آلاء خليفة
أكد الخبير الدستوري وأستاذ القانون العام بكلية الحقوق بجامعة الكويت د.محمد الفيلي انه من المنطقي ان يكون للسلطة التنفيذية موقف متشدد من الحقوق والحريات لان وظيفتها الأولى تنفيذ القانون وحماية النظام العام وهي إما ان تحمي النظام العام بأقصى درجة من المنع للسلوك الإنساني أو ان تمتلك درجة عالية من الحرفية تسمح بالإبقاء على اكبر هامش ممكن من الحريات مع تفعيل حماية النظام العام ولكن الجمع بين الاثنين يصعب الأمور لذا فان السلطة التنفيذية أصبحت اكثر ميلا لتضييق الحريات.
جاء كلام د.الفيلي خلال ندوة «قانون الإعلام المرئي والمسموع ومدى الحاجة الى تعديلات تشريعية» والتي أقيمت صباح امس بكلية الحقوق تحت رعاية عميد كلية الحقوق د.بدر اليعقوب وادارها د.فايز الظفيري الأستاذ بكلية الحقوق.
وذكر د.الفيلي ان التشريع أداة في غاية الخطورة ولابد من التعامل معها بمهنية عالية، ولا نضع قواعد للتجريم إلا عندما يكون ذلك ضروريا وهي فكرة موجودة بالدساتير القديمة والمحكمة الدستورية تتعامل بذلك المبدأ، فعندما نضع التجريم لابد ان يكون بغرض تحقيق هدف ويكون هناك توازن وليس تجريما فقط من اجل التجريم، فالتجريم استثناء لابد ان يوضع في الإطار المناسب.
وقال د.الفيلي عن التعديلات المطروحة على قانون المرئي والمسموع: أرى أمامي مجموعة من الأفكار لتعديل القانون، العنصر الأساسي منها تشديد العقوبات، والتي هي في الأساس شديدة وأتت بتشريع يميل الى تقييد السلطة التقديرية للقاضي، فإذا كان لدينا تشريع يميل للتشدد فما هو المبرر لمزيد من التشدد من الناحية الفنية، فحتى يكون هناك تعديل لابد ان تكون أمامنا وقائع تثبت ان النص لم يكن كافيا لتحقيق الأهداف المرجوة منه ولكن في الواقع لم يكن هناك تطبيق للنص وهذا من ناحية المبدأ في التعامل مع التشريعات امر سيئ.
متابعا: فقد انتقدت سابقا مجلس الأمة وذكرت ان أي محاولة تغيير في التشريعات لعلها رغبة في الحصول على جو سياسي مبرر لعدم وضع تشريعات ملائمة في الماضي ولكن في حالة السلطة التنفيذية فهذا المنطق أقل ضعفا، فأعضاء السلطة التنفيذية غير منتخبين وتلك السلطة تملك جيشا من الخبرات يسمح لها بألا تندفع بشكل عاطفي في التشريع، واشك ان التعديل لم يأت لأسباب فنية إنما جاء كرد فعل على عدم تطبيق النص وهو أمر سيئ للغاية وان كنت امتعض من المجلس المنتخب ان يلجأ لهذا الأسلوب فامتعاضي يزيد عندما أتكلم عن السلطة التنفيذية، ودستوريا ما يعطي المشروعية لإعطاء حق الاقتراح للسلطة التنفيذية وهي غير منتخبة أنها تمتلك من الخبرة والمعرفة ما يسمح لها بان تضيف نوعية من التشريع.
وقال د. الفيلي: ان الدستور باعتباره أداة لضبط سلوك اجتماعي واسع عندما تكون أمامنا مشكلات متصلة بالسلام الاجتماعي والوحدة الوطنية فلابد من إيجاد الحلول لها وعلاجها بالطرق المناسبة، مشددا على ان حماية السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية بمنع الكلام عن الموضوع وإثارته لا يحقق الغرض من التشريع.
واوضح د.الفيلي ان الحماية الدستورية ليس الهدف منها إعطاء أهمية لوسائل الإعلام لمجرد أنها وسائل إعلام وانما لحماية حق الجمهور في الحصول على المعلومة، فلكل مؤسسة أجندتها وأهدافها وليس بالضرورة ان يكون من «القديسين» ولكن الحقيقة هي مجموعة الأقوال والحماية لمصلحة الناس بالمقام الأول.
كما أوضح ان التعديلات المطروحة حاليا تفتقر للاتساق الفكري من حيث صياغتها وان كانت هناك تعديلات التزمت بالحد الأدنى للخط الأحمر، ومع ذلك يبقى من المقلق أسلوب التعامل مع الأمور وطريقة التفكير ووضع القوانين دون دراسة جدوى فما هكذا تورد الإبل، فنحن نعلم ان من يسير في حقل ألغام قد يخرج سليما وقد يعاني من إصابات ولكنه في المرة القادمة سيفضل الا يسير به، فوضع سياسة التجريم بهذه الطريقة المقصود بها وضع رقابة من الداخل أسوأ من الخارج.
ومن ناحيته قال عضو مجلس الأمة السابق والمحامي احمد المليفي: لقد خرج قانون الإعلام المرئي والمسموع بعد مخاض عسير في عهد وزير الإعلام السابق د.انس الرشيد وكان هناك صراع داخل مجلس الوزراء وانقسموا الى فريقين احدهما مؤيد لإقرار القانون بقيادة د.انس الرشيد والفريق الآخر رافض للقانون، وكانت هناك مخاوف من بعض أعضاء السلطة التنفيذية من إقرار القانون،
وكان هناك اعتراض على مراقبة المدونات في ظل تلك الشروط المرهقة والصعبة والقاسية على المدونات الالكترونية وقد تحدثت عنها حينها ووافق المجلس على إزالة كلمة المدونات من القانون.
وأكد المليفي أننا لا نحتاج إلى تعديل القانون وكلام الحكومة غير صحيح وغير دقيق، فالحكومة تريد رقابة وبالقانون هي تمتلك رقابة صارمة ومن ضمن مكامن القوة في القانون ما تنص عليه المادة الثامنة والشروط الخاصة بالترخيص ومنها احترام القانون والآداب العامة والنظام العام مع عدم الإخلال بالشروط الاخرى وماعدا ذلك فيلغى الترخيص بحكم القانون اذا فقد المرخص له ايا من الشروط المقررة لمنح الترخيص، موضحا ان هناك سلطة إدارية وسلطة لوزير الإعلام ولديه القدرة على إلغاء الترخيص بقرار إداري ويمكن للمحطة رفع دعوى ولكنها ستتحمل أعباء تلك الدعوى من مصاريف مالية وانقطاعها عن الجمهور، ولكن الحكومة لا تريد ممارسة صلاحياتها من خلال القانون الحالي.
وأوضح المليفي ان في القانون امرا خطيرا وهو ما يخص التدقيق المالي مفضلا ان يكون المدقق المالي موظفا حكوميا يعمل لصالح الوزارة، ويعتبر إدخال الشريك الأجنبي واحدة من اخطر التعديلات كونه قد يسيطر على الرأي العام «وبدل ما يكحلها سيعميها»، مضيفا: لذا فنحن لا نحتاج الى تعديل وما هو موجود كافٍ ويعطي للوزارة سلطة كبيرة وخطيرة في ضبط الإعلام، ولو تلمح به الوزارة مرة واحدة فان كل محطة «ستدير بالها» على كل ما يذاع وينشر.
وتحدث مستشار جمعية الصحافيين د.عايد المناع قائلا انه من هذه القاعة وغيرها استطاع الكويتيون ان يصنعوا حرية لأنفسهم وان يوجدوا مؤسسات يفترض انها تلتزم بالقانون بل ملزمة بالالتزام بالقانون، مشيرا الى اننا نحيا في دولة مؤسسات ولدينا قوانين وإذا كان هناك بعض القصور علينا التحدث مع بعضنا واللجوء للقنوات التشريعية والتعديل وليس التشديد، مؤكدا ان هذا التعديل قتل للحريات.
وتابع قائلا: ولكن إذا كانت الجهة التنفيذية لا تنفذ عملها وتأتي للتشدد وتغليظ العقوبة فهذا يعد انقلابا حقيقيا على حرية التعبير.
وافاد د. المناع بان قانون الإعلام المرئي والمسموع الحالي لا يعاقب ضيف البرامج الحوارية ولكن المذيع او المدير فقط، ولكن القانون الذي تسعى لتطبيقه الوزارة حاليا يضيف الى بنوده مساءلة الضيف قانونيا فهذا بحد ذاته جريمة في حق الحريات فهم لا يريدون ان يتحدث أحد وإلا «فسيجرونه الى النيابة» إذا خرج النص عن المحظور متسائلا ما المحظور ومن يحدده؟
وتعجب د. المناع من مسألة تغليظ العقوبة على كل من يتطاول على الذات الالهية واعتبرها عبارة مستفزة لأنه لا يجرؤ أحد على ان يتطاول على الذات الإلهية وذلك الأمر موجود في الدساتير والقوانين وجميعها تنص على معاقبة التطاول على الذات الإلهية والأنبياء، وتابع قائلا: أما المصيبة الكبرى فهي تغليظ العقوبة الى حد السجن.
وتساءل: لماذا المطالب بتغليظ العقوبات؟ مستغربا هل من يطالبون بتغليظ العقوبة طبقوا القانون؟ لا أعتقد وهم من يريدون تطبيق هذا القانون حتى يخفوا عيوبهم ويدارون فشلهم، وللأسف انه من أول يوم للعرض التجريبي لقناة «السور» والحكومة تتفرج ولم تحرك ساكنا إلا بعد خروج المواطنين للشارع بالمظاهرات وغيرها ومن ثم أغلقت الحكومة قناة «السور»، فللأسف هي حكومة ردود أفعال، فهل لابد ان ننتظر حدوث الحريق حتى نطفئه أم لابد من اتخاذ الإجراءات الاحتياطية والاحترازية من البداية؟
وأكد د.المانع عن قناعته بان الحديث عن تلك القضايا المثيرة الخاصة بالتعديلات هي محاولة لإشغال الرأي العام والناس والإعلاميين، متسائلا لماذا ننشغل بقضية انتهينا منها ونحن في دولة مؤسسات ودولة ديموقراطية السيادة بها للأمة مصدر السلطات جميعا كما نص عليه الدستور الكويتي؟ وتابع: فلا تأتي علينا يا حكومة بإجراءات تصورك لنا على انك حكومة قمعية دون مبرر فقط لمجرد رغبتك في التغطية على فشلك وعجزك، مطالبا بالحرية لأنها حق دستوري فحرية التعبير والاعتقاد والبحث العلمي والطباعة والنشر حقوق دستورية والأصل بالقانون هو الإباحة، مضيفا: نحن بدولة ديموقراطية ومن حق وسائل الإعلام ان تنقل لهم الحقيقة لكن عندما تأتي وزارة الإعلام وتنظم هذا الشيء فهو أمر جيد إذا التزمت بالقانون ولكن إذا خرجت عن القانون فنقول لها ان بيت الشعب الكويتي موجود ومن انتخبهم الشعب الكويتي يفترض ان يكونوا حراسا أمينين على الحريات وما عدا ذلك فان وسائل الإعلام لن تترك القانون يمر مرور الكرام بل ستكون لهم وقفة جادة للتصدي لوقف هذا القانون المشين وستفعل كل ما يمكنها للدفاع عن الحريات.
الظفيري: لابد من التأني قبل التعديلات
في مداخلة لرئيس الجلسة د.فايز الظفيري اكد ان الكويت يجب ان تتأنى قبل ان تجري اي تعديلات على التشريعات ويجب الا تستخدم ردة الفعل في التشريع لأن ذلك سيكون قاسيا، مشيرا الى ان ردود الافعال السريعة كلفتها عالية واذا كان هناك اي تعديلات لابد من ذكر الآراء والنصوص المزمع اجراء التعديلات فيها، مبينا انه اذا هناك جوانب نقص فلابد ان تعالج بطريقة مدروسة.
متابعا: فمن الغريب ان تعطينا الحرية ومن ثم تنزعها مني دون اسباب.
النقي لإلغاء القوانين غير الدستورية
في مداخلة للمحامية نجلاء النقي خلال الندوة، أوضحت ان القانون غير دستوري وبه مخالفة دستورية، منادية بإلغاء القوانين غير الدستورية بدلا من تضييع الوقت وشغل الشارع بمواضيع غير مجدية.
وقالت النقي: علينا إلغاء القوانين غير الدستورية فنحن دولة ديموقراطية ودولة مؤسسات ولسنا في دولة قمعية، خاصة ان عقوبة السجن بها تكلفة مادية على الدولة ولها تبعات اجتماعية ونفسية سيئة متمنية ان يقف أصحاب القرار أمام اجراء أي تعديل على القانون.