باعتزاز كبير وعزم أكيد وبإرادة وتصميم ملؤها الأمل والطموح تواصل مسيرة النهضة المظفرة لعماننا الغالية انطلاقتها العظيمة بخطى واثقة على درب التنمية فتحقق غاياتها النبيلة وتضيف مزيدا من إشراقات العطاء في كل ربوع السلطنة، وها هي بلادنا الحبيبة ترفل اليوم بثوب البهجة والسرور وتغمرها الأفراح في كل مكان بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني الـ 40 المجيد لسلطنة عمان.. فالشعب العماني يشعر بكثير من الفخر والاعتزاز وهو يضيء شعلة جديدة من نور النهضة الأخاذ لتبقى هذه المناسبة السامية داخل قلب كل مواطن عماني دافعا لبذل المزيد من العطاء لهذا الوطن فيسير مهتديا بالفكر المنير لقائدنا الفذ الذي رعى خطوات بناء بلادنا الحبيبة وشيّد صروح مجدها كي تزداد عماننا المشرقة شموخا ورفعة في ظل توجيهات جلالته فنراها تتلألأ أكثر وأكثر في فضاء العز والكرامة.
وإذ نشارك في الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة من موقعنا هذا في بلدنا الشقيق الكويت، فإننا ننتهز هذه المناسبة لنتشرف برفع أسمى آيات التهاني والتبريكات الى باني نهضة عمان الحديثة ورمز عزتها وكرامتها صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، حفظه الله ورعاه، متضرعين الى المولى جلت قدرته ان يعيدها على جلالته أعواما عديدة وأزمنة مديدة بموفور الصحة والعافية والعمر المديد وعلى الشعب العماني الأبيّ بمزيد من التقدم والازدهار والنماء.
ففي هذه الأيام المفعمة بمشاعر الحمد والثناء لله سبحانه وتعالى على عظيم نعمه وتوفيقه لما تم تحقيقه بفضل المولى جل وعلا بعد مرور 40 عاما على مسيرة نهضتنا المباركة، حيث تتجلى بكل وضوح الإنجازات المرئية لتجربتنا الرائدة أمام الملأ، لذلك تجدنا نباهي أمام العالم بواقعنا الحديث كنموذج للعراقة العمانية الأصيلة التي استطاعت وبتوازن دقيق الحفاظ على موروثنا الذي نعتز به ومقتضيات الحاضر التي تتطلب التلاؤم مع روح العصر والتجاوب مع حضارته وعلومه وتقنياته والاستفادة من مستجداته في شتى ميادين الحياة، حيث تحقق لنا بعون من الله جلت قدرته خلال 4 عقود كاملة من الجد والاجتهاد إنجازات يحق لنا ان نفخر بها لاسيما ان الطريق إليها لم يكن سهلا ميسورا وإنما اكتنفته صعاب جمة وعقبات عديدة تمكن خلالها العمانيون بإخلاصهم وتفانيهم من اقتحام جميع العقبات ولله الحمد، كما لا نخفي بالتأكيد ما تحمله نفوسنا من مشاعر الولاء والعرفان بالجميل لقائد مسيرتنا، حفظه الله ورعاه، الذي وضع أمامنا المعالم التي تضيء الطريق وترشد الى الأهداف السامية التي رسمها لنا للاستمرار في خطواتنا النهضوية، الأمر الذي جعلنا نصطف جميعا وراء جلالته اصطفافا مشرفا نستذكر معه جميعا أمجاد ماضينا العريق بعين ملؤها الأمل نحو مستقبل مشرق بإذن الله تعالى يزيد بلادنا رقيا وعلوا.
نعم.. 40 عاما مضت من عمر مسيرة النهضة المباركة عبرت بوضوح عن السياسة التي انتهجتها قيادتنا الحكيمة التي انتقلت بفضل رؤيتها الثاقبة عمان الى القرن الـ 21 من خلال خطوات مدروسة متدرجة ثابتة تبني الحاضر وتمهد للمستقبل بإنجازات مشهود لها بالبنان وضعتها في أسمى مراتب التقدم الحضاري وأزهى عصوره حتى أصبحت نموذجا مشرفا للدولة العصرية بتيسير من الله جل جلاله وبحكمة رائد مسيرتها الظافرة وتضافر وتعاضد جهود أبنائها.
ونجد من جانبنا في هذه المناسبة فرصة مواتية للحديث بكل فخر واعتزاز عن السياسة الحكيمة لجلالته، حفظه الله، والتي أثرت تأثيرا مباشرا في بناء الإنسان العماني وتكوين شخصيته المتكاملة وتعليمه وتثقيفه وصقله وتدريبه لتنعكس على أدائه في بناء الوطن وتطوره كأحد أهم الأهداف النبيلة التي طالما حثنا عليها في كلماته المضيئة لتصل عمان الى ما وصلت اليه من رفعة ومجد بفضل من الله سبحانه وتعالى وتوفيقه وحكمة ودراية القائد.
فقد أوضح جلالته في خطابه الأخير قائلا: «لقد كان اهتمامنا بالخطط التنموية لبناء مجتمع الرخاء والازدهار والعلم والمعرفة كبيرا ونحمد الله فقد تم إنجاز نسبة نعتز بها في شتى أنحاء السلطنة من برامج التنمية»، كما أكد جلالته أهمية تنمية قدرات المواطنين ومهاراتهم في مختلف الميادين، لاسيما في مجال تقنية المعلومات والاتصالات، فأوضح قائلا: «لقد أصبحت تقنية المعلومات والاتصالات هي المحرك الأساسي لعجلة التنمية في هذه الألفية الثالثة، لهذا أولينا اهتمامنا لإيجاد إستراتيجية وطنية لتنمية قدرات المواطنين ومهاراتهم في التعامل مع هذا المجال وتطوير الخدمات الحكومية الإلكترونية»، كما تحدث عن اهتمامه بمشاركة المرأة في مسيرة النهضة المباركة فقال: «لقد أولينا منذ بداية هذا العهد اهتمامنا الكامل لمشاركة المرأة في مسيرة النهضة المباركة فوفرنا لها فرص التعليم والتدريب والتوظيف ودعمنا دورها ومكانتها في المجتمع، وأكدنا على ضرورة إسهامها في شتى ميادين التنمية ويسرنا ذلك من خلال النظم والقوانين التي تضمن حقوقها وتبين واجباتها ونحن ماضون في هذا النهج إن شاء الله»، وبين جلالته ايضا معالم سياسته الخارجية والداخلية بكلمات مختصرة معبرة قائلا: «إن معالم سياستنا الداخلية والخارجية واضحة فنحن مع البناء والتعمير والتنمية الشاملة المستدامة في الداخل، ومع الصداقة والسلام والعدالة والوئام، والتعايش والتفاهم والحوار الإيجابي البناء في الخارج».
كما ذكر جلالته قائلا «ان لعمان تاريخا عريقا ومبادئ راسخة منذ عصور مضت وما قمنا به هو تأكيد هذه المبادئ والتعبير عنها بلغة العصر، ومن المبادئ الراسخة لعُمان التعاون مع سائر الدول والشعوب على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل في شؤون الغير وكذلك عدم القبول بتدخل ذلك الغير في شؤونا».
وما أشار اليه جلالته في خطابه حقيقة ماثلة للعيان ولا تحتاج الى برهان، فقد جعل جلالته حفظه الله للسياسة الداخلية خطوطا عريضة وواضحة تم خلالها استكمال مختلف مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية لتقوم بدورها في ظل اطار قانوني وسياسي يتبع النظام الاساسي للدولة الصادر بمرسوم سلطاني عام 1996 باعتباره مرجعا يحكم عمل السلطات المختلفة وتستمد منه كل اجهزة الدولة أسس نطاق عملها، كما أدى الالتزام بتقييم الانجاز ومدى تحقيقه للمصلحة العليا للدولة والشعب على حد سواء الى تحقيق الغاية المنشودة وتنفيذ الخطط المرسومة، كما كان لأسلوب الحوار الراقي والبناء الذي اعتاد جلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه على اتباعه مع أبناء شعبه من خلال جولاته السنوية التي تشمل كل ربوع السلطنة من أقصاها الى أقصاها شمالها وجنوبها شرقها وغربها مرورا بالولايات الكبرى والمدن والقرى، وذلك للوقوف بنفسه على احتياجات ومتطلبات شعبه ومواطنيه وإعطاء التوجيهات الفورية لتحقيق آمالهم وتطلعاتهم، حيث دأب جلالته منذ بداية النهضة المباركة الى يومنا هذا على اعتماد أسلوب التشاور وتبادل الآراء وسماع المقترحات الشعبية حفاظا على مبدأ التواصل والمصارحة بين القائد والرعية عن قرب، الأمر الذي ترك أثره الفعال والملموس في تقييم الوضع الداخلي والنهوض بالدولة في مختلف المجالات انطلاقا من حرص جلالته على ترسيخ مبدأ التفكير بالعقل الجماعي الذي قاد كل الدول المتقدمة والصناعية الى حضارة القرن الحادي والعشرين.
ويستطيع الزائر لبلادنا الحبيبة التعرف على شواهد نهضتنا المباركة خاصة فيما يتصل بقطاع السياحة، حيث تمتلك السلطنة جميع مقومات السياحة الناجحة من ارث حضاري وتاريخي كالقلاع والحصون التي يزيد عددها على 550 معلما سياحيا وكذلك العديد من المواقع ذات الصبغة الدينية مثل منطقة (الأحقاف) التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وغيرها من المواقع الاثرية التي تم الحفاظ عليها لما لها من قيمة تاريخية كبيرة ومن المعروف ايضا ان السلطنة تمتاز بطبيعتها الخلابة وبيئتها النظيفة وجوها المعتدل، فهي تحتضن جبالا شاهقة تكسوها الخضرة وتنحدر من معظمها شلالات المياه وعيون الماء العذب فيما تمتد شواطئها الهادئة والجميلة لأكثر من 1700 كلم تحوي في بعض أجزائها مناطق للغوص والرياضة البحرية كما شيد عليها الكثير من المنتجعات السياحية الحديثة ومراكز التسوق والفنادق الراقية، وقد حرصت الدولة في اطار دعمها لهذا القطاع المهم على اقامة المهرجانات السياحية سنويا التي تشتمل على الكثير من الانشطة الادبية والفكرية والثقافية والاجتماعية بالاضافة الى النشاطات الفنية والرياضية والترفيهية.
كما كان للسياسة الخارجية لبلادنا أثرها في تحقيق المزيد من الازدهار للوطن، فهي تتسم استنادا الى بعد النظر ودراية القيادة الحكيمة بالصراحة والوضوح حيال مختلف القضايا خليجية وعربية واقليمية ودولية، فيما كان الحياد في مواقفها والحصر على تحقيق التفاهم والتعاون والحوار الايجابي لحل الخلافات بالطرق السلمية وبما يسهم في تعزيز السلام والاستقرار بين جميع الدول والشعوب أحد أهم سمات السياسة الخارجية العمانية، وفي هذا السياق لابد من الاشارة الى ان السلطنة استطاعت بفضل خبرتها التاريخية وارثها الحضاري الممتد الى آسيا وأفريقيا وعلاقاتها مع تلك الشعوب بناء الصداقة مع الجميع وهي تدعو دوما الى التفاهم بين الحضارات الامر الذي جعلها تكتسب احترام وتقدير المجتمع الدولي، حيث فازت بالمراكز المتقدمة عالميا في التقارير التي تصدرها المؤسسات العالمية المختصة حول الأمن والسلام والاستقرار وفي تعزيز التفاهم الدولي والصداقة بين الشعوب، وكذلك في التنمية الاجتماعية والحرية الاقتصادية.
وقد أدت ترجمة هذه السياسة عمليا الى بناء صداقات مع مختلف الدول والشعوب في معظم أرجاء العالم بينما كان للعلاقات الاخوية مع الاشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي نصيبها الاوفر من الاهتمام وهي تسعى دائما لدعم التعاون والعمل المشترك وتهيئة مناخ أفضل لتطوير العلاقات الخليجية ـ الخليجية، والخليجية العربية والاسلامية ومع مختلف دول العالم تحقيقا للمصالح المشتركة والمتبادلة مع دول العالم قاطبة.
وإذا كان لنا ان نتطرق الى العلاقات الثنائية بين السلطنة ودولة الكويت الشقيقة فإنه انطلاقا من الحرص الدائم والمستمر من قبل الزعيمين الكبيرين حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله وأخيه حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة لخلق علاقة فريدة ملؤها الاخاء والمودة بعيدا عن المجاملات المعتادة بين الدول والشعوب، ارتقت العلاقات الثنائية العمانية ـ الكويتية الى المستوى المنشود وحققت تطورا لافتا في كل المجالات ووصلت الى ذروة نشاطها، وذلك بفضل توجيهاتهما السديدة في العمل على كل ما من شأنه تعزيز وتفعيل كل الجوانب التي تهم البلدين والشعبين الشقيقين، وتتويجا لهذه العلاقة المتميزة فقد شهدت الفترة القليلة الماضية زيارات خاصة متبادلة بين حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه وبين أخيه حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت الشقيقة.
والمتابع لتلك العلاقات يجد انها أثمرت نسبة عالية من التقارب والتعاون على جميع المستويات وفي كل المجالات تحت إشراف «اللجنة العمانية ـ الكويتية المشتركة» برئاسة صاحبي المعالي وزيري خارجية البلدين حيث يتم دائما وبصفة مستمرة بحث كل المجالات الثنائية التجارية والصناعية والثقافية والعلمية والسياحية وغيرها من المجالات الاخرى ومنها مجال البحث العلمي والتعاون الفني والاعلامي، وفي مجال النفط والغاز وكذلك مجال التنمية الاجتماعية والقوى العاملة ومجالات الخدمة المدنية والتنمية الادارية والحكومة الالكترونية، وحماية البيئة البحرية ومكافحة التلوث وحماية الموارد الساحلية، ومن المنتظر ان تعقد اللجنة اجتماعها السنوي لهذا العام في مسقط خلال شهر ديسمبر المقبل بإذن الله تعالى.
أخيرا.. يسعدني في هذا المقام التوجه بالدعاء الى الله العلي القدير أن يحفظ أوطاننا جميعا وأن يحفظ لعمان قائدها المفدى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد حفظه الله ورعاه، وان يحفظ دولة الكويت الشقيقة حكومة وشعبا تحت راية أميرها الحكيم حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وأن ينعم على كل الشعوب الخليجية والعربية والاسلامية بنعمة الأمن والأمان والرخاء الدائم انه سميع مجيب الدعاء.
كلمة بمناسبة العيد الوطني المجيد لسلطنة عمان