- ما الذي تخشاه الوزيرة من التجديد للمدير لأربع سنوات؟
- تصريحات الوزيرة كانت للتطمين وجزءاً من لعبة سياسية
أعد النائب د.وليد الطبطبائي دراسة عن تسييس المؤسسات التعليمية معتبراً فيها أن عدم التجديد لمدير الجامعة نموذج لذلك وقال الطبطبائي في دراسته:
عند كل تشكيل حكومة كنا نحذر من إسناد حقيبتي التوجيه (التربية والإعلام) لأصحاب الأفكار المؤدلجة سواء من التيار الإسلامي أو التغريبي، لأن هذا من شأنه أن يجعل هذه الوزارة تحت المجهر، وكانت الحكومة تستجيب أحيانا وتعاند أخرى، فأوكلت الحقيبة إلى د.الربعي، رحمة الله، وكان استجواب مفرج نهار الشهير الذي نجا منه الربعي آنذاك بفارق صوت أو صوتين.
مائدة عشاء
والذي دعاني إلى كتابة هذه المقالة دعوة رئيس مجلس الوزراء أساتذة جامعة الكويت إلى مائدة عشاء على شرفهم أقامها مساء يوم الاثنين المنصرم، وتعجبت من دعوته لهم مع خلو منصب مدير الجامعة، ولم يقف تعجبي عند هذا الحد بل زاد بعدم حضور الرئيس الأعلى للجامعة وزيرة التربية ووزيرة التعليم العالي.
وأضاف: فبعد فترة طويلة من الترقب والانتظار سادتها حالة من التكتم والغموض المتعمد من قبل وزيرة التربية ووزيرة التعليم العالي د.موضي الحمود بشأن التجديد من عدمه لمدير الجامعة الحالي د.عبدالله الفهيد، وانتشرت خلالها الإشاعات وكثرت التكهنات بصورة لافتة للنظر، أعلنت الوزيرة وعلى عكس التوقعات، عبر بيان رسمي تم نشره في الصحف المحلية في 30 سبتمبر الماضي، أنها لا تستطيع أن تجدد لمدير الجامعة الحالي بسبب وجود نصوص قانونية تمنعها من ذلك، وأضاف البيان أنها ستشكل لجنة بحث لاختيار مدير جديد للجامعة. وقد تابعت شخصيا وباهتمام بالغ ما نشر حول مسألة التجديد لمدير الجامعة لفترة ثانية وذلك من تصريحات وأحداث وتطورات. وكانت متابعتي بحكم كوني أستاذا سابقا في جامعة الكويت وأعرف الوزيرة والمدير معرفة شخصية، وقد لفت انتباهي تضارب الأقوال مع الأفعال واستغربت حالة عدم الانسجام بينهما. وبعد تأمل طويل توصلت إلى قناعة مفادها أن هناك تفسيرا آخر لقرار الوزيرة بعدم التجديد للمدير وهو تفسير أقرب للحقيقة والواقع مما جاء في بيان الوزيرة، وقد رأيت أن أعرض ما توصلت إليه على الملأ بغية الوصول إلى حقيقة ما حدث وما دار خلف الكواليس من خلال تحليل الأحداث بموضوعية وتجرد، وقد خلصت من خلال تأملاتي ومتابعتي لهذا الموضوع بتعمق وتجرد إلى استنتاجات وقناعات راسخة ما كنت أتمنى أن أصل إليها لأنها كانت مخيبة للآمال ومثبطة للهمم ولا تسر من في قلبه محبة لهذا البلد ولا من هو حريص على الصالح العام. لذا وجدت لزاما علي أن أنشر ما توصلت إليه بغية عرض وجهة نظر أخرى على المهتمين بالشأن الجامعي للتداول والنقاش للوصول إلى الحقيقة وبما يحقق المصلحة العامة.
استنتاجات
وقبل الدخول في الاستنتاجات أرى لزاما علي أن أبين للقراء خلفية الموضوع حتى يكون على تسلسل منطقي للأحداث.
أولا: أكدت الوزيرة أنها كانت ترغب في التجديد لمدير الجامعة لمدة سنة أخرى، كما أقرت بأنها أعطت مدير الجامعة وعدا بذلك، غير أنها فوجئت لاحقا بأن القانون يشترط لصدور مرسوم التجديد أن تكون مدة التجديد أربع سنوات وذلك بناء على فتوى قانونية حصلت عليها من احدى الجهات التي لم تحددها. وقد تمسكت الوزيرة بهذا الادعاء، الذي سنثبت عدم صحته قانونيا، وكررته في عدة مناسبات كانت آخرها في الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد الحالي لمجلس الأمة قاصدة من ذلك تبرئة ساحتها من أي لوم أو مسائلة سياسية قد تتعرض لها نتيجة لتعاملها الخاطئ مع موضوع التجديد لمدير الجامعة.
ثانيا: إنه لمن المؤسف حقا أن أحدا من أهل القانون لم يعترض على الرأي القانوني الذي استندت إليه الوزيرة في عدم التجديد لمدير الجامعة وتبيان بطلانه وأنه لا سند له في القانون والتنبيه إلى أنه لا يوجد أي نص قانوني يشترط أن تكون مدة التجديد أربع سنوات، أو يمنع من التجديد لمدة أقل من ذلك. كما أنه لمن المؤسف كذلك أن أحدا من الكتاب لم يقم بتمحيص أقوال ورصد أفعال الوزيرة في الفترة الأخيرة ووضعها تحت المجهر وإخضاعها للتحليل العلمي للتأكد من مصداقية الوزيرة وذلك بهدف الوصول إلى الحقيقة المجردة، خصوصا في ضوء ما سببه قرار الوزيرة المفاجئ بعدم التجديد لمدير الجامعة من فراغ إداري تعاني منه الجامعة منذ ثلاثة أشهر تقريبا ويقر به الجميع، باستثناء الوزيرة، والذي أدى إلى تعطيل مصالح الكثيرين وتأخير وعرقلة مسيرة الجامعة وإلحاق الضرر بسمعتها الأكاديمية.
والآن لندلف في موضوعنا ولنثبت أن ما حدث في موضوع التجديد لمدير الجامعة يشكل أنموذجا صارخا كان من المتوقع حدوثه عندما يسمح لمن هو مؤدلج فكريا بالهيمنة على وزارة التوجيه ويدير التعليم ومؤسساته. لقد حبكت الوزيرة ومستشاروها السياسيون خيوط مؤامرة التخلص من مدير الجامعة بمكر ودهاء شديدين، كخطوة أولى نحو السيطرة على الجامعة.
مناقشة الرأي القانوني
أولا: لعل أول نتيجة توصلت إليها وأريد أن أبينها للمتابع للشأن الجامعي هي بطلان الرأي القانوني الذي استندت إليه الوزيرة والذي أخشى أن يسلم بصحته من الناحية القانونية وخصوصا من له سلطة اتخاذ القرار.
وقبل بيان بطلان الرأي القانوني الذي استندت إليه الوزيرة، يحق لنا أن نتساءل عن المستند القانوني الذي استندت إليه الوزيرة فيما ذهبت إليه من عدم جواز التجديد لمدير الجامعة لمدة تقل عن أربع سنوات، إذ ان النصوص القانونية صريحة في جواز التجديد لمدير الجامعة لمدة تقل عن أربع سنوات.
وزاد بقوله: بادئ ذي بدء ومن الناحية القانونية الشكلية ولكي يعتد بالرأي القانوني الذي استندت إليه الوزيرة في عدم التجديد لمدير الجامعة الحالي، يجب أن يكون هذا الرأي بصورة فتوى مكتوبة صادرة بالطريق الرسمي من الجهة المخولة رسميا بالإفتاء. ومع أننا لم نطلع على تفاصيل هذا الرأي ولم تعلن الوزيرة عن الجهة التي أصدرته، إلا أنه من باب حسن الظن، سنفترض أن الرأي القانوني الذي تشير إليه الوزيرة مستوف لهذه الشروط، لأنه بخلاف ذلك فانه لا قيمة قانونا لهذه الفتوى ولا يعول عليها.
نصوص قانونية
ولنستعرض فيما يلي النصوص القانونية ذات العلاقة بالموضوع والتي لم يرد من ضمنها نص قانوني يمنع صدور مرسوم بالتجديد لمدير الجامعة لأي مدة لا تزيد على أربع سنوات:
1ـ اشترط قانون التعليم العالي (29/1966) في المادة (9) منه أن يكون تعيين مدير الجامعة بمرسوم. ولم يحدد القانون المدة التي يعين فيها مدير الجامعة أو مسألة التجديد له، وقد يعود السبب في ذلك إلى أن المراسيم في تلك الفترة كانت تصدر مفتوحة المدة.
2ـ تكفل قانون الخدمة المدنية (15/1979) بتحديد مدة شغل الوظائف القيادية والتي من ضمنها منصب مدير الجامعة حيث نص في المادة (15 مكرر) على أن مدة التعيين أربع سنوات قابلة للتجديد، ولم يحدد القانون مدة التجديد. وقد تعمد المشرع استخدام عبارة عامة وهي «قابلة للتجديد» لتوفير المرونة المطلوبة عند التطبيق. وبما أن المشرع قصدها أن تكون عبارة عامة، فإنه لا يجوز تقييدها إلا بنص صريح، ومثل هذا النص «القيد» لم يرد ذكره في القانون. ولو كان المشرع يريد أن تكون مدة التجديد أربع سنوات لأضيفت عبارة «لمدة مماثلة» مباشرة عقب عبارة «قابلة للتجديد»، وهذا ما لم يحدث. وعليه، يحق لنا أن نتساءل من أين جاء الذين أفتوا للوزيرة بالرأي القانوني الخاطئ بأن مدة التجديد يجب ألا تقل عن أربع سنوات؟ وهل هناك نصوص قانونية أخرى لا نعلمها استندوا اليها لكي يفتوا بهذا الرأي الغريب؟ إن ما يستندون اليه في رأيهم الخاطئ هو الادعاء بأنه من غير الملائم السماح بصدور مرسوم التجديد بمدة أقل من المدة المعتادة (أربع سنوات) حيث انه قد يفتح الباب للوزراء الآخرين للمطالبة بمدد مختلفة عند التجديد للقياديين الذين يتبعونهم، وما قد ينتج عن هذا الأمر من تعقيدات.
3ـ والرد على هذا المسألة بسيط جدا: وهو أنه حين ينظر مجلس الوزراء في موضوع المرسوم يقوم المجلس كذلك بمناقشة مدة المرسوم ومبررات الوزير المختص، ومن جانب آخر، نود التذكير بأن هذه لن تكون المرة الأولى التي يصدر فيها مرسوم بمدة أقل من أربع سنوات حيث سبق أن صدرت مراسيم بمدد أقل لأسباب كثيرة منها، على سبيل المثال، وجود نص خاص في قانون المؤسسة أو الهيئة المعنية.
4ـ كما أن دراسة القانون مبنية على تحكيم العقل والمنطق في تفسير النصوص القانونية، ومن هذا المنطلق نعرض قرينتين تعضدان وتؤكدان صحة رأينا.
5ـ أولاهما القاعدة القانونية المعروفة التي تنص على أن «من يملك الكل يملك الجزء» أو «من يملك الأكثر يملك الأقل»، وبالتالي من يملك سلطة التجديد لأربع سنوات، فإن العقل والمنطق والقانون يقولون انه يجوز له أن يجدد لثلاث سنوات، أو لسنتين، أو لسنة واحدة.
6ـ أما القرينة الثانية فهي أن سلطة صاحب السمو الأمير في التجديد هي سلطة تقديرية مطلقة وهو يملك تحديد مدة التجديد حسبما يراه من ملاءمات لا معقب عليها.
7ـ ولاستكمال الموضوع، نذكر بأن المادة (32) ـ البند (9) من قانون الخدمة المدنية تنص على انتهاء خدمة الموظف الكويتي ببلوغه سن الخامسة والستين، وهذا القيد القانوني يجب الالتزام به ويشمل جميع الوظائف القيادية بما فيها منصب مدير الجامعة.
فخلاصة القول إنه من خلال مراجعة النصوص القانونية ذات الصلة تبين بطلان الرأي الذي يقول بعدم جواز التجديد لمدة تقل عن أربع سنوات كاملة، لأنه لا يتفق مع صحيح القانون ولا مع المنطق السليم، ويضع قيدا على سلطة صاحب السمو الأمير في التجديد لا سند له في القانون، حيث لم يرد في القانون نص يشترط أن يكون التجديد لمدة مماثلة، وبالتالي، فإنه يجوز أن تكون فترة التجديد أقل من أربع سنوات، بشرط عدم تجاوز سن الخامسة والستين.
ثانيا: عندما يهيمن فكر التسييس والتحزب والتجديد لمدير الجامعة
لمن هو مؤدلج فكريا من الهيمنة على وزارة التوجيه ويدير التعليم ومؤسساته.
ونعود إلى موضوعنا الأساسي وهو كشف نتائج تسييس التعليم ومؤسساته، بغية تسخير تلك المؤسسات التعليمية إما لعقد الصفقات السياسية، أو لخدمة المصالح الحزبية الضيقة دون النظر إلى الأضرار التي تصيب مؤسسات التعليم، والتي تصعب إزالة آثارها لاحقا. أو دون أدنى أي اعتبار للمصلحة العامة التي كثيرا ما يتشدقون بحرصهم عليها، إذ ان أسرع وأنجع وسيلة لقطف ثمرة تسييس التعليم وتنفيع المقربين والمنتمين إلى نفس الحزب، وتعزيز التوجهات السياسية والفكرية للحزب داخل المؤسسة وتثبيت كوادره في المراكز الوظيفية المؤثرة، تكون عبر بوابة تغيير القيادات الموجودة واختيار قيادات بديلة تتمتع بمواصفات خاصة أهمها السمع والطاعة للوزيرة.
من هذا المنطلق الحزبي الضيق، وبناء على تعامل الوزيرة المباشر مع مدير الجامعة الحالي عندما كان الاثنان يحتلان ولفترات طويلة مناصب قيادية في الجامعة، وبحكم معرفتها بشخصيته وعدم انتمائه لأي من التيارات المختلفة، فإن الوزيرة لم تكن في حاجة إلى وقت طويل لتعقد العزم، وبتشجيع من مستشاريها الحزبيين، على تغيير مدير الجامعة وتعيين مدير جديد من الشخصيات التي تتوافر فيها المواصفات الخاصة التي أشرنا إلى بعضها. والسؤال المطروح هو كيفية تغيير المدير وبأقل قدر من الخسائر من الناحية السياسية.
إن الوزيرة تدرك تماما أن مدير الجامعة الحالي الأستاذ الدكتور عبدالله الفهيد يتمتع باستقلالية وبعده عن التيارات السياسية المختلفة، بالإضافة إلى نزاهته وكفاءته وخبرته الطويلة والمتميزة في الجامعة، علاوة على أنه معروف عنه التزامه بتطبيق القانون، وبالتالي فإن قيام الوزيرة برفض التجديد له سيثير ضدها ردة فعل قوية من الذين يعرفونه عن قرب، أو تعاملوا معه فكسب احترامهم، وفيهم وزراء مؤثرون في الحكومة، وأعضاء في مجلس الأمة، ليس من مصلحة الوزيرة بالتأكيد أن تكسب خصومتهم. وهكذا أعدت الوزيرة ومستشاروها خطة مدروسة لإزاحة مدير الجامعة تشمل عناصرها اتباع أسلوب المماطلة والتسويف في حسم الأمور، والمراوغة والغموض المتعمد لتجنب الإفصاح عما قررته بشأن مدير الجامعة إلا في التوقيت المناسب، والتصريح للعديد من الشخصيات بأنها تنوى التجديد لمدير الجامعة لمدة سنة واحدة فقط. غير أن ما كانت الوزيرة تخطط له هو على النقيض من ذلك تماما، فالوزيرة ومستشاروها السياسيون، كما ذكرنا من قبل، كانوا قد خلصوا إلى عدم استمرار مدير الجامعة الحالي في منصبه بعد انتهاء فترته القانونية، وذلك لأسباب كثيرة تتضمن مصالح شخصية وأخرى حزبية وصفقات سياسية متعددة لا مجال لذكرها هنا. لذا فإن تصريحات الوزيرة لا تعني - كما قد يبدو لأول وهلة- أنها غيرت رأيها لصالح التجديد للمدير الحالي ولكن هذه التصريحات هي في الواقع جزء أساسي من الخطة الموضوعة للتخلص من مدير الجامعة، إذ انها بالإعلان أمام الملأ وفيهم وزراء وأعضاء في مجلس الأمة بأنها ترغب في التجديد لمدير الجامعة لمدة سنة، فقد نجحت الوزيرة في طمأنة بل وتخدير النواب الذين يتعاطفون مع مدير الجامعة وتهدئة النفوس وتخفيف الضغوط عليها وتأجيل معركة التخلص من مدير الجامعة إلى التوقيت المناسب لها.
وأضاف الطبطبائي وبتاريخ 30 سبتمبر أي بعد بدء الدراسة بأسبوع ومجلس الأمة مازال في إجازته الصيفية وأغلبية النواب في الخارج ضمن وفود تقوم بزيارات رسمية، اختارت الوزيرة أن تعلن لأول مرة عبر بيان وزعته على الصحافة أنها لن تجدد لمدير الجامعة، وادعت أنها كانت تنوي التجديد لمدير الجامعة لمدة سنة ولكنها اصطدمت بنصوص قانونية، خارجة عن إرادتها، منعتها من ذلك.
فتوى قانونية
إن الوزيرة أرادت إيهام الجميع بأنها فوجئت بفتوى قانونية لا تجيز التجديد لمدة سنة، وأن قرارها بعدم التجديد لمدير الجامعة لم يكن خيارها المفضل وإنما هو أمر أجبرت عليه مكرهة بحكم القسم الذي يلزمها باحترام القانون، هذا هو تفسير الوزيرة للأحداث، ولكن هناك تفسيرا آخر لهذه الأحداث أقرب للواقع وأكثر مصداقية وهو أن كل ما حدث لم يحدث اعتباطا أو أتى من فراغ وإنما كان من البداية إلى النهاية وفقا للعبة سياسية مدروسة من قبل الوزيرة ومستشاريها للتخلص من مدير الجامعة بطريقة لا تثير ردة فعل قوية ضد الوزيرة، والأمر برمته لا علاقة له بتاتا لا من قريب أو من بعيد بتطبيق القانون، بل القانون منه براء.
وفي الآتي بيانه نطرح بعض التساؤلات المشروعة التي لم تجب عنها الوزيرة، ولكنها تدعم صحة وجهة نظرنا فيما ذهبنا إليه وهو أن ما حصل من وقائع لم يحدث بمحض الصدفة كما تدعي الوزيرة وانما كان «عملية مقصودة ومدبرة» وسنترك الحكم النهائي للقارئ ليحدد تفسير الأحداث الذي يعتقد أنه أقرب للحقيقة، وسنعرض فيما يلي بعض التساؤلات الأساسية التي قد تسهل على القارئ الوصول إلى الحقيقة المجردة:
سنفترض أن الوزيرة كانت متمسكة فعلا ببقاء مدير الجامعة الحالي في منصبه واستمراره في عمله، فلماذا لم تطلب التجديد له كالمعتاد وفقا للقانون دون أن تشترط تحديد مدة معينة، وبذلك تتفادى الدخول في متاهات الجدل القانوني حول مدة التجديد؟! حينئذ فإن طلب التجديد وبهذه الصورة ستتم الموافقة عليه بسهولة وفقا لما هو متبع. هذا هو الاجراء المنطقي الواضح الذي كان على الوزيرة أن تتبعه لو أنها كانت تسعى للتجديد لمدير الجامعة وفقا لما كانت تردده في العلن، فهل مطلوب منا أن نصدق أن هذا الخيار البديل والمحسومة نتيجته قد غاب عن ذهن الوزيرة وعن مستشاريها، وهم الذين لهم باع طويل في مجال الإدارة؟!
لم تترك الوزيرة مناسبة يأتي فيها ذكر مدير الجامعة الحالي إلا وأثنت على شخصه خير الثناء وأشادت بأدائه وانجازاته وكفاءته، والتساؤل الذي يطرح نفسه هو: إذا كان مدير الجامعة يتمتع بشهادة الوزيرة بهذه الخصال الحميدة، فلماذا تطلب الوزيرة تقليص مدة التجديد له إلى سنة واحدة فقط؟! ولماذا لم تطلب التجديد له لأربع سنوات، وهي المدة المعتادة للتجديد، أسوة بالوكلاء المساعدين في وزارة التربية الذين طلبت الوزيرة التجديد لهم؟! المنطق السليم أنه يستحق التجديد لأربع سنوات مادامت كفاءته ليست محل شك بإقرار الوزيرة الصريح والواضح، وبالتالي إذا كان المدير يستحق التجديد فيجدد له لأربع سنوات كاملة، أو أنه لا يستحق التجديد فلا يجدد له بتاتا، وكان من الواجب مناقشة طلب التجديد وفقا لهذه النظرة المنطقية والموضوعية والتي على أساسها يتم اتخاذ القرار المناسب.
ما تفسير الوزيرة لإصرارها على أن تكون مدة التجديد سنة واحدة فقط، في ضوء إشادتها العلنية بالمدير؟ ان قيام الوزيرة بإقحام شرط تحديد مدة سنة للتجديد لا يوجد له مبرر منطقي سوى خلط متعمد للأوراق وتعقيد واضح للإجراءات بهدف وضع عراقيل في طريق التجديد، وقد حدث ما كان متوقعا حيث أدى اشتراط الوزيرة مدة سنة للتجديد إلى تغيير مسار النقاش من الناحية الموضوعية ـ هل يجدد للمدير بناء على انجازاته وكفاءته؟ ـ وهو نقاش كان معروفا سلفا أنه سينتهي لصالح التجديد، ليتحول بقدرة قادر إلى جدل قانوني ـ أيهما أولى المشروعية أم الموائمة؟ ـ لا علاقة له البتة بأداء المدير في الفترة السابقة، وينتهي النقاش القانوني ـ كما توقعه مستشارو الوزيرة ـ إلى عدم الموافقة على التجديد لمدة سنة بناء على الرأي القانوني الخاطئ، الذي أثبتنا أنه قد جانبه الصواب.
ما تفسير الوزيرة للاستمرار في تمسكها بمدة سنة كشرط للتجديد بعد أن علمت وفقا للفتوى التي بحوزتها ـ كما تدعي ـ عدم جواز التجديد وفقا لهذا الشرط؟ التفسير الوحيد هو أن الوزيرة لم ترغب بالتجديد للمدير، وبيدها الآن ورقة رابحة وهي الرأي القانوني الخاطئ والذي يحقق لها هدفين طالما سعت للوصول إليهما، الأول: صدور قرار بعدم الموافقة على التجديد بناء على نواح قانونية شكلية، والثاني:إلقاء مسؤولية هذا القرار على مجلس الوزراء بعيدا عن الوزيرة.
إذا كانت الوزيرة مصرة على التجديد للمدير لمدة سنة، فلماذا لم تطلب التجديد لأربع سنوات، لتجاوز العقبة القانونية التي أثيرت بشأن عدم جواز مدة أقل، وبعد مرور سنة يقدم المدير استقالته؟ أو بعد مرور سنة، تشكل الوزيرة لجنة بحث لاختيار مدير جديد وعندما يصدر مرسوم بتعيين المدير الجديد تنتهي بذلك ولاية المدير الحالي؟ هذان خياران يحققان مطلب الوزيرة بالتجديد لمدة سنة، فلماذا رفضتهما الوزيرة دون مسوغ؟! هل هذا التصرف يصدر ممن يبحث عن حل أم هو تصرف لا يصدر إلا ممن لا يريد حلا؟ فيا ترى ما الأسباب الخفية التي جعلت الوزيرة ترفض وبإصرار غريب جميع هذه الخيارات؟
التجديد لمدير الجامعة
وأخيرا، ما الذي تخشاه الوزيرة من التجديد للمدير لأربع سنوات ولا تخشاه عند التجديد له لسنة واحدة؟ المنطق والعقل يقولان أنه ليس هناك فرق بين الحالتين. ولكن، لنفترض جدلا أنه تم التجديد للمدير، وبعد ذلك ولأي سبب من الأسباب ساءت علاقة العمل بين الطرفين، فالوزيرة تملك أن تطلب من المدير أن يقدم استقالته، والحكمة تقتضي من المدير أن يستجيب لطلب الوزيرة. ولكن لنفترض جدلا أن المدير رفض الاستجابة لطلب الوزيرة وهذه فرضية بعيدة الاحتمال، فما على الوزيرة إلا رفع الأمر إلى مجلس الوزراء الذي وقياسا على حالات سابقة مماثلة، سيستجيب لطلبها ويقوم بإعفاء المدير من منصبه.
والخلاصة أن المدة الفعلية التي يقضيها المدير في منصبه مرهونة بموافقة الوزيرة على استمراره وحسن علاقة العمل بينهما ورضاها عن أدائه، فالوزيرة هي التي تحدد مدة الخدمة الفعلية للمدير في منصبه وبما لا يتجاوز أربع سنوات، دون الحاجة للنص عليها صراحة في المرسوم. ولا نعتقد أن هذه المبادئ الأساسية كانت غائبة عن بال من هم خبراء في الإدارة وتقلدوا العديد من المناصب المهمة وقدموا الكثير من الاستشارات والدراسات للغير في مجال الإدارة.
نوايا الوزيرة
ومما سبق فلا مناص لأي إنسان منصف، مهما حاول أن يحسن الظن بنوايا الوزيرة، إلا أن يخلص إلى النتائج التالية:
ـ جميع المؤشرات تقود إلى الاستنتاج التالي وهو أن الوزيرة لم تكن تنوي في يوم من الأيام التجديد لمدير الجامعة الحالي. وما كانت تصريحاتها ووعودها، التي لم تلتزم بها، إلا وسيلة لطمأنة الغير بل وتضليلهم كجزء من لعبة سياسية هدفها النهائي التخلص من مدير الجامعة بهدوء في التوقيت الذي يناسبها وبأقل قدر ممكن من الضرر السياسي.
ـ لم تأت النية بعدم التجديد للمدير الحالي والتي أسرّتها الوزيرة منذ تقلدها حقيبة الوزارة، نتيجة لتقصير في أداء المدير أو عدم كفاءته، حيث ان الوزيرة في أكثر من مناسبة أشادت بكفاءة المدير وإخلاصه ونزاهته وما تحقق من إنجازات أثناء فترة ولايته، وأثنت عليه ثناء كثيرا.
ـ ولم يأت قرار الوزيرة بعدم التجديد للمدير بسبب نص قانوني يمنع من ذلك كما تدعي الوزيرة، وذلك لأنه لا وجود لمثل هذا النص ـ المقصود نص يشترط ألا تقل فترة التجديد عن أربع سنوات ـ وما على الوزيرة سوى أن تطلب ممن أخبرها بذلك أن يطلعها على هذا النص القانوني السري.
ـ كما ان قرار الوزيرة بعدم التجديد لم يأت نتيجة لفتوى معتمدة رسميا أصدرتها الجهة المختصة بالإفتاء، إذ ان الرأي القانوني الذي تستند إليه في موقفها الرافض للتجديد هو رأي غير معتمد من الناحية الرسمية لكونه لم يصدر من الجهة المختصة رسميا بالإفتاء، وبالتالي لا مسوغ قانونيا للأخذ به وحده واستبعاد غيره من الآراء وتفضيله على ما سواه من أراء تختلف معه. إن تمسك الوزيرة بهذا الرأي وإصرارها عليه دون النظر إلى الآراء الأخرى أو طلب فتوى معتمدة من الجهة المختصة رسميا بالإفتاء، لدليل واضح على عدم رغبتها في التجديد للمدير وما الرأي القانوني الذي تتمسك به إلا ذريعة واهية تستند إليها لتحقق رغبتها في إزاحة المدير من منصبه وفي الوقت ذاته تستغله في الدفاع عن نفسها أمام الغير: «هذا قانون وقد أقسمنا على احترامه» ومن منا يستطيع أن يجادل في هذا؟
ـ وأكبر دليل على عدم رغبة الوزيرة في التجديد وعلى عدم نيتها الوفاء بالوعود التي قطعتها على نفسها ولا تنفيذ ما صرحت به مرات عديدة هو رفضها القاطع والسريع لجميع الحلول التي اقترحت عليها كبدائل سليمة من الناحية القانونية تتكفل بمعالجة الإشكالية التي أثارها الرأي القانوني الخاطئ وفي الوقت ذاته تلبي رغبات الوزيرة بشأن مدة التجديد. هل هناك أي تفسير آخر لرفض الوزيرة لجميع الحلول القانونية التي طرحت عليها دون أن تكلف نفسها عناء البحث فيها أو إحالتها للقانونيين لديها لإبداء الرأي فيها؟
ـ لا شك أن هناك العديد من الأسباب والمغريات التي شجعت الوزيرة على عدم التجديد للمدير لعل أبرزها رغبتها في بسط سيطرتها الكاملة على الجامعة بما يمكن الوزيرة من التحكم في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الجامعة، وهذا ما لا يمكن أن يحدث بوجود المدير الحالي. ناهيكم عن الاستعداد الغريزي لدى هذه الوزيرة تحديدا لعقد الصفقات السياسية والاستجابة للضغوط المختلفة سواء من مجموعة معروفة من النواب لترضيتهم ولكي تكسب مواقفهم السياسية مستقبلا، علاوة على تسديد فاتورة الاستحقاقات الحزبية بتسكين المنتمين للحزب في المواقع المؤثرة في الجامعة لإحكام السيطرة على هذه المؤسسة الحساسة وتوجيهها بما يخدم أهداف حزب الوزيرة وتوجهاته السياسية والفكرية وتكريسها في المجتمع.
سلبية مجلس الوزراء
ـ إنه لمن المؤسف حقا أن يتعامل مجلس الوزراء بسلبية واضحة مع الجامعة الحكومية الوحيدة وكأنه غير معني بها أو مسؤول عنها، أو كأنها شأن داخلي يخص وزيرة التعليم العالي وحدها ويدعها تتصرف فيها كيفما تشاء دون حسيب أو رقيب وإلا كيف نفسر سكوت مجلس الوزراء عن قيام الوزيرة باتخاذ قرارات ارتجالية بدوافع حزبية ضيقة واستجابة منها لضغوط سياسية أدت إلى إلحاق الضرر بسمعة الجامعة وتعطيل مسيرتها ومصالح منتسبيها. لقد كان من المفترض من مجلس الوزراء أن يناقش الوزيرة في قراراتها من جوانبها المختلفة: ما الأسباب التي دعتها لعدم التجديد لمدير الجامعة، والحلول المقترحة للخروج من المأزق الحالي، ومسوغات اختيارها هذا التوقيت غير المناسب لاتخاذها لهذه القرارات، وتصريحاتها ووعودها التي لم تلتزم بها.
ـ وفي ضوء المناقشة يتحمل المجلس مسؤولياته ويصدر قراراته المناسبة لتصحيح الأوضاع وتتم محاسبة الوزيرة على الأضرار التي لحقت بالجامعة نتيجة لتخبطها الإداري وإقحامها توجهاتها الحزبية في شؤون الجامعة وقيامها بإبرام الصفقات السياسية مع مجموعات الضغط المختلفة على حساب الجامعة.
الخلاصة
ونختم مقالنا هذا بالسؤال التالي: كيف ستتصرف حكومة أي دولة لو حدث هذا الموقف في دولتها؟ والجواب يعتمد على تصنيف الدولة:
- ـ إذا كانت الدولة إحدى دول العالم الثالث: تضحي بمدير جامعتها الوحيدة، وتستمر الوزيرة في عملها معززة ومكرمة.
- ـ إذا كانت الدولة إحدى دول العالم الثاني: تعيد الحكومة مدير الجامعة إلى منصبه معززا ومكرما ويطلب من الوزيرة تقديم استقالتها فورا.
- ـ إذا كانت الدولة إحدى دول العالم الأول: تستقيل الحكومة بأكملها ويدعى إلى انتخابات جديدة تفوز فيها المعارضة التي تشكل حكومة جديدة ويعين فيها مدير الجامعة وزيرا جديدا للتعليم العالي وتحال الوزيرة إلى النائب العام للتحقيق معها بشأن الاتهامات الموجهة إليها والتي أبرزها إساءة استخدام السلطة.