- العيسى: الحكاية تمنحنا القدرة على فهم الآخر عوضاً عن الحكم عليه
- إذا أصحبنا قادرين على فهم الحكايا صرنا أكثر قدرة على فهم الإنسان
- العتابي: في «تكوين» نسعى لأن نحدث تحولاً ثقافياً في الوطن العربي
آلاء خليفة
افتتحت مكتبة تكوين «ملتقى الحكايا والحكائين» برعاية واستضافة الجامعة الأمريكية وبحضور الروائية ومؤسسة مكتبة تكوين بثينة العيسى ورئيس الجامعة الأمريكية في الكويت د.تيم سوليفان وعدد من الكتاب والروائيين والمثقفين والمهتمين في المجتمع وذلك عصر امس بمبنى الجامعة الأمريكية في الكويت.
وفي الافتتاح التقت الروائية ومؤسسة مكتبة تكوين بثينة العيسى كلمة بعنوان «كان يا ما كان» قائلة: «منذ سنتين ونحن نبحث في هذا الحفل وننتهي دائما في المكان الذي نبتدئ منه المخيلة، اذكر مرة انني فكرت هل يمكن ان يكون غياب المخيلة هو الجذر لكل شرور العالم؟».
وتابعت: «عندما نجد انسانا قادرا على قتل انسان لانه ببساطة عاجز عن تخيل نفسه في مكانه، كيف يمكننا ان نفهم القمع والتعصب والكراهية بوجود المخيلة، ذلك الجسر الذي يصل ضفتي الأنا بالآخر، هل سيبقى العالم على ما هو عليه اذا التزمنا كلنا بواجبنا الأخلاقي، بأن نتخيل؟».
واستشهدت بقول غسان كنفاني: «انهم يحكمون عليك لأنهم لا يعرفونك»، لكن كيف لهم ان يعرفوك من دون مخيلة، من دون تلك القدرة على ان يمشوا خطواتك ذاتها، ان يجعلوا من انفسهم ابطالا في حكايتك الخاصة، هو ما تفعله الحكاية، انها تمنحنا القدرة على فهم الاخر، عوضا عن الحكم عليه.
وذكرت العيسى انه اذا اردنا ان نفهم شخصا، فنحن نسأل عادة، ما هي حكايته؟ كل أحادثينا الجانبية، كل النمائم الصغيرة، احلامنا، كوابيسنا، وجل ما نبحث عنه في الفن والادب هو الشيء ذاته تقريبا، الحكاية نحن نريد الحكاية دائما، لاننا نريد ان نفهم، ليس الاخر وحسب بل انفسنا ايضا لان القصص والحكايا لم تكف قط عن كونها تلك المرايا صقيلة، بليغة وابدية.
واشارت الى ان الحقيقة يصعب القبض عليها وكل ما يمكننا فعله هو ان نتحسس اجزاء منها، نضع القطع الى جانب بعضها بعضا نبحث عن سياق سردي، منظومة نفهم من خلالها ما حدث، لماذا حدث ما حدث؟
لدينا جميعا ذلك الرجوع القديم الى المعنى، وفي كل يوم يذهب العالم ابعد نحو الصدفة العشوائية وانعدام النظام، نصبح اكثر خوفا، ماذا لو انتهينا كلنا للعيش في عالم بلا معنى؟ عالم متعذر عن الفهم تماما، اي مستقبل ينتظر الانسان اذا ما سرقنا منه الافق؟
وقالت انه كثيرا ما سمعنا ان هذا هو زمن الرواية لكن هذا غير صحيح، الرواية والقصة والفيلم والكتاب المصور والحكايات الشعبية والخرافات والملاحم الشعرية والاساطير هي مجرد ادوات للفهم لان هذا الزمن على ما يبدو هو زمن البحث عن المعنى، شيء يستطيع تحويل الوجود من جرح الى جمال.
وذكرت اننا نقف على اعتاب فهم جديد لانفسنا اذ لم يعد يكفينا ان نعرف الانسان اليوم بانه حيوان ناطق، او حيوان اجتماعي، وغيرها من تلك التصنيفات، موضحة ان الانسان الذي نتساءل عنه اليوم هو الكائن الحكاء، سواء كان راويا، قاصا، ساردا، يخلق القصص لكي يعثر على المعنى ويقرأ القصص لكي يفهم نفسه، وفي حوار خضته مع احدهم كنت اريد ان يفهمني قلت له: ضع نفسك مكاني، اجابني: لست مضطرا، لكن الحقيقة انه مضطر، واننا جميعا مضطرون لتخيل انفسنا في مكان الاخر، لاننا اذا لم نفعل سوف ننتهي جميعا في غرف بجدران ابدية في العزلة والصمت لان القدرة على المحبة مرهونة بالقدرة على الفهم ولأن الفهم مستحيل من دون مخيلة.
ومرة اخرى عرجت على قول، البرت اينشتاين: «ان المخيلة اهم من المعرفة ويقول غابرييل ماركيز المخيلة دائما على حق وانا لطالما افتتنت بالفكرة تماما وبالشيء الذي يتفق عليه الفيزيائي والروائي معا، المخيلة، ليست فقط بذلك الشكل الذي حول البساط السحري الى طائرة او حول مغارة على بابا الى خزنة ببصمة صوتية او حول البلورة السحرية الى تلفزيون بل الشكل الاعمق للمخيلة، الشكل الذي يجعلني ببساطة قادرة على ان اكون الآخر، لاجل ذلك كان هذا الملتقى ملتقى الحكايا والحكائين لكي نفهم الامر معا».
وقالت انه تم تصميم برنامج لكي نسمح للفكرة بان تنمو بشكل عضوي منذ السؤال الفلسفي عن المعنى وحتى السؤال الفني عن الادوات التي نحتاج اليها لكي نصبح حكائيين على نحو افضل، في الرواية والقصة والسينما.
وفي ختام كلمتها، اعربت العيسى عن امنياتها للجميع برحلة مدهشة في هذا المكان الذي يشهد ولادة حكاية فريدة من نوعها وان ينجح الجميع في الانصات لاكبر قدر ممكن من الاصوات، اصوات سوف نأخذها معنا نحملها في دواخلنا لنتذكر دائما محدودية ما نعرف وواجبنا الانساني بان نعرف اكثر، قائلة: «اذا ما اصبحنا قادرين على فهم الحكايا صرنا اكثر قدرة على فهم الانسان».
وتم عرض فيديو مرئي اثناء الافتتاح تحدثت فيه الروائية ومؤسسة مكتبة تكوين بثينة العيسى، والتي أكدت ان الهدف هو احــداث تغــيير ثقافي جذري بحيث تصبح القراءة نمط حياة وان هناك هاجسا دائما باقناع شخص لا يقرأ الى شخص قارئ وتحويل مفهوم القراءة الى عادة يومية في حياة كل فرد بالمجتمع.
وتحدث خلال الفيديو المرئي كل من الاعلامي عبدالله بوفتين ومديرة مدرسة خالدة الخالدي والكاتبة مناير الكندري والكاتبة اروى الوقيان مشيدين بمكتبة تكوين التي حولت القراءة الى اهمية كبرى في حياة كل فرد فضلا عن المساهمات الخيرية لمكتبة تكوين ودورها في خدمة المجتمع.
من ناحيته، قال الشاعر ومسؤول منشورات مكتبة «تكوين» محمد العتابي: عامان وانت الطفلة الحلم الحقيقة التي تزهر فينا مثل نجمة وتنمو داخلنا مثل حقل ونبحر فيها عباب الامنيات الغافيات كموجة بحر، سنتان وذاك الحلم الصغير في بيع الكتب يستحيل واقعا يكبر بوتيرة اسرع من الخطوات التي تسبقنا ونسبقها.
وذكر العتابي: سنتان تلاشت فيهما الحدود بيننا وبين المكتبة التي باتت الدافع الاساسي لنا للعمل والانتاج، المكتبة الشجرة وسط صحراء العالم وأساه، المكان الذي نقاوم فيه الجهل بصورة المختلفة واصداراته الجديدة، لافتا الى ان المكتبة الفكرة المشروع التحدي، التي لا يقنعها ان تبيع الكتب فحسب المكتبة التي تخطف الانفاس وتحلق بنا في فضاءات التساؤل طائرا يهب جناحيه للريح والافكار.
واكد ان المكتبة التي تمنحنك صوتك ونقيضك الذي يشبه فيك صداك والمرآة، المكتبة التي تعود بك طفلا يلهو بالكلمات وتدهشه الافكار كما لو كان مكتشفها الاول، المكتبة التي تطمئنك في غفوة الليل ولو قليلا، بان بعض الامور على ما يرام، كل ذلك لا يكفي حقيبة الاحلام التي تحملنا على ظهرها وتسافر بنا نحو احلام اخرى وهكذا.
واردف العتابي قائلا: في تكوين نرغب ان نكون بعضا من نسمات باردة تحمل تحولا ثقافيا تهب على وطننا العربي تحولا ينبع من القوة الناعمة للسؤال من معاني الكلمة من توهج الفكر، التحول الذي ينتقل بك من رتابة التلقين الى شغف الاكتشاف، من خسارة الجهل الى ربح التعلم، من ضيق الحكم المسبق الى فضاء السؤال، من متاهات الاسئلة الى البحث، من البحث الى سماوات وعوالم لا حدود لها مثل احلامنا.
وذكر العتابي ان أي تحول دون وعي ثقافي هو تحول لا يعول عليه، هو اشبه بأن تنصب خيمة لا عماد لها سوى الريح، لطالما قيل ان المثقف يعيش وحيدا في برجه العاجي الا اننا نؤمن بأن الثقافة فعل مقاومة، مقاومة للتنميط والسائد، مقاومة للتعصب والتفرد بالحقيقة، لافتا الى ان الثقافة الحقة التي تعيش هنا على هذه الارض بين الناس تدافع عن قضاياهم العادلة ترسم علامة النصر على جباههم، تكتبهم حكايات واساطير، تنشدهم اشعارا يغنيها العالم كلما جفت الكلمات في حلقه، موضحا ان الثقافة التي تعبر عن وحشة الانسان وعبء الوجود على كاهله.
واشار الى ان تكوين المشروع، المكتبة، البرنامج الثقافي والورش، المنشورات، كلها ادوات لنعيد تشكيل الصور النمطية عن الثقافة لنزرع بذرة، لنشعل شمعة، لنكون بعضا من امل.
وختم العتابي حديثه قائلا: في تكوين نمد يدنا للجميع، نمد اليد لجميع من يقاسمنا الاحلام ويشاركنا الرؤى، نمد اليد من اجل غد اجمل من اجل ان تكون الثقافة ضرورة لا ترفا وان تكون القراءة ممارسة عامة لا نخبوية، سنتان يا تكون ومازال الامل ينمو سنتان يا تكون والاحلام ولدت لتحيا لا لتموت.
جدير بالذكر ان فعاليات الملتقى تستمر حتى 24 الجاري. ويشارك في الرعاية الاعلامية للملتقى عدد من الجهات وهي: مكتبة تكوين، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب، الجامعة الأمريكية في الكويت، بنك بوبيان، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، منصة الفن المعاصر، جريدة القبس.