أصدر تجمع العدالة والسلام بيانا جاء فيه: قال الله تعالى في كتابه الكريم (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (الأنفال: 46). تشهد الساحة السياسية الكويتية تصعيدا غير مسبوق في تعاطيها مع الأحداث الأخيرة، ولعل الراصد لنتائج وتداعيات الجلسة البرلمانية الأخيرة يكتشف مدى تردي الوضع السياسي الذي وصلنا إليه ممارسة وخطابا.
لقد جاءت المواد 100 و101 و102 من الدستور الكويتي لتنظم عملية المساءلة السياسية، وكرست هذه المواد سلطة الشعب في محاسبة مجلس الوزراء مجتمعة من خلال ممثليها أعضاء البرلمان، وفي الوقت نفسه أكدت هذه المواد على تنظيم هذه الممارسة بما لا يخالف الدستور واللائحة الداخلية المنظمة لعمل مجلس الأمة.
كما جاءت المادة 56 من الدستور لتنظم آلية اختيار رئيس مجلس الوزراء وهو حق مطلق لصاحب السمو الأمير لا ينازعه فيه أحد، وآلية طرح الثقة برئيس الحكومة محددة بالدستور بشكل واضح، كما ان الدستور حدد ممارسة هذا العمل تحت قبة البرلمان وليس في أي مكان آخر سواه.
ان ما يشهده العمل السياسي اليوم هو الفوضى بعينها، ولعل الاستجوابات الأخيرة خير شاهد على ذلك، والتي ضلت طريقها وجاء بعضها مخالفا للدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة وبعضها مكرسا للتصعيد الطائفي وقد فاح منها رائحة الشخصانية وتعمد التصفية السياسية، ولم يقف الأمر عند ذلك بل تعداه الى ان يقوم بعض النواب بممارسة الإرهاب الفكري على زملائهم وبدأت الأقلية محاولة خطف القرار السياسي من خلال أعراف وممارسات لم يعهدها العمل السياسي في الكويت.
ان مناقشة اختلافاتنا وتناول الأمور المصيرية لا تتم بالطريقة التي يتعاطى معها البعض الآن في الشارع، رغم اننا في الوقت نفسه نؤكد ان التجمعات السلمية الساعية الى التعبير عن وجهات النظر بشكل سلمي أمر كفله الدستور ومن حق المواطنين التعبير عن آرائهم بالطرق السلمية وفق الاطار الدستوري وبما لا يخالف القانون والأعراف الاجتماعية والعادات والتقاليد الكويتية الأصيلة، ولكن من جانب آخر مازلنا نعاني فراغا تشريعيا وقانونيا في عملية السماح بتنظيم المسيرات السلمية، وهذا الفراغ التشريعي تقع مسؤوليته على المؤسسة التشريعية وممثلي الأمة، وما يثير القلق ان البعض يحاول الالتفاف على رأي الأغلبية والشرعية البرلمانية من خلال اللجوء الى الصوت العالي والتي لا تعبر بالضرورة عن عموم رأي الشارع الكويتي.
ان المرحلة الراهنة تقتضي منا ككويتيين شعبا ومجلسا وحكومة ان نكون متيقظين وان نضع مصلحة الوطن وسلامة المواطن نصب أعيننا وان نفوت الفرصة على من يريد السوء بالكويت شعبا ونظاما، فمن الواضح ان القوى الإقليمية المحيطة بنا تحاول ان تدخل الكويت في صراع مع محيطه الإقليمي تنفيذا لأجندات خارجية ودولية من جهة، ومن جهة أخرى تحاول هذه القوى تشويه صورة الديموقراطية التي تتمتع بها الكويت دون سواها من دول المنطقة حتى تتفادى المطالب الشعبية المنادية بالديموقراطية في دولها.
ان التحدي الذي نواجهه كشعب ووطن ليس بالأمر اليسير ولكي نتغلب عليه لابد ان يشعر المواطن أولا بتماسك جبهته الداخلية وذلك من خلال محاربة الفئوية والقبلية والطائفية وهذا لا يتحقق إلا بتغليب المصلحة العامة على ما عداها من مصالح ضيقة، ولعل ما ساهم في تفشي وتأجيج هذا الصراع السياسي هو ذلك الصراع الداخلي بين أبناء الأسرة الحاكمة.
ان الظرف الراهن يقتضي ضرورة تدخل حكماء الأسرة الحاكمة لوقف هذا الصراع الداخلي فالأحداث الجارية داخليا وخارجيا لا تحتمل ان تشهد البلاد صراعا على جميع الجبهات ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وداخل كلتا السلطتين ثم تزداد الأزمة استحكاما بخلاف أسرة الحكم الداخلي، فلا وقت أمامنا لنضيعه على تلك التجاذبات حتى لا نرى أنفسنا في موقف فوضوي يصعب احتواؤه، في ظل الأوضاع الراهنة التي ربما لم تشهدها المنطقة بهذه الوتيرة المتسارعة والمعقدة الأطراف من قبل.