آلاء خليفة
نظم مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية صباح امس ندوة حول «تنمية الديموقراطية في العالم العربي».
وأكد الكاتب والمحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت سامي النصف، ان هناك عدة مفاهيم خاطئة للديموقراطية، لافتا الى ان غياب الديموقراطية عن العالم العربي لمدة طويلة جعلت البعض يعتقد ان بوصول الديموقراطية سيصل المن والسلوى، وستحل جميع المشاكل بوصولها.
متابعا: وهذا الكلام نراه ونسمعه من الشعوب العربية المبتلاة بالديكتاتورية، فنجد لديها رغبة في الوصول للديموقراطية بهدف حل كل المشاكل التي تواجه عمليات التنمية في مجال التعليم والصحة والبيئة، مؤكدا ان من يعتقد ان هناك رابط بين الديموقراطية والتنمية فهو اعتقاد خاطئ.
وأشار النصف الى اننا عندما نقارن الكويت بدول كقطر ودبي نجد ان الفارق الوحيد بينها هو الديموقراطية ومع ذلك نرى عرقلة لعملية التنمية بالكويت مقارنة بما هو موجود في دول الخليج والدليل على ذلك ان الكويت كانت سباقة في جميع المجالات ولكن انقلبت الآية في الوقت الحالي وتخلفنا عن دول الخليج بعقود من الزمان، وهكذا الحال بالنسبة لمقارنة لبنان بسنغافورة فنجدهما يتشابهان في عدد السكان وعلى الرغم من ان الديموقراطية في لبنان مطلقة على عكس ديموقراطية سنغافورة التي تعتبر مقيدة، الا اننا نجد ان معدل الدخل في سنغافورة يعادل 10 اضعاف معدل الدخل في لبنان.
وعلى جانب آخر قال النصف: نحن نعيش في موجة الديموقراطية الثالثة، فقد انتكست الديموقراطية في القرن الـ 19 بأوروبا كما انتكست في العالم العربي في حقبة الاربعينيات، وذلك لعدم تحرك عمليات التنمية في الدول العربية.
واكد انه يجب على الدول العربية ان تذهب باتجاه المسار التنموي حتى يتهيأ المجتمع لاستقبال الديموقراطية عند وصولها، اما إيقاف عملية استحقاقات التنمية من تعليم وتدريب وتغيير الثقافات فهذا الامر ستكون له آثار سلبية وسيؤدي الى ازمات، مشددا على ان الشعوب العربية بحاجة الى تغيير الجسد اكثر من انتظار الملبس المتمثل في الديموقراطية، مبينا ان العالم العربي يواجه عدة اشكاليات لابد من التعامل معها قبل الذهاب الى الديموقراطية، محذرا من تفشي ديموقراطية عدم المحاسبة ووصول غير الأكفاء الى المناصب والمراكز، ونتحول الى ديكتاتورية الاكثرية والتخلف.
واوضح النصف انه لم تخلق ثقافة ديموقراطية في العالم العربي، مشددا على ضرورة الايمان بالتسامح حتى نكون مستعدين للباس الديموقراطية المقبل.
ولفت النصف الى ان الديموقراطية كالدواء الذي لا يمكن حرمان المريض منه ولكن في الوقت ذاته لابد ان يؤخذ بجرعات تناسب حالة المريض، مشيرا الى ان من اهم الاسباب التي ادت الى حدوث المشاكل في العراق انه اعطى جرعة زائدة من الديموقراطية بعدما عاش فترة ديكتاتورية مغيبة عن التنمية السياسية والديموقراطية، موضحا ان الديموقراطية تقوم على التعددية ودون ذلك ستكون هناك نتائج عكسية وهذا ما نراه جليا في العراق الذي تتفشى به حاليا قضايا الفساد وتوقفت به عمليات البناء والتنمية على الرغم من وجود الديموقراطية والانتخابات والاحزاب والحريات.
وأفاد النصف ان الانسان العربي يحلم دوما بالحصان الابيض وفي انتظار المهدي المنتظر الذي سيأتي ويحل كل المشاكل، وهذا الاعتقاد خاطئ فالشعوب العربية لا تحمل المفاهيم الواضحة للديموقراطية ولا يرون ان لها استحقاقات بما يشير الى احتمال حدوث انشطارات وانتكاسات بالعالم العربي في اليوم الثاني من وصول الديموقراطية، لاسيما ان الدول العربية في الأعوام الـ 50 الماضية لم تتعامل بطريقة صحيحة مع شركائها في الاوطان.
ومن جهة اخرى، اكد النصف ان حل المشاكل البرلمانية القائمة حاليا في الكويت يكون بوضع الخطوط الرئيسية لإيجاد الحلول المناسبة، مشيرا الى الحاجة لوجود لجنة تحاسب المتسببين في تعطيل اعمال المجلس الذي يمثل الامة برمتها.
متابعا: فهل يعقل على مدار الخمسين عاما لم يعاقب نائب واحد، هل أصبحوا جميعهم ملائكة معصومين من الخطأ، فنحن بحاجة الى تمرير الاستجوابات الى مكتب المجلس المنتخب من المجلس، للتأكد من ان الاستجواب قائم على قضية معينة وليس على امور شخصانية قائمة على الاستنفاع.
وفيما يخص الدستور، اكد النصف على ضرورة تعديل مواد الدستور الى الاحسن، مشيرا الى انه لابد من إيقاف البطالة المقنعة القائمة في المحكمة الدستورية، فلابد من تفعيل دورها في المجتمع، فقد نكون بحاجة الى محكمة دستورية اولى ومحكمة دستورية عليا.
عدة مفاهيم
ومن ناحيته، أشار مستشار جمعية الصحافيين د.عايد المناع إلى ان الديموقراطية لها عدة مفاهيم أهمها انها سلطة الشعب وحكم الشعب للشعب، بل الديموقراطية هي السلطة التي مرجعيتها الامة سواء كانت جمهورية ملكية رئاسية او برلمانية او مختلطة كما هو الحال في الكويت.
متابعا: وكما نصت عليه المادة السادسة من الدستور فإن نظام الحكم في الكويت ديموقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا، وليس اي شيء آخر سواء فكر او اتجاه او جماعة.
وأكد المناع ان ذلك المعيار يمكن الاحتكام اليه نظرا لانه قد لا تكون الديموقراطية هي الحل.
مضيفا: ولكن السؤال هل هناك حل آخر حتى هذا اللحظة؟ بالتأكيد لا، مشيرا الى انه اثناء الفترة الاستعمارية كان هناك احتشاد جماهيري للمطالبة بالديموقراطية والحصول على حقوق الانسان، ولكن عندما تحققت الحرية السياسة والاستقلال كانت هناك مصادرات، وحاليا هناك جهد خارجي وليس داخلي لتطبيق الديموقراطية.
وعلى جانب آخر تحدث المناع عن مكونات النظام الديموقراطي والذي يستند الى 3 اعمدة رئيسية وهي الحرية والمساواة والمشاركة، لافتا الى ان الحرية تتمثل في احترام الحريات المدنية مثل الحرية الشخصية، حرية الانتقال، حرية الزواج والاعتقاد، والحريات السياسية ومنها حرية التعبير
والحق في التجمعات والتنظيمات الحزبية او السياسية، بالاضافة الى حرية مخاطبة السلطات العامة دون خوف او وجل.
اما المساواة فلها بعدان سياسي واجتماعي، البعد السياسي يؤكد ان كل مواطن يتساوى امام القانون مع الآخرين، اما البعد الاجتماعي فيتمثل في توفير الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تمكن المواطن من ممارسة حريته والمشاركة المطلقة في تقرير مصيره وفي تحديد وجهة النظام السياسي وهي تضمن للمجتمع الحد الأدنى من الحقوق الاقتصادية والخدمات الاجتماعية لكل مواطن.
وبخصوص المشاركة قال المناع: هي ان يكون القرار السياسي او السياسة التي تتبناها الدولة محصلة افكار ومناقشات بين الناس والقوى الحية في المجتمع وبين مكونات المجتمع المدني المتمثلة في القوى السياسية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني.
وتابع المناع قائلا: ان الخبرة الماضية في العالم العربي اثبتت ان اي نجاة للأمة وأي تحرر وطني لا يمكن ان يكون الا من خلال ارادة الأمة التي تعتبر الاساس لتحقيق الانجازات الاجتماعية والسياسية، مشيرا الى ان المعيار الرئيسي للديموقراطية هو الاغلبية.
ولفت المناع الى ان هناك اسبابا دعت الافراد للبحث عن الديموقراطية والحرص عليها في العالم العربي، وذلك لان العالم ذاق الأمرين فالأنظمة استسهلت استخدام العنف بكل أشكاله سواء السياسي او الفكري او الاجتماعي او الشخصي ضد اي طرف يطرح طرحا لا يصب في رافد السلطة الحاكمة او المجموعة الحاكمة، وبالتالي اللجوء في تلك الأنظمة الى الحل البوليسي وليس السياسي.
وافاد المناع بأن الوضع مازال سيئا في العراق ولكن في طريقه الى شفاء الجسد من الادران السابقة، موضحا انه من السهل على الانظمة الديكتاتورية ان تتخذ القرار وان تسحق المعارضة ان وجدت.
حكم الشعب للشعب
وقد تحدث استاذ القانون العام بكلية الحقوق بجامعة الكويت د.عبدالله الرميضي، موضحا ان الديموقراطية بمعناها الشامل هي حكم الشعب للشعب من خلال اختيار الشعب لسلطاتها والتي تكون بدورها حريصة على الاهتمام بالشعب.
متابعا: ووفقا لهذا المفهوم فان الديموقراطية لابد ان تقوم على عدة اسس ومبادئ من أهمها احترام القانون، وبالتالي فان شريعة الغاب ستطغى في المجتمعات التي لا تحترم القانون ومن ثم ستسيطر فئة معينة على المجتمع كما هو حادث في معظم الدول العربية ما يؤدي الى غياب الديموقراطية.
ولفت الرميضي الى ان القانون هو مجموعة قواعد تنظم العلاقات في المجتمع، سواء علاقات الافراد بعضهم مع بعض او علاقات الافراد مع السلطات العامة وعلاقة السلطات مع بعضها، ووجود قواعد تنظم تلك العلاقات تؤدي الى معرفة الجميع بحقوقهم وواجباتهم.
وأشار الى ان الدستور يأتي على قمة هرم القوانين، وهو أعلى وأسمى انواع القوانين، وبالتالي فإن المجتمع الذي لا يوجد به دستور تكثر فيه الديكتاتورية والطغيان، ويكون فيه احترام الفرد مغيبا والحريات منعدمة تماما، موضحا ان الدستور عبارة عن مجموعة قواعد تنظم شكل الدولة ودور السلطات وعلاقاتها وتكوينها، مشيرا الى ان هناك دساتير في الدول العربية ولكنها لا ترقى لمستوى طموح الافراد بها.
وأشار الرميضي إلى وجود عدة طرق لوضع الدساتير، منها الديموقراطية وغير الديموقراطية.
وتابع قائلا: ومع الأسف فإن معظم دساتير الدول العربية غير ديموقراطية، وذلك لان الشعب لا يلعب دورا في وضع الدستور بل تقوم السلطة المسيطرة على الدولة بتشكيل لجنة تختارها بعناية ثم تضع الدستور الذي يحتوى على الاحكام التي تتوافق مع توجهات تلك السلطة، ويتمتع الشعب بسلطات جوفاء كالمجالس التي لا يكون لها اي دور قوي في اتخاذ القرار وبانتخابات غير نزيهة يتعرض معظمها للتزييف والتزوير بالاضافة الى الاحزاب وطريقة تشكيلها التي توالي السلطة الحاكمة ومن ثم يصبح الدستور عديم الجدوى.
وشدد الرميضي على ضرورة وضع الدستور بطريقة ديموقراطية في الدول العربية، مشيرا الى غياب مبدأ الفصل بين السلطات في معظم الدساتير العربية والذي يعتبر من أهم المبادئ التي يجب ان يقوم عليها أي نظام دستوري، والتي تحول المجتمع الى مجتمع تحكمه سياسة ديكتاتورية.
ومن ناحية اخرى، اكد الرميضي ضرورة ان يتضمن الدستور النص على الحقوق والحريات العامة، كحرية الانتقال والتعليم والتعبير عن الراي وغيرها من الحقوق والحريات مشيرا إلى ضرورة الحفاظ عليها وعدم التضييق عليها.
واردف قائلا: قد يكون لنا دستور ممتاز ينص على الفصل بين السلطات والتأكيد على الحقوق والحريات العامة ولكن مع ذلك لم نصل الى النظام الديموقراطي بمفهومه العام والسبب في ذلك يعود الى وجود انتهاك في تطبيق نصوص الدستور.
وفي مداخلة لاستاذة العلوم السياسية والباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية بجامعة الكويت د.ندى المطوع، تحدثت عن الممارسات الديموقراطية وتحديدا البرلمانية.
وقالت: اقول ذلك الكلام تحديدا بعد رفع جلسة مجلس الامة قبل ربع ساعة بسبب احتدام النقاش، مشيرة الى ان السلوك البرلماني الذي بدأ يحدث مؤخرا هو عبارة عن سلوكيات للأسف لا تعطي فكرة جيدة عن الممارسات الديموقراطية.
وأردفت قائلة: هل هذا السلوك الذي اصبحنا نراه في البرلمان اصبح يؤثر على مفهوم الديموقراطية عند دول اخرى تتطلع لنا كمثال وتريد المزيد من الحريات، ام ان تلك السلوكيات امر عادي واحيانا يكون هناك سلوكيات جيدة واحيانا اخرى سيئة؟
كما أشارت المطوع الى تصريحات رئيس السلطة التشريعية عندما ذكر ان هناك مواد بالدستور تحتاج الى تعديل ولكنه لم يذكر ما هي تلك المواد، فضلا عن تصريحات بعض الوزراء بضرورة تعديل بعض مواد الدستور ايضا.
صفحات الجامعة والتطبيقي في ملف ( pdf )