أسامة دياب
أشار الكاتب الصحافي احمد الديين لأمرين في غاية الخطورة برزا في الآونة الأخيرة في المجتمع الكويتي الأول يتمثل في العبث المستمر بالنسيج الاجتماعي الوطني الكويتي، ما أدى الى تمزقه وتفكيكه طائفيا وفئويا وقبليا ومناطقيا على نحو مقلق لما يمكن ان تؤول له الأمور، مضيفا ان الأمر الثاني هو نهج مستحدث يعتمد الملاحقة القانونية للمعارضين والخصوم السياسيين لسمو رئيس الوزراء من كتاب وناشطين سياسيين ونواب سواء داخل الكويت أو خارجها.
ولفت الديين الى ان آخر هذه الملاحقات هو ما حدث للكاتب الصحافي محمد عبدالقادر الجاسم، مشددا على احترامه لأحكام القضاء، معربا عن أمله في ان يتم تحديد جلسة الاستئناف في أسرع وقت ممكن وان ينصف القضاء محمد عبدالقادر الجاسم بحكم البراءة.
جاء ذلك في مجمل كلمته التي ألقاها أثناء الندوة التي أقامها المنبر الديموقراطي مساء اول من امس في ديوان المرحوم سامي المنيس، بعنوان «واقع القوى السياسية في الكويت» بحضور حشد من أعضاء المنبر، رواد الديوان وعدد من الناشطين والمهتمين بالشأن العام.
اول حزبي
وأوضح الديين ان الكويت عرفت الحياة الحزبية والتنظيمات السياسية منذ وقت مبكر وكان الشيخ مبارك الصباح اول حزبي في الكويت، حيث كان عضوا في حزب الحرية والائتلاف العثماني، وقد شكل الكويتيون الكتلة الوطنية التي تأسست عام 1938 وكانت وراء تأسيس المجلس التشريعي، وفي عام 1947 نظمت أول شعبة للإخوان المسلمين على يد المرحوم عبدالعزيز المطوع، وفي الخمسينيات نجح د.أحمد الخطيب في تأسيس حركة القوميين العرب، مشيرا لتواجد البعث والتنظيمات اليسارية على الساحة وإن كانت تمارس أنشطتها بصورة سرية، الى ان تأسست الرابطة الكويتية عام 1958 بصورة علنية بقيادة جاسم القطامي، ولكنها لم يقدر لها ان تستمر طويلا.
من جهته، قال الباحث والكاتب الصحافي بجريدة القبس صالح السعيدي انه على الرغم من مرور 72 عاما على انشاء تنظيم كتلة الشباب الوطني أول تنظيم سياسي في تاريخ الكويت السياسي، ورغم انقضاء 48 عاما منذ اعلان الدستور، وانتخاب 14 مجلسا نيابيا طوال تلك الفترة، الا ان الحياة السياسية الكويتية اليوم دون قانون للاحزاب مما يجعلها قاصرة عن بلوغ الحياة الحزبية المقننة والعلنية، حيث لاتزال القوى السياسية الكويتية تمارس نشاطها السياسي المفترض بواسطة أشكال أولية وبدائية من العمل السياسي، وكأن الزمن قد توقف بالحياة السياسية الكويتية عند العام 1962 ساعة كتابة مواد الدستور.
وأشار السعيدي الى ان هناك عددا من أسباب التوقف الطويل لتطور الحياة الحزبية، ومنها السمات العامة لعمل القوى السياسية الكويتية، لافتا الى ان عمل القوى السياسية الكويتية موسمي مناسباتي يرتكز في جوهره على الانتخابات النيابية، واعلان المواقف من القضايا المطروحة في البلاد نظرا لتعثر صدور قانون للاحزاب، بالاضافة الى ان غياب الغطاء القانوني حرم القوى السياسية من ايجاد آليات تواصل مع الشارع الكويتي، لافتا الى ان استئثار الانتخابات بالجهد الرئيسي والاكبر من نشاط القوى السياسية حول العلاقة بين القوى السياسية الى علاقة تنافس وصراع بدلا من ان تكون علاقة تناغم وتعاون، ولذا شغل الصراع بين القوى السياسية الكويتية مساحة أكبر من صراعها مع السلطة.
وتطرق السعيدي الى العوامل الداخلية لتعثر قيام حياة حزبية في الكويت والتي صنفها الى عدد من الاسباب اولها العوامل السياسية وهي موقف السلطة من الاحزاب، ضعف المطالبات من جانب القوى السياسية وتخوف شعبي من فكرة الحزبية وكذلك اسباب اجتماعية وهي استمرار قيام هياكل تقليدية تنافس الهياكل السياسية الحديثة وزحف القيم التقليدية كالقبلية، الفئة، الطائفة، على محددات العمل السياسي وسيطرتها على واقع العملية السياسية في البلاد.
وأضاف السعيدي أن الحكومة لجأت في سبيل ذلك إلى التحالف مع الروح القبلية والطائفية والفئوية، وإلى استحضار القيم التقليدية لعرقلة التطور الحضاري للمجتمع، وهيأت لذلك عبر تقسيم الدوائر الانتخابية وفعل كل من شأنه تعزيز تلك القيم في مؤسسات الدولة.
وتابع السعيدي أنه في مرحلة الثمانينيات وعودة الحياة النيابية كانت السلطة قد أعادت تشكيل الدوائر ليتناسب مع مشروع تجفيف السياسة من العمل السياسي الكويتي واستبداله بمفاهيم اجتماعية تقوم على الطائفية والقبلية، وانشغلت القوى السياسية بمسألة رد هجمة «تنقيح الدستور» التي تبنتها السلطة.
من جهته أكد النائب صالح الملا ان الواقع الذي نعيشه يؤكد انه لا توجد في الكويت قوى سياسية، فكل تنظيم سياسي يفترض به ان تكون به إجراءات تنظيمية مختلفة داخليه لتوحيد الموقف والكلمة ودعم كافة عناصر هذا التنظيم وهو ما نفتقده.
وقال الملا ان الحكومة ناجحة منذ الثمانينيات وحتى اليوم بامتياز في تفتيت أي بصيص أمل لخروج تنظيم سياسي ذي إيدلوجية ورؤية ولا أدل على ذلك سوى إذكاء روح القبلية والطائفية، معتبرا ان الانتخابات الفرعية اختراع حكومي 100% لافتا الى ان أول انتخابات فرعية كانت طائفية في الثمانينيات لدرجة ان تلفزيون الكويت كان ينقل منذ فترة قريبة أحداث هذه الانتخابات بل ان الصناديق الانتخابية كانت تحرز من قبل رجال الأمن.
واضاف الملا ان السلطة التنفيذية ليست في حاجة لمحاربة الحماس لقانون ينظم العملية الانتخابية والسياسية ومن ضمنه إشهار الأحزاب السياسية بعد ان نجحت في زرع الخوف والرعب في عقل المواطن باستحضار تجربة سيئة للأحزاب في بلدان مثل لبنان والجزائر.
وأوضح ان الواقع داخل مجلس الأمة يبين ان هناك 3 أو 4 مواقف للكتل السياسية تجاه القضايا المختلفة ما يدل على غياب الرؤية والتنسيق بين التنظيم السياسي نفسه، مؤكدا ان الحركة الدستورية الإسلامية التنظيم الأكثر تماسكا وقدرة على مواجهة الصدمات والأكثر دعما ماديا كقواعد شعبية ورغم ذلك نجد ان نوابها منقسمون تجاه القضايا في المجالس السابقة خاصة مجلس 2008.
وبين الملا ان كل القوى السياسية البرلمانية تخاطب القواعد الانتخابية التي ينتمي لها بما فيها القوى الوطنية التي انقسمت بدورها تجاه المواقف والقضايا كما حدث في الموقف من المصفاة الرابعة وصفقة الداوكيميكال.
الوضع القائم افضل
وشدد الملا على ان اقرار الدائرة الانتخابية الواحدة دون ان يكون هناك اشهار للأحزاب السياسية سيكون كارثة بكل المقاييس، لافتا الى ان الوضع القائم أفضل بكثير من وجود دائرة وحيدة بلا أحزاب. ولفت الى ان الانتخابات الفرعية ألقت بظلالها حتى في انتخابات طلاب المدارس ما يؤكد ان الأمر لم يأت صدفة فيما يجري لتكريس هذه الثقافة في عقول المواطنين، مطالبا بضرورة إقرار حزبي وفق اطر تنظيمية مع قناعة السلطة بضرورة مشاركة هذه الأحزاب السياسية في إدارة البلد، مؤكدا ان مشاركة القوى السياسية كأحزاب رسمية مشاركة في إدارة السلطة من الممكن ان تبدأ البناء التربوي والاجتماعي من جديد. وشدد الملا على ان التغيير لا يمكن ان يأتي بين يوم وليلة لأن العملية تحتاج الى جهود، لافتا الى ان القاعدة تقول ان التغيير يأتي من قاعدة الهرم الى أعلاه، لكن المشكلة ان المسؤول عن تغيير هذه الثقافة السائدة في المجتمع هو السلطة، مشددا على ضرورة تدخل القوى الوطنية من داخل وخارج مجلس الأمة باتجاه إقرار الأحزاب السياسية وفق شروط مقننة وبرامج انتخابية وفق القانون المقترح الأمر الذي سيقلل بدوره من الانتخابات الفرعية لا ان يقضي عليها.