الإبعاد الإداري قاس جداً ولابد أن يعود الأمر إلى مظلـة القضـاء
مكاتب المحامين جزء أصيل من القطاع الخاص يجب الاعتناء به
لابـد للمحكمة الجنائيـة الدولية من الابتعاد عن التسييس ونفـوذ الـدول الكبـرى
محام مثير للجدل، امتهن المحاماة منذ عقدين من الزمن حقق خلالهما الكثير من النجاح في مهنته. ورغم ذلك تجده بسيطا متواضعا. هو عضو جمعية المحامين الكويتية ورئيس اتحاد مكاتب المحامين الكويتيين. آلى على نفسه أن يعمل بكل طاقته ليحقق المزيد من الامتيازات لزملاء المهنة. وصل الليل بالنهار في عمل دؤوب حتى تبوأ مكانة يحسده عليها الآخرون. إنه المحامي ناصر الهيفي الذي بدأ في ممارسة المهنة قبل الغزو العراقي الغاشم للكويت. حنكته بالحياة علمته ألا يحكم على الأمور بمجرد رؤيتها بل يجب التروي قبل الحكم عليها. يعتبر المحامي فارسا ولابد أن يتحلى بالأخلاق الرفيعة والشهامة. وإليكم تفاصيل اللقاء مع المحامي ناصر الهيفي.
أرجو تعريف القارئ بالمحامي ناصر الهيفي؟
ناصر حجي الهيفي رئيس اتحاد المحامين، خريج كلية الحقوق جامعة الكويت عام 1990 وهي سنة غير موفقة للأسف حيث وقع فيها الغزو العراقي الغاشم للكويت. وأنا عضو جمعية المحامين الكويتية رئيس اتحاد مكاتب المحامين وعضو اتحاد المحامين العرب. وأنا عضو في هيئات تحكيمية ومحكم معتمد في أكثر من جهة. وعضو اتحاد المحامين الدوليين.
تخرج ومعاناة
كيف كان مشوارك مع المحاماة منذ التخرج حتى الآن؟
لا أخفيك سرا أنني عندما تخرجت لم تكن رغبتي التوجه لمهنة المحاماة ولم أفكر فيها، فقد كان الهدف الحصول على ليسانس الحقوق وبعد التخرج لكل حادث حديث. وقد كان تخرجي في سنة الغزو فيصلا في العمل واختياراتي ومستقبلي ككل، فقد كان حالي وقتها حال كل الشباب الذين يفكرون في التوجه للنيابة والعمل بها، فقد تخرجت في يناير 1990 وقد ابلغت وقتها ان التقدم للنيابة بالنسبة لدفعتنا سيكون في أكتوبر 1990 بدلا من مايو. ولأنني بطبيعتي لا أعرف الاستكانة فقد توجهت إلى الأستاذ أحمد المناور، وهو من أقاربي المميزين، وطلبت منه أن أعمل لديه لأتعرف على المهنة من خلال مكتبه، فأخبرني بأنه مسافر وسيغيب شهرين عن الكويت وسيكون المكتب تحت أمري.
وسافر الرجل بالفعل وترك مكتبه لي. وكان الأستاذ أحمد المناور في ذلك الوقت لديه مكتبان أحدهما بالفروانية والآخر بالمرقاب. وخلال فترة الشهرين التي غابها عن الكويت كنت أتواجد بهذا المكتب ساعة وبذلك المكتب ساعة نتيجة لقلة الخبرة. فكلما اتصل بي أحد من هذا المكتب يقول لي هناك شغل معين أتوجه إليه وإذا اتصل أحد من المكتب الثاني أتوجه إليه وهكذا، وهذا ما حبب إلي مهنة المحاماة.
وقد وجدت متعة في العمل بالمهنة خلال هذه الفترة جعلتني أتوجه إليها بجدية وبحب لأنني وجدت فيها روحا ووجدت فيها علما. وكنت أيضا أحضر في النيابة العامة، وكنا نتقابل مع زملائنا في النيابة العامة في قضايا معينة وكنا نجلس معهم في مكاتبهم، مما كان له أثر كبير في تعلقي بمهنة المحاماة أكثر من تعلقي بالنيابة والقضاء.
وجاء الغزو في أغسطس وكان خروجنا من الكويت نقطة تحول في حياتي. فقد غير الغزو قناعات ومفاهيم كثيرة كما غير مجريات الأمور بالنسبة لنا. فقد كانت بداية الغزو صعبة علينا، حيث طلعت أنا من الكويت. وعندما تأجل موضوع القبول بالنيابة اتجهت إلى جمعية المحامين وسجلت بها وانتسبت لها وحصلت على كتاب انتساب للجمعية.
وكان أيامها القبول يتم عن طريق المحكمة من خلال لجنة مكونة من رئيس المحكمة ووكيل المحكمة، ولا أذكر عدد أعضاء اللجنة بالكامل، وخرجت من الكويت ولا أحمل معي سوى هذا الكتاب، أقصد الانتساب لجمعية المحامين، فلم يكن خروجنا من الكويت خروجا اختياريا بل كان خروجا دراماتيكيا إلى حد ما. وكان هذا الكتاب بمثابة تعريف بنفسي خارج الكويت، فقد كانت هذه الورقة هي مرافقي خلال رحلة المقاومة أثناء الغزو عندما تطوعت في المقاومة، حيث كان لي نشاط طيب في المقاومة.
وبعد التحرير تركت من ذهني أي تفكير في النيابة والقضاء وأصبح ارتباطي الكبير بالمحاماة. وقد عملت مع الأستاذ أحمد المناور لمدة شهرين بعد التحرير ثم فتحت مكتبي بعد ذلك بعد أن فتح لي الأستاذ المناور مكتبيه وأود أن أشكره من خلال «الأنباء» شكرا خاصا على هذه البادرة الطيبة التي فتحت لي أبواب المهنة على مصراعيها.
فروسية وشهامة وأخلاق
ماذا تعني لك مهنة المحاماة؟
المحاماة فروسية، وشهامة، وأخلاق.
حدثنا عن هموم المهنة وأبرز مشكلاتها؟
هموم المهنة كثيرة. وأبرز مشكلاتها عدم احترام الآخر وإساءة بعض المحامين لمهنتهم. فللأسف أغلب قطاعات المجتمع لا تفهم طبيعة مهنة المحاماة. وكل فكرتهم عن المحاماة أن المحامي لابد أن يكون بالمحكمة ويجب أن يترافع وأن يحضر الجلسات وأن يثبت في المحاضر وأن يكتب وما إلى ذلك. بينما المهنة فيها قطاعات أخرى كالاستشارات والوقاية والنصح للآخرين، وكما يقولون «الوقاية خير من العلاج»، وفيها التحكيم والتصالح وأمور أخرى كثيرة لا تصل إلى المحاكم.
ومن الأمور التي تؤكد عدم فهم المحاماة أن مهنة المحاماة فكرة وليست مجهودا يبذل كالعامل الذي يبني بنيانا حتى يشار إليه ويقال «فلان بنى هذا المكان». أو لوحة يشار إليها ويقال لقد رسمها الفنان فلان. إنما المحاماة فكرة وكلمة. فكرة يعبر عنها بالكلام والكلام مثل الهواء.
أما فيما يتعلق بأصحاب المهنة فهناك للأسف من يسيء إلى المهنة بتصرفات خاطئة بأن يتصرف أحيانا بطريقة قد تضيع مستقبله المهني.
مشكلات إدارية
ما أهم مشكلات التقاضي والمتقاضين؟
مشكلات المتقاضين كثيرة وكلها تتعلق بالقضاء. ونحن لا نتكلم عن هذه المشكلات بشكل علني ولكننا نتكلم فيها بشيء من الخصوصية مع الجسم القضائي. ولكن ما يمكن أن نتكلم فيه هو أن هناك مشكلات إدارية تتعلق بالتعقيب على القضايا نفسها. فهناك تسيب من الموظفين في بعض الإدارات. فهناك بطء في إجراءات التنفيذ. هناك بطء في الإجراءات الإدارية التي تسبق وتلحق إجراءات التقاضي.
ونأمل من المسؤولين والقائمين على مثل هذه الإدارات أن يقوموا بتعديل مثل هذه الأمور وتطوير العمل في هذه الإدارات حتى نحقق التقدم الذي نطمح إليه في العمل الإداري المتعلق بالقضايا وأن يأخذوا بعين الاعتبار الملاحظات التي تأتيهم سواء من الاتحادات أو المواطنين أنفسهم.
ما نوع القضايا التي تحب أن توكل إليك؟
تميز مكتبنا بالقضايا المدنية والتجارية، وهذه القضايا أتلذذ بها، فأنا أشعر بأن المدني والتجاري علم راسخ وأن كل نص من نصوصه يزن جبلا، أما القضايا الجنائية ففيها قناعات وفيها مجريات الأحداث والوقائع، فهذه الأمور لا تعطيك ما يعطيك إياه المدني والتجاري.
ما أهم قضية ترافعت فيها أو صادفتك؟
قضية قتل صارت فيها أحداث كثيرة. وكانت هذه القضية في بداية دخولي للمهنة، وكان دخولي في القضية متأخرا، أي ليس من بدايتها، فقد كانت القضية متداولة أمام محكمة أول درجة وانتهت فيها التحقيقات ووكلت كمدع بالحق المدني، وطلبت من القاضي أن يعطيني أجلا حتى أطلع على أوراق الدعوى ومحتوياتها وأتمكن من سداد الرسوم وإبداء دفاعي فيها، إلا أن القاضي لم يمهلني، وقد كنت مطلعا على القضية وقرأتها قبل المثول أمام القاضي، وكنت على قناعة بأن الشهود الذين حضروا تلك الجلسة للشهادة في صالح المتهم هم شركاء في الجريمة وليسوا شهودا.
وقد بدأ القاضي في التحقيق في القضية وقال لي: لو كنت جاهزا للمرافعة فلتترافع، وكانت هناك أحداث كثيرة في هذه الجلسة، لا أريد الخوض فيها علانية، ولكنها أحداث موثقة، وكان محامي المتهم يستجوب الشهود، وشعرت بأن الأسئلة مهذبة فبدأت أعترض على الأسئلة، ثم وجهت للشاهد أسئلة مستفزة حتى أخرج ما في قلبه، وبالفعل فوجئنا بالشاهد يبكي ولا يستطيع مواجهة الأسئلة.
وقد سجلت اعتراضي على أكثر من سؤال من أسئلة دفاع المتهم، وطلبنا أجلا للاطلاع والرد، وللأسف ايضا لم يستجب القاضي، مما اضطرني للأسف إلى طلب رد الهيئة، وتم وقف نظر الدعوى لمدة سنة تقريبا، وتناظرنا في موضوع القضاء والرد، وهذا في الواقع أعطاني فرصة للبحث والتحري في القضية.
فقمت بالاتصال على أطراف كانوا موجودين أثناء الواقعة وكانوا خارج البلاد في ذلك الحين، وبمجرد اتصالي بهم تم حل القضية، وللأسف هناك أمر يؤسف له في المجتمع، فعندما يكون القاتل من أبناء الذوات، تجد من يقول: «من المؤسف أن يقبع هذا الشخص وراء القضبان»، فقد كنت أتحسر على أن هناك في المجتمع من ينظر إلى الناس بهذا المنظار الطبقي وينظر نظرة دونية لمن هم من البسطاء، فالمقتول من البسطاء ولكن كانت لديه أسرة وأبناء وفقد أسرته وأبناءه وعمله وكل شيء، وهذا كله دفعني لأن أستمر في دفاعي عن المجني عليه، وقد بدأت المشاورات والمفاوضات عن التعويض المادي والأدبي المناسب في هذه القضية، وبفضل الله تمكنا من الحصول على تعويض نحو 240 ألف دينار، وكان هذا المبلغ في ذلك الوقت من التعويضات الكبيرة، ورغم ذلك حكم على المتهم بالحبس عشر سنوات مع الشغل والنفاذ وأيدت «الاستئناف» و«التمييز» الحكم.
خيط رفيع
هل يمكن أن تترافع عن متهم وأنت تعلم أنه مرتكب الجريمة؟
هو ليس دفاعا عن المتهم في هذه الحالة ولكن تطبيق القانون عليه التطبيق الأمثل، فتوكيلك للدفاع عن مثل هذا المتهم هو الحرص على تطبيق القانون بالشكل الصحيح، فقد يكون هناك اعتراف وقد يكون هناك فعل مرتكب مثل الدفاع عن الشرف، فإذا كان هناك دفاع عن الشرف فالفارق بين أن تكون جناية أو جنحة خيط رفيع جدا لا يستطيع تمييزه إلا المتخصص، فإذا كان المتهم في حالة دفاع عن الشرف ويترك بلا دفاع لمجرد أنه قاتل، فهذا ليس عدلا، فقد يحكم على مثل هذا الشخص بالإعدام، وقد يحصل على حكم مخفف بالامتناع عن النطق بالعقاب في حالة أن يكون القتل دفاعا شرعيا عن النفس أو دفاعا عن الشرف، وقس على هذا كثيرا من الأمور، فنحن لا ندافع عن متهم وإنما ندافع عن القانون لإعطاء كل ذي حق حقه.
«تأديب المحامين»
ما رأيك في قانون المحاماة الحالي؟
القانون الحالي كنصوص لا بأس به، ولكن مشكلتنا فيمن يدافع عن هذه النصوص، فالقصور ليس في النصوص وإنما القصور في الأشخاص، القصور في المطالبين، القصور في المدافعين عن هذه النصوص.
وطبقا للنصوص القانون يحمي أتعاب المحاماة، وقالت ان المحامي يتقاضى أتعابه وفقا للعقد المبرم بينه وبين موكله ولكن التطبيقات غير صحيحة ولا تطبق هذا النص، فأحيانا يترك هذا النص لنصوص أخرى على أساس أن هذا النص فيه قصور، بينما في الواقع هو ليس فيه قصور بل فيه وضوح تام في هذه المسألة.
وأتعاب المحاماة من وجهة نظري خط أحمر يجب احترامه، ونحن كاتحاد لمكاتب المحامين رسالتنا جزء أصيل من القطاع الخاص يجب الاعتناء به.
ونحن في الاتحاد ندرس هذه النصوص وفي طريقنا لمعالجتها عن قريب بإذن الله مع المسؤولين وأنا أملي كبير في أن تعود الأمور إلى نصابها، والمشكلة في الواقع مشكلة قضائية ونحن لا نستطيع الحديث عنها في وسائل الإعلام.
وكل قانون يحتاج إلى تنقيح وتطوير من وقت لآخر، وقانون المحاماة في حاجة فقط إلى هذا التنقيح. فقانون المحاماة لم يمنح الضمانات الكافية للمحامي، فمسألة «لجنة تأديب المحامين» مازالت كما هي مسماة «تأديب المحامين»، وكلمة «تأديب» كلمة غير مناسبة في حق المحامي، ونحن الآن أصبحنا اتحادا ونقابة فلم يعد من المناسب أن تتشكل مثل هذه اللجنة من القضاة بل نسعى لجعلها من المحامين حتى تكون محاسبة المحامين نابعة من المحامين أنفسهم، وأن تكون هناك إجراءات معينة وصارمة لردع أي محام يرتكب أي جريمة أو مخالفة قانونية.
وهناك بعض القصور في الأرضية السليمة لممارسة المهنة، فهناك بعض النصوص فيها قصور، ونحن نسعى إلى تطويرها وتنقيحها ولا نسعى إلى إلغائها أو تغييرها.
العيب في التطبيق
هل لديك تحفظات على قانون الأحوال الشخصية؟
أنا دائما أقول ان العيب ليس في النصوص وإنما في التطبيقات، فليس من المعقول مثلا أن يكون هناك مواطن يتقاضى معاشا قدره أربعمائة دينار أو أربعمائة وخمسين دينارا وتحكم عليه المحكمة بنفقة قدرها أربعمائة دينار، فهذا شيء غير معقول.
والشيء الآخر غير المعقول أن تؤخذ صحيفة الدعوى بالنسبة للنفقة على أنها شيء مسلم به من تاريخ رفع الدعوى، فالقانون يتيح للقاضي أن يبحث جيدا عن المخطئ بالفعل، كما أنه لابد أن يبحث جيدا عن إمكانيات الزوج كما أنه لا يجب أن يصادر على الزوج وحقه في الحياة وهذه كلها أمور هامة من سلبيات التطبيق أدت إلى كثرة الطلاق وتراكم المشكلات المالية على الأزواج.
ما عيوب قانون الإيجارات؟
هناك كثير من المثالب تدعو إلى الطعن بعدم الدستورية في بعض نصوص القانون خاصة فيما يتعلق بالإعلانات واللصق وغيرها من الأمور التي توصم القانون بعدم الدستورية فكلها عيوب ومثالب تتعارض مع حرية الأشخاص.
أول نقيب للمحامين
ما أساس فكرة إنشاء «اتحاد مكاتب المحامين»؟
أنا خضت انتخابات جمعية المحامين لتأصيل وتطبيق هذه الفكرة، وكان لدينا همان أساسيان: المقر والنقابة، وبالفعل عندما صارت لنا الأغلبية في مجلس الإدارة حققنا المقر، ولكن موضوع السنتين لم يمكننا من الوصول إلى موضوع النقابة، كما أن فترة السنتين لم تعطنا للأسف، بسبب كثرة الأعمال والإنجازات التي حققناها للمحامين، فرصة للنظر إلى الجانب الانتخابي والحرص على الأصوات، ففشلنا في هذا الجانب.
صحيح أننا حققنا إنجازات واضحة للعيان وكانت نتيجتها أننا خسرنا في الانتخابات لأننا لم نركز على الانتخابات، وبالتالي توقف طموحنا عند هذا الحد، كان هذا في الفترة من 2000 إلى 2002 وقد خرجنا من هذا الموضوع بعد أن خضنا الانتخابات وخسرناها وفشلنا في الوصول إلى مجلس الإدارة لطبيعة انتخابات جمعية المحامين والعيوب التي تعتريها وعدم قيام وزارة الشؤون بدورها الصحيح في الرقابة، فلكل هذه الأمور مجتمعة فضلنا الابتعاد عن الجمعية وانشأنا الاتحاد الذي تم اشهاره وانا أعتبر أول نقيب للمحامين.