مؤمن المصري
قضت المحكمة الدستورية امس برئاسة المستشار يوسف غنام الرشيد وعضوية المستشارين فيصل المرشد وراشد الشراح وخالد سالم وصالح الحريتي وامانة سر مبارك الشمالي بعدم دستورية ما تضمنته المادة 14 من المرسوم بنظام الخدمة المدنية الصادر في 4/4/1979 قبل تعديلها بموجب المرسوم رقم 235 لسنة 2005 من قصر الالتزام بتقديم تقرير الكفاءة عن الموظف الذي يرى الرئيس المباشر له انه ممتاز او ضعيف دون الموظف الحاصل على غير هاتين المرتبتين.
كما قضت المحكمة بسقوط الفقرة الثانية من ذات المادة التي يجري نصها على انه «ويعتبر جيدا من لم يقدم عنه تقرير وفقا للفقرة السابقة» لارتباطها ارتباط لزوم لا انفصام فيه.
وفيما يلي حيثيات حكم المحكمة:
حيث ان حاصل الوقائع ـ حسبما يبين من حكم الاحالة وسائر الاوراق ـ ان الطاعنة اقامت على المطعون ضدها الدعوى رقم 605 لسنة 2006 اداري 6 بطلب الحكم بالغاء القرار المطعون فيه رقم 41 لسنة 2006 فيما تضمنه من تخطيها في الترقية للدرجة الاولى (ب)، مع ما يترتب على ذلك من آثار اخصها احقيتها في الترقية الى هذه الدرجة اعتبارا من تاريخ صدور القرار، واستحقاقها للعلاوات والمكافآت والفروق المالية المترتبة على الترقية والمزايا الوظيفية.
واثناء نظر الدعوى امام المحكمة عدلت الطاعنة طلباتها باضافة طلب الى طلباتها سالفة البيان هو طلب الحكم بالغاء قراري تقدير كفايتها بتقدير (جيد) حكما عن عامي 2004 و2005 مع ما يترتب على ذلك من آثار، اخصها احقيتها في تقدير كفايتها بمرتبة (ممتاز) وبجلسة 25/3/2008 حكمت المحكمة بعدم قبول طلب الغاء قراري تقدير كفايتها لالتقاء القرار الاداري، وبقبول طلب الغاء قرار تخطيها في الترقية للدرجة الاولى (ب) شكلا، وفي الموضوع برفضه، استأنفت الطاعنة الحكم بالاستئناف رقم 299 لسنة 2008 اداري 2، طالبة بصفة اصلية الغاء الحكم المستأنف والحكم بطلباتها، ودفعت بصفة احتياطية بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 14 من المرسوم بنظام الخدمة المدنية الصادر في 4/4/1979، وذلك فيما تضمنته من النص على ان الموظف الذي لم يقدم عنه تقرير يعتبر انه قد حصل على تقدير جيد، وبجلسة 23/2/2009 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلا، ورفضه موضوعا، وتأييد الحكم المستأنف.
طعنت الطاعنة في قضاء ذلك الحكم في شقه المتعلق بعدم جدية الدفع بعدم الدستورية امام لجنة فحص الطعون بالمحكمة الدستورية، التي قضت بجلسة 18/1/2010 بعد ان خلصت الى جدية الدفع بعدم الدستورية بالغاء الحكم المطعون فيه وذلك فيما تضمنه من رفض هذا الدفع، وباحالة النزاع الى المحكمة الدستورية بكامل هيئتها للفصل فيه، وحددت جلسة لنظره، وقد جرى قيد الدعوى في سجل المحكمة الدستورية برقم 6 لسنة 2010 دستوري، وتم اخطار الخصوم بالجلسة المحددة لنظرها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الاوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
حيث ان ادارة الفتوى والتشريع دفعت بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، وذلك على سند من القول بأن المصلحة التي اشار اليها حكم الاحالة الصادر من لجنة فحص الطعون هي المصلحة في الطعن على الحكم الصادر من محكمة الموضوع بعدم الجدية، وليست المصلحة المرتبطة بمدى كون النص المطعون بعدم دستوريته لازما للفصل في النزاع الموضوعي، وهو شرط لا غنى عنه لقبول الدعوى الدستورية.
وحيث ان هذا الدفع مردود، ذلك ان المناط في تقرير جدية الدفع بعدم الدستورية ـ على نحو ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ هو باجتماع امرين لازمين اولهما: ان يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في النزاع الموضوعي، وثانيهما: ان تقوم شبهة ظاهرة على مخالفة النص المطعون فيه للدستور.
لما كان ذلك، وكانت لجنة فحص الطعون قد سبق لها ان قضت بجدية الدفع بعدم الدستورية، وبالغاء الحكم المطعون فيه وذلك فيما تضمنه من رفض هذا الدفع، منطويا حكمها في هذا الشأن على قضاء ضمني بلزوم الفصل في المسألة الدستورية للفصل في النزاع الموضوعي، فضلا عن ان الحكم قد اشار بمدوناته الى انه وان كان النص المطعون فيه والذي يحكم واقعة النزاع الموضوعي قد جرى تعديله حيث استبدل بنص المادة 14 بكاملها نص آخر بموجب المرسوم رقم 235 لسنة 2005 بتعديل بعض احكام المرسوم الصادر في شأن الخدمة المدنية، الا ان ذلك لا يحول دون النظر والفصل في الطعن بعدم دستوريته، باعتبار ان النص قبل تعديله قد طبق على الطاعنة، ولازالت آثاره القانونية قائمة في شأنها، وان التعديل الذي طرأ عليه لا يرتد الى الماضي، وبالتالي فلا مجال للحديث ـ من بعد ـ عن مدى توفر المصلحة في الدعوى، لاسيما انه لم يجد بعد صدور الحكم من الأمور الواقعية ما يستفاد منها بزوال تلك المصلحة، الأمر الذي يغدو معه الدفع المبدئي من ادارة الفتوى والتشريع في هذا الشأن حريا بالالتفات عنه.
وحيث ان اجراءات الاحالة قد استوفت اوضاعها المقررة قانونا.
وحيث ان المادة (14) من المرسوم بنظام الخدمة المدنية الصادر في 4/4/1979 ـ قبل تعديلها بموجب المرسوم رقم (235) لسنة 2005 الصادر في 6/9/2005 ـ تنص على انه «على الرئيس المباشر تقييم كفاءة الموظفين الذين يرأسهم ـ وذلك فيما عدا الوظائف القيادية ـ مرة على الأقل في السنة وان يقدم تقريرا عن الموظف الذي يرى انه ممتاز او ضعيف وأسباب الامتياز او الضعف، ثم يعرضه على من يليه في المسؤولية لإبداء رأيه وملاحظاته وارساله الى وحدة شؤون الموظفين خلال سبعة ايام من عرضه عليه. ويعتبر جيدا من لم يقدم عنه تقرير وفقا للفقرة السابقة».
وحيث ان حاصل النعي على نص هذه المادة ـ حسبما يبين من حكم الإحالة ـ ان هذا النص قد خرج عن مقتضيات العدل والمساواة وأخل بمبدأ تكافؤ الفرص، فأقام تفرقة في مجال تقييم الكفاءة بين الموظفين المخاطبين بأحكامه الذين يستظلهم مركز قانوني واحد، تناهض بمضمونها الأسس الموضوعية التي ينبغي ان يمارس العمل في نطاقها، وتناقض بآثارها ضرورات أداء العمل وموجباته وتنفصل عن متطلبات ممارسته بالمخالفة للمواد (7) و(8) و(29) من الدستور.
وحيث ان هذا النعي ـ في جملته ـ سديد، ذلك انه من المقرر ـ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ ان الدستور الكويتي قد حرص على تأكيد مبدأ المساواة في عدد من نصوصه باعتباره ركيزة أساسية للحقوق والحريات جميعا، ودعامة من دعامات المجتمع وميزانا للعدل والإنصاف، فنص عليه صراحة في المادة (29) منه التي قضت بأن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصول أو الدين»، وهو النص المتمم لنص المادة (7) من الدستور الذي يقضي بأن «العدل والحرية والمساواة من دعامات المجتمع»، ولنص المادة (8) الذي يقضي بأن «تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين»، دالا الدستور على انه قصد بذلك ان يحيا المواطن في الدولة حياة ملؤها الأمن والطمأنينة، وينعم فيها مع باقي المواطنين بالمساواة في الحقوق والواجبات، في اطار روابط قائمة على عدالة اجتماعية شاملة، قوامها تكافؤ الفرص امام الجميع. ومن المسلم به ان المساواة تعني في جوهرها التسوية في المعاملة بين المتماثلين وضعا او مركزا، والمغايرة في المعاملة بين المختلفين وضعا او مركزا، والمقصود بمبدأ المساواة لدى القانون هو ان يكون الجميع امام القانون سواء، لا تفرقة بينهم او تمييز فالحقوق التي يمنحها القانون وينعم بها الناس يستظلون بها وفق قواعد موحدة وتحظى من القانون بحماية واحدة وبدرجة متساوية، والواجبات التي يفرضها القانون على الناس يخضع لها الجميع على السواء دون تفرقة بينهم، كما ان المساواة في مجال الوظيفة العامة تعني ان يتساوى الجميع فيما يتعلق بشروط الخدمة فيها واوضاعها، وفقا لمقاييس موحدة لدى توافرها، وان يعامل الموظفون ذات المعاملة من حيث الحقوق والواجبات المقررة للوظيفة وفق قواعد موحدة. لما كان ذلك، وكان البين من استعراض احكام المرسوم بنظام الخدمة المدنية الصادر بموجب التفويض التشريعي إعمالا لنص المادة (1) من قانون الخدمة المدنية رقم (15) لسنة 1979، ان هذا المرسوم قد أخضع الموظفين المخاطبين بأحكامه ـ فيما عدا شاغلي الوظائف القيادية ـ لنظام تقييم الكفاءة، وهو نظام يقوم في الأساس على قياس اداء الموظف بصفة دورية خلال فترة معينة، استظهارا لكفاءته واجتهاده وانجازاته، ومدى التزامه بواجبات وظيفته واضطلاعه بأعبائها، وما عسى ان يتكشف من نواحي القصور في عمله، وفق عناصر يجرى تقريرها تبعا لاصطلاحات معينة تتضمن تبيانا دقيقا لها، يتم ادراجها في التقرير المعد لتقدير الكفاءة، بحيث يتم على اساسها تقدير الدرجة التي يستحقها الموظف عن كل عنصر منها، بلوغا الى تحديد مستوى ادائه عن عمله خلال تلك الفترة، باعتبار ان اداء العمل هو المعيارالذي يؤخذ به لتقييم الكفاءة، وإيجاد التعادل بين الموظفين والتحقق من مدى توفر عناصر الكفاءة في حقهم، وإجراء التقدير المتوازن لعوامل الجدارة وعناصر التمايز في شأنهم، ليكون ذلك مدخلا للمفاضلة بينهم عند الترقية الى ما يعلوها من وظائف، وفض التزاحم فيما بينهم عليها عند النظر في شغلها بالاختيار، حتى لا يلي شؤونها إلا من هم قادرون حقا على تصريفها، وفقا لترتيبهم بحسب الجدارة التي بلغها كل منهم من ذي قبل، محددا هذا النظام الإجراءات التي تتبع في تقييم الكفاءة ووضع التقرير وتقديمه واعتماده وفق مراحل متعددة حتى يستكمل شكله القانوني الصحيح، مستهدفا من تطلب مرور التقرير بكل مراحله، التخفيف من وطأة التحيز والتحكم، والبعد عن نوازع الهوى والغرض، حتى يضمن الموظف عدم غمط حقه، ونيل حظه في الترقية عند حلول موعدها، والحكمة في ذلك ظاهرة، فتوقيع الرئيس المباشر على تقرير الكفاءة يتيح له الفرصة لإبداء رأيه بحرية، وعرضه على من يعلوه في المسؤولية واجب، لأنه الرئيس المسؤول عن العمل لكي يشعر الرئيس المباشر بأن هناك رقابة على أعماله، فيضطر الى مراعاة الدقة والنزاهة، والتجرد وان يحرص على تقرير الحقيقة فيما يكتب، كما ان عرض تقرير الموظف على لجنة شؤون الموظفين لاعتماده إجراء جوهريا، فهي بحكم تشكيلها ووسائلها أوفر إحاطة بشؤون الموظفين وأكثر خبرة، وأدق وزنا وحكما، ولا غرو في ان المراحل التي يمر بها التقرير تمثل في حد ذاتها ضمانات لا غنى عن لزوم أعمالها واتباعها حتى يأخذ كل ذي حق حقه، ويطمئن كل موظف على مستقبله الوظيفي ومصيره، تحقيقا للعدالة التي لا تستقيم موجباتها إلا بتوفير هذه الضمانات له حتى تتحقق لنظام تقييم الكفاءة أهدافه ومراميه، فيرتفع مستوى الأداء في العمل، وتنمو الكفاءات، ويعود ذلك على المصلحة العامة بالفائدة.
ومتى كان ذلك، وكان الحاصل ان النص المطعون فيه قد أوجب على الرئيس المباشر تقييم كفاءة الموظفين ـ الذين يرأسهم ـ مرة على الأقل في السنة، وان يقدم تقريرا عن الموظف الذي يرى فيه انه ممتاز او ضعيف، وان يضمن هذا التقرير الأسباب التي خلص فيها الى تقدير كفاءة الموظف سواء بالامتياز او الضعف، ثم يعرضه على من يعلوه في المسؤولية ليقوم بدوره بإبداء رأيه وملاحظاته وإرساله الى وحدة شؤون الموظفين خلال أجل محدد من عرضه عليه، ثم اعتبر هذا النص الموظف الذي لم يقدم رئيسه المباشر تقريرا عنه انه قد حصل على تقدير (جيد)، دون ان يوجب على الرئيس المباشر ذكر أسبابه، تاركا له تقرير هذا الأمر دون قيد او ضابط ليكون ذلك راجعا لمطلق تقديره بغير معقب عليه في ذلك، على الرغم من كون الموظف على رأس عمله ولم يقم به مانع قانوني يحول بينه وبين وضع تقرير عنه، وإذ قصر الحكم الوارد بهذا النص الالتزام بتقديم تقرير الكفاءة عن الموظف الذي يرى رئيسه المباشر انه ممتاز او ضعيف دون الموظف الحاصل على غير هاتين المرتبتين، والذي كان يتحتم ان تمتد مظلة هذا الحكم إليه، فإن النص يكون بذلك قد جعل طائفة من الموظفين يستظلون بالضمانات التي وفرها لهم أحكام المرسوم في هذا الشأن، وجعل طائفة اخرى منهم يتجردون من الضمانات المقررة للموظفين الأولين، حال انهم جميعا يظلهم مركز قانوني واحد، ومن ثم فإن النص يكون بذلك قد أخل بمبدأ المساواة، لانطوائه على تمييز غير مبرر، فضلا عن إخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص بالمخالفة للمواد 7 و8 و29 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: أولا: بعدم دستورية ما تضمنته المادة 14 من المرسوم بنظام الخدمة المدنية الصادر في 4/4/1979 قبل تعديلها بموجب المرسوم رقم 235 لسنة 2005 من قصر الالتزام بتقديم تقرير الكفاءة عن الموظف الذي يرى الرئيس المباشر له بأنه ممتاز او ضعيف دون الموظف الحاصل على غير هاتين المرتبتين.
ثانيا: بسقوط الفترة الثانية من ذات المادة التي يجري نصها على انه (ويعتبر جيدا من لم يقدم عنه تقرير وفقا للفقرة السابقة)، لارتباطها ارتباط لزوم لا انفصام فيه.
واقرأ ايضاً:
أمن الدولة يطلب أسماء المحتجين على حفل «السريلانكية»
مواطنة تستعين بأشقائها لتأديب زوجها بـ 6 غرز
ضبط وافد عربي وصديقته في وضع مخل في سرداب جمعية
جمارك ميناء الدوحة يحبطون محاولة تهريب مواد تموينية إلى إيران
عسكري يفقد أعصابه ويضرب موظفة استقبال في «الطب النفسي»
توقيف سائق قبل بيعه آسيويتين لسمسار بنغالي مقابل 600 دينار
باكستاني يسقط بـ 600 غرام من الهيروين النقي ويعترف: أتلقى أوامر البيع والشراء من السجن المركزي
المقدم الروضان: الإدارة العامة للمرور بدأت تتشدد في اختبارات القيادة
4 مجهولين يسلبون باكستانياً في الشويخ بـ «الكلبشات»
إصابة مواطن وزوجته في حادث «رباعي» على «الرابع»