محمد ناصر
هل تشكل موافقة مجلس الأمة على طلب الحكومة تأجيل مناقشة طلب الاستجواب الموجه لسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد لمدة سنة نقطة تحول في تاريخ الحياة السياسية الكويتية بشكل عام والاستجوابات بشكل خاص؟
فكما سجل استجواب د.فيصل المسلم المقدم لسمو رئيس مجلس الوزراء سابقة تاريخية بصعود سموه المنصة وتفنيد محاور الاستجواب ليكون أول رئيس وزراء في تاريخ الكويت يقدم على ذلك، يضاف اليوم استجواب النائبين احمد السعدون وعبدالرحمن العنجري ليكون سابقة إضافية إذ منذ عام 1962 تاريخ صدور الدستور لم يتم الموافقة على طلب تأجيل أي استجواب لمدة عام كامل.
لا يخلو عادة أي استجواب من سجالات وتكتيكات يرمي بها كل فريق لجس نبض الفريق الآخر وقد برز خيار التأجيل لمدة عام بشكل واضح مع استجواب النواب وليد الطبطبائي ومحمد هايف وعبدالله البرغش لسمو رئيس مجلس الوزراء في نوفمبر 2008 والذي تمحور حول إدخال الفالي الى البلاد والتجاوز عن القيود الأمنية يومها تعالت الأصوات المنددة بالخطوة التي اعتبرت ان تأجيل مناقشة الاستجواب لمدة عام يعد التفافا على المواد الرقابية التي كفلها الدستور لعضو مجلس الأمة، وعبرت عن رفضها رفضا قاطعا اي محاولات تؤدي الى تفريغ الدستور من محتواه، معتبرة إجراء التأجيل إذا تم سيكون الأخطر في تاريخ الكويت، لأن تأجيل مناقشة الاستجواب الى أمد طويل يعد تنقيحا للدستور، وهذا ما اعتبرته الأصوات انه ما يسعى اليه البعض منذ زمن بعيد، ودعت الأصوات لعدم التفريط في الثوابت الدستورية من أجل كرسي برلماني مؤقت، موضحة ان الرعيل الأول ضحى من أجل ولادة دستور 1962 ليُنسف ما ضحى من أجله الأجداد في لمحة بصر، وحثت تلك الأصوات النواب على ألا يكون تفكيرهم فقط من أجل أنفسهم والمحافظة على الكرسي ويقومون بنسف مواد الدستور بل دعوا النواب الى ان يراعوا الأجيال القادمة لأن التاريخ لن يرحم كل من فرغ الدستور من محتواه، مفضلين الحل الدستوري على تفريغ الدستور من محتواه. واعتبروا ان تأجيل مناقشة الاستجواب سيفتح الباب على مصراعيه وفي المستقبل لن يستطيع اي نائب محاسبة اي وزير يتجاوز القانون أو المال العام.
وشددوا على ان تلك المحاولات ما هي إلا لتفريغ الاستجواب من محتواه الدستوري بالجهود السابقة للحكومات والتي سعت منذ عام 1982 الى تنقيح الدستور وتقييد أدوات الرقابة البرلمانية مثل السؤال والاستجواب وصولا الى إلغائها وإعدام أثرها وما لحقها من خطوات بعد ذلك تحقيقا للغاية نفسها، حيث برز نهج اللجوء الى المحكمة الدستورية، كلما ظهرت في الأفق ممارسة لأدوات الرقابة البرلمانية مثل السؤال والاستجواب، وهو ما أقحم المحكمة الدستورية في ميدان الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية رغم انه ليس ميدانها ولا هو من اختصاصها، واتخذت طلبات تفسير الدستور المقدمة اليها سبيلا لذلك.
أما الأصوات المؤيدة لتأجيل الاستجوابات فقد اعتبرت ان موضوع تأجيل الاستجواب لفترة طويلة لا يتعارض مع اللائحة والدستور، نافين ان تشكل هذه الخطوة سابقة، مشيرين الى ان هناك استجوابات قدمت في السابق وعولجت بإجراءات للمرة الأولى ولم تشكل أو تؤسس سابقة للاستجوابات التي تلتها.
وشددوا على انه من حق النائب ان يستجوب وحق المجلس ان يمارس دوره وفق اللائحة ومن حق صاحب السمو الأمير ان يحل المجلس.
وفي خضم التصريحات المضادة بين المؤيدين والمعارضين خاصة حول تفسير المادة 135 من اللائحة الداخلية استشهد خبراء لجنة الشؤون التشريعية والقانونية حينها بحديث رئيس مجلس الأمة السابق احمد السعدون أثناء ترؤسه جلسة مجلس الأمة التي طرح خلالها استجواب وزير الإعلام الأسبق الشيخ سعود الناصر، على النحو التالي:
في جلسة 17/2/1998، الفصل التشريعي، دور الانعقاد ـ مضبطة 856 ص 789.
السعدون: من حق الوزير ان يطلب التأجيل من يوم الى نهاية الفصل التشريعي، ما أحد يمنعه لنهاية الفصل التشريعي، هذا حق مطلق وبالتالي هذا الحق قائم إنما يشترط موافقة المجلس.
السعدون: لا يمنع الأخ وزير الإعلام من أن يطلب موافقة المجلس، أنا قلت من يوم لغاية نهاية الفصل التشريعي يمكن فيه من يعارض هذا الرأي، لكن يبقى هذا رأي قلته للحقيقة، وأنا مقتنع فيه تماما.
وتعددت الآراء الدستورية والقانونية التي ناقشت تلك المسائل ومنها ما نشرته «الأنباء» لأستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة الكويت د.عبدالله الرميضي عن الحلول المطروحة المتعلقة باستجواب سمو رئيس الوزراء، وقال عن استجواب المحمد عام 2008: أثيرت بعض المسائل الدستورية المتعلقة باستجواب سمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، وهي تتلخص في نقاط 3، الأولى مدى جواز تأجيل الاستجواب، حيث هناك من صرح بجواز تأجيله لمدة سنة، أما المسألة الثانية فهي مدى إمكانية إحالة الاستجواب للمحكمة الدستورية لبيان مدى دستورية الاستجواب.
فاعتبر انه فيما يتعلق بآلية تأجيل الاستجواب ومدى جواز تأجيله لمدة سنة، كما صرح بذلك البعض، فاللائحة الداخلية لمجلس الأمة نظمت هذا وبينت من هو صاحب الاختصاص في التأجيل إذا قررت المادة 135 من اللائحة انه يحق لمن وجه له الاستجواب ان يطلب أجلا لمدة أسبوعين على الأكثر لمناقشة استجوابه تبدأ من تاريخ تقديم الاستجواب، أما اذا ما رغب الوزير المستجوب في مدة أطول فعليه الحصول على قرار بالموافقة من أعضاء مجلس الأمة، اي بموافقة أغلبية الأعضاء الحاضرين، وذلك لمدة أسبوعين آخرين، أما إذا أراد مدة تتجاوز الـ 4 أسابيع المذكورة فلا بد له من الحصول على موافقة أغلبية الأعضاء الذين يتكون منهم المجلس ـ وبالتأكيد سيكون من ضمنهم الوزراء ـ وأعتقد سيكون ذلك أمرا غاية في الصعوبة بالنسبة للوزير المستجوب، وعليه فإننا نرى عدم جواز تأجيل الاستجواب لمدة طويلة قد تصل لمدة سنة الا بعد المرور بالتأجيلات التي حددتها اللائحة المذكورة أعلاه.
أما فيما يتعلق بإمكانية إحالة الاستجواب للمحكمة الدستورية لبيان مدى دستوريته، فالحقيقة، اذا ما نظرنا لاختصاصات المحكمة الدستورية التي منحها إياها قانون إنشائها فنجد انها 3 اختصاصات، الأول مراقبة دستورية التشريعات كالقوانين واللوائح، والاختصاص الثاني هو النظر في الطعون الانتخابية، اما الثالث فهو تفسير نصوص الدستور، فمن الواضح ان بحث مدى دستورية الاستجواب يخرج عن هذه الاختصاصات كونه احدى وسائل الرقابة التي يملكها مجلس الأمة وليس تشريعا، ومن ثم فلا يمكن للمحكمة الدستورية بسط رقابتها على الاستجواب.