آلاء خليفة
استبعدت شخصيتان سياسية واكاديمية امكانية نجاح تطبيق مشروع العملة الخليجية الموحدة حسب المدة المقررة في عام 2010 نتيجة لعدم توافر المتطلبات والرغبة الجادة في تحقيق هذا المشروع.
واكدت الشخصيتان في ندوة بعنوان «نحو عملة خليجية موحدة» نظمها مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية في جامعة الكويت مساء امس الاول ان البيئة الاقتصادية والسياسية لم تتهيأ بعد لبدء انطلاق المشروع حسب المدة المقررة له.
أوضح الاستاذ بقسم الاقتصاد بكلية العلوم الادارية بجامعة الكويت د.محمد السقا، اهمية العملة الموحدة، قائلا: عندما تكون هناك عدة دول بينها تكامل اقتصادي ولكل منها عملة خاصة بها، يتم تحويل العملات من عملة الدولة الى عملات الدول الاخرى عندما يتم التعامل بينها، فعلى سبيل المثال المصدر الكويتي لسلطنة عمان، يستوجب على المستورد العماني تحويل العملة العمانية الى العملة الكويتية بما يكلفه مبالغ كثيرة، مشيرا الى انه ما بين وقت عقد الصفقة ووقت تسوية المعاملة من الممكن ان تتغير اسعار الصرف، وبالتالي تحدث خسارة نتيجة لذلك، ولهذا السبب فان المتعاملين في مجال التجارة والاستثمار يراقبون التغيرات التي تحدث في معدلات الصرف ويحاولون التنبؤ بتلك التغيرات، وقد يلجأون الى التغطية ضد مخاطر معدلات الصرف وغيرها من العمليات المكلفة.
متابعا: لهذا السبب تلجأ الدول الاعضاء في التكتل لتبني عملة موحدة لكل الدول لكي تتلافى تلك التكاليف السالف ذكرها ولتتجاوز من خلالها المخاطر المرتبطة بتقلبات معدل الصرف وتوقعه والتغطية ضده.
واكد د.السقا ان التفكير في عملة موحدة بين مجموعة دول يستوجب ان تتوافر فيها الشروط والخصائص التي تنص عليها نظرية «منطقة العملة المثلى»، مشيرا الى الخصائص التي يجب ان تتوافر في الدول المرشحة لان يكون بها عملة موحدة ومنها ان تشترك في دورات اقتصادية متناغمة او متشابهة، ان تتعرض لصدمات اقتصادية خارجية مشابهة، وان تتسم بالمرونة في عملية تحديد الاجور والاسعار وترتفع فيها تدفقات التجارة البينية وتدفقات عناصر الانتاج بصفة خاصة حرية انتقال عنصر العمل، بالاضافة الى انه يجب ان تتسم بهياكل اقتصادية متشابهة، خصوصا الهياكل الصناعية وان تتسم كذلك هياكل الانتاج فيها بالتنوع لكي تسمح لتلك الدول بأن تصدر وتستورد من بعضها البعض.
خفض تكاليف المعاملات
ومن جهة أخرى تحدث د.السقا عن العوائد التي تحققها الدول الاعضاء من العملة الموحدة والمتمثلة في تخفيض تكاليف المعاملات ومخاطر عدم التاكد، وتسهيل المعاملات في اسواق السلع ورأس المال فضلا عن رفع كفاءة الخدمات المالية حيث تزداد درجة تكامل أسواق رؤوس الاموال وتتعمق هذه الاسواق، وكذلك لتسهيل قرارات الاستثمار وتشجيع عملية تخصيص الموارد عبر الاقليم وزيادة فرص النمو نتيجة تكامل اسواق السلع والخدمات.
مضيفا: وكذلك لزيادة فعالية ادارة السياسة النقدية وزيادة امكانيات التعاون السياسي بين الدول الاعضاء، ولفت الى تكاليف العملة الموحدة ومنها فقدان السيطرة على الادوات النقدية مثل معدل الفائدة ومعدل الصرف والتي تلعب دور المثبتات في حالات عدم الاستقرار الاقتصادي، بالاضافة الى فقدان عوائد اصدار العملة الوطنية وفقدان قدر من الاستقلال السياسي المتعلق بعملية اصدار العملة الوطنية وادارة سياساتها النقدية.
ومن جهة أخرى، قال السقا:
عندما تقرر الدول الأعضاء في اي تكتل ان تصدر عملة، لا تكون عمليات الدخول متاحة لأي دولة فلا بد ان تستوفي الدول التي ترغب في ان تكون عضوا في العملة معايير معينة وتسمى معايير التقارب، وذلك للتأكد من التزام الدول بالشروط المنصوص عليها لنجاح العملة وللتأكد ايضا من انه لن يكون لدخول تلك الدولة اي اشكالية تنشأ او تطرأ على الدول الاعضاء في التكتل، ولهذا السبب غالبا ما يتفق على مجموعة من المعايير التي يجب ان تستوفيها الدول قبل ان تدخل نطاق العملة الموحدة، لافتا الى ان تلك المعايير تنقسم الى 3 اقسام: معايير نقدية ومنها التضخم ومعدل الفائدة، معايير مالية ومنها عجز الميزانية ونسبة الدين الحكومي الى الناتج المحلي للدولة، ومعايير حقيقية ومنها متوسط الانتاجية ومتوسط نصيب الفرد من الناتج الحقيقي وطبيعة المؤسسات التنظيمية، الخ.
مشيرا الى ان المعايير الحقيقية لم تنص عليها معايير التقارب في دول مجلس التعاون كما لم تنص عليها اتفاقية انشاء اليورو ولم يتم التأكد من التزام الدول التي التحقت باتفاقية اليورو بتلك الشروط ولكن حاليا فإن البنك المركزي الاوروبي واللجنة الاوروبية يؤكدان اهمية تلك العوامل الحقيقية وانها اهم من العوامل النقدية لأن استيفاء الشروط الحقيقية يضمن استمرار معايير التقارب على المدى الطويل وليس على المدى القصير، مضيفا: ولحسن الحظ ان معايير التقارب التي اتفقت عليها دول مجلس التعاون الخليجي تم اصدارها في وقت مثالي لتلك الدول وتستوفي الدول معظم الشروط في الوقت الراهن، لافتا الى ان دول مجلس التعاون الخليجي نقلت معايير التقارب من الاتحاد الاوروبي على الرغم من اختلاف الهيكل بين الاتحاد الاوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي.
معايير التقارب
وافاد السقا بأن هناك معايير للتقارب بين الدول التي ترغب في اصدار عملة موحدة، ومنها الا يتجاوز العجز في ميزانية الدولة 3% من الناتج المحلي الاجمالي للدولة العضو عند الانضمام، والا يتجاوز الدين العام نسبة 60% من الناتج المحلي الاجمالي، وايضا الا تكون احتياطيات النقد الاجنبي كافية لتغطية 4 اشهر على الاقل من الواردات وألا يزيد معدل التضخم بنسبة 1.5% عن متوسط معدل التضخم في الدول الست، متابعا: وألا يزيد معدل الفائدة قصير الأجل بنسبة 2% عن متوسط اقل 3 دول اعضاء.
وحول مدى استيفاء الدول الاعضاء لمعايير التقارب، اشار السقا الى ان جميع الدول الست الاعضاء مستوفية لشروط عجز الميزانية الى الناتج، ونسبة الدين العام الى الناتج، ومعدل الفائدة.
اما بالنسبة لشرط معدل التضخم فإن هناك دولتين غير جاهزتين للالتحاق هما الامارات العربية المتحدة وقطر نظرا لارتفاع معدلات التضخم في كلتا الدولتين، لافتا الى ان جميع الدول مستوفية لشرط نسبة الاحتياطات من النقد الاجنبي الى الواردات ما عدا دولتين وهما المملكة العربية السعودية والكويت اللتين لديهما فائض ضخم جدا من تلك الاحتياطيات.
عثرات الإصدار
وتحدث السقا عن العثرات التي تقف في طريق اصدار عملة خليجية موحدة ومنها انه قد اصبح في حكم المؤكد ان العملة الخليجية الموحدة لن يتم اطلاقها في عام 2010، كما كان مخططا منذ ان بدأت الفكرة، وذلك لعدة اسباب منها قرار عمان بعدم المشاركة في اطلاق العملة الموحدة في 2010، وقرار الكويت بتعديل نظام معدل صرف الدينار والخروج من اتفاق «المثبت المشترك»، وذلك في يونيو الماضي، كما ان دولة الامارات العربية المتحدة تفكر حاليا في ان تحذو حذو الكويت، ما دق مسمار في نعش العملة الموحدة.
واقترح السقا ان يتم اختيار الريال السعودي كعملة خليجية موحدة، وذلك لأن إصدار العملة الخليجية الموحدة تدور حول عدة محاذير، خاصة عدم توافر متطبات انشاء منطقة عملة مثلى، وايضا لأن الاقتصاد السعودي يعد من اقوى اقتصاديات المنطقة، لافتا الى انه يتم اصدار الريال السعودي بواسطة مؤسسة قائمة منذ زمن طويل وتتمتع بخبرة طويلة في ادارة شؤون هذه العملة، كما ان الريال السعودي يحميه رصيد كبير من الاحتياطيات الدولية.
وعقّب على ورقة العمل التي قدمها د.محمد السقا، عضو مجلس الامة وعضو اللجنة المالية والاقتصادية د. ناصر الصانع، قائلا: ان الحديث عن عملة موحدة يقودنا بالضرورة الى معرفة البعد السياسي في تبني عملة موحدة، على الرغم من وجود مؤسسة الأمانة العامة لمجلس التعاون والمجلس الاعلى التي تجتمع دوريا منذ سنوات طويلة، لافتا إلى ان الملف الرئيسي الشائك لهذه المؤسسة هو الملف الاقتصادي، فكانت هناك محاكاة كبيرة لتجربة التقارب والتكامل الاقتصادي في مجلس التعاون الخليجي مع التجربة الأوربية، بل ولولا التفاوض الثنائي بين المنظمتين ككتلتين لما اجبرت دول الخليج كمنظومة ان تستعجل في فرض آليات محددة لاسيما الضريبة الجمركية او ما يسمى بالجدار الجمركي الموحد.
وتابع قائلا:
وان كانت هي ارادة محلية ولكن الضغط الذي جاء من الأوربيين الذين قالوا علمونا انكم دولة واحدة حتى نتعامل معكم، ولا يقصدون كيانا واحدا ولكن يتحدثون عن سور ضريبي او جمركي واحد، وهذا ما دفع دول الخليج ان تستعجل، فهناك دوافع لمصلحة اقليمية لكن مع الاسف ليست دائما يكون منبعها محليا، والدليل على ذلك ان مدينة دبي تبني حاليا العديد من الابراج ولديها ثورة خرسانية عمرانية ضخمة، وفوجئت بغلاء اسعار الاسمنت والحديد، فقاموا برفع الرسوم الجمركية وجعلوها صفرا ولم يهتموا باتفاقياتهم مع دول مجلس التعاون وآثروا المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
من جهة اخرى لفت د.الصانع الى ان هناك من كان متحمسا بالدافع السياسي تجاه تطبيق عملة خليجية موحدة، وذلك لتقديم موعد اعلان العملة ولم يعلموا ان اصدار عملة خليجية موحدة يتطلب متطلبات معينة لابد من توافرها، مشيرا الى انه من الواضح للعيان انه لن يمكن تحقيق متطلبات العملة الخليجية الموحدة في 2010، موضحا ان رغبة البعض في تقديم موعد إعلان العملة هو عمل ينقصه الحنكة والاحترام للحرفنة في العمل الاقتصادي الموحد.
كما أوضح انه في دورة سابقة بمجلس الأمة عمل مع لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس، وقمنا بعدة زيارات لرؤساء دول الخليج، وناقشنا عدة قضايا من بينها قضية التكامل الاقتصادي، وذكر لنا رئيس إحدى الدول الخليجية حول رأيه في مسيرة التعاون الخليجي، وهو يعتقد انه قبل انشاء مجلس التعاون كان هناك تعاون اقتصادي اكبر بين دول الخليج، ولفت الى ان الدولة الخليجية التي تجاوره قامت بإنشاء مصانع مشابهة لمصانع دولته، على الرغم من ان التكامل الاقتصادي يعني تعاونا بين الدول الخليجية.
ولفت د.الصانع الى ان هناك غيابا في الشفافية بالنسبة لميزانيات بعض الدول الخليجية، ولابد من توفير البيانات الخاصة بالميزانيات لمراقبة العجز والتضخم ومعدل الفائدة، وذلك من خلال معرفة اساسيات البيانات المالية، مشيرا الى ان الكويت من اعلى الدول العربية في شفافية البيانات المالية، وعلى الرغم من ذلك فإن الميزانية العامة للكويت تنقصها بيانات ارباح الاستثمارات الخارجية والتزاماتنا في التأمينات الاجتماعية والاسكان، فجميعها تمول من قوانين اخرى.
وزاد: ولكننا في لجنة الميزانية بمجلس الامة لا نقر الميزانية الا بعد الاطلاع على جميع البيانات، وهكذا الحال بالنسبة لميزانية الدفاع والمصروفات العسكرية، فبيانات وزارة الدفاع تقدم للجنة الميزانية متى ما طلبت اللجنة ذلك.
واشار الصانع الى ان الدستور القطري ينص على ان تكون موارد الميزانية العامة للدولة مما يوضح من الدخل القومي مخصوما منه ما يخصص من نفقات الحاكم، والمواطن القطري لا يعلم نفقات الحاكم نتيجة نقص البيانات الرئيسية المنظمة والمقننة بتشريعات محلية بما يشكل عائقا كبيرا امام الشفافية.
اختيار الريال السعودي
وحول مقترح د.السقا باختيار الريال السعودي كعملة خليجية موحدة، قال الصانع «والنعم بالمملكة فهم اخواننا»، لكن على قدر قوة الاقتصاد السعودي ينقصهم الشفافية في البيانات، فمجلس الشورى السعودي لا يملك صلاحية اعتماد الموازنة العامة للمملكة وهي ميزانية مقترحة من حكومة، فمهما كانت تتميز من النزاهة والمصداقية لكن لا توجد دولة في العالم تسمح بان تصرف وتستلم ايرادات دون مراقبة، متابعا: فلا يمكن في اي منظومة ان يكون التعامل في المالية العامة بتلك الصورة، وقد التزمت الكويت باتفاقية التجارة العالمية «w.t.o»، وتعتبر الكويت من اوائل الدول التي دخلت في اتفاقية الجات عندما ذهب وفد الكويت الى مراكش عام 1993 وقامت بالتوقيع على الاتفاقية، وما يترتب على الكويت من الدخول في تلك الاتفاقية يستلزم تعديل العديد من التشريعات والاجراءات والاتفاقية مهملة ولا يوجد اهتمام من وزارة التجارة ولا يقوم مجلس الوزراء بسؤال وزارة التجارة عن التزامات الكويت تجاه تلك الاتفاقية، فالكويت تدخل في منظومة من الاتفاقيات، في المقابل لا يوجد هاجس يتابع التزامات الكويت القانونية لاسيما في القضايا الاقتصادية.
واضاف قائلا:
وقد اصدرنا على عكس من ذلك تشريعات محلية في قانون الاستثمار الاجنبي المباشر عام 2001، واصدرت السعودية القانون نفسه في العام نفسه، وتقوم سنويا باستقطاب استثمارات اجنبية ضعف ما استقطبته الكويت في جميع السنوات منذ اصدار القانون، وبالفعل انه امر مضحك عند الحديث عن مصداقية القرار الاقتصادي في حكومة الكويت، وفي ظل وجود الحكومات المتعاقبة في الكويت فإن سلوكنا في التعامل مع الملف الاقتصادي سلوك يتسم بالكثير من عدم الاهتمام.
ولفت الصانع الى اتفاقية «حقوق الملكية الفكرية» و«اتفاقية حقوق الاختراع»، وهي مجموعة من الاتفاقيات التي اصدرت عام 2001، وحتى يومنا هذا هناك العديد من الشكاوي من تطبيق تلك الاتفاقيات بالاضافة الى اتفاقية «الامم المتحدة لمكافحة الفساد» عام 2006، والتي تعتبر في صلب التعاون الاقتصادي وتتحدث عن الشفافية في البيانات المالية وغسيل الاموال ومكافحة الفساد والعديد من البنود الاخرى والتي تعتبر من اجمل ما انتج الفكر في الاتفاقيات العالمية التي يحتاج اليها العالم اليوم.
من جهة اخرى، قال الصانع: لقد ذهبت الكويت الى مدينة بالي لحضور المؤتمر السنوي للدول الاطراف، والكويت ذهبت بعد مرور سنة من تصديقها على الاتفاقية وكانت الكويت من النصف الخامل الذي لم يقدم ما انجزه من الاتفاقية حسب نص الاتفاقية.
ديموقراطية الكويت
متابعا: ان الكويت دولة ديموقراطية وبها رقابة برلمانية وهناك برلمان جريء قياسا بالبرلمانات العربية الاخرى، ولدينا نسبة عالية من الشفافية في البيانات المالية، وعلى الرغم من وجود جميع تلك الامور في بنية محلية مثل الكويت، الا انه في اعتقادي انه لن يكون كافيا حتى تفي الكويت بالتزاماتها، لست متشائما لكنني واقعي واقول اننا مازلنا في الخطوة الاولى، فلو تحدثنا عن العملة الخليجية الموحدة باعتبارها واحدة من مقررات قمة مجلس التعاون، فلقد طرحت فكرة ان يقوم مجلس التعاون بانشاء جهاز شعبي رقابي غير معين يختار اعضاءه من قبل الشعوب وان لا تتدخل الحكومات في عملية اختيار اعضائه، ويصبح بمنزلة جهاز رقابي يقيم اداء مسيرة مجلس التعاون الخليجي، وتكون جهة مستقلة تعطي تقريرا يقدم للقمة عن رايها في المسار، وهناك يمكن تحديد طريق المسار واستيفاء متطلبات العملة من عدمه بدلا من ان يكتب ذلك التقرير موظفون في وزارة الخارجية، والذين لا يستطيعون ان يقولوا الا الكلام الديبلوماسي الذي لا يغضب القادة ويرددون حققنا وانجزنا، وان القمة حققت ما لم تحققه قمم سابقة وغيرها من الكلام الديبلوماسي.
صفحات الجامعة والتطبيقي في ملف ( pdf )