آلاء خليفة
أكد السفير العراقي لدى الكويت محمد حسين بحر العلوم ان العراق يأمل خلال الفترة المقبلة تطوير العلاقات مع الكويت لتعوض ما رسمه التاريخ من نقاط سوداء.
وقال بحر العلوم ـ خلال ندوة نظمتها وحدة الدراسات الأميركية تحت عنوان «الانسحاب الأميركي من العراق وتأثيره على المنطقة» امس ـ ان العملية السياسية الجارية منذ انهيار النظام الديكتاتوري في 2003 أفضت إلى تغيير سياسي جذري في العراق تجسد في بناء عراق اتحادي ديموقراطي موحد ومستقل في ظل مؤسسات دستورية تحظى بالاحترام وحكومة منتخبة بموجب الدستور، موضحا ان الطريق للوصول إلى هذا الهدف لم يكن سهلا، بل واجهته الكثير من التحديات، وكان في مقدمتها مواجهة قوى التطرف المذهبية والطائفية والتصدي للإرهاب وفلول النظام الديكتاتوري السابق التي تحاول العودة بالعراق إلى عهد الظلام والمقابر الجماعية والحروب العبثية واضاف بحر العلوم انه في العام الماضي حدثت تطورات مهمة في العراق، وشهدت البلاد انخفاضا كبيرا في أعمال العنف وتحسنا ملحوظا في الحالة الأمنية على الرغم من وقوع بعض الأعمال الإرهابية التي استهدفت المدنيين الأبرياء وهو الامر الذي مهد للاتفاق الذي ينص على انسحاب القوات الأميركية تدريجيا من العراق، مضيفا أن هذا العام شهد نجاح الانتخابات التشريعية والتي حظيت باهتمام عربي واقليمي ودولي كبير في ظل إعراب جميع المراقبين من بعثة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والعربية عن ثقتهم بشفافية تلك الانتخابات ونزاهتها وحريتها.
تحسن الحالة الأمنية
وأوضح بحر العلوم أن تحسن الحالة الأمنية في العراق شجع العديد من الدول العربية والأجنبية على إعادة فتح بعثاتها الديبلوماسية وساعد على تطوير علاقات العراق على الصعيدين الإقليمي والدولي وساهم في تعيين سفراء عراقيين جدد في مختلف دول العالم لتعزيز هذه العلاقات وتوسيع آفاقها، كما أن تولي العراق لرئاسة الدورة الحالية للجامعة العربية ومؤتمر القمة العربي في شهر مارس المقبل سيعزز من دور العراق الإقليمي وسيمثل خطوة مهمة على طريق مساعي العراق لاستعادة مكانته في المجتمع الدولي وأن يكون عضوا فعالا ومسؤولا في الأسرة الدولية.
وفيما يخص التنمية في العراق، قال بحر العلوم ان الحكومة العراقية أطلقت في أبريل الماضي خطة إنمائية وطنية لفترة خمس سنوات، تضمنت حوالي 2700 مشروع استراتيجي في القطاعات المختلفة بتكلفة 186 مليار دولار، مؤكدا ان الخطة ستساهم في تطوير الاقتصاد العراقي وتحسين نوعية الخدمات المقدمة للعراقيين فضلا عن إيجاد 4 ملايين فرصة عمل سيكون تأثيرها الايجابي قويا في معالجة مشكلة البطالة في العراق، بالإضافة لمساهمة الحكومة في عودة اللاجئين العراقيين إلى البلد، لان العراق بحاجة إلى طاقات جميع أبنائه، إضافة إلى أن المرأة العراقية حظيت بمكانة مهمة في العراق الاتحادي الديموقراطي الجديد وتمتعت بحقوقها السياسية وحظيت بحصة في التمثيل في مجلس النواب العراقي بنسبة 25% وتبوأت لأول مرة عددا من المناصب الوزارية ومثلت بلادها كسفيرة بعد أن حرمت من هذه الحقوق لأكثر من ثلاثين عاما.
الدستور العراقي
وأشار السفير العراقي إلى أن الدستور العراقي صاغ المبادئ الأساسية لسياسة العراق الخارجية التي تركزت على مراعاة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى وحل المنازعات بالوسائل السلمية وإقامة علاقات دولية على أساس المصالح المشتركة واحترام التزامات العراق الدولية وعلى هذا الأساس فإننا نسعى لإقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية والدول الإسلامية ملتزمين بقرارات جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
الملف الإيراني والفلسطيني
وقال بحر العلوم ان من هذا المنطلق فإننا ندعم نضال الشعب الفلسطيني العادل من أجل إقرار حقوقه المشروعة بما فيها إقامة دولته الفلسطينية على أرض فلسطين، بالإضافة إلى دعوتها لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، وندعو الدول التي لم تنضم بعد إلى معاهدة عدم الانتشار إلى الانضمام إليها والتقيد بأحكامها.
وفيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، فإن العراق يؤمن بحق الدول المشروع في استخدامات الطاقة النووية للأغراض السلمية وهو حق كفلته المواثيق الدولية وفي المقدمة معاهدة عدم الانتشار، ونؤكد بدورنا على أهمية التوصل إلى حل سلمي في التعامل مع هذا الملف.
الخروج من الفصل السابع
واكد بحر العلوم أن أهم قضية يواجهها العراق في هذه المرحلة هو التخلص من أعباء القرارات التي صدرت بحقه بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وقال: فنحن نمضي بشكل حثيث بالتعاون مع الأصدقاء والدول الأعضاء في مجلس الأمن لكي تتم تسوية جميع المسائل المتعلقة بالحالة في العراق وفي مقدمتها القيود المتبقية على العراق في مجال نزع السلاح وتصفية عقود برنامج النفط مقابل الغذاء والتوصل إلى آلية تضمن الحماية لأموال العراق تخلف صندوق تنمية العراق والمجلس الدولي للمشورة والمراقبة. وأضاف ان المسؤولين العراقيين جادين في انهاء الملفات العالقة خلال ما تبقى من هذه السنة، وستتعامل الحكومة الجديدة مع القضايا التي تخص الحالة بين العراق والكويت ومن أبرزها صيانة الحدود والتعويضات وعودة المفقودين والممتلكات الكويتية، كما سنعمل مع الأشقاء الكويتيين والاطراف ذات العلاقة ومع الجهات المعنية في الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى تسوية ترضي جميع الاطراف من دون أن تخل بالتزاماتنا بموجب قرارات مجلس الأمن.
وعن الانسحاب الأميركي من العراق، قال بحر العلوم ان بعد مرحلة اسقاط النظام السابق كان هناك من يقول بان استقرار العراق يكون بالانسحاب الأميركي، والآن هناك من يقول ان وجود الأميركان استقرار للعراق، ونحن نتساءل عن هذا الشعور المزدوج لدى البعض؟ وقال: كان هناك اعتقاد بأنه بمجرد تطبيق اتفاقية الانسحاب الأميركي فإنه سيكون هناك تأثير على الوضع الأمني في العراق، لكننا رأينا عكس ذلك تقريبا، ونجحت القوات العراقية بمسك زمام المبادرة وحدث تحسن إيجابي في الحوادث اليومية.
وقال: الأمر ليس بالخروج أو البقاء، المشكلة هنا، هل العالم المحيط بالعراق يقبل بالعملية السياسية الجارية بالعراق أم لا يقبل؟ خصوصا أن الدستور العراقي في مادته الثامنة يركز على مبادئ حسن الجوار وحسن العلاقات، والتطور الديموقراطي في العراق في هذه السنوات السبع التي لا تكفي بعد لإعطاء الصورة الحقيقية الكاملة التي يريدها الشعب العراقي، ففي 2003 كانت ولادة الديموقراطية بشكلها الواسع، وإكمال ذلك يحتاج إلى زمن ولكن الكل يجمع على الأقل أننا نسير على الجادة السليمة التي تسير بنا نحو الوضع الذي يريده العراق، فالشعب العراقي يريد بناء نفسه وهناك مسؤولية على المجتمع الدولي لبناء العراق ومحو الصورة السلبية.
الانسحاب الأميركي
من جهته، تحدث رئيس مركز الكويت للدراسات الاستراتيجية د.سامي الفرج عن المنظور الاستراتيجي وكيفية تحليل انسحاب القوات الأميركية من العراق وتأثير ذلك على الكويت وعلى المنطقة ككل، مبينا أن دول الخليج ستنفق في ظل الأزمة العالمية أمولا طائلة جدا لإعادة بناء البنى التحتية فكيف سيحدث ذلك إن لم يكن هناك استقرار؟ مشيرا إلى أن ما يجمعنا الآن في المنطقة ككل هو الهدف السامي بإعادة توازن القوى إلى المنطقة، والكل يعرف مثلا أن الكويت ليست لها أي أجندة أخرى غير إعادة العراق إلى لحمة توازن القوى في الخليج وأن يكون العراق مستقلا وموحدا ومستقرا. وقال د.الفرج «هناك من يرى أن الوجود الأميركي حتى لو بـ 50 ألف جندي مازال يحافظ على لحمة العراق وكما يسمى بالاستراتيجية السلك الشائك «مبينا ان بعض القدرات الاستراتيجية للولايات المتحدة مازالت موجودة، وبالتالي فإن هذا الانسحاب يصح أن نسميه إعادة تنظيم وليس انسحابا كاملا لأن الكثير منها لم يرجع للولايات المتحدة الأميركية مثلا.
وتحدث عن قضية الملاءة الدستورية، وهي لأي دولة أن يكون بناؤها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي قادرا على تمكينها من توظيف قدراتها الاستراتيجية لأقصى حد، كما يسمى بالتعبئة العامة الاقتصادية والبشرية للدولة ودعم دستوري للوجود، فهل هناك دعم شعبي للبقاء الأميركي بالعراق؟ والإجابة لدى الشعب الأميركي بالنفي، وفي ظل عدم وجود دعم شعبي فعلى إدارة أوباما مقابلة الالتزامات للقدرات، فإن رأت أنها ملتزمة بالحماية فهل تستطيع أن توظف قواتها في كل هذا وتحصل على دعم شعبي؟ الإجابة بالنفي، لذلك فيجب أن تنسحب بدرجة معينة وفي الوقت نفسه تحافظ على قدرات المنطقة، مشيرا إلى الأزمة الاقتصادية التي قد لا تمكن الولايات المتحدة من مواجهة عدو جديد، بشكل قد يجعل الأولوية لدى الولايات المتحدة هي قضية الملاءة الدستورية وانعكاسها على القرار الاستراتيجي الأميركي من خلال سحب بعض القوات والابتعاد قليلا ووضع قوات كافية فقط، وتمكين هذه الدول من أن تكون لديها قوات ذاتية.