رحب رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي برئيس وزراء المملكة المتحدة ديفيد كاميرون مؤكدا أنه ضيف عزيز في مجلس الامة الكويتي، وصديق كبير للكويت، وتمنى له طيب الاقامة في رحابها. وقال ان زيارتكم تأتي في أجواء من الفرح احتفالا بمرور خمسين عاما على استقلال الكويت وعشرين عاما على التحرير وخمسة اعوام على تقلد صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم، فهي زيارة تبعث على السعادة في هذه المناسبات السعيدة.
إن زيارتكم للكويت، مهمة بمقاييس عديدة، تتواصل بها علاقة تاريخية وطيدة بين بلدينا وشعبينا الصديقين، ويتلاقى فيها حرصنا جميعا على تعزيز هذه العلاقة وتوسيع نطاقها لما فيه مصلحة البلدين الصديقين.
وأشار الى ان هذه العلاقة تضرب بجذورها في عمق تاريخ يزيد على قرن من الزمان كانت فيه المملكة المتحدة دوما صديقا للكويت، وكانت الكويت تبادلها نفس روح الصداقة الصادقة. لم تخل هذه العلاقة من التميز والتمايز، وكانت في جميع مراحلها سندا للشعب الكويتي في مسيرته الطويلة نحو الاستقلال وبناء دولة المؤسسات الديموقراطية التي ينعم بثمارها اليوم شعب الكويت.
أبرز المحطات
وزاد ولعل أبرز محطاتها كانت خلال فترة الاحتلال الصدامي الغاشم للكويت التي كانت من أشد مراحل تاريخ الكويت ظلما وظلاما. وكانت فيها العلاقة الوطيدة بين بلدينا الصديقين في اسطع تجلياتها. كان موقف المملكة المتحدة فيها صريحا وصادقا وقويا في نصرة الحق الكويتي بمواجهة الظلم والعدوان، سواء كان ذلك في الامم المتحدة والمحافل الدولية، او في مشاركتها وتضحية ابنائها في حرب تحرير الكويت لتعود الكويت حرة مستقلة. إنه موقف، لم ولن ينساه الشعب الكويتي.
واوضح انه في اطار هذه العلاقة التي جمعت البلدين كان المجال وسيبقى رحبا وواسعا للتعاون الاقتصادي المثمر والتعاون الثقافي البناء بين بلدينا، وهو تعاون تحرص الكويت على تعزيزه وتوسيع نطاقه نحو آفاق أرحب تتحقق فيه المصالح المشتركة، وتلتقي فيه رغبة الطرفين في المساهمة الايجابية ببناء اقتصاد عالمي مستقر يحقق النفع للجميع.
ولفت الى ان التعاون على المستوى البرلماني بين البلدين شكل جانبا مهما في توطيد أواصر هذه العلاقة، إذ حرص برلمانيا البلدين على تبادل الرأي في المحافل الدولية وتنسيق المواقف بما يخدم قضايا البلدين، ونتطلع في مجلس الأمة إلى تعزيز هذا التعاون.
وبدوره، أكد رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كامرون ان العلاقة بين الكويت وبريطانيا قوية ومتجذرة، مبينا ان هناك شراكات تجارية واقتصادية وسياسية وكذلك أمنية.
وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي عقده في مجلس الأمة امس ان سمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد يواجهان التحديات التي تواجه مضاعفة رقم الاستثمارات بينهما والذي تجاوز المليار جنيه استرليني سنويا.
وقال كاميرون: انه لمن دواعي سروري ان ألقي خطابي في مجلس الأمة في هذا الوقت المميز الذي تحتفل فيه الكويت بمرور نصف قرن على الاستقلال عن بريطانيا وبمرور 20 عاما على تحرير الكويت من قوات صدام حسين حينما غزا بلدكم قبل عقدين من الزمان.
وأضاف: لقد ارتأى قائدان عالميان الخطر وهما الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ورئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر والتي وصفت الوضع بكل فصاحة حينما قالت «ان غزو العراق للكويت يتحدى كل مبادئ الأمم المتحدة، ولو تركناه ينجح فلن تكون أي دولة صغيرة في مأمن وسيسود قانون الغاب بدلا من حكم القانون».
وبيّن كامرون: ان بريطانيا وأميركا قد شكلتا تحالفا كبيرا مع العرب وغير العرب للوقوف معكم في تلك الساعة المظلمة لكي يبينوا ان الدول المستقلة يجب الا تتعرض للتهديد ويجب ألا تغرق في رمال الصحراء.
وقال: أنا فخور بأن أكون خلفا لتاتشر كرئيس وزراء وخلفا للرجل الذي ساعد في نصر هذا التحالف وهو جون ميجور.
وحيا كاميرون الجنود البريطانيين من الرجال والنساء وزملائهم في التحالف الذين بذلوا أرواحهم في تحرير الكويت بما في ذلك 47 جنديا بريطانيا.
وأوضح ان تضحياتهم يتم تذكرها يوميا لسيادة هذا البرلمان، مستدركا: وما حققتموه كأمة ليس فقط منذ عشرين عاما للتحرير ولكن ايضا من خلال 50 سنة في الاستقلال.
وقال ان غالبية الشعوب المجاورة تسعى لنيل حقوقها وتقوم بذلك بشكل سلمي، وبرزت عبر العالم العربي تطلعات كانت خافية لمدة ويمكنها ان تستلهم من الحركات السلمية للتغيير في الثورة البنفسجية في أوروبا الشرقية والوسطى، ونضال الحقوق المدنية في أميركا والتحول السلمي الى الديموقراطية في اندونيسيا المسلمة.
وقال انه من المبكر معرفة ما ستؤول اليه النتائج في كثير من الحالات الحاصلة الآن في تلك الدول، مبينا انه كان هناك في الماضي خيبة أمل ولكن الآن هناك سبب للتفاؤل وهو ان الشباب هم الذين يتحدثون، ويكتبون التاريخ بطرق سلمية وكريمة وهذه لحظة وفرصة تاريخية ومهمة في المنطقة.
تقرير المصير
وأكد ان بريطانيا كما وقفت مع الكويت عام 1990 للدفاع عن حقها في تقرير المصير، فإنها ستقف اليوم مع الشعوب والحكومات التي تطبق العدالة وحكم القانون والحريات، مبينا «ليس لي أو لأي حكومة خارج المنطقة ان تعطي النظريات حول كيفية تحقيق كل دولة تطلعات شعبها».
وشدد على انه ليس من حق احد ان يقول لهذه الدول كيف تفعل ذلك او ما هو الشكل الذي سيكون عليه المستقبل، الا ان هناك حقيقة واحدة للنجاح ومنها ضمان المشاركة الشعبية في الحكومة، كما اننا نحترم حق الدول في اتخاذ قراراتها في الوقت الذي نساندها بالنوايا الحسنة.
وأكد أن مبادئ الحرية وحكم القانون هما افضل الضمانات للتقدم البشري والنجاح الاقتصادي، ولكل دولة الحق في العثور على الطريق الصحيح لتحقيق التغيير السلمي، وانتم هنا في الكويت قد وضعتم الطريق لذلك، فانكم تختارون المكان الصحيح للحديث حول القضايا المهمة وهو البرلمان.
وقال كاميرون ان الكويت وبريطانيا يجمعهما تاريخ صداقة طويل منذ ان حطت اول سفينة بريطانية في الكويت في القرن السابع عشر الى اتفاقية الصداقة عام 1899 والى يومنا الحالي.
واوضح ان شراكة الكويت وبريطانيا مبنية على المستقبل الاقتصادي لهما ويجب ان ينمو اقتصادهما بشكل متنوع في هذا العالم المليء بالتحديات، كما ان هناك مصالح مشتركة امنية ومنها الجانب الامني في مواجهة تهديد الارهاب والتطرف، مؤكدا في الوقت نفسه على ان الاصلاح السياسي والاقتصادي في العالم العربي مهم جدا وليس فقط تحقيق المصالح المشتركة.
وقال: ارفض القول ان التجارة فقط بيع وشراء للنفط والسلع بل انها اكثر تعقيدا وتنوعا، مبينا ان الشراكة البريطانية لعبت دورا كبيرا في تحقيق امنيات التنمية لشعوب الخليج.
واوضح انه مقابل ذلك فإن الخليج يستثمر بشكل كبير في بريطانيا مثل الهيئة العامة للاستثمار والتي مقرها في لندن واستثمرت 150 مليون جنيه خلال 50 سنة ماضية واغلبها في بريطانيا.
وأكد ان قيمة التجارة والاستثمار بين بريطانيا والكويت تتجاوز مليار جنيه سنويا مشيرا الى انه وسمو الشيخ ناصر المحمد يواجهان التحديات التي قد تواجه مضاعفة هذا الرقم خلال السنوات الخمس المقبلة.
وقال ان تحقيق المنافع الاقتصادية يتطلب كذلك الاستقرار والأمن، مقدرا التعاون الأمني مع الكويتي ودول الخليج، مبينا ان هناك اكثر من 16 الف بريطاني في الخليج الا ان الامن في الخليج لا يؤثر على البريطانيين فقط في الخليج بل على البريطانيين اجمع.
تطوير التجارة
وقال كاميرون: «نسعى الى تطوير النشاط التجاري المتبادل بيننا، ولكنه يتطلب توفير الأمن والاستقرار، نحن نقدر التعاون الأمني مع الكويت ودول الخليج، هناك نحو 160 ألف بريطاني يعيشون في الخليج، ولكن امن الخليج لا يهددهم ولكن يؤثر على المواطنين البريطانيين في المملكة المتحدة».
وشدد على ان استمرار فشل عملية السلام في الشرق الاوسط في تحقيق العدالة للفلسطينيين او أمن اسرائيل، وتهديد ايران المستمر بشأن الاسلحة النووية وتزايد تهديدات القاعدة في شبه الجزيرة العربية هي ليست مشاكل أمنية للاقليم ولكن مشاكل امنية تهدد استقرار العالم اجمع.
وأوضح أنه: يجب علينا ان نفهم بوضوح عملية السلام في الشرق الأوسط وتطوراتها وبشأن الرد على التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط اخيرا، هناك مخاطر حقيقية بأن الحكومات ستتراجع الى الاستنتاجات الخاطئة وتتوقف ولكن في المقابل ارى العكس حيث يجب علينا بدلا من ان نتراجع ان ندفع الى الامام، كما يجب علينا ان نرد على الاتصالات الطارئة التي ينادي بها الجميع وهي ان تكون هناك دولتان منفصلتان تجلسان للتفاوض. ومثلما السلطات الفلسطينية مطالبة بأن تتحمل مسؤولياتها في نبذ العنف في الضفة الغربية، على اسرائيل في الجانب الآخر ان تلبي مطالب خارطة الطريق. اما عن الحلول فإن بريطانيا توافق على قرار مجلس الأمن الاخير (الجمعة الماضية) بأن تكون النتيجة دولتين اسرائيل وفلسطين، ووضع اطار عادل للاجئين.
وبين ان توحد الاهداف والرسائل عنصر مهم لوقف الارهاب القادم من ايران، كما ان العالم والمجتمع الدولي كله اوضح ان القرارات المتتالية لمجلس الأمن بشأن ايران يجب ان تلتزم مع مطالب المجتمع الدولي.
وأكد كاميرون ان بريطانيا مدت يد التعاون مع ايران ولكن الاجابة الايرانية كانت محبطة جدا ومقلقة، نحن لن نقف موقف المتفرج.
وأكد ان النووي الايراني يغطي على المنطقة، نرفض الدخول الايراني في شؤون الدول المجاورة وجيرانها.
اما عن مواجهة تهديدات الارهابيين فقال كاميرون يجب علينا ان نستوعب طبيعة تهديدات انظمتنا الامنية لا يمكننا ان نتجاهل التهديدات الدولية للإرهاب مثلما سمعنا من القاعدة، والتي نفذت عملياتها في اماكن متفرقة في المملكة السعودية الى الولايات المتحدة.
ومثال على ذلك الواقعة التي حدثت بأن قنبلة وضعت في طائرة في اليمن في اكتوبر الماضي وشحنت الى الامارات ومنها الى بريطانيا وكانت في طريقها الى الولايات المتحدة. وأضاف أن ذلك يظهر أن جميعنا مهددون بالعمليات الإرهابية، ودليل على كيفية تعاملنا نحن مع الأصدقاء والحلفاء أنه بإمكاننا التغلب والمحافظة على أرواح البشر. وأكد إيمانه بأن ما حدث هو تهديد خطير لأمن المجتمع الدولي، وأصبحت مثل تلك العمليات المتطرفة والأفكار منتشرة في مجتمعاتنا وتهدد وحدة صفه عن طريق الراديكاليين المسلمين الشباب حول العالم. ورفض الحديث عن الإسلام لأنه دين عظيم ويدعو الى السلام ويؤمن به أكثر من مليار شخص في العالم، ولكن اتحدث عن عقلية بعض المتطرفين المسلمين وهم أقلية. وبين أن الأيديولوجية هي التي تريد أن تدخل العالم في حرب بين المسلمين من جهة والعالم أجمع من جهة أخرى.
وقال ان ارتفاع التعاون الامني هو أمر ضروري جدا لمواجهة هذه المخاطر.
ودعا كاميرون في ألمانيا أخيرا الى أنه يجب علينا (نحن في الغرب) ان نقحم المسلمين اكثر في مجتمعاتنا في المجتمع المسلم في مجتمعاتنا في خطر ويكاد يكون مفصولا عن مجتمعنا ومعزولا وهو السبب الذي يولد بعض الأمور التي تنتهي بتبني الافكار الارهابية.
وقال: ان الشباب في الوطن العربي يحن الى مستقبل أفضل لهم يرون فيه الاحترام وانتباه السلطات لهم وان يستمعوا اليهم، يريدون انظمة ومجتمعات تستطيع ان تؤمن بهم وبقدراتهم.
وأكد أن أكبر وأعظم شيء شاهدناه في مصر وتونس في الاسابيع الاخيرة هي ليست الايديولوجية أو التحركات الارهابية بل التحركات البشرية المعبرة عن آرائهم لحريات شخصية وسياسية واقتصادية.
صعود الموجة
وأضاف: قالت لي إحدى المراسلات البريطانيات اثناء وجودها في ميدان التحرير ان الجماعات الارهابية حاولت صعود الموجة ولكن التجمعات الشبابية منعوهم وتصدوا لهم وطردوهم من الميدان.
وقال ان في مصر الملايين من المصريين يعيشون في فقر ودخل كل منهم اليومي هو دولاران فقط، مبينا ان جميع المشاركين في الأحداث الأخيرة يريدون حياة أفضل وان يكون لهم صوت مسموع.
وأوضح ان الصوت اليوم هو ملك جيل الشباب الجديد الذي يستخدم الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعية، فقد ملّ الفساد ويريد ان تحل جميع مشاكله.
وقال كاميرون ان العالم أجمع في حالة هلع ومصدوم من الأوضاع الأخيرة في ليبيا والتي انقلبت على شعبها، ان العنف ليس الطريقة المناسبة للرد على المطالبات الشعبية السلمية والمشروعة، واستخدام العنف والقوة ضد الشعوب أمر غير مقبول، ونحن ندين العنف في البحرين ونرحب بالانسحاب العسكري من الشوارع، وتكليف ولي العهد البحريني لبدء الحوار الوطني.
وأضاف انه اذا كان الشعب يرغب ويطالب بالوظائف وان يكون له صوت مسموع ورفض، يبقى ان هناك خطأ من ان حالة الاحباط وشيوع الشعور بالضعف والنتائج من سوء الاتصال مع القائمين في إدارة الدولة يمكن ان تفتح باب الانفصال عن المجتمع.
وبين ان ذلك سيؤدي إلى العنف والتطرف، اللذين يعاني منهما العالم العربي، فهما مشكلة العالم أجمع، وهذا يدفعني الى التفكير في ان الاصلاحات السياسية والاقتصادية في العالم العربي ليست في صالحها فقط، وإنما مفتاح ودواء شاف ضد المتطرفين والتهديدات الخارجية.
وشدد كاميرون على ضرورة دعم الاصلاحات الاقتصادية والسياسية بأن نفهم ان الديموقراطية هي عملية ممارسة وليست نتائج، موضحا ان العمل الديموقراطي يحتاج الى الصبر ويبنى من الجذور ويجب ان توضع اللبنات الأساسية قبل البناء.
وقال ان الاصلاحات الاقتصادية والسياسية ضرورية ومهمة، ولكن يجب ان تتبع بالاحترام مع خصوصية كل دولة وتاريخها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها، نحن في الغرب ليس من شأننا ان نحاول ان نتدخل في الشؤون الداخلية للدول وان عملية التطور السياسية والاقتصادية تجرى بخصوصية كل دولة وبطرقها المتبعة حسب عاداتها وتقاليدها.
وتابع: ولكن هذا ليس عذرا كما يود البعض ان يقول ان العرب والمسلمين لا يمكنهم ان يطبقوا الديموقراطية لأنهم يعتبرونهم المستثنين منها.
ورأى ان ذلك تمييزا يكاد ان يكون تطرفا وهو خاطئ وغير حقيقي، ان عمان أنشأت هيئة لحقوق الإنسان لأول مرة العام الماضي، وكذلك قطر تعتبر من ضمن عشرين أقل دول العالم فسادا، وفوق هذا لننظر اننا في مجلس الأمة الرجال يجلسون بجانب النساء، نحن في مكان الوزراء أعضاء الحكومة يحاسبون ان عمليات التغيير هذه ليست لها ضمن الأجندة الأوروبية، إنما هي تحركات الشعب العربي الذي يريد انجاز شيء، إضافة الى ان هناك حكومات تريد ان تفتح الحوار مع شعوبها لتتقدم.
وأكد ان تحقيق أمن واستقرار المنطقة سيكون مفيدا في التنمية تجاه عالم مسالم ومفتوح، ويبقى سؤال للدول الغربية: هل سيكون لها دور في ان تتم هذه التغييرات السلمية في جو من الاستقرار؟