بيان عاكوم
احتفلت جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا بتخريج دفعتيها الاولى والثانية في مقر الجامعة في مشرف، بحضور رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية د.عبدالله الغنيم ورئيس جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا د.عبدالرحمن المحيلان الذي افتتح الاحتفال بكلمة اكد فيها ان هذا التخريج عرس علمي واعد، معلنا عن عزم الجامعة انشاء كلية تحتضن الطلاب المبدعين وذلك لتحقيق الرعاية العلمية ولتكون فرصة لاحتضان الموهوبين.
وقال المحيلان: «طموحنا ليس مرتبطا بالحيز الجغرافي الذي ننتمي اليه ونعتز به ولكنه طموح على مستوى الأمة، موجها كلامه الى الطلاب» هذا معنى أضعه أمانة بين أيديكم لتشعروا من خلاله بمسؤولية متابعة الطريق الذي شقته الأجيال السابقة نحو الانخراط الصحيح في صناعة الحضارة الانسانية وعدم الاكتفاء بالتلقين والمتابعة فقط.
واكد ان ما يحتاجه الشباب اليوم المضمون والمستوى حتى يمتلكوا المهارات التي تلبي تحديات الحاضر والمستقبل.
وتحدث المحيلان عن انجازات الجامعة، حيث لفت الى ان الجامعة حققت خلال عام واحد الكثير من الانجازات على مختلف الأصعدة، هذا الى جانب تضاعف عدد الطلاب وكذلك عدد المدرسين.
واضاف: «كما توسعنا في البرامج التدريسية والأقسام العلمية» وزف للطلبة خبر الانتقال الى مرحلة الدراسات العليا، مشيرا الى ان باكورتها ستكون برنامج ماجستير العلوم الادارية والعمل به سيبدأ مع الفصل الدراسي الأول.
وقال: «انتقلنا الى هذا المبنى التقني المتميز شكلا ومضمونا والذي تتوافر فيه البيئة الغنية بمصادر المعلومات وأدواتها على المستويين المحلي والعالمي».
واستدرك قائلا: أردنا جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا جامعة للحياة، تحقق طموح الشباب واحتياجات الوطن، تتقن عملها باطراد مع متطلبات العصر، في تصاعد ينسجم مع روح التوثب الكامنة فيمن آمنوا بالعلم والتعلم طريقا نحو الحلول العلمية لمتطلبات الحياة الكريمة، فنحن نعيش كونية الحياة في عصر تجاوز حدود الجغرافية بتقنيات غير تقليدية قرّبت البعيد، ويسرت التواصل، وفتحت نوافذ الاطلاع، وها هم طلبتنا، كما وعدناكم، يتسابق اليهم سوق العمل، فلا يتسكعون على ابواب احد لأن الجودة من صفاتنا.
وتابع المحيلان: والجودة ليست شعارا يُرفع وانما هي فعل اختيار واصرار، اخترنا واصررنا على ان نلتزم بمعايير الجودة العالمية، بالتعاون مع مؤسسات اكاديمية ومهنية دولية معتمدة وجهودنا في هذا المجال تتكامل مع توجهات المؤسسات التشريعية والرقابية والتنفيذية على مستوى الدولة، والغاية من ذلك الارتقاء بمستوى التعليم ومخرجاته، لم نجعل الجغرافية حاجزا في طريق التطوير والتقدم في برامجنا ومناهجنا، فلم نقتصر في شراكتنا العلمية على الغرب دون الشرق، فها نحن نفتح ايدينا لمزيد من الخبرات، يد مع جامعة سانت لويس بميسوري وجامعة ميسوري للعلوم والتكنولوجيا وكلاهما في الولايات المتحدة الاميركية، وفي الشرق مع جامعة (sun yat-sen) بجمهورية الصين الشعبية ولعلنا من القلة الذين حققوا في هذا العصر، «اطلبوا العلم ولو في الصين».
ومن جهته، تحدث رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية د.عبدالله الغنيم بكلمة تمحورت حول تاريخ الكويت، حيث وجهها للطلاب قائلا: نرجو ان تذكروا جيدا انكم لم تبدأوا من فراغ، بل انتم والحمد لله - نشأتم في وطن من حقه عليكم ان تفخروا به وتنتهجوا نهج الآباء الذين بنوه بعرقهم وجدهم حتى تهيأت لكم هذه الحياة الكريمة، واصبح من الواجب علينا ان نذكرهم في هذه اللحظات الطيبة التي نحتفل بكم فيها، فأنتم - بلا شك - ثمرة غرسهم في هذا الوطن وجنى حصادهم من العمل والكفاح منذ ان وطئت اقدامهم ارضه.
واضاف: ففي بداية القرن السابع عشر قدمت من نجد الى سواحل الخليج العربي - طلبا للرزق والحياة الكريمة - مجموعة من الاسر التي أطلق عليها اسم العتوب، وقد تنقل هؤلاء بين اكثر من مكان على سواحل الخليج بحثا عن المكان الأفضل او تجنبا للنزاع مع اهل البلاد الأصليين، وقد اكتسبوا خلال تنقلهم خبرات بحرية متنوعة، فتعلموا ركوب البحر والصيد البحري والغوص بحثا عن اللؤلؤ، ورحلوا خلال تجوالهم طلبا للتجارة في السفن الشراعية الى الهند وشرقي افريقية، فتحولوا بهذه الخبرات الى امة بحرية صغيرة بحثت لهم عن موطن جديد للاستقرار يكون ملائما للاستمرار في انشطتهم الجديدة، ولقد كان في امكان اولئك المهاجرين ان يقيموا في مناطق تتوافر فيها مقومات الحياة وهي الماء، كما في الاحساء مثلا، حيث تكثر العيون والينابيع الفوارة، او في جنوب العراق، حيث وادي الرافدين وشط العرب، ولكن الكويتيين المتمثلين في العتوب اختاروا موقع الكويت رغم قلة المياه فيه لأنه موقع لا مطمع فيه لأحد، ويتيح لهم اطلالة على مساحة مائية واسعة توفر لهم التواصل مع الاقطار الاخرى وتمنحهم الاستقلال وحرية القرار، مدركين ان الخيارات الاخرى مهما كانت اكثر راحة ويسرا، لكن استقرارهم فيها يجعلهم كمجموعة هامشية في بلد يحكمه غيرهم.
وتابع الغنيم: في عام 1613 وصلت أولى طلائع العتوب الى الكويت منهم الصباح والجلاهمة وآل خليفة، وأسر كريمة أخرى من قبائل مختلفة، حيث أدركوا ببصيرتهم الثاقبة أهمية هذا الموقع ومميزاته المكانية.
وبعد ان تواصل استقرار المجتمع الكويتي، وانطلقت نشاطاته في البر والبحر، بدت الحاجة ملحة الى قيادة يرجع اليها الناس في امورهم، وتمتلك الشرعية والقدرة على تأمين حماية مجتمعهم ومصالحهم وتمثيلهم لدى الجهات والمجتمعات التي تحيط بهم، فعهدوا بالرئاسة الى رجل فيهم من آل الصباح رأوه متميزا بالخير وأقربهم الى الحق، وغدا الحكم في هذه الأسرة يتوارثه الأرشد الأكبر منهم الى هذا اليوم.
ونمت تلك البلدة الصغيرة، فبعد نحو قرن من الزمان زارها الرحالة السوري مرتضى بن علوان وذلك في عام 1709 فوصفها بأنها تشبه الحسا ببيوتها ومبانيها، وان البضائع وافرة في اسواقها بأسعار أرخص من البلاد المجاورة لها اي انها قد وصلت الى مرحلة من الاستقرار والأمن حقق لها ذلك الازدهار.
وقال الغنيم تميز النشاط الاقتصادي لهذا المجتمع في بواكيره ونشأته بالتنوع فجمع بين النشاط البري والنشاط البحري، وقد غاص ابناء هذا المجتمع في الأعماق بحثا عن الثروة في اللآلئ، وجابوا البحار في سفن صنعوها بأيديهم، وقاموا بنقل البضائع والتجارة بين موانئ الخليج وافريقيا وساحل الهند الغربي، وقد سجل المؤرخون وقباطنة البحار الأجانب اشادتهم بهذا النشاط البحري كما اشادوا بمتانة السفن الكويتية وكثرتها.
وأكد أن النوخذه كان مثالا في التمسك بالعدل والأمانة، لا يفرط في فلس واحد من حق البحارة او السفينة او التاجر الذي ائتمنه عليها، وكان يتعامل مع البحارة بروح الأب الوالد ويعطي القدوة من نفسه، فانعكس ذلك على مجتمع السفينة بهجة تتردد فيها الأغاني التي يصدح بها البحارة، وتعاونا صادقا وبذلا لا حدود له، ونجاحا للرحلة وعائداتها.
وكيف لا يكون النوخذه كذلك وأمراء الكويت يعطون القدوة له في تعاملهم مع شعبهم.
ونقتبس هنا ما ذكره «لويس بيلي» المقيم البريطاني في الخليج حينما زار الكويت عام 1865 في عهد حاكمها الشيخ صباح بن جابر، يقول بيلي: «وجدت الكويت تدار امورها بروح الحاكم الأب تجاه ابنائه، يتولى هو الحكم والسلطة التنفيذية، والى جواره القاضي يباشر مهمته في التشريع والقضاء، وكان لا يأنف من النزول على حكم القاضي اذا خالفه فيما ذهب اليه».
وينقل «لويس بيلي» ايضا ما حدثه به حاكم الكويت الشيخ صباح الثاني (1859 - 1866) نقلا عن والده الشيخ جابر بن صباح قوله: «حينما بلغ والدي مائة وعشرين عاما من عمره دعاني وقال: سأموت قريبا، وأنا لم أجمع ثروة، ولهذا لن أترك لك مالا، ولكني كونت العديد من الأصدقاء المخلصين فاحرص عليهم، واعلم انه في الوقت الذي سقطت خلاله دول اخرى من دول الخليج بسبب فقدان العدالة او سوء الحكم، فإن حكمي استمر ودولتي تزايدت، فاستمسك بسياستي».
وتابع الغنيم اما الشق الآخر من نشاط مجتمع الكويت في بواكير نشأته كان يتمثل في النشاط البري الذي سارت به القوافل الضخمة بما تحمله من تجارة ومسافرين الى دمشق وحلب في الشمال، وكانت القافلة تضم كما ذكر لنا الطبيب الانجليزي ادوارد ايفز عام 1758 في تقريره - حيث كان يزمع السفر مع احدى هذه القوافل - خمسة آلاف جمل والف رجل يقودونها، الامر الذي يوضح حجم هذا النشاط التجاري البري، كما يوضح مقدار النفوذ السياسي الذي يحظى به حاكم الكويت في داخل الجزيرة العربية وقدرته على تأمين الطريق لتلك القافلة الكبيرة لتصل الى هدفها النهائي.
واضاف أنه كان لهذه الانشطة الاقتصادية في البر والبحر قبل ظهور النفط آثارها العميقة التي انعكست على مجتمع الكويت في مختلف جوانبه، وصاغت توجهه في رحلة بنائه، فقد اصبح التلاحم والتكافل والتعاون والعمل المشترك واحترام الكلمة والوفاء بها منهجا للحياة، وعلمتهم الشدائد ان الشورى هي الضمان والاساس لوحدة المجتمع وانطلاقه، واتاحت لهم الرحلات في البر والبحر انفتاحا على مجتمعات وافكار جديدة ومختلفة، فاكتسبوا مرونة وتفتحا ذهنيا واستعدادا لتقبل كل جديد مفيد، واصبحوا اكثر قدرة على مواجهة الظروف الطارئة، وتعلموا من المشكلات والمخاطر ان يكونوا واقعيين في معالجة امورهم وممارسة اعمالهم، فقل بينهم التعصب والتحزب، واتسم مسلكهم الديني باليسر والسماحة.
وقال: لقد اطلت الحديث معكم في جانب من تاريخ وطننا الحبيب، وهو امر تحرص جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا ممثلة بمجلس امنائها، على ان تكونوا على علم وثيق به، ان حب ابناء الكويت الاوائل لوطنهم قد صنع المعجزات، ذلك الحب الذي مكن الآباء والأجداد من العيش نحو ثلاثة قرون قبل ظهور النفط في بلد فقير التربة، شحيح الموارد، لكن همتهم وجدهم بنيا وطنا له كيانه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وكل ما ننعم به اليوم من تقدم وازدهار.
وان الهمة والدأب اللذان بنيا بهما هذا الوطن لم يأتيا من فراغ، بل اعتمدا على العلم، لقد تعلم الآباء قواعد الملاحة البحرية وأتقنوا فنونها، وكانت احد المفاتيح المهمة التي مكنتهم من اقامة دولتهم البحرية.
ومن ابرز المصادر التي اعتمدوا عليها كان كتاب «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد» للربان العربي المشهور احمد بن ماجد الذي عاش في القرن الخامس عشر الميلادي حيث امتد اثره في عالم الملاحة البحرية الى عهد آبائكم واجدادكم.
وقد ثبت ان احد ربابنة الكويت، وهو منصور الخارجي من اهالي جزيرة فيلكا كان يبدأ دروسه في الملاحة البحرية التي يقدمها لأبناء الجزيرة المذكورة بقراءة الفاتحة على روح ابن ماجد عرفانا لذلك المعلم، وتقديرا لما قدمه من ارشادات عرفتهم بأصول الملاحة وقواعدها التي مكنتهم من الوصول الى عالم المحيط الهندي الفسيح.
ووجه كلامه للخريجين قائلا: انني اقول هذا لتتذكروا ايها الخريجون والخريجات ان حياتكم العلمية والعملية التي بدأت تأخذ طريقها في خدمة وطنكم المحبوب منذ هذه اللحظات يجب صيانتها على الدوام بالثقافة والعلم، فقيمتكم واحترام المجتمع لكم وتقديركم يزداد مع مقدار ما تنهلونه منهما.
ولتتذكروا جميعا ان هذا الوطن «كويتنا الحبيبة» هو أمانة بين ايديكم فحافظوا عليها بالوفاء والحب والعمل الجاد نحو مستقبل مشرق مأمول، واشكروا الله على ما أنعم به علينا، وتوجهوا اليه معنا بالدعاء الخالص ان يحفظ الكويت من كل مكروه.
ومن ثم القت الخريجة ساره الحمدان كلمة نيابةعن الخريجين اكدت فيها على اهمية العلم في حياة الإنسان.
وفي الختام قام كل من رئيس مركز الدراسات والبحوث الكويتية د.عبدالله الغنيم ورئيس جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا د.عبدالرحمن المحيلان ومستشار الرئيس عفاف الرخيص بتسليم الشهادات للطلاب.
صفحات الجامعة والتطبيقي في ملف ( pdf )