أسامة دياب
اكد سمو الشيخ ناصر المحمد ان اليوم العالمي للفرانكوفونية، قد أصبح لقاء مرتقبا يحرص على حضوره منذ 7 سنوات، ومناسبة ثقافية راقية نعبر من خلالها جميعا عن إعجابنا باللغة الفرنسية، وبالأدوار التي تقوم بها في إثراء الحضارة المعاصرة، متوجها بالتهنئة لسفراء فرنسا والسنغال وكندا وبلجيكا وسويسرا ورومانيا وبوركينا فاسو والنيجر وبنين ومصر ولبنان على نجاحهم الفائق في إقامة الاحتفال بهذه المناسبة، طوال السنوات الماضية، وإقامة فعاليات ثقافية مستمرة.
وأضاف المحمد خلال كلمته التي القاها خلال احتفالية اليوم العالمي للفرانكفونية والتي اقيمت تحت رعايته في مقر اقامة السفير الفرنسي بمنطقة الجابرية إن احتفالنا بإحدى اللغات العالمية هو تأكيد على أهمية اللغة في حياة الإنسان، فهي ليست مجرد أداة يعبر بها الناس عن أغراضهم فيما بينهم، بل أصبحت جامعا حضاريا يؤلف بين الناطقين بها، ويهبهم شعورا بالانتماء إلى ثقافة ينتسبون إليها، كما أن الحفاظ على اللغات العالمية هو حفاظ على الثقافات المتنوعة، ولعل هذا ما يجعلنا نؤكد في كل مرة على أهمية التنوع الثقافي في مجتمع العولمة.
وتابع: إن سيطرة لغة واحدة في المجتمع الدولي ستؤدي إلى إضعاف اللغات الأخرى، وحرمان الإنسانية من تراثها اللغوي الغني، وثقافاتها المتنوعة، ونؤكد دائما على ان إعطاء اللغات العالمية أهميتها، نابع من الحرص على تواصل الأجيال المتعاقبة مع التراث الإنساني القديم، والخوف من تكرار أخطاء الماضي، عندما اندثرت لغات الحضارات القديمة وتوارت أمام هيمنة إحدى اللغات، وبفقدانها ضاع التاريخ القديم للإنسانية وثقافاتها، ولولا جهود الآثاريين الجبارة في استنطاق الأحرف المسمارية والهيروغلوفية وفك رموزها وأسرارها، لما تمكنا في معرفة تاريخ الشرق القديم.
فاللغة ليست مجرد سجل لذاكرة الأمة أو وعاء حاضن لأفكارها ومفاهيمها وقيمها، بل هي قوة، كما عبر عنها ابن خلدون منذ مئات السنين، قائلا: «إن قوة اللغة في أمة ما، تعني استمرارية هذه الأمة بأخذ دورها بين الأمم».
وأشار الى انه بالرغم أن هناك لغات عالمية تتصدر القائمة وتسبق اللغة الفرنسية في مجال عدد الناطقين بها، إلا أن العالم المعاصر لا يملك إلا أن يعبر عن إعجابه بقدرة اللغة الفرنسية في صناعة الفكر والفلسفة والقانون والأدب والفن، وهي قدرة تعكسها الأعمال العظيمة والأسماء البارزة في كل هذه المجالات، منذ بداية عصر النهضة حتى اليوم، ولم تتوقف تلك اللغة عند حدود فرنسا، بل استطاعت أن تجتاز المسافات وتعبر المحيطات لتصبح أداة تعبير عن وجدان وثقافات شعوب أخرى في أميركا وأفريقيا وآسيا، وتجعل مفرداتها وأساليبها الكتابية مادة لتسجيل العواطف والأفكار والخواطر والمعارف بشكل ساحر، من حيث الشكل والمضمون، بحيث تبهر مستمعيها بجاذبيتها ومتانتها ورومانسيتها، كما أن اللغة الفرنسية لم تتفوق على حدود الجغرافيا فحسب، بل نجحت في تجاوز التاريخ واختراق الزمن، وتمكنت بثرائها اللغوي أن تنقل الثقافات القديمة، وتعيد إحياء آداب المصريين القدماء والسوماريين والأكاديين والبابليين والآشوريين.
وزاد: ولعل العالم يدين بالفضل في ذلك لعالم الآثار الفرنسي جان فرانسوا شمبوليون الذي وضع اللبنة الأولى لدراسة اللغة المصرية القديمة، «الهيروغليفية»، من خلال اكتشافه لرموز حجر رشيد عام 1828، أثناء الحملة الفرنسية على مصر، كما أنه يدين بالفضل لعالم الآثار السويسري إدوارد نافيل، الذي أعاد الحياة للنصوص الدينية التي كان يتلوها ويرددها المصريون القدماء، وكذلك للعالم الفرنسي جان فنسنت شيل الذي كشف لنا عن شريعة حمورابي في العراق القديم، بعد اكتشافه المسلة التي كتبت عليها أقدم القوانين والتشريعات في تاريخ الحضارة الإنسانية.
ولفت الى انه بمناسبة الحديث عن إسهامات اللغة الفرنسية في إعادة إحياء ثقافات العالم القديم، فإنه ليسرنا نحن في الكويت أن نحتضن المركز الفرنسي لعلم الآثار والعلوم الاجتماعية، ليمارس نشاطه في سبر أغوار أرض الجزيرة العربية، من أجل اكتشاف حضاراتها القديمة، نعتقد أنه يمكننا تقديم أفضل بيئة ثقافية لمثل ذلك النشاط العلمي، فبيئتنا الثقافية تتمتع بقدر واسع من الحرية والتنوع والتشجيع، نحن شعب عاش على الشواطئ، وطاف المرافئ، واندمج بثقافات شعوب المحيط الهندي، واكتسب حبا للانفتاح على الآخرين وعلى لغاتهم وثقافاتهم وأفكارهم.