- د.عيدي: أحياناً يصرّ الطبيب على أن يعالج نفسه بنفسه وينجح.. خصوصاً عندما يجد رأيه هو الصحيح
- د.علي: أذهب إلى زميل ولا أتدخل في عمله ولا أقترح عليه عمل أي فحوصات.. وأكون مجرد مريض
- د.قناوي: عندما أمرض أذهب إلى طبيب آخر أثق به ومن خلال عملي أشعر بمهارة الزميل الآخر
- د.أنور: ألجأ لطبيب آخر يتعامل معي كمريض وليس كطبيب.. ويسألني كما يسأل أي مريض آخر
- د.المغربي: الطبيب أكثر الأشخاص تعرضاً للمرض والعدوى ولذلك يلتزم بالوقاية وعند المرض يذهب إلى صاحب الاختصاص
زينب أبو سيدو
يعتقد كثير من الناس أن الطبيب محصن ضد المرض، لأنه الأكثر دراية بأسبابه وسبل انتقاله، وبالتالي الأكثر قدرة على الوقاية وأخذ الحيطة والحذر، لكن الاطباء الذين التقينا بهم أكدوا عكس ذلك وان الطبيب اكثر عرضة للمرض من أي فرد آخر بسبب مخالطته المرضى، وبالتالي فهو معرض أكثر من غيره للعدوى وسواها. وثمة سؤال يلح على الكثيرين وهو كيف يعالج الطبيب؟ هل يذهب إلى طبيب آخر أم يعالج نفسه بنفسه؟ أو بمعنى أدق: الطبيب من يداويه؟ و«الأنباء» حملت هذا السؤال وتوجهت به إلى عدد من الأطباء في تخصصات مختلفة، واستمعت إلى آرائهم، وغالبيتهم أكدوا أن الطبيب ما ان يمرض حتى يتحول إلى مجرد مريض لا يختلف كثيرا عن اي مريض آخر ويتوجه إلى طبيب زميل، ويستلقي على طاولته كأي مريض ليروي قصته المرضية ويشكو من آلامه ويجيب عن اسئلة طبيبه ليداويه وإن كان الفرق بين المريض العادي والمريض الطبيب، انه اكثر معرفة وإدراكا لمهارات الطبيب المعالج نتيجة خبرته، وهنا لا يسلم الطبيب المريض نفسه إلى طبيب آخر بسهولة ما لم يكن يعرف تماما ويستشعر خبرة هذا الطبيب المعالج وغير ذلك، كما هو الحال مع الناس كافة. بعض الاطباء اكدوا ان الطبيب قد يختار ان يعالج نفسه بنفسه وهذه الحالة حين تختلف الآراء الطبية ويتشبث الطبيب المريض برأيه، استنادا الى خبرته الخاصة، والامثلة كثيرة عن اطباء اصروا على معالجة انفسهم بأنفسهم ونجحوا رغم ندرة هذه الحالات، وعموما اكد جميع الاطباء الذين التقيناهم ان الطبيب حين يمرض بمرض خارج اختصاصه لابد أن يذهب إلى طبيب آخر ويترك له قيادة مشوار العلاج، وهناك أمراض تحتم وجود الطبيب الآخر، وخصوصا الأمراض النفسية والعقلية التي يعتمد علاجها على روابط الثقة بين المريض وطبيبه، كما يعتمد على الحوار والتوجيه، وتجريب اكثر من خيار للوصول الى ما يناسب الشخصية المريضة. وهناك لابد ان يتحول الطبيب المريض الى مجرد مريض لا اكثر ولا أقل وأن يمتثل لكل نصائح وأوامر الطبيب المعالج، ومتطلبات العلاج.
في البداية التقينا د.حسن أنور طبيب مختص في طب الاطفال وسألناه فقال: الطبيب عندما يعالج المريض يطلب من الله ان يلهمه الطريقة الصحيحة للعلاج، فكل منا يحتاج الى مساعدة الآخر، الطبيب إذا كان مرضه في تخصصه فسيعرف علاج نفسه ولو كان مرضه في غير تخصصه فسيلجأ بالتأكيد الى طبيب متخصص وان كان الطبيب زميله.
لدينا قاعدة في الطب وهي مصارحة المريض بمرضه، فالطبيب شخص يسعى على قدر ما أوتي من علم أو خبرة الى ان يفيد المريض سواء كان المريض طبيبا او يعمل بمهنة اخرى، هنا المصارحة عامل اساسي ومهم جدا في العلاج ويتعامل الطبيب مع الطبيب الآخر كمريض ويسأله عن تاريخ المرض وأعراضه. أي طبيب لديه حد ادنى من المعلومات الطبية في معظم الحالات فغالبا لا تكون الامور غائبة عنه، وهو مهيأ لتقبل الأمور وهو كأي إنسان يمكن ان يجزع إذا كان هناك ما يسيء ويتقبله بعد ذلك، وعلى درجة إيمانه يرضخ لارادة الله، والله لا يختار ما يسيء للإنسان بصفة عامة.
مجرد مريض
د.أحمد علي استشاري جراحة التجميل: الطبيب في النهاية هو إنسان عادي، وكلنا يصيبنا المرض في اوقات مختلفة، وأنا شخصيا عندما تصيبني وعكة صحية أذهب إلى أحد زملائي المتخصصين في المرض واخضع له كإنسان عادي لا يعرف اي شيء عن الطب وأعرض عليه أعراض شكواي بطريقة بسيطة جدا ولا أتدخل في عمله ولا اتبرع بالاقتراح عليه بعمل فحوصات ما، انا احب ان امتثل للطبيب كشخص عادي، وأطيع تعليماته جيدا.
أستخدم مهاراتي
د.حسن عيدي استشاري نفسي وتربوي: الدكتور كأي إنسان إذا مرض يحتاج إلى العلاج بواسطة المتخصص ليتوصل إلى الشفاء من الحالات النفسية كالقلق والتوتر والخوف، يحاول الدكتور المصاب ان يستذكر بنفسه بعض العلاجات العملية للتخلص من حالته المرضية، والتي عادة يستخدمها ويقدمها لمرضاه.
وهنا يكون استخدام التنويم فعالا وأقرب الى نفسية ومنطق الدكتور المصاب لكن إذا ما أصيب بأحد الأمراض العقلية فحتما سيلجأ الى المتخصصين في هذا المرض ويتم علاجه بكل الوسائل العلاجية المتاحة والتي عادة تستخدم في مثل حالته، وضرب د.عيدي مثالا بدكتور كان يشعر بأنه سيصاب بمرض، وكان كبيرا في السن فأوصى تلامذته باستخدام العلاج بالكهرباء، إذا اشتدت حالته، ولكن اثناء علاجه أبى تلامذته أن يعالجوه بالكهرباء لمكانته العلمية كأب ومعلم، ولكن عندما اشتدت حالته كثيرا ودار بينهم نقاش تذكروا وصيته فقدموا له العلاج بالكهرباء واستطاعوا بعد فترة طويلة من العلاج ان يعيدوه إلى حالته الطبيعية، وتم شفاؤه، وكان هناك رأيان علميان احدهما يؤيد استخدام الكهرباء في العلاج والرأي الآخر لا يؤيد استخدامها.
وضرب د.عيدي مثلا آخر بدكتور أصيب بنوع من الشلل، وخلال الفحوصات والتحاليل الطبية والاستشارات قرر كثير من الاطباء علاجه بطرق شتى، لكن هذا الدكتور تنبه لنفسه وأدار تفكيره بنفسه مع نفسه واخيرا قرر رفض اي علاج من الآخر إلا علاجا واحدا هو ان يعالج نفسه بنفسه ومن خلال نفسه والعلم والخبرة التي اكتسبها والتصميم والتحدي بدأ يعالج نفسه وكان صبورا جدا واستخدم جلسات التنويم وكان يشعر بأنه قوي ولم يستسلم ومضى في هذا النهج وأخذ وقتا ليس قصيرا، وانقذ نفسه وبدأ يشفى واصبح في صحة تامة.
الأكثر عرضة للمرض
د.عماد المغربي طبيب اسنان: ينظر الكثير من الناس للطبيب على أنه شخص من الصعب مهاجمته من قبل أي مرض كان، لأنه ببساطة يملك سر هذه الأمراض ومفاتيحها كما أنه القادر على اختراقها وقتما شاء، وكيفما شاء، بل وإيقاعها في شر أعمالها إن تطاولت وهددت من يملك جميع الأسلحة التي من الممكن تصفيتها وقتلها.
إلا ان الواقع يشير الى عكس ذلك تماما فالطبيب هو من اكثر الاشخاص المعرضين للاصابة بالامراض وانتقال العدوى، نتيجة مخالطته المباشرة للمرضى.
ونظرا لذلك فإن الطبيب يقوم بإجراء كل التدابير التي من شأنها الوقاية من الاصابة بالأمراض المعدية، على سبيل المثال لا الحصر ارتداء القفازات الطبية وواقي الفم والانف، (الماسك)، بالاضافة الى واقي الوجه الكامل «الفيس شيلد» المستعمل لنا كأطباء أسنان.
في حالة اصابة الطبيب بمرض من يداويه؟
هناك شقان للاجابة عن هذا السؤال، ان كان المرض يندرج ضمن اختصاص الطبيب أو كان مرضا من غير اختصاصه، فأنا كطبيب اسنان عند اصابتي بأي مرض غير الأسنان اتوجه إلى الطبيب ذي الخبرة في المجال، حتى ان كان سبب المرض واضحا بالنسبة، لي اما ان كان المرض ألما في الضرس مثلا اي بمجال تخصصي وعملي فأقوم بالتوجه إلى زميل لي قد شاهدت عمله من قبل، واثق بأمانته واخلاصه بالعمل ومهارته، ولا يجوز بأي حال من الاحوال معالجة نفسي بيدي ان كان الامر يحتاج الى حفر وحشو... إلخ.
أشعر بمهارة زميلي
د.جعفر قناوي استشاري النساء والتوليد والعقم: عندما امرض فإنني اتحول من طبيب الى مريض واذهب الى طبيب اثق به وعلى حسب الحالة الموجودة اذا كان علاجها ادوية او جراحة ألجأ إلى دكتور مصدر ثقة، احيانا يكون صديقا فالدكتور يشعر بمهارة الزميل.
اذا كان مرضا في مجال تخصصي فأعالج نفسي، اما اذا كان الأمر يقتضي جراحة كفتح بطن او غيره الجأ الى طبيب واذا كان شيئا سطحيا بالجلد فأزيله بنفسي.
من يوميات طبيب
دخلت عيادتي، وأشعلت مصابيح الغرفة دخل المريض الأول: يا دكتور أشعر بصداع وتقلب في المزاج ورغبة شديدة في البكاء، أصبحت أكره حياتي. أخرجت ورقة وكتبت عليها «دواء أقراص، وآخر شراب لإزالة الاكتئاب وموعد الزيارة بعد أسبوع».
بعدها جاء مريض أخر ومددت يدي مرة أخرى وكتبت على الورق «دواء اقراص وآخر شراب لإزالة الاكتئاب موعد الزيارة بعد أسبوع» سلمته إياها.
خرجت مهرولاً من غرفتي الى غرفه زميلي جمال، الطبيب النفسي:
دكتور جمال أعاني من صداع وتقلب في المزاج ورغبة شديدة في البكاء وكره للحياة.
أخرج ورقة وكتب عليها «دواء اقراص وآخر شراب لإزالة الاكتئاب موعد الزيارة بعد أسبوع».
وسلمني إياها وهو يقول:
«دكتور حسان كل في حاجة الآخر، ولا احد يستغني عن الآخرين، فسبحان الواحد الصمد الذي يلجأ إليه الناس في حاجاتهم فيعطيهم وهو غني عنهم».