عقول وحياة الإنسانية.
وتابع قائلا: لقد كان يقال قديما ان الجهل قد مات مع ظهور الصحافة، ويمكن القول الآن ان احتكار المعلومات قد انتهى تماما بعد ظهور الانترنت، فالعالم يعيش ثورة حقيقية تتداخل فيها الفروض الفلسفية التي كان الفلاسفة يطرحونها دون قدرة على اثباتها، الى قدرة العلم على الرؤية الدقيقة لأسرار الخلق البشري، لم يعد هناك شيء قائم على الافتراضات، ولكن على البرهان، لم تعد هناك خيالات، لأنها سرعان ما تتحول الى حقائق، لم تعد هناك ثوابت ولكن متغيرات فأين نحن من كل هذا؟
وأكد ان الحل هو التنمية، تنمية الإنسان اولا، مع تنمية الموارد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ايضا، وليس امامنا كثير من البدائل، فلم تبق امامنا الا محاولة استغلال كل الفرص المتاحة التي تتيحها لنا تكنولوجيا المعلومات للحاق بركب الحضارة المعاصرة، ولابد ان نساهم جميعا في وضع منظور عربي لتحديد احتياجاتنا من موارد المعلومات، والسعي الى إقامة البنى الأساسية لمجتمع المعلومات.
من جانبه ألقى رئيس تحرير مجلة العربي د.سليمان العسكري كلمة قال فيها: عندما اخترنا الثقافة العربية في ظل وسائط الاتصال الحديثة، موضوعا للندوة السنوية لمجلة العربي، كنا نعي ان عالمنا يمر بطفرة هائلة في وسائط الاتصال جعلت عبارة «الكون قرية صغيرة» تبدو عتيقة، بعد ان اصبح العالم شاشة صغيرة، وآن لنا التوقف ـ بالبحث والفكر ـ لنحدد موقع ثقافتنا العربية في هذا العالم الشاسع في صمته، والصاخب في تحديه.
وتابع العسكري شاشة صغيرة قد تكون شاشة اجهزة الحواسب او الهواتف او التلفزيون او الألعاب، لكنها على صغرها تضم العالم كله، بتقنيته المعقدة، بأفكاره المتعددة، بثقافاته المتنوعة، وعلينا ان ننظر الى هذه الشاشات بإمعان، وألا نكتفي بالفرجة، بل أن تكون لنا مساحة، وان يكون لثقافتنا موضع.
وأضاف لم نأت متأخرين، فقد أضاءت ندوات السنوات الماضية جوانب من الموضوع الذي يلح علينا جميعا، فهاجسه يمس حاضرنا مثلما يلامس ماضينا ويتلمس مستقبلنا وإنما عقدنا العزم هذه المرة على متابعة الخطوات الموازية التي خطتها الثقافة العربية في سباق يكاد يشبه سباق التتابع الرياضي، بمحاذاة الخطى الوثابة لتقنيات الوسائط الحديثة في الإعلام، فنحن نؤمن بان الحديث عن ماضي وحاضر ومستقبل الثقافة العربية هو حديث عن ماضي وحاضر ومستقبل الأمة العربية ذاتها، وأن العمل الثقافي هو فعل للمستقبل، وأن فعل المستقبل ينبغي ان يكون فعلا حضاريا بالمعنى الشامل، اي انه يجب ألا يقتصر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فقط، وان الثقافات المنشغلة بالمستقبل، والمشتغلة به، هي الثقافات القادرة على البقاء والاستمرار، والباحثة عن التغيير، والساعية الى الانجاز والتقدم.
وشدد العسكري على انه لابد ان نواجه أنفسنا بشكل نقدي صريح، يناقش الذات في لحظتها الراهنة، ويستبصر الجهد في إطار رؤى مستقبلية، ولابد ان نشجع على الاشتغال على تلك الوسائط الحديثة وتعزيز حضورها في نشاطنا البحثي والتعليمي والعلمي والثقافي وألا نندب تخلفا نعيشه، أو نستمرئ خطرا يحيق بنا، أو غيابا يحيط بنا، علينا ان ننتقل من مرحلة استهلاك أدوات الغرب الى مراحل استلهام نهضته.
رؤية مستقبلية
وقال ان الرؤية المستقبلية، والنزوع النقدي ضرورتان للعيش في ذلك الزمان الذي نرنو اليه، وإلا أصابنا الجمود ومن ثم الذبول والموت، لابد من روح مستقبلية نافذة للحاضر، تكشف عيوبه طموحا للأفضل، نحن نؤمن بأن الثقافة العربية تعيش في عصر جديد غير مسبوق، وان حضورها في هذا العصر أو غيابها عنه، أمر منوط بنا نحن العاملين في حقول الثقافة المختلفة. علينا ان ندرس عالم المدونات في ثقافتنا العربية المعاصرة، وان نقتفي آثار المدونات الالكترونية من الاصدارات الورقية وإليها، وان نقيم حضور المواقع والمجلات الثقافية على شبكة الانترنت منذ نشأت والى عقود مقبلة، علينا ان نتطلع الى المستقبل فنختبر مدى نجاح تثقيف النشء العربي عبر الوسائط المتعددة في العصر الحديث وان تكون لنا رؤية مستقبلية حول حضور الثقافة في الوسائط الحديثة.
وأضاف ان هذا هو ديدن ثماني جلسات يجتمع لها نحو ثلاثين باحثا من البلاد العربية، مثلما كان ديدن توجهنا لتكريم جهود بارزة طوعت الوسائط الحديثة في خدمة الثقافة العربية شملت مؤسسات في مصر والبحرين والامارات والكويت.
وتابع العسكري اذا كانت هناك دائما قوى عظمى تتقاسم تاريخيا الشرق والغرب، منذ الفرس والروم الى المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، زف الينا المؤرخون أفولها وذبولها ومواتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والامبراطوريات التي سبقته فإن عصرنا هو زمان قوة واحدة جديدة هي قوة وسائط الاتصال.
والحرب التي تستضيفها الأفلاك ليست حربا باردة، بل هي حرب ضروس ساخنة بين كواكب جديدة ومجرات متجددة في سماء ليس كمثلها سماء، سماء متخيلة وواقع افتراضي، تتحكم في أجزاء الصورة من حولنا. نحن لا نتحدث عن صدام حضارات، ولكننا نعيش حراكا بين ثقافات والثقافات الفاعلة في مساراتها الحديثة هي الثقافات التي تؤمن لمكانتها في المستقبل مكانا.
وأكد العسكري ان الثقافة هي اللغة، وهي الهوية، كما انها التاريخ والقائد، انها الحياة، ولكي تظل تنبض فإن مددا جديدا من الأفكار يجب ان يتدفق كنهر لا ينضب، يربط ماضينا بمستقبلنا، لا لكي يشدنا الى الوراء، بل لكي نمضي للأمام دون ان نفقد جذورنا، ودون ان نتشظى وسط هذا الفضاء اللانهائي، لقد اصبحت الحاجة ملحة لكي يخرج حوارنا من دوائره النخبوية المغلقة الى مداراته الشعبية المنفتحة التي تستهدف أوسع قطاعات المجتمع. وعلى المثقف ان يعي دوره، لكي لا يكتفي بالنقد، بل عليه ان يشارك بالفعل، فنحن لن نواجه العصر الا بلغة العصر، ولن نقدر على المستقبل الا اذا انفتحنا عليه، نستبصر جديده من موقع المشارك الفعال، وليس موقع المتلقي المهمش.
وأوضح ان المثقف الجدير حقا بهذه التسمية يعتبر ان الثقافة بين أشياء أخرى هي أداة للحرية، ان نداءنا بحضور الثقافة العربية في فضاء جديد لا يعني التخلي عن قيمنا لمصلحة أدوات هذا المجال وتقنياته، ولا يعني تهميش هويتنا العربية وحضارتنا الإسلامية، ولا يجيز طمس خصوصيتنا القومية، ولا يسمح بإهانة كرامتنا الوطنية، بل نريد لثقافتنا العربية في حضورها المتجدد عبر هذه الوسائط الحديثة ان تكون جسرا لكل هذه الخصوصيات التي لا تنفصل عن وجودنا.
وفي كلمة الضيوف والمكرمين شكر السيد ياسين الكويت على استضافتها لأعمال ندوة «العربي»، التي تشارك فيها مجموعة من المفكرين والمثقفين العرب، رغبة في تقديم الإفادة والتطور للحقل الثقافي في وطننا العربي، وبعد ذلك تم افتتاح معرض رسوم فناني العرب بمشاركة 4 فنانين تشكيليين من العرب، هم: حلمي التوني ومحمد حجي ومحمد أبوطالب من مصر وأمين الباشا من لبنان. وتخلل الحفل تكريم عدة جهات مختارة لهذا العام وهي مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربية ومركز البحوث والدراسات الكويتية وموقع جهة الشعر وقناة النيل الثقافية وموقع الوراق الإلكتروني.
واقرأ ايضاً:
زيادة الرواتب شاملة وليست بالكوادر
محمد الصباح: مجلس الخدمة المدنية سيبحث الشهر المقبل جميع قضايا البدلات والمزايا الوظيفية
خبراء «العدل» مستمرون في إضرابهم رغم المحاولات النيابية لإثنائهم
«المهندسين» ترفض مقترح زيادة الـ 100 ـ 130 دينار لأعضائها