أسامة دياب
أكد المشرف على الحفريات والأبحاث الأثرية في المديرية العامة للآثار والتابعة لوزارة الثقافة اللبنانية د. أسعد سيف أن إدارة التراث والتطور المدني هما طرفا مغناطيس استطاعت المديرية العامة للآثار أن تجد أرضية مشتركة بينهما للحفاظ على الآثار والتعامل معها بالطرق العلمية اللازمة ودون الوقوف في وجه التطور المدني في محاولة للتوفيق بين الحفاظ على الماضي وبناء المستقبل لنقل التراث بالصورة اللائقة للأجيال القادمة، لافتا إلى الخبرة الكبيرة التي تراكمت لدى المديرية العامة للآثار في التعامل مع التطور المدني وتأثيره على الآثار التاريخية من خلال رؤية جديدة وآلية تطرح عددا من البدائل التوافقية للحفاظ على ذاكرة المكان.
جاء ذلك في مجمل كلمته التي ألقاها أثناء المحاضرة التي أقيمت في الجامعة الأميركية ضمن أنشطة مشروع التراث العربي، مساء أمس الأول بقاعة مبنى الآداب بعنوان «ادارة التراث والتطور المدني: حالة بيروت» بحضور عدد من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والمهتمين بالشأن العام.
وأوضح سيف أن الحفريات الأثرية في لبنان بصفة عامة والعاصمة بيروت بصفة خاصة، تظهر كرم باطن الأرض على اللبنانيين، والذي يتجلى في مواقع أثرية تعود الى حقبات ضاربة بجذورها في التاريخ القديم، وتجعل من لبنان متحفا مفتوحا يعكس المعاني العميقة للحضارات المتعاقبة على أرضه، نظرا لتميز موقعه كنقطة تلاق حضاري بين الشرق والغرب، مشيرا إلى أن أعمال التنقيب الأثرية التي تجريها المديرية العامة للآثار، لا تتوقف عند حدود العاصمة بيروت، انما تمتد الى مختلف المناطق اللبنانية، ولاسيما في مدينة صيدا التي بدورها تختزن مواقع أثرية بالغة الأهمية.
وعرض لنماذج التعامل مع الحفريات الأثرية في الأربعينيات والخمسينيات وطرقها وتقنياتها المتبعة آن ذاك، موضحا التطور الذي طرأ عليها في السنوات الماضية، لافتا الى جهود المديرية العامة للآثار لدمج الآثار في الأبنية الحالية والمحافظة على بعضها في مواقع اكتشافها، مشيرا لتوافر عدد من الحلول والبدائل المشتركة بين المديرية والمستثمرين من ضمنها استملاك الأراضي وتعويض أصحابها إلا أن إعادة الدمج يلقي صدى كبيرا على جميع الأطر، أما الحل الثالث فهو تفكيك الآثار وإعادة تركيبها مرة أخرى، مشيدا بتجاوب أصحاب العقارات التي تشهد حفريات أثرية.
وأشار إلى الحوار المتواصل مع المستثمرين الذين يرجعون للمديرية قبل البدء في مشروعاتهم العمرانية لمعرفة الأهمية التاريخية للأماكن، لافتا الى استعداد المديرية لإيجاد الحلول المناسبة عند ظهور أي معالم أثرية، موضحا أن الحمامات الرومانية في موقع مار مارون من أبرز المكتشفات الأثرية التي ظهرت وتشكل معلما أثريا في غاية الأهمية، لأنها تحتوي على معالم شبه متكاملة لأقسام الحمامات الرومانية، بما في ذلك الغرفة الساخنة، الغرفة الدافئة وغرفة تبديل الملابس، موضحا ان المديرية توصلت الى شبه اتفاق نهائي مع المالك الذي يمول الحفريات، مشددا على أن المديرية العامة للآثار تتبع سياسة الحلول والبدائل منذ عام 2005 بنجاح منقطع النظير.
وبيّن أن من اهم التهديدات التي تحيط بالتراث اللبناني المدفون أعمال استصلاح الأراضي والتطور المدني، لافتا إلى اتباع البلدية لأسلوب نشر الوعي بين طلاب المدارس من خلال عدد من الأنشطة المدرسية الرديفة للمنهج المدرسي لزرع الشعور بالمسؤولية في نفوسهم على اعتبار أن هذه الآثار جزء لا يتجزأ من تاريخهم، مشيرا الى نجاح البلدية في إنقاذ آثار 9 مشروعات حفرية من بين 20 مشروعا مما يعتبر إنجازا مميزا، معربا عن أمله في أن يستمر تطور طرق وأساليب الحفاظ على التراث في لبنان.