- الدور الذي تلعبه الجينات في كل حالة غير محدد ومن الخطأ نسبة كل المشكلات إليها
- البعض في الشرق الأوسط يخشون العلاج النفسي ويرونه غير معهود ولذلك يحجمون عنه
- أصادف مستويات عالية في مشكلة زيادة الوزن تجعل الكويت الأعلى نسبة في بلدان المنطقة
- العلاج النفسـي نسبـة نجاحـه كبيــرة لأن مشكلاته وآثاره الجانبية أقل ضرراً من الأساليب العلاجية الأخرى
حنان عبد المعبود
ممارسو الطب الحديث من الأطباء بجميع الدرجات العلمية المختلفة، ابتكروا الكثير من الوسائل والسبل العلاجية للعديد من الأمراض، والمعالجة أصبحت متنوعة للمرضى على حسب حالاتهم المرضية، ومدى حاجتهم للعلاج سواء كانت جراحية أو إشعاعية، أو دوائية، أو عشبية، أو نفسية، وهذه الأخيرة من أكثر المجالات العلاجية تشعبا حيث كل معالج يبتكر طرقا علاجية خاصة به، مثل المعالج النفسي د.جيريمي ألفورد، والذي يزور الكويت بشكل دوري لمعالجة المرضى في مركز السور للعلاج النفسي السلوكي الإدراكي. ود.ألفورد صاحب خبرات واسعة في مجال المعالجة النفسية، حتى أنه ابتكر العديد من السبل العلاجية للكثير من المشاكل التي تحتاج الى معالجة طويلة. هناك مشكلة مثل التدخين والتي قد تصل لحد الإدمان، والمعالجات المختلفة قد لا تأتي بالنتائج المرجوة من أدوية ولاصقات علاجية، وحتى العلك المبتكر لهذا الغرض، حيث ان أغلب هذه الوسائل لم تكن ناجعة بالقدر الكافي، ولكن د.ألفورد ابتكر طريقة علاجية جديدة جدية وناجعة لمعالجة ادمان التدخين، وكذلك طريقة لعلاج مشكلة السمنة. وعن طرقه العلاجية الجديدة كان لـ «الأنباء» معه هذا اللقاء:
سمعنا أن لديك طرقا حديثة لعلاج الكثير من المشاكل. فما هذه الطرق؟ وأي الأمراض يمكن علاجها من خلالها؟
هناك مشاكل صحية تتعلق بالجانب النفسي، ولنفرض مثلا أن لدينا شخصا لديه مشكلة في الوزن، ويريد معالجتها، فيذهب الى متخصص في علم التغذية ليضع له نظاما غذائيا محددا أو علاجا كيميائيا، وهكذا يتناول هذا العلاج ويحاول تطبيقه، ولكن ما يحدث أنه لا يتمكن من تحقيق النتائج المطلوبة بسهولة. فيتبع النظام الغذائي فترة ثم يتوقف فترات. وهكذا يتأرجح بين اتباع النظام الغذائي وعدم اتباعه. وهذا بالنسبة لي يعني أن هناك بعدا نفسيا في المسألة. بمعنى أنه لابد من التعامل مع الجانب النفسي جنبا إلى جنب مع الجانب الغذائي والكيميائي والطبي من المشكلة، وهنا يأتي دوري.
وهل يتم العلاج وفقا لجلسات علاجية أم أدوية؟
ان دوري في عملية العلاج هو عقد جلسات علاجية نفسية وإدراكية. لكن ذلك يحدث بالتنسيق مع أطباء في مجال العلاج الكيميائي والطبي المعهود. فطريقتي في العلاج أولا هي عقد جلسة تقييم أولية للتعرف على مشكلات المريض واحتياجاته. وخلال هذه الجلسة يتم تحديد نوع العلاج الذي يحتاجه المريض وكذلك عدد الجلسات التي يحتاجها. وبعد ذلك يبدأ العلاج بشكل متكامل بحيث يجمع بين العلاج النفسي وبقية أنواع العلاجات الأخرى المناسبة لحالة المريض. لكن هذا كله يعتمد على الحالة نفسها. فهناك شخص يحتاج إلى علاج نفساني فقط، وهذا العلاج سيكون كافيا ومناسبا تماما له دون أي حاجة لعلاج كيميائي أو لعلاج طبي. لكن هناك شخصا آخر ربما يكون بحاجة إلى بعض أنواع أخرى من العلاج الكيميائي والعلاج الطبي.
علاج كيميائي
كيف تميز بين من يحتاج الى أنواع كيميائية وطبية من العلاج ومن يحتاج إلى علاج نفساني فقط؟
ان هذا يتوقف على المريض وعلى عزيمته وقوة إرادته ورغبته الداخلية في الشفاء. ففي كثير من الأحيان لا يحتاج المريض لعلاج كيميائي. لكن في حالات الإدمان الشديد مثلا، نجد أن المريض يحتاج إلى علاج كيميائي لإحداث نوع من التعويض لأجهزة الجسم حتى يتمكن من العبور والوصول إلى بر الأمان وبعدها يمكن إيقاف العلاج الكيميائي، وهكذا. فالمسألة تعتمد على حالة كل مريض وعلى شخصيته، وهذا كله يتحدد في جلسة التقييم الأولى.
وبعد جلسة التقييم، كيف يبدأ العلاج النفسي؟
في الجلسات التالية، لابد ألا يكون موقف المريض سلبيا من العلاج. بل يجب أن يشارك في العلاج النفسي بشكل إيجابي. لأنه كما قلت لابد أن يكون راغبا في العلاج أي إحداث تغيير سلوكي إيجابي في حالته. وعملي تحديدا يعتمد على مساعدته على رؤية قدرته على إحداث هذا التغيير. فالمريض لا يكون سلبيا بمعنى أنه يعلم أنه لن يأتي إليّ لأعطيه حبوبا أو أدوية يأخذها وينسى المشكلة متوقعا أنها انتهت، لا، لكن المريض يتمكن من رؤية الأمور من منظور جديد ويغير موقفه تجاه المشكلة، ويشعر بالقدرة على الإقلاع عن ممارسة العادة التي تسببت في حدوث المشكلة، وتتكون لديه قناعة بأنه قادر على إنجاز هذه المهمة، وتستمر هذه القناعة لديه وتترسخ. وبهذا فإنه لا يتأرجح مثل من يتبع نظاما غذائيا لفترة من الوقت ثم يتوقف. ولكنه يستمر على قناعته وبهذه الطريقة يكون التغيير دائما وليس مجرد تغيير وقتي. ومن هنا يمكننا القول انني أساعد المريض في العثور على الإجابة التي يبحث عنها.
هل ترى أن العلاج النفسي ضروري للتغلب على المشكلات وحسمها، حتى لا تحدث انتكاسة وعودة للمشكلة مرة أخرى من جديد؟
طبعا، لأن كل شخص لديه مشكلة ما يريد تغييرها، بالطبع قد حاول مسبقا أن يبحث عن حل لها، ولكنه لم يتمكن أبدا من استدامة هذا الحل، ولهذا يتأرجح بين الإقلاع عن العادة السيئة والانتكاس بالعودة إليها مرة أخرى. والمشكلة أنه لابد أنه حاول الاستعانة بمن حوله وبنفسه للعثور على إجابة أو حل لكنه لم يعثر على شيء.
لماذا لا يستطيع كل شخص أن يعثر على إجابته وحلوله بنفسه؟
لأن المرضى غالبا ما يكونون غارقين في المشكلة بشكل تام ويعجزون عن رؤية طريقة النجاة منها. كذلك قد يحاولون الاستعانة بأصدقائهم أو بأفراد العائلة لحل هذه المشكلات، ولكن غالبا ما يكون أصدقاؤهم وأفراد عائلتهم هم أيضا جزءا من المشكلة، وليسوا جزءا من الحل. لذلك لا يجد المريض سوى أن يذهب إلى المعالج النفسي.لأن موقع المعالج النفسي بعيد عن المشكلة الشخصية، بحيث تكون لديه القدرة على فهم أبعادها بشكل أكثر موضوعية، من أي شخص آخر مرتبط بالمريض، أو حتى من المريض نفسه. والمعالج النفسي هو من يساعد المريض على إنجاز وتحصيل هذا الإدراك الجديد، لأن الإدراك الجديد هو الخطوة الأولى للإقلاع عن العادة السلبية التي سيطرت على حياة الشخص.
إذن، كيف تساعد المريض على الإنجاز والوصول إلى حالة الإدراك الجديد؟
عن طريق طرح أسئلة على المريض والحصول منه على إجابات، ومحاولة تحسين هذه الإجابات في كل مرة لنصل إلى ما يريده تحديدا وما يقدر عليه. وكذلك عن طريق التنويم المغناطيسي. والتنويم المغناطيسي ليس حالة نوم أو حالة غيبوبة كما يظن الناس. لكن في حالة التنويم المغناطيسي يكون المريض واعيا بما يحدث له تمام الوعي. لكن كل ما هناك أنه يغلق عينيه ليتمكن من التركيز، وليس لينام أو ليفقد الوعي. فهذا اعتقاد خاطئ اكتسبه الناس من الأفلام السينمائية عن التنويم المغناطيسي.
وكيف تقوم بعملية التنويم المغناطيسي؟
يغلق المريض عينيه وأنا أطرح عليه أسئلة والهدف من إغلاق العين أن يتمكن من رؤية أشياء غير الواقع الحالي. فهو يغلق عينيه ليتذكر حياته السابقة وكأنها شريط صور وأحداث تمر أمام عينيه. وأنا أستمر في طرح أسئلة عليه حتى يصل إلى النقطة التي عندها المشكلة وتبدأ الأمور تتضح لديه عن جذور وأسباب المشكلة.
ودعيني أشرح لك طريقة التنويم المغناطيسي بالمثال التالي، تصوري أنك تكتبين فكرة ما على ورقة، ولكن بينما أنت تقومين بالكتابة جاء شخص ووقف إلى جانبك وظل يحدثك. أنت تعرفين أنه موجود ولكنك تركزين على الكتابة، وفي نفس الوقت أنت تسمعين ما يقول لكنك لا تلقين إليه بالا ولا تلتفتين إليه، حتى تنتهي من عملية الكتابة تماما، وعندها تلتفتين له، وقد تسألين ماذا كنت تقول؟ تلك بالضبط حالة التنويم المغناطيسي. فأنت تركزين على المهمة التي أمامك وتقطعين صلتك بالأحداث الخارجية الأخرى التي تقاطع تركيزك، ولكنك تكونين واعية بأنها موجودة، ولكنك تؤجلين التعامل معها، حتى تنتهي من الكتابة. وهذا هو ما يحدث في عملية التنويم المغناطيسي.
جينات ومشكلات
هل تؤمن بأن هناك علاقة بين جينات الشخص ومشكلاته وعاداته السيئة مثل التدخين والسمنة وغيرها؟
هذا سؤال مهم. صحيح أن هناك نوعا من العلاقة في بعض الحالات بين جينات الأفراد ومشكلاتهم وخاصة في حالة السمنة، حيث يكون هناك من يولدون أصلا وهم يعانون من زيادة الحجم من البداية وكذلك يكون لديهم في العائلة حالات سمنة كثيرة. لكن الجينات لا تحدد كل شيء في الحياة. بل من الممكن للذهن أن يغير هذا الوضع. وأنا مؤمن بأن هذا ممكن أن يحدث وقد أنجزته مع عدد من المرضى، حيث تمكنوا من تغيير أسلوب حياتهم. ولا أعني أنهم تحولوا من وزن مفرط إلى ذوي وزن ضئيل.
لكن على الأقل استطاعوا أن يتناولوا أغذية صحية أكثر، ويعيشون حياة أفضل، وهو ما يؤدي إلى تغيير الجينات في الأجيال القادمة بشكل كبير. إذن فمسألة الجينات لها أبعاد محددة، لكنها لا تغني عن العلاج النفسي تحت دعوى أنه مادامت الجينات على هذا الشكل فلا أمل في العلاج.
هل تظن أن هناك علاقة بين التدخين وجينات الشخص؟
لا. لا توجد علاقة بين الجينات والتدخين تحديدا. فالتدخين عادة، وإدمان، وليست بسبب الجينات.
لكن ربما هناك علاقة بين الجينات وحالة السمنة وزيادة الوزن. لكن حتى في هذه الحالات، فهناك إمكانية للتأثير في أسلوب تناول الأغذية، وهذا يعطي نتائج إيجابية جدا.
لكن أظن من الصعب تحديد الدور الذي تلعبه الجينات في المسألة. فأغلب الناس يولدون بأوزان عادية، ولكن أسلوب حياتهم وسط العائلة يجعلهم يأكلون بشكل شره، ويتناولون أنواعا محددة من الأغذية التي تجعلهم بالتدريج يتحولون إلى زائدي الوزن، حتى لو لم تكن لديهم مشكلة في الجينات. إذن فالدور الذي تلعبه الجينات غير محدد في كل حالة ومن الخطأ نسب كل المشكلات إليه.
في حالة التدخين هناك ما يشبه الإدمان. حيث تحدث اعتمادية نفسية واعتمادية جسمانية. الاعتمادية النفسية هي اقتران التدخين وإشعال السيجارة بحالات نفسية معينة مثل التوتر والرغبة في التركيز. أما الاعتمادية الجسمانية فهي أن الجسم نفسه في جزء من الدماغ أصبح لديه اعتمادية على الحصول على النيكوتين في أوقات محددة وبعد فترات محددة. وهكذا يحدث ارتباط بين الذهن والجسم في عملية إدمان التدخين. وهنا يصبح التدخين نوعا من الحل السريع الذي يعتاد عليه الجسم ويتعلم التعود عليه. ويقاوم تغييره لأنه أصبح عادة راسخة ومستقرة.
حالات السمنة
ما تقييمك لحالات السمنة في الكويت ولبنان؟
أنا أصادف في الكويت أعلى مستويات لزيادة الوزن والسمنة، وربما تعد الكويت أعلى بلد في الشرق الأوسط في مشكلة السمنة. كذلك هناك مستويات مرتفعة جدا من التدخين في الشرق الأوسط بشكل عام، وهي أعلى من المستويات العالمية بكثير.
هل هناك اختلاف في العلاج بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالإقلاع عن العادات السلبية؟ وهل تظن مثلا أن الرجل أكثر قدرة من المرأة على الإقلاع عن العادات السيئة أم العكس؟
هذا الأمر يتوقف على الشخص نفسه ولا علاقة له بجنس المريض. بل يتوقف على شخصية المريض.
وعلى رغبته في العلاج. فهناك نساء أقوى عزيمة من الرجال والعكس صحيح.
ما نسبة النجاح للعلاج النفسي والسلوكي الذي تقوم به مقارنة بأساليب العلاج الطبية الأخرى؟
ان ما يميز العلاج النفسي الذي أقوم به أنه علاج بسيط، على العكس من العلاجات التي تستدعي جراحات أو أخذ جرعات كبيرة من الأدوية والعقاقير. ولذلك فنسبة نجاحها كبيرة لأن مشكلاتها وآثارها الجانبية أقل ضررا بكثير من الأساليب الأخرى في العلاج.
من المعروف أن المدرسة النفسية الأميركية معنية بالمشكلات السلوكية الخارجية، والأوروبية والفرنسية معنية بالمشكلات النفسية الداخلية. فما المدرسة النفسية التي تنتمي إليها؟
لدينا في بريطانيا ما يشبه الجمع بين مختلف المدارس. فنحن في بريطانيا أقرب إلى أن نكون جسرا بين المدارس الأوروبية والمدارس الأميركية في علم النفس. وهذا يتيح لنا في بريطانيا الجمع بين فوائد المدرستين معا، ويجعلنا في وضع لا يقتصر على مدرسة دون غيرها.
د.ألفورد متخصص في علم العلاج بالتنويم المغناطيسي الإكلينيكي
سألنا د.ألفورد: هل يمكنك أن تعطينا لمحة عن سيرتك الذاتية، ودراستك الأكاديمية والطبية؟
أعمل معالجا نفسيا إكلينيكيا، وحاصل على الدكتوراه في العلاج النفسي الإكلينيكي، وتخصصي تحديدا هو علم النفس الإدراكي السلوكي، ودرست تخصصا في علم العلاج بالتنويم المغناطيسي الإكلينيكي، وأعمل في لبنان منذ سبع سنوات تقريبا ولدينا هناك عيادة متخصصة في هذا النوع من العلاج النفسي السلوكي الإدراكي.
وأين درست وتدربت على العلاج النفسي؟
حصلت على شهاداتي العلمية في المملكة المتحدة، وتدربت هنا على التنويم المغناطيسي، ولكني بعد ذلك تفرغت للعمل في لبنان حيث أنشأنا مركزا صحيا متخصصا في العلاج النفسي السلوكي الإدراكي، وكذلك أعمل في الكويت، حيث أحضر بشكل دوري كل أسبوعين، وأمكث لمدة 3 أيام قبل أن أعود إلى لبنان مرة أخرى، حيث لدى حالات في لبنان لابد أن أذهب لمتابعتها وعلاجها. كما لدي حالات في الكويت لها توقيتات محددة للعلاج أيضا.
وما تخصصك في مجال العلاج؟
أنا أعالج مجموعة واسعة من المشكلات التي يعاني منها الناس، بشرط أن تكون لها أبعاد نفسية. فهناك، مثلا، مشكلة زيادة الوزن أي السمنة، وكذلك قلة الوزن التي تعد مشكلة لدى فئة كبيرة، فهذه المشكلات لها بعد نفسي. كذلك أعالج مشكلة التدخين من خلال التركيز على البعد النفسي فيها. هناك أيضا أمراض الخوف والفوبيا والتوتر والاكتئاب والبوليميا.
وما انطباعك عن العلاج النفسي في البلدان العربية؟ وهل يختلف في التعاطي معه عن الغرب؟
عندما يتعلق الأمر بالعلاج النفسي الإدراكي والسلوكي، فهناك خصوصية محددة في هذه المسألة في الشرق الأوسط. فهناك سوء فهم لدى الناس في أغلب الشرق الأوسط. حيث يتوجس الناس من مجال علم النفس وكأنهم يخشون المجيء والتحدث مع متخصص في علم النفس، لأنهم يرون أن هذه مسألة غير معهودة ولذلك يحجمون عنها.