دراسة للباحث عبداللطيف راضي
كشف الباحث في القضايا القانونية والدستورية عبداللطيف راضي عن أحكام قضائية لمحكمة التمييز الكويتية يتعلق تطبيقها باستمرارية عضوية النائب خلف دميثير، وفيما يلي نص البحث الذي جاء فيه: على اثر الجدل بشأن مدى صحة استمرار النائب خلف دميثير في عضوية مجلس الامة اثر صدور حكم نهائي قضى في حقه بالامتناع عن النطق بالعقاب عن اتهامه مع آخرين فيما عرف بقضية اكتتاب احد البنوك، فإن الاتجاه السائد وفق عدد من الأحكام الدستورية والقضائية يرجح استمرارية عضويته، وذلك لعدة أسباب موضوعية وأخرى قضائية وإجرائية، وقبل الولوج في الجانب القانوني يجدر الاشارة إلى أبعاد القضية التي اتهم فيها النائب، وما يسند حجية استمراره في العضوية النيابية، إذ ان واقعة التزوير لم تكن في محرر رسمي يخص إحدى وزارات الدولة ولا تتصل الواقعة بممارسته لوظيفته النيابية، كما لم تمس المال العام أو أموالا مملوكة للغير وهي تنحصر وفق الاتهام الذي اسند إليه في الاشتراك مع آخرين في تقديم استمارات اكتتاب تبين عدم صحتها، وهو ما يبعد الاتهام عن اعتباره ماسا بالشرف والأمانة وفق ما ميزه قانون الجزاء في الظرف المشدد للجريمة، إضافة إلى شيوع الاتهام بين 16 متهما ووجه إليه الاتهام على أساس من اشتراكه بحكم مساهمته في الاكتتاب المزور وليس فاعلا أصليا.
وفيما يخص الجانب القانوني فإن النائب خلف دميثير حكم عليه بالامتناع عن النطق بالعقاب وهو مستقر وفق أحكام محكمة التمييز من انه وقف لإجراءات المحاكمة وينقضي أثره بانتهاء مدة التعهد بحسن السير والسلوك، ويعتبر الحكم كأن لم يكن دون حاجة لطلب رد الاعتبار، ولا يترتب عليه عقوبات تكميلية مثل العزل عن الوظيفة.
وفي حكم لمحكمة التمييز الكويتية صدر عام 2001 قضت المحكمة بأنه «ولئن كان قضاء محكمة التمييز قد جرى على أن التقرير بالامتناع عن النطق بالعقاب إنما يقتصر أثره على العقوبات الأصلية دون العقوبات التكميلية التي يجب الحكم بها حتى لو قررت المحكمة الامتناع عن النطق بالعقاب. إلا أن شرط الحكم بالعقوبة التكميلية أن يكون نص القانون الذي فرضها يجيز توقيعها في حالة التقرير بالامتناع عن النطق بالعقاب. ولما كان ذلك، وكانت المادة 70 من قانون الجزاء توجب على القاضي إذا حكم على موظف عام بعقوبة جنحة من أجل تزوير أن يقضي بعزله من الوظيفة مدة يحددها الحكم، بحيث لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات. وكان البين من صريح نص هذه المادة أن المشرع اشترط لتوقيع عقوبة العزل الواردة بها أن يكون القاضي قد أوقع على الجاني بالفعل العقوبة المقررة للجريمة وفي الحدود المنصوص عليها في المادة الخامسة من قانون الجزاء ـ أي عقوبة جنحة ـ ومن ثم فإنه لا يصح قانونا توقيع هذا النوع من العقوبات التكميلية في حالة تقرير المحكمة الامتناع عن النطق بالعقاب لما هو مقرر من أن الامتناع عن النطق بالعقاب ليس قضاء من المحكمة بعقوبة، وإنما هو في الحقيقة تقرير من المحكمة بأن الجاني قد ارتكب الجريمة المسندة إليه، وأنه قد ثبتت لديها إدانته بها، مما كان يستوجب الحكم عليه بعقوبة الحبس المقررة لتلك الجريمة فيما لو مضت المحكمة في المحاكمة. إلا أنها قدرت أن تقف بالإجراءات عند هذا الحد لما رأته من توافر اعتبارات التخفيف المشار إليها في المادة 81 من قانون الجزاء. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه لم يوقع على المطعون ضدهما عقوبة الحبس المقررة لجريمة التزوير في محرر رسمي المؤثمة بالمادتين 257، 259/1 من قانون الجزاء التي أثبتها في حقهما وإنما قررت محكمة الموضوع ـ في حدود سلطتها التقديرية ـ الامتناع عن النطق بعقابهما عن هذه الجريمة لما رأته من توافر ظروف التخفيف المنصوص عليها في المادة 81 سالفة الذكر ـ والتي دلل عليها الحكم بأسباب تراها هذه المحكمة سائغة ومنتجة ولا تماري فيها الطاعنة ـ إلا أن المحكمة وقد ضمنت حكمها عقوبة العزل من الوظيفة العامة لمدة سنة كعقوبة تكميلية استنادا إلى نص المادة 70 من قانون الجزاء، فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون ـ على النحو المار بيانه ـ بما يعيب الحكم المطعون فيه ويوجب تمييزه تمييزا جزئيا في هذا الخصوص وتصحيحه بإلغاء هذه العقوبة. ورفض الطعن فيما عدا ذلك».
كما جاء نص المادة 81 من قانون الجزاء الكويتي رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته «إذا اتهم شخص بجريمة تستوجب الحكم بالحبس، جاز للمحكمة، إذا رأت من أخلاقه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها جريمته أو تفاهة هذه الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى الإجرام، أن تقرر الامتناع عن النطق بالعقاب، وتكلف المتهم بتقديم تعهد بكفالة شخصية أو عينية أو بغير كفالة، يلتزم فيه مراعاة شروط معينة والمحافظة على حسن السلوك المدة التي تحددها على ألا تجاوز سنتين. وللمحكمة أن تقرر وضعه خلال هذه المدة تحت رقابة شخص تعينه، ويجوز لها أن تغير هذا الشخص بناء على طلبه وبعد إخطار المتهم بذلك. إذا انقضت المدة التي حددتها المحكمة دون أن يخل المتهم بشروط التعهد، واعتبرت إجراءات المحاكمة السابقة كأن لم تكن.
أما إذا اخل المتهم بشروط التعهد، فان المحكمة تأمر ـ بناء على طلب سلطة الاتهام أو الشخص المتولي رقابته أو المجني عليه ـ بالمضي في المحاكمة، وتقضي عليه بالعقوبة عن الجريمة التي ارتكبها ومصادرة الكفالة العينية إن وجدت».
وجاء كذلك في الموضوع حكم محكمة النقض المصرية بتاريخ 23-3-1964 برقم 2083 «الأصل أن إيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم الذي يصبح فيه الحكم نهائيا هو إجراء يرمي إلى إنذار المحكوم عليه بعدم العودة إلى مخالفة القانون خلال مدة الإيقاف، فإذا انقضت هذه المدة من تاريخ صيرورة الحكم بوقف التنفيذ نهائيا ولم يكن قد صدر في خلالها حكم بإلغائه فلا يمكن تنفيذ العقوبة المحكوم بها، ويعتبر الحكم بها كأن لم يكن فيسقط بكل آثاره الجنائية، ويعتبر سقوطه بمنزلة رد اعتبار قانوني. للمحكوم عليه، فلا يحتسب هذا الحكم سابقة في تطبيق أحكام العود أما خلال المدة التي يكون فيها الحكم الموقوف تنفيذه ما زال قائما فيحتسب سابقة في العود ما لم يصرح الحكم نفسه بوقف تنفيذ آثاره الجنائية أيضا ومنها احتسابه سابقة في العود، وذلك كله عملا بالقواعد العامة في قانون العقوبات».
وفي حال الحكم في عقوبة وليس تقرير الامتناع عن النطق في العقاب، فإن تحديد معيار الجرائم الماسة بالشرف والأمانة يكون وفق حكم محكمة التمييز بقولها عام 2003 «وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة، لم يورد تحديدا أو حصرا للجريمة المخلة بالشرف والأمانة بما مفاده انه ترك تقدير ذلك لمحكمة الموضوع، في ضوء معيار عام مقتضاه أن يكون الجرم من الأفعال التي ترجع إلى ضعف في الخلق أو انحراف في الطبع تفقد مرتكبها الثقة أو الاعتبار أو الكرامة وفقا للمتعارف عليه في مجتمعه من قيم وآداب وبما لا يكون معه الشخص أهلا لتولي المناصب العامة بمراعاة ظروف كل حالة على حدة بحسب الظروف والملابسات التي تحيط بارتكاب الجريمة والباعث على ارتكابها».
وجاء في حكم المحكمة الدستورية في الطعن رقم 22 لسنة 2009 «أن الأحكام الصادرة بالغرامة ليست مانعة من الترشيح، ولا تعد من عقوبة الجنايات التي تستوجب حرمان المحكوم عليه من حق الترشيح والانتخاب، لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن العقوبة المقضي بها على المطعون ضده الأول هي الغرامة المالية، ومن ثم يكون الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين رفضه».
وفيما يخص طعن احد مرشحي المجلس البلدي (الحكم بالطعن رقم 35 لسنة 2009) عن استبعاد اسمه من قائمة المرشحين نتيجة صدور حكم بالامتناع عن العقاب في جريمة تزوير فان المحكمة الدستورية لم تفصل في صحة الشطب والاستبعاد الذي جاء في حكم إداري قبل إجراء الانتخابات نتيجة طعن احد الناخبين واكتفت المحكمة دون التعليق على صحة الحكم بالقول «أما عما يثيره الطاعن من أن هذا الحكم قد أخطأ حين قام بحرمانه من الترشيح على الرغم من استيفائه الشروط المتطلبة قانونا، فإن ذلك مجاله هو ولوج سبيل الطعن على الحكم بالطرق المقررة قانونا، وهذه المحكمة وفي نطاق اختصاصها بنظر الطعون الانتخابية ليست محكمة طعن على الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم لانحسار هذا الاختصاص عنها».
وعن آلية حسم صحة عضوية النائب خلف دميثير فإننا نشير إلى رأي د.عادل الطبطبائي، إذ يقول مؤلفه النظام الدستوري في الكويت (دراسة مقارنة) في حديثه عن إسقاط العضوية: قد يحدث أثناء فترة العضوية أن يفقد العضو أحد شروط العضوية، كأن يفقد شرط الجنسية، أو يدان في جريمة مخلة بالشرف والأمانة. وقد يكون العضو فاقدا لشروط العضوية منذ البداية، ولكن لم يطعن احد في عضويته، أو طعن في العضوية، ورفض الطعن لعدم كفاية الأدلة. ففي هذه الحالات لا تسقط العضوية بصورة تلقائية، وإنما لابد من صدور قرار من المجلس بإسقاطها. وهذا ما نصت عليه المادة 16 من اللائحة الداخلية للمجلس بقولها «إذا فقد العضو احد الشروط المنصوص عليها في المادة 82 من الدستور أو في قانون الانتخاب أو فقد أهليته المدنية، سواء عرض له ذلك بعد انتخابه أو لم يعلم إلا بعد الانتخاب، أحال الرئيس الأمر إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لبحثه. وعلى اللجنة أن تستدعي العضو المذكور لسماع أقواله إذا أمكن ذلك على أن تقدم تقريرها في الأمر خلال أسبوعين على الأكثر من إحالته إليها. ويعرض التقرير على المجلس في أول جلسه تالية. وللعضو أن يبدي دفاعه كذلك أمام المجلس على أن يغادر الاجتماع عند اخذ الأصوات. ويصدر قرار المجلس في الموضوع في مدة لا تجاوز أسبوعين من تاريخ عرض التقرير عليه. ولا يكون إسقاط العضوية إلا بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس باستثناء العضو المعروض أمره، ويكون التصويت في هذه الحالة بالمناداة بالاسم، ويجوز للمجلس أن يقرر جعل التصويت سريا».