-
- المبادرة قراءة فقهية شرعية لبعض نصوص مواد الدستور ولائحة مجلس الأمة
- العمل بالسياسة الشرعية تكمن أهميته في مسايرة التطورات الاجتماعية والوفاء بمتطلبات الحياة المتجددة
- من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفظ مصالح الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة بأسرها
- إصلاح الرعية وتدبير شؤونهم وإقامة العدل وحفظ الحقوق من أسس السياسة الشرعية
- كلما تطابق الدستور مع السياسة الشرعية السليمة كانت تلك لحظة ولادة إصلاح سياسي حقيقي
- مصادر السياسة الشرعية هي القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع المسلمين والقياس والرأي
- السياسة كلمة عربية أصيلة ومن معانيها التدبير والرعاية والتأديب والإصلاح لكنها لم ترد في القرآن بل جاءت مرادفات لها مثل كلمتي حكم وقضاء
- التغيير بالمظاهرات والثورات من مخططات غير المسلمين ومن كيد الملاحدة واستجابة لأعداء الإسلام
- وسائل التغيير المعاصرة فيها تفريق لأمر الأمة وإخلال بنعمة الأمن وقطع الطريق أمام مصالح الناس وحصول الضرر بتخريب الممتلكات العامة وظلم الناس والتعدي عليهم بغير حق
- أول من استخدم العصيان المدني هو الكاتب الأميركي هنري ديفيد ثوراو بعد أن امتنع عن دفع ضرائب الحرب احتجاجاً على العبودية
رشيد الفعم
أطلق النائب د.عبدالرحمن الجيران مبادرة مشروع الإصلاح السياسي وفق السياسة الشرعية وقد خص الجيران «الأنباء» بنسخة من مبادرته لتنفرد بنشرها على النحو التالي:
هذا مشروع مبدئي لمبادرة إصلاح سياسي وفق قواعد السياسة الشرعية أقدمها بين يدي المهتمين والناصحين والسياسيين وأدعوهم إلى قراءتها وتقليب الفكر فيها وإبداء الرأي العلمي المجرد حولها.
وعناصر هذه المبادرة الشرعية مرتبطة بنصوص وقواعد الدستور الكويتي كما سيتضح في ثناياها.
وقد حرصت في الفصل الأول من هذا الجزء على توضيح الأسس والمنطلقات بالسياسة الشرعية ومصادرها، وتوضيح علاقة السياسة بالدين الإسلامي الحنيف، ومعايير تحديد الأولويات المطلقة والنسبية. كما اوضحت في الفصل الثاني جانبا من مقاصد الشريعة الكبرى والضوابط المتعلقة بالوسائل المؤدية لهذه المقاصد، وحدود الاجتهاد وآدابه في السياسة الشرعية مع ذكر أدلته من السنة المطهرة، وفي الختام ذكرت القواعد العامة التي تحكم العمل السياسي في الانتخابات وفي تولي المناصب القيادية في الدولة.
أهداف خطة عمل المبادرة:
1- تغليب المصلحة العامة مع ضوابطها على المصلحة الخاصة.
2- نشر ثقافة التسامح والصفح عن المقر بتراجعه.
3- توضيح معايير اختيار الأولويات المرحلية والإستراتيجية.
4- تأصيل قيمة اختيار الأصلح والأكفأ دون النظر إلى انتمائه.
5- نشر ثقافة أدب الحوار الموضوعي الهادف.
البرنامج التنفيذي:
1- ترجمة محاور المبادرة إلى حلقات نقاش من خلال مؤسسات المجتمع المدني.
2- تحديد الأولويات في كل محور من محاور المبادرة وتنزيلها على صورة قيم ومبادئ يتربى عليها اجيال الشباب وتسويقها إعلاميا، مثل القيم: (الثقافية، التربوية، الاقتصادية، الدستورية، الاجتماعية).
3- معالجة الصعوبات التي تكتنف تطبيق المبادرة من خلال جمعيات النفع العام.
المقدمة
الفصل الأول: الأسس والمنطلقات أهمية هذه المبادرة:
هذه المبادرة إنما هي قراءة فقهية شرعية لبعض نصوص مواد الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة وبطبيعة الحال لا يمكن أن نأتي بتفاصيل لكل التفريعات والمسائل والإجراءات التي تكتنف عادة عملية الإصلاح السياسي إيمانا منا بأهمية ضبط القواعد العامة والأصول التي ترجع إليها جميع المسائل العملية والإجرائية والتصنيفات مع التأكيد على أن الشريعة الإسلامية محكمة البناء فتحت باب الاجتهاد وأحاطته بسياج وضمانات حتى تعصم ذهن وعقل المجتهد من أن يخطئ في الاستدلال، كما رسخت شروط وآداب المجتهد في أدب المفتي والمستفتي وليس مجال البحث هاهنا.
أولا: تتضح أهمية السياسة الشرعية، لأنها تقوم على جلب المصالح للناس جميعا، وتعمل على دفع المفاسد من المجتمع، بالإضافة إلى أنها تقوم بمراعاة أحوال الناس وقدراتهم، كما أنها تقوم على مراعاة مآلات الأمور واعتباراتها، وهي تراعي فقه الأولويات في تسيير الأعمال بما يحقق مقاصد الشريعة التي هي مناط مصالح الناس.
ثانيا: العمل بالسياسة الشرعية تكمن أهميته في مسايرة التطورات الاجتماعية والوفاء بمتطلبات الحياة المتجددة، وذلك من خلال استنباط الأحكام لما يستجد من النوازل والوقائع في حياة الأمة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو طبية أو اجتماعية أو ثقافية وخاصة التي لا نجد لها نصا شرعيا أو إجماعا فنقيسه عليه بما يحقق مقاصد الشريعة دون الرجوع إلى القوانين والسياسات الوضعية التي تخالف القواعد الشرعية في كثير من الأمور، جاء في تقنين الشريعة «فقد أولى الفقه الإسلامي السياسة الشرعية عناية كبيرة، واهتماما خاصا، لما لها من أهمية كبرى في حياة الناس، وصيانة دينهم ودنياهم، ولا تزال الدراسات الأكاديمية تكشف من حين إلى آخر عن الجهود الجبارة لفقهاء الإسلام، ومفكريه، وعلمائه في هذا الحقل المعرفي المهم، وتكشف عن القيم السامية في النظام السياسي الإسلامي الذي وضع ليسوس الدنيا في كل عصر ومصر»، ولعل كبرى المصائب التي مني بها العالم الإسلامي هي سقوط الخلافة وإقصاء الشريعة وبدء الحملات الاستعمارية على الشرق، واجهت مصر هزة حضارية عنيفة إثر اصطدامها الحضاري مع الحملة الفرنسية على الشرق كله، فتنبهت إلى خطر الحقبة الاستعمارية الجديدة وتبينها للبون الشاسع الذي استبقتها به المدنية الحديثة، فكان أن التفتت مصر بعيون كوكبة من أفذاذ رجالها وتطلعت إلى آفاق الحضارة، فأخذت تنفض عنها ركام عصور من الجمود والتأخر الفكري.
ومع أوليات هذه النهضة كانت أجواء الفكر والفقه والقضاء قد بدأت تتضح فيها شيئا فشيئا الشكوى من التقيد في الأحكام بمذهب معين دون غيره تقريبا، وهو المذهب الحنفي، واستجابة لهذه الشكوى التي عمت مجالس الناس فقد أخذ العلماء وأرباب الدولة ينظرون في الفقه الإسلامي على اتساع بحوره بغية وضع قوانين تمتح من معين الفقه الإسلامي من غير تقيد بمذهب معين.
ثالثا: حفظ مصالح الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة بأسرها من خلال السياسة الشرعية، وتتجلى هذه الأهمية في أنها تعتبر صورة من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أنها تعمل على ضبط جميع الأنشطة في المجتمع، وتحقيق الامتثال للقواعد الشرعية من خلال توجيه سلوك الفرد والجماعة، كما أن السياسة الشرعية تعتبر جزءا من مكونات الشريعة الإسلامية وفرعا من فروعها، ومنبثقة من خلالها، فمن أحاط علما بمقاصدها فاز ونجح ولم يحتج إلى غيرها.
رابعا: تتضح أهمية السياسة الشرعية من خلال إصلاحها للرعية وتدبير شؤونهم بما لا يخالف الشرع الحنيف، إضافة إلى أن معظم مقاصد السياسة الشرعية تعمل على إقامة العدل في إصدار الأحكام وتوثيق روابط المحبة والرحمة بين الناس في المجتمع الإسلامي، كما أنها تعمل على تنظيم العلاقة بين الفرد والمجتمع وتحمي الحقوق وتكفل مصالح الناس، ولهذا فعلم السياسة الشرعية علم واسع متجدد يسع التدرج في الحياة البشرية وما يستجد من قضايا إلى يوم الدين، وبها يصلح الدين للتطبيق في كل عصر وزمان.
خامسا: السياسة الشرعية تطبيقها في الواقع العملي الملموس لا ينفك عن وضع الدستور الذي يعد قانون أي دولة من الدول والذي ينتظم كذلك قواعد الدولة المرجعية، فهو قانون القوانين وإليه ترجع وتستظل بظله بل لا تكتسب شرعيتها ونفاذها إلا من خلاله ولا تخرج من حدوده إلا وصمت بالإلغاء والبطلان وعليه فكلما تطابق الدستور مع السياسة الشرعية السليمة كانت تلك لحظة ولادة إصلاح سياسي حقيقي مستمد من قواعد التشريع الإلهي المعصوم وضمانه أمان من الانزلاق في أنفاق مظلمة لا يعلم إلى أين تنتهي بالأمة.
المبحث الأول: أسس السياسة الشرعية:
انطلاقا من الباب الأول من الدستور وتحت عنوان «الدولة ونظام الحكم» والمواد من 1-6، نرى الإصلاح في السياسة الشرعية ينطلق من هذه الثوابت والأصول.
أولا دين الدولة والحكم لله:
إن مصير البشرية مرتبط ارتباطا وثيقا بها، فإن كانت الحاكمية لله رب العالمين فهذا يعني تحقيق السعادة في حياة الناس واليسر والتقدم الحضاري والرفاه الاجتماعي والأمن والسلام الإقليمي والعالمي، ولأن الشريعة الإسلامية بأحكامها تنسجم مع فطرة الله التي فطر الناس عليها قال تعالى (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) المائدة 50.
وقد أكد الدستور هذا المفهوم في المادة الثانية منه حيث نصت على أن (دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع) فقد دلت المادة بنصها ومفهومها على أن دين الدولة الإسلام وعادة إسباغ نوع الديانة يكون على الأفراد لا الدول فدلت على انه يحكم الدولة الشريعة الإسلامية وهي مصدر تشريعها.
ثانيا: العدل:
ولقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالعدل في الحكم بين الناس، لأن ذلك يعيد الحقوق إلى أصحابها ويرفع العداوة والبغضاء من النفوس ويولد الطمأنينة والراحة النفسية بين المتخاصمين حينما يقضي بينهم بالعدل، قال تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) المائدة:8. إن الإسلام ينظر إلى جميع الناس على أنهم متساوون أمام القانون، ولا يفرق بين غني وفقير أو أسود وأبيض أو عربي وعجمي ولا رئيس ولا مرؤوس، فلا فرق بين الناس بالجاه أو النسب أو السلطان وإنما ميزان التفاضل بينهم يكون على أساس التقوى والعمل الصالح قال تعالى: (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات:13. وهذا هو العدل الذي قامت عليه الشرائع ودرجت عليه المجتمعات السوية.
ويؤكد هذا المفهوم نص المادة السابعة من الباب الثاني من الدستور التي تنص على أن «العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع...» نظرا لأهمية العدل وكونه القوامة الأولى لقيام المجتمع المسلم، ولأهمية هذه الدعامة فقد أكدها الدستور مرة أخرى في الفصل الخامس منه في المادة 162 «شرف القضاء ونزاهة القضاة وعدلهم، أساس الملك وضمان للحقوق والحريات» ومنعت المادة التي تليها تدخل أي جهة في سير العدالة.
ثالثا: الشورى:
قرن الله سبحانه الشورى بإقامة الصلاة والصلاة ركن من أركان الإسلام فدل على أن حكمها كحكم الصلاة فقال تعالى: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم) الشورى:38.
وأيضا جاءت الأحاديث الشريفة تقرر أن الشورى في الإسلام من قواعد الحكم وأساس من أسس السياسة الشرعية لهذا أكثر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ما رأيت أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله».
ولم يحدد أو يضع الإسلام كيفية معينة للشورى، لأن النظام يختلف من بيئة إلى أخرى ومن مجتمع لآخر، وإنما دعا إليها وحث على تطبيقها باعتبارها مبدأ وركيزة من ركائز الحكم والنظام السياسي في الدولة المسلمة ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يستشير أهل الحل والعقد وتارة صاحبيه وأخرى الأمة بأسرها.
ومن الجدير بالذكر ومدعاة للفخر أن ديباجة الدستور وبخط المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح أمير الكويت آنذاك طيب الله ثراه قد نص على أن الباعث على إصدار الدستور بأنه رغبة منه في استكمال أسباب الحكم وحرص منه على تحقيق الشورى فيه.
هذا فضلا عما ورد في ثنايا الدستور الكويتي من تأطير للنظام الديموقراطي في الدولة من خلال الفصل الثالث الخاص بالسلطة التشريعية وهي أقرب النظم إلى الشورى وتختلف عنها في بعض الجوانب اختلافا جذريا، إلا أن المذكرة التفسيرية قد استهلت بما يقرب هذا المفهوم إلى الشورى الإسلامية مستدلة بنصوص الشريعة في الحث على نظام الشورى والأخذ به وقررت بأن الدستور قد استلهم من هذه المعاني.
رابعا: نفاذ القوانين وسريانها واحترامها من الطاعة المأمور بها شرعا ما لم تخالف أحكام الشريعة الغراء:
إن الطاعة قاعدة من قواعد النظام السياسي الشرعي، فلا يتصور أحد وجود دولة قوية دون أن يكون عدل من الحكام وطاعة من الرعية وشورى في نظام الحكم.
ولتحقيق الطاعة في المجتمع ينبغي على القيادة أن تبني الثقة المتبادلة بين الجنود وبينها لكي يتم السمع والطاعة وبالتالي يتحد كافة أبناء المجتمع مع قيادتهم وتقوى الأمة.
وهذه الطاعة ليست مطلقة وإنما في حدود معلومة وشروط تتفق مع منهج الله وإقامة العدل بين الناس ولا تكون في معصية لقوله صلى الله عليه وسلم «إنما الطاعة في المعروف».
وإن كانت الطاعة ووجوبها وفرضها من لوازم قيام أي دولة حتى تنتظم شؤونها فان المادة ٤٩ من الدستور قد أكدت هذا الأمر حيث نصت المادة سالفة الذكر على أن (مراعاة النظام العام واحترام الآداب العامة واجب على جميع سكان الكويت).
خامسا: تحقيق العبودية لله رب العالمين:
وهي شرط التمكين في الأرض وسبيل العزة والنهوض بين الأمم، وهو الخضوع لمنهج الله في كل شؤون الدولة من الحكام والمحكومين وإذا صلحت العبادة تسمو النفوس ويستقيم السلوك وتصلح الأعمال قال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) الأنعام:162.
والمسلم يقف بين يدي الله في اليوم خمس مرات في صلاته مطبقا مبدأ العبودية لله وحده متمثلا في قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) الفاتحة:5، وإذا قامت سوق العبادة الاستقامة في حياة الناس استحقوا الاستخلاف في الأرض قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) النور:55.
المبحث الثاني: مصادر السياسة الشرعية:
إن السياسة الشرعية حالها كحال باقي فروع الدين، كالفقه، والسيرة، والتفسير، وعلوم القرآن وغيرها لها مصادرها، وتتمثل في التالي:
أولا: القرآن الكريم:
إن القرآن الكريم قد حوى كل صغيرة وكبيرة ولم يفرط في شيء قال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) الأنعام:38 وجاء تفصيلا وتبيانا لكل شيء، قال تعالى: (وكل شيء فصلناه تفصيلا) الإسراء:12 والقرآن العظيم جاء فيه كل ما تحتاج إليه الدولة المسلمة فمثلا في السياسة الاقتصادية جاء قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) الأنعام:141
أما ما يتعلق بالسياسة الإدارية جاء قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) يوسف:55، ومن أمثلة السياسة الأمنية جاء قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الأنعام:82.
ثانيا: السنة النبوية:
تعتبر السنة النبوية مصدرا من مصادر السياسة الشرعية ويعتمد عليها سواء كانت قولية أو فعلية أو تقريرية متواترة أو أحادية، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد حينما يتأخر عنه الوحي كما اجتهد في أسرى بدر ويعمل عقله في بعض الأمور عندما أمر بعدم تأبير النخل في بداية الأمر اعتمادا على قوله تعالى: (وأرسلنا الرياح لواقح) الحجر:22، وعندما أخبره الصحابة أنهم عندما يأبرون النخل بأيديهم يكون الإنتاج أكثر والثمر أجود قال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، وأيضا بنود صلح الحديبية خير دليل على ذلك والسيرة النبوية مليئة بالأمثلة الدالة على ذلك.
كذلك اجتهد الصحابة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من المسائل اليومية أو مسائل الحروب أو مسائل التعامل مع أهل الكتاب ولم ينكر ذلك عليهم ولعل قصة تحكيم سعد بن معاذ في يهود بني قريظة هو إقرار من الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: إجماع المسلمين:
وهذا المصدر الثالث من المصادر التي يعتمد عليها في توجيه السياسة الشرعية، وهو في حقيقته راجع إلى الكتاب والسنة، وهو يعني اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي في عصر من العصور وفق شروط محدودة، ومن أمثلته إجماع الصحابة رضي الله عنهم على خلافة أبي بكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإجماع من علماء الأمة على وجوب تنصيب الإمام العام الذي يحكم البلاد بشريعة الإسلام.
رابعا: القياس:
وهو تعدي الحكم من الأصل إلى الفرع، أي بقياس الثاني على الأول، مع وجود علة متحدة تربط بينهما وأمثلته كثيرة منها: بطلان قضاء القاضي وهو مريض، قيس على عدم جواز قضاء القاضي وهو غضبان، لاجتماع علة تشتت الفكر في الحالتين وهكذا يمكن إعمال القياس في كثير من المسائل والنوازل الحديثة إذا ما توفرت أركانه وشروطه.
خامسا: الرأي: وهو ما يراه القلب بعد فكر وتأمل عملا بقوله تبارك وتعالى: (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) الحج:46، وقوله تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) ق:37، وقوله تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) الإسراء:36، ومن أشهر من عمل به أبو بكر وعمر ففي قصة عمر رضي الله عنه مع المرأة التي حملت وكان زوجها قد غاب عنها في الجهاد فرجع فاختلف في حملها فأشار معاذ على عمر انتظار المولود للحكم بشأنها فلما جاء المولود أقسم أبوه أنه قطعة منه، فقال عمر لولا معاذ لهلك عمر، وهكذا كان الصحابة الكرام يعملون عقولهم فيما لا نص عليه وكذلك المفسرون يفسرون القرآن الكريم بالرأي ضمن شروط متحققة في المفسر بالرأي، ولعل المجامع الفقهية اليوم تقوم بهذا الدور وتبحث المسائل والنوازل والمستجدات مثلما حصل في مؤتمر مكة حين غزا العراق الكويت سنة 1990 وكما تجتمع مجامع اللغة العربية في بحث الميزان الصرف للألفاظ والمصطلحات الجديدة وكما يحصل في مجمع الطب الإسلامي الذي يبحث في النوازل الطبية وهكذا بقية المجتمعات مثل الاقتصاد الإسلامي والمؤمل أن يكون في المستقبل مجمع للسياسة الشرعية للبحث في مسائل العصر السياسية.
مثال من السنة المطهرة:
بعد ما تحزب الأحزاب لاستئصال شأفة المسلمين في المدينة سارع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عقد مجلس استشاري أعلى، تناول فيه موضوع خطة الدفاع عن كيان المدينة، وبعد مناقشات جرت بين القادة وأهل الشوري اتفقوا على قرار قدمه الصحابي النبيل سلمان الفارسي رضي الله عنه.
قال سلمان: يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا وكانت خطة حكيمة لم تكن تعرفها العرب قبل ذلك.
وهذا دليل على جواز الاستفادة من تجارب الأمم السابقة بما يعود بالنفع على أمة الإسلام.
حدود الاجتهاد في السياسة الشرعية: ونمثل هنا بمثال من السنة
1- في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا حاصرت أهل حصن فأرادوا أن تنزلهم على حكم الله أو حكم رسوله، فلا تنزلهم على حكم الله وحكم رسوله، ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري ما حكم الله فيهم».
وذكر الشيخ عبدالله الغنيمان على شرحه لهذا الحديث في كتاب شرح كتاب التوحيد قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا حاصرت أهل حصن فأرادوا أن تنزلهم على حكم الله أو حكم رسوله، فلا تنزلهم على حكم الله وحكم رسوله، ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري ما حكم الله فيهم».
وهذا دليل على جواز الاجتهاد، وأنه يجوز حتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يجتهدوا في إنزالهم القوم على حكمهم، فإن أصابوا فهو بفضل من الله، وإن أخطئوا فالخطأ يكون مغفورا لهم، وهذا لمن كان أهلا للاجتهاد، وأما الجاهل فهو ليس أهلا للاجتهاد، فلا يجوز له أن يفعل ذلك، فالجهلة الذين ليسوا أهلا للاجتهاد حكمهم باطل على كل حال، سواء أصابوا الحق أو أخطئوه، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وواحد في الجنة، أما اللذان في النار: فأحدهما عرف الحق وقضى بخلافه، فهو في النار، والثاني لم يعرف الحق فقضى بجهل، فهو في النار» وهذا معناه: وإن أصاب الحق فإنه يكون من أهل النار، لأنه ليس أهلا للقضاء، ولأنه نصب نفسه لشيء لا يحسنه، وليس هو من أهله.
المبحث الثالث: علاقة السياسة بالدين:
السياسة الشرعية
السياسة كلمة عربية أصيلة، ومن معانيها: التدبير والرعاية والتأديب والإصلاح.
وأما مصطلح السياسة الشرعية، فهو من المصطلحات التي لم تستعمل للدلالة على أمر واحد، بل مر بمدلولات عدة، فلفظ «السياسة» قد استعمل للدلالة على أكثر من معنى، وصحيح أنها لم تأتي في القرآن إلا أن هناك ألفاظا وردت مرادفة للسياسة في مضمونها مثل كلمة حكم وقضاء وأمر وهكذا.
وخلاصة النظر المستفاد من واقع التدوين السياسي الذي ألفه حملة العلوم الشرعية، ومن طبيعة المسائل التي أفردها بالتدوين فقهاء الشريعة، يتضح أن ثمة منهجين في التدوين السياسي الشرعي:
أحدهما: منهج يغلب عليه الجانب الخلقي والاجتماعي.
وثانيها: منهج فقهي شرعي، ينير للحكام أحكام التدابير، وآلياتها وضوابط شرعيتها.
وباستقراء مؤلفات السياسة الشرعية ذات المنهج الفقهي الشرعي، يمكن تقسيمها على النحو التالي:
الأحكام السلطانية الشاملة: «التي تشمل أحكام الإمامة العظمي وما يتفرع عنها من ولايات داخل دولة الإسلام أو خارجها».
السياسة عند مؤلفي هذا الفن لها إطلاقات ومدلولات، يمكن حصرها في ثلاثة معان:
الأول: ولاية شؤون الرعية، وتدبيرها أمرا ونهيا، سواء صدر ذلك من الإمام، أو ممن دونه من الأمراء والوزراء والقضاء، ونحوهم.
الثاني: أحكام الإمامة العظمي أو الخلافة العامة، من حيث أهلية الحاكم وما يجب عليه، وما يجب على الرعية نحوه، والأحكام التي منحها الشارع الحكيم للوالي ليتمكن من رعاية من تحته.
الثالث: التعزيزات الشرعية:
فالأحكام السلطانية الشاملة تعالج السياسة بهذا المفهوم الواسع.
الأحكام السلطانية التي تحكم السياسة الداخلية:
وقد يجيء فيها شيء من أحكام السياسة الخارجية، غير أنه يكون مقتضبا، وعلى هذا يمكن القول أن السياسة الشرعية لم تنفك عن الدين وعن واقع حياة المسلمين قديما وحديثا.
الأحكام المتعلقة بطرق القضاء ووسائل تحقيق العدالة:
ويكاد ينصب الحديث فيها على الأحكام التي لم يرد بشأنها نصوص خاصة، غير أن البحث فيها لا ينحصر في ذلك.
والأحكام في هذا القسم توجد ضمن الأقسام السابقة، إضافة إلى كتب الفقه العامة لشمول موضوعاتها وتناثر تلك الأحكام بينها.
وقد ظهر في العصور المتأخرة الاعتناء بهذا القسم، وظهرت الدعوة بإفراد أحكامه، وجمع تطبيقاته من المدونات الفقهية، وما يظن وجودها فيه من مصنفات، وصارت السياسة الشرعية في هذا العصر مقرر تخصص في عدد من المدارس العلمية النظامية من كليات ومعاهد، بل خصصت له أقسام علمية في عدد منه تحت مسميات مختلفة في الجامعات.
ومن خلال هذا التقسيم، يظهر للمتأمل أن السياسة الشرعية - مصطلحا - انحصرت في مفهومين:
الأول: عام: وهو مرادف للأحكام السلطانية.
الثاني: خاص: وهو ما اقتصر البحث فيه على المسائل التي تتغير أحكامها تبعا لتغير مناط الحكم فيها، أو التي ورد فيها أحكام يخير بينها الإمام تبعا للأصلح، بحيث لا يتعين أحدها على الدوام وهو الذي يحتاج إلى تعريف وبيان.
والسياسة الشرعية بهذا المفهوم الخاص هي: «ما صدر عن أولي الأمر من أحكام وإجراءات منوطة بالمصلحة، فيما لم يرد بشأنه دليل خاص، متعين، دون مخالفة للشريعة».
ولدقة هذا المدلول وأهميته أبينه، فجملة «ما صدر عن أولي الأمر»: تعريف للسياسة الشرعية ببيان جهة الاختصاص بالنظر في مسائلها، والحكم بها، وهم «أولو الأمر»: العلماء والأمراء وعليه، فالسياسة الشرعية ليست محصورة فيما يصدر من حاكم بل تشمل بعض فتاوى المفتين من غير أهل الولاية المنصوبين، فإنها قد تكون من باب السياسة الشرعية، كما أشار إلى ذلك بعض العلماء.
- وجملة: «من أحكام وإجراءات» تعريف للسياسة ببيان شمولها لناحيتين: نظرية، وتطبيقية. فالأولى: ما يلزم سياسة من فعل أو ترك، سواء كانت في شكل أنظمة وقوانين، أو فتوى أو غيرها، وهي المعبر عنها بـ «الأحكام» والثانية: ما كان محل فعل وتنفيذ وحركة وتدبير، وهي المعبر عنها بـ «الإجراءات».
- وقوله: «منوطة بالمصلحة»، بيان لارتباط السياسة الشرعية بمراعاة المصلحة، على اختلاف مستنداتها شرعا، وأن مجالها: الأحكام المعللة، ومن ثم فلا بد أن تصدر عن اجتهاد شرعي وعليه فهو قيد يخرج به ما يلي:
1- أحكام العبادات والمقدرات، فليست مجالا للسياسة الشرعية من حيث هي.
2- الأحكام والإجراءات الصادرة عن جهل وهوى، فليست من أحكام السياسة الشرعية، لكنها لو وافقت أحكام السياسة الشرعية جازت نسبتها إليها مع غثم مصدرها، لتصرفه عن جهل وهوى، كما قال ابن تيمية رحمه الله «مجموع الفتاوى: 29/43 وما بعدها».
- وقوله: «فيما لم يرد بشأنه دليل خاص متعين»، قيد يخرج الأحكام التي ورد بشأنها دليل خاص متعين، فكلمة «دليل» تشمل النص والإجماع، والقياس، فالدليل هنا يقابل «الاستدلال بطرائق الاستنباط أو ما يعرف بالأدلة المختلف فيها»، وكلمة «خاص» أي: بحكم المسألة محل النظر، بأن يثبت في حكمها دليل جزئي تفصيلي، فما كان شأنه كذلك، فليس من مسائل السياسة الشرعية مثل مسائل العين ومنها إرضاع الكبير مثلا، وكلمة «متعين» تخرج المسائل الثابتة اللازمة، التي لا تتغير أحكامها بحال، إذ إنها متعينة الحكم، ليس أمام أولي الأمر سوى تنفيذها. ومن ثم يدخل في السياسة الشرعية بهذا نوعان من المسائل هما:
1- المسائل التي ثبت في حكمها أكثر من وجه، بدليل خاص، بحيث يخير أولو الأمر بينها، تبعا للأصلح، كالقتل والمن والفداء في مسألة الأسرى.
2- المسائل التي ورد في حكمها دليل خاص، لكن مناط الحكم فيها قد يتغير، ومن ثم تتغير الأحكام تبعا لذلك، كالمسألة التي يجيء حكمها موافقا لعرف موجود وقت تنزل التشريع، أو مرتبطا بمصلحة معينة، فيتغير العرف، أو تنتفي المصلحة، ومن ثم يتغير الحكم تبعا لذلك، لا تغيرا في أصل التشريع.
- وقوله: «دون مخالفة للشريعة» قيد مهم، يخرج جميع أنواع السياسات المنافية للشريعة، فليست من السياسة الشرعية في شيء. وعبر بنفي المخالفة، لأنه المعنى الصحيح لموافقة الشريعة، فإن ما جاءت به الشريعة، وما ثبت عدم مخالفته لها، هو في الحقيقة موافق لها: الأول من جهة النصوص، والثاني من جهة القواعد والأصول، فعدم مناقضة روح التشريع العامة والمقاصد الأساسية، والأصول الكلية ـ ولو لم يرد بها نص خاص بعينه ـ هو ضابط السياسة الشرعية، الذي يميزها عن غيرها من السياسات.
بهذا تم الحديث عن المعني الاصطلاحي للسياسة الشرعية بمدلوليها، التي دعت إلى إيضاحه نظرة الأشياء تجاهه، حتى لدى بعض من لهم إليها انتماء، فضلا عن عامة طلاب العلم الشرعي، بله دارسي القوانين الوضعية، ممن قلت بضاعتهم في علوم الشريعة الأساسية. أ.هـ.
المبحث الرابــع: السياسة المطلقة والنسبية في السياسة الشرعية:
قال د.محمد بن شاكر الشريف في قواعد في فقه السياسة الشرعية:
قال التهانوي في بيان أنواع السياسة: «إن السياسة المطلقة هي إصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في العاجل والآجل، على الخاصة والعامة في ظواهرهم وبواطنهم، وهي إنما تكون من الأنبياء، وتسمى مطلقة، لأنها في جميع الخلق، وفي جميع الأحوال، أو لأنها مطلقة أي كاملة من غير إفراط ولا تفريط. وأما من السلاطين وأمرائهم فإنما تكون على كل منهم في ظواهرهم، ولا تكون إلا منجية في العاجل، لأنها عبارة عن إصلاح معاملة الناس فيما بينهم، ونظمهم في أمور معاشهم، وتسمى سياسة مدنية، وأما من العلماء الذين هم ورثة الأنبياء حقا على الخاصة في بواطنهم لا غير، أي لا تكون على العامة، لأن إصلاحهم مبني على الشوكة الظاهرة، والسلطنة القاهرة، وأيضا لا تكون على الخاصة في ظواهرهم، لأنها منوطة بالجبر والقهر، وتسمى سياسة نفسية».
الأولويات المطلقة والنسبية في السياسة الشرعية:
أما المطلقة فهي المتعلقة بالإسلام نفسه كالدعوة إلى التوحيد وأركان الإسلام، وكالنهي عن الشرك وكبائر الذنوب، وهذه يحتاج إليها في جميع الأزمان والأمكنة.
وأما الأولوية النسبية فهي تختلف باختلاف ظرفي الزمان والمكان، فقد ينتشر جهل بقضية شرعية في مكان وينتشر الجهل بقضية أخرى في مكان آخر، فيكون الأولى في كل مكان الحديث عن القضية التي يحتاجها، وقد ينتشر فساد في مكان وينتشر فساد آخر في مكان آخر، فيكون الأولى في النهي عن الفساد في كل مكان الفساد المنتشر فيه. وتقديم الأهم أو الأولى لا يعني التقليل من أي شعيرة أو شريعة جاءت بها النصوص ولو كانت في باب السنن والمستحبات، كل ما هنالك أن ننزل هذه الأمور المنزلة التي أنزلها الشارع، بحيث لا يكون في ذلك تعد أو تجاوز للشرع، كما لا يكون تفريط أو تقصير عنه، وقد قسم أهل العلم أمور الشرع ومصالح العباد إلى ثلاث مجموعات:
أولاها: الضروريات
وثانيها: الحاجيات
وثالثها: التحسينات
فالضروري مقدم عند التعارض على الحاجي، وكذلك الحاجي مقدم على التحسيني. وعلى هذا الأساس يكون العمل في السياسة الشرعية وتقسيم مصالح الناس.
الفصل الثاني: السياسة الشرعية ومقاصد الشريعة
انطلاقا من المادة (99-100-101-102-103-107) في الفصل الثالث (السلطة التشريعية) من الدستور نرى الإصلاح وفق السياسة الشرعية ينطلق من هذه الثوابت والأصول.
1- إصلاح الفكر والاعتقاد هو مبدأ لكل إصلاح.
فقد نصت المادة (10) من الدستور الكويتي على أن (ترعى الدولة النشء وتحميه من الاستغلال وتقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي).
2- التغيير لا يقع بمجرد ترك الفساد والمنكر بل بتبديله بغير من الصلاح والمعروف.
3- لا يتم الإصلاح الشرعي إلا بالأمر الواجب والإخبار عن الواقع دون زيادة ولا نقص.
4- صحة الإصلاح والتغيير لا تتوقف على الكثرة والقلة بل على الإصابة والسداد.
5- كل فعل مأذون فيه يصبح غير مأذون فيه إذا آل إلى مفسدة غالبة أو أكثرية سواء أقصد الممارس لذلك الفعل ذلك المآل أم لم يقصده.
6- التغيير لا يكون مشروعا إلا من الفساد إلى الإصلاح ومن الصالح إلى الأصلح ومن الحسن إلى الأحسن، عند تزاحم المصالح والمفاسد يقدم أرجحها وهذا على خلاف ما جرى تماما في ثورات ما يعرف بالربيع العربي اليوم.
المبحث الأول: ضوابط الوسائل الشرعية للإصلاح والتغيير:
الضابط الأول: الانضباط بأحكام الشرع:
يشترط أن تكون الوسائل الإصلاحية مأخوذة من نصوص الكتاب والسنة أو مستنبطة عن طريق المصادر التشريعية المعتبرة مثل (الإجماع والقياس وما جرى عليه عمل السلف الصالح في القرون المفضلة، والمصالح المرسلة المضبوطة بضوابطها ومن المصالح المرسلة في هذا الباب اللائحة الداخلية التي تنظم عمل مجلس الأمة في موادها (99، 100، 109، 110، 114، 117) ومعنى ذلك ألا يستخدم السياسي الوسائل والأساليب المحرمة التي جاء النهي عنها في الشرع وخاصة منها ما كان فيه مشابهة لعمل اليهود والنصارى مثل المظاهرات والاعتصامات والإضرابات.
الضابط الثاني: التدرج في استخدام الوسائل:
وهو التقدم شيئا فشيئا والصعود درجة درجة فالتعرف على الفساد وطرق إثباته وتجريمه والتأكد من حجمه وانتشاره وخطورته مثلا مقدم على استخدام الوسائل في إصلاحه بمعنى تجريم الفعل أولا ثم العمل على منع أسبابه وتخفيف آثاره ومنعه من المجتمع.
الضابط الثالث: مراعاة الأولويات: إنه يجب على السياسي أن يراعي الأولويات في استخدامه الوسيلة والأسلوب، ومراتب الوسائل والأساليب تابعة لمراتب مصالحها، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل مثل المحافظة على الدين وعقيدة التوحيد فكل وسيلة تؤدي لحفظ دين الناس وتقويته كانت من أفضل الوسائل والذريعة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الذرائع مثل الشرك على اختلاف مظاهره والمعاصي واتباع الهوى فكل وسيلة تؤدي إلى ذلك فهي من أرذل الوسائل.
الضابط الرابع: ألا يؤدي استعمال الوسائل إلى الوقوع في مفسدة أعظم من المصلحة المتوقعة:
بحيث لا تترتب مفسدة على استخدام الوسيلة أكثر من المصلحة المتوقع تحقيقها لأنه قد تكون الوسيلة ممتازة تحتف بها شروط جيدة ولكن استخدامها يترتب عليها مفاسد مدمرة مثل دخول المعترك السياسي لمن لم يتحصن بالعلم والإيمان فتجده بعد فترة يتغير وينسى أصل دعوته بل ربما ينقلب حربا على الدعوة وأهلها!
الضابط الخامس: مراعاة الظروف والخصوصيات:
التروي بنقل آليات الديموقراطية في صياغاتها الأجنبية قبل التحقق العلمي من مآلات إيجادها ضمن أجوائنا ونظامنا العام فلا يكفي أن نحكم بجمالها ويأخذنا سحرها كي نوقن بصلاحيتها للإنزال في كل بيئة وكل مكان وخاصة في ظل الاختلاف الشديد بمفهوم الغرب حول الديموقراطية وآلياتها وأهدافها فهناك مفهوم رأسمالي وآخر اشتراكي وثالث كونفوشيوتي ولا تلتقي هذه المفاهيم بما جاء به الإسلام عقيدة وشريعة وعليه فبأي مفهوم يريدون تطبيق الديموقراطية المزعومة في بلاد الإسلام؟
المبحث الثاني: الدعوات الإصلاحية على منهاج السلف هي التي تحقق الغاية المنشودة في العمل السياسي الشرعي:
من أمثلة الدعوات الإصلاحية الحديثة الدولة السعودية، وهذا مثال عصري لنظام الدولة الحديثة وبدعوته التجديدية، ودعوته للتوحيد والسنة، انتشرت هذه الدعوة في مشارق الأرض ومغاربها وقامت على أساسها الدولة الإسلامية المؤسسة على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، وتحقق بها الأمن والأمان والخير والرخاء ولا زالت بحمد الله تحمي حوزة الدين وتحوط بيضة الإسلام وتعلي منارة التوحيد، فها هي دعوة الإبراهيمي في الجزائر والشوكاني في اليمن والألوسي في العراق ورشيد رضا في مصر والمحدث صديق حسن خان في بهوبال بالهند والإمام شهاب الدين القسطلاني صاحب كتاب إرشاد الساري شرح صحيح البخاري، فكلها دعوى إصلاحية قامت على الكتاب والسنة واتبعت السياسة الشرعية في دعوة مجتمعاتها.
- بصلاح النخبة يصلح المجتمع:
قال ابن عباس رضي الله عنه: «إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم، وإذا سخط الله على قوم ولى أمرهم شرارهم».
فإذا رأيت ولاة الأمور قد ظلموا الناس في أموالهم أو في أبدانهم أو حالوا بينهم وبين الدعوة إلى الله عز وجل أو ما أشبه ذلك ففكر في حال الناس تجد أن البلاء أساسه من الناس هم الذين انحرفوا فسلط الله عليهم من سلط من ولاة الأمور.
وقد رأينا سابقا في الدستور شرط الإصلاح ابتدأ في رأس الدولة لما اشترط في ولي العهد أن يكون رشيدا كما أن الوظائف العامة بما فيها شغل عضوية مجلس الأمة أو تقلد أحد المناصب الوزارية.
ممارسات بدعوى الإصلاح السياسي مخالفة للمنهج النبوي في الإصلاح:
- المنهج القتالي الفوضوي الإرهابي في التغيير:
الجهاديون وأصحاب الثورات والانقلابات العسكرية هؤلاء يسلكون سبيل من ضل عن الجادة ويتعاونون مع الكفار بشتى أصنافهم حتى قال قائلهم: أنا لا مانع لدي من التعاون مع الشيطان لتحقيق أهدافي وهؤلاء يحققون مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
- التغيير بالخروج على الحكام بالقوة.
قال ابن عبد البر: «لا يلزم التغيير إلا من القوة والعزة والمنعة وأنه لا يستحق العقوبة إلا من هذه حاله وأما من ضعف عن ذلك فالفرض عليه التغيير بقلبه والإنكار والكراهة».
فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان وأن يضبط الإنسان نفسه وأن يعرف العواقب وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام فليست العبرة بالثورة ولا الانفعال بل العبرة بالحكمة.
- وسائل التغيير المخالفة للهدي النبوي هي استجابة لأعدائنا:
إن التغيير بالمظاهرات والثورات هي من مخططات غير المسلمين ومن كيد الملاحدة بالإسلام والمسلمين واستجابة لأعداء الإسلام.
فقد ورد في البد الأول من «بروتوكولات حكماء صهيون» إشاعة الفوضى وإقامة الثورات والبند الثالث: إزالة الملكية.
فالشباب والعامة والدهماء لا يدركون المصالح والمفاسد وليس عندهم بعد نظر ومعرفة بخفايا السياسات الداخلية والخارجية وقضايا الأمة والضغوط والممارسات الدولية ولا ينزلون الكلام منازله الصحيحة فالواجب إبعادهم عن هذا الميدان وتوجيههم إلى ما هو أهم لهم كالواجبات العينية والمحافظة على القيم والاهتمام بالأسرة وتربية الأبناء و(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).
المبحث الثالث: اختبار شعارات الإصلاح والتغيير المعاصرة:
جاء في المذكرة التفسيرية للدستور ص 53: «ولعل بيت الداء في علة النظام البرلماني في العالم يكمن في المسؤولية الوزارية التضامنية أمام البرلمان، فهذه المسؤولية هي التي تجعل من الحكم هدفا لمعركة لا هوادة فيها بين الأحزاب، بل وتجعل من هذا الهدف سببا رئيسيا للانتماء إلى هذا الحزب أو ذاك، وليس أخطر على سلامة الحكم الديموقراطي من أن يكون هذا الانحراف أساسا لبناء الأحزاب.
- كلمة حق أريد بها باطل.
فقد رفع الخوارج الأولون شعار «لا حكم إلا لله» واستغلوا ذلك في الثورة على السلطان الشرعي الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
- واجب العلماء والدعاة تجاه شعارات الإصلاح والتغيير:
يجب الفصل بين الاسم الجميل والاستعمال الخاطئ والأفكار المنحرفة فلا ينبغي أن تكون الصورة الظاهرة عن أهل السنة والجماعة أنهم ضد مصطلحات الإصلاح والحرية والعدالة والتجديد والتيسير وحقوق الإنسان والمرأة والطفل التي ترفع اليوم بل الواجب توجيه الأمة إلى قراءة مضامين الشعارات وعدم الانخداع بها ولن تتمكن الأمة من ذلك إلا بنشر العلم الشرعي القائم على البرهان من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم وهذا ما قصدناه بهذه المبادرة في السياسة الشرعية.
- كيف تكشف دعاوى الإصلاح والتغيير الزائفة:
أفضل الطرق في مواجهة التيارات المنحرفة المتسترة بستار الإصلاح هو الانتقال إلى أصولها الفكرية والعقدية والمنهجية التي يتم من خلالها طرح العقائد والأفكار والمناهج، وبعد التعرف على أصولها ننتقل إلى معرفة وسائلها لتحقيق أهدافها لكي نوزنها بميزان الشرع ثم ننظر إلى مآلاتها وماذا حققت؟ وكما قال العلماء «من ثمارهم تعرفونهم».
الفصل الثالث: أضرار وسائل التغيير المعاصرة المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم
1- فيها تفريق لأمر الأمة.
2- الإخلال بنعمة الأمن التي امتن الله عز وجل بها على عباده.
3- قطع الطريق امام مصالح الناس.
4- حصول الضرر بتخريب الممتلكات العامة والمؤسسات والشركات.
5- من أسباب ظلم الناس والتعدي عليهم بغير حق.
6- إنها مفتاح للخروج على ولاة أمور المسلمين.
7- تجعل للسفهاء وللرويبضة رأيا وسلطة في الأمة.
8- تؤدي إلى الفوضى العارمة في البلاد.
9- انها من أعظم أسباب الفتن وأسباب الشرور في المجتمع.
المبحث الأول: الخلفية الفكرية للعصيان المدني.
أول من استعمل العصيان المدني:
أول من استخدم العصيان المدني هو الكاتب الأميركي «هنري ديفيد ثوراو» من أميركا اللاتينية بعد أن امتنع عن دفع ضرائب الحرب احتجاجا على العبودية والقمع والاضطهاد التي استعملتها الولايات المتحدة في حربها ضد المكسيك كما استعملها المهاتما غاندي كوسيلة مناهضة للاستعمار البريطاني في الهند.
التوصيف الفكري لمفهوم العصيان المدني:
يرى أغلب الباحثين في أسلوب العصيان المدني أنه أسلوب عصري ينجح كأسلوب ضغط على السلطة الحاكمة ويحقق أهدافه في الدول الديموقراطية مثل أميركا وكندا وسويسرا وما شاكلها من الدول التي تنشأ فيها السلطة على أساس أن الحكم للشعب وهو مصدر السلطات.
المبحث الثاني: السياسة الداخلية:
- وجوب السمع والطاعة لولي الأمر في غير معصية:
وردت نصوص كثيرة تدل على وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله كما تواترت النقول من العلماء لبيان هذا الأصل الكبير فأجمعوا على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين ـ وإن جاروا وفسقوا ـ في غير معصية الله وهو أحد الأصول التي باينوا بها أهل البدع والأهواء.
المبحث الثالث: ضوابط التغيير في السياسة الشرعية:
الضابط الأول: يتعلق بالوسائل المستخدمة في التغيير فإنها لابد أن تكون وسائل شرعية جرى عليها عمل السلف الصالح في القرون المفضلة لقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشوا الكذب» أخرجه البخاري ومسلم.
الضابط الثاني: ضابط الراية التي ترفع ليجتمع الناس حولها ويحدثوا التغيير: هل هذه الراية راية إسلامية أو جاهلية؟ ولا ريب أن راية التغيير التي ترفع وتلتف حولها الجماهير المطالبة بالتغيير لابد أن تكون راية شرعية واضحة هدفها إقامة دين الله في أرض الله.
العمل السياسي والمصائب: لقد مضت سنة الله في خلقه أن يبتليهم بالمصائب وتسلط الظلمة عليهم وحصول البغي والعدوان من غيرهم تجاههم كل ذلك شاءه الله لحكمة بالغة، فإذا عرف الإنسان ذلك وهو أن الابتلاء سنة ماضية في الخلق وطن نفسه على أنه سيصيبه منها بعض الكدر، وأنه لابد من بذل الأسباب الشرعية لرفعه أو دفعه ويكون ذلك باتباع الطرق الشرعية وترك الطرق البدعية التي لم تعرفها هذه الأمة في تاريخها الطويل.
- تنوع المظالم:
لا شك أن المظالم تتنوع وتتفاوت بتفاوت أثرها فقد تكون المظالم عامة وقد تكون خاصة أما العامة كتلك المظالم التي تمس معايش الناس عموما والخاصة التي تكون في حق الفرد بعينه وقد تكون المظالم متعلقة بالدين وهي أعظم صور المظالم، وهذه جميعا جارية وفق تقدير الله تعالى الكوني وله في ذلك الحكمة البالغة لينظر في أحوال الناس مع هذا الابتلاء.
- أداء حق الله تعالى:
من حقوق الله تعالى امتثال أوامره ومراضيه واجتناب مساخطه ونواهيه والمطالبة بإقامة شرعه ودينه، وذلك بحسب الظروف وحسب أحوال الناس ومدى قوتهم وتمكنهم واستعدادهم وعلى هذا الأساس يكون تقدير الأمور في الساسة الشرعية.
- الصبر والنصيحة في السياسة الشرعية:
وممن أمرنا بمناصحتهم ولاة الأمر سيما وأن كثيرا من المظالم إنما تأتي من قبلهم أو من قبل ولاتهم سواء علموا بذلك أم لم يعملوا وقد وقع هذا كثيرا في التاريخ الإسلامي الطويل.
والمتأمل لنصوص السمع والطاعة للولاة يجد أنها أوجبت السمع والطاعة مع وجود المظالم من قبلهم وعدم أدائهم لحقوق الناس وحصول الأثرة منهم
وقد جاء في المادة (٤٥) من الدستور الكويتي حق الرعية في مخاطبة ولي الأمر أو من يقوم مقامه بنصها «لكل فرد أن يخاطب السلطات العامة كتابة وبتوقيعه ولا تكون مخاطبة السلطات باسم الجماعات إلا للهيئات النظامية والأشخاص المعنوية».
ويلاحظ في هذا النص الدستوري عدم اعتداده أو اعترافه أو اعتباره بالجهات غير الرسمية كالجماعات ويدخل في ذلك الأحزاب والفرق والتنظيمات غير المرخصة أو غير القانونية أو السرية على حد سواء.
- حق التقاضي في السياسة الشرعية:
ومن الطرق الشرعية كذلك إعطاء المظلوم والمبغي عليه حق التقاضي واستخلاص حقه ممن ظلمه وبغى عليه، وقد جعلت الشريعة حق التقاضي مكفول لكل أحد وجاءت القاعدة «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» وحديثا أقر المجلس في الفصل التشريعي الرابع عشر حق الطعن أمام المحكمة الدستورية.
وقد كفل الدستور هذا الحق وقد كفلت كذلك القوانين حماية هذا الحق وجعله متيسر دون كلفة مالية باهظة في أغلب الأحوال فقد نصت المادة (١٦٦) من الدستور على أن «حق التقاضي مكفول للناس...».
- استخدام الجاه في السياسة الشرعية:
ومن الطرق الشرعية كذلك الاستعانة بأصحاب الجاه وأرباب الشفاعة ممن مكن الله لهم الدخول على أصحاب الرياسات وقد رغبت الشريعة في الشفاعة وحثت عليها وجاء في الحديث «اشفعوا فلتؤجروا وليجري الله على لسان رسوله ما شاء» رواه البخاري.
- المكاتبات في السياسة الشرعية:
ومن الصور المشروعة كذلك للمطالبة بالحقوق المكاتبات ورفع المظالم لمن له القدرة على رفعها وإزالتها فالكتابة لها اثر عظيم سواء كانت عبر وسائل الإعلام المختلفة أو المكاتبة مباشرة للمسؤول بعيدا عن الاتهام والقذف بلا علم.
- أسباب الانحراف في باب الأولويات في الإصلاح عند دعاة التغيير:
الانحراف في هذا الباب يرجع إلى صورتين:
الأولى: تقديم ما حقه التأخير.
الثانية: تقديم ما هو منكر أو محرم أصلا أو مخالف لأصول الشريعة.
المبحث الرابع: قواعد عامة تحكم العمل السياسي في الانتخابات وتولي المناصب القيادية:
انطلاقا من المواد (82-83-84-87 من الدستور) نرى الإصلاح وفق السياسة الشرعية ينطلق من هذه القواعد العامة:
القاعدة الأولى: تولية الأصلح:
فيجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين» رواه الحاكم.
وقد ابتدأ الدستور الكويتي بأعلى سلطه في الدولة وهرمها فقد اشترطت المادة الثالثة منه أن يكون أمير البلاد رشيدا أي أن تكون تصرفاته مما عهد عنها صلاح البلاد ويتوخى منها الخير والرشد للبلاد والعباد فضلا عن المرسوم الخاص بتولي الإمارة أما فيما عدا ذلك فإن الدستور قد جعل للشعب حق تزكية من يرونه صالحا لشغل عضوية مجلس الأمة بشرط أن يكون هذا العضو يتمتع بحسن السيرة والسلوك وألا يصدر ضده حكم في جناية أو جنحة مخلة بالشرف والأمانة وحسنا فعل مجلس الامة مؤخرا في اقرار تعديل على قانون الانتخابات من انه يمنع من الترشح كل من ثبت عليه حكم في الطعن بالذات الإلهية أو الأنبياء أو ذات الأمير.
القاعدة الثانية: اختيار الأمثل فالأمثل:
أجمع الفقهاء على أن ولي الأمر ليس عليه أن يستعمل إلا أصلح الموجود وقد لا يكون في موجوده من هو صالح لتلك الولاية فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام وأخذه للولاية بحقها فقد أدى الأمانة وقام بالواجب في هذا وصار في هذا الموضع من أئمة العدل والمقسطين عند الله تعالى.
القاعدة الثالثة: قلة اجتماع الأمانة والقوة في الناس:
اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: اللهم أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة. فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة قدم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضررا فيها فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع وإن كان فيه فجور على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا.
وإن كانت الحاجة في الولاية إلى الأمانة أشد قدم الأمين مثل حفظ الأموال ونحوها.
والدستور جعل لأعضاء مجلس الأمة أدوات تستخدم في الإصلاح من حيث الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وهي متدرجة من توجيه الأسئلة مرورا بالاستجواب وانتهاء بطرح الثقة في وزير من أعضاء الحكومة.
القاعدة الرابعة: معرفة الأصلح وكيفية تمامها:
قال العلماء: فالمقصود الواجب بالولايات إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم. وهو نوعان: قسم المال بين مستحقيه وعقوبات المعتدين فمن لم يعتد أصلح له دينه ودنياه ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول: «إنما بعثت عمالي إليكم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم ويقسموا بينكم فيئكم».
جاء في (المادة 82):
يشترط في عضو مجلس الأمة:
أ- أن يكون كويتي الجنسية بصفة أصلية وفقا للقانون.
ب- أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب.
ج- ألا يقل سنه يوم الانتخاب عن ثلاثين سنة ميلادية.
د- أن يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها.
وجاء في المذكرة التفسيرية (المادة 82- أوردت هذه المادة الشروط الواجب توافرها في عضو مجلس الأمة).
أما شروط الناخب فلم تتعرض لها هذه المادة أو غيرها من مواد الدستور، وإنما يتولى بيانها قانون الانتخاب (بناء على إحالة المادة 80 من الدستور التي تقول إن تأليف مجلس الأمة يكون وفقا للأحكام التي يبينها قانون الانتخاب)
ونرى أن التعديل على قانون الانتخاب مستحق نظرا لخروج العمل النيابي عن مساره وتجاوزه إلى ما يعود بالضرر على الصالح العام وآداب المجتمع.
ضوابط المشاركة الوزارية:
لقد أفتى جمع من أهل العلم بجواز المشاركة الوزارية في أنظمة لا تحكم في الشريعة الإسلامية وجعلوا لهذه المشاركة ضوابط وقواعد تحكمها واستدلوا بقوله تعالى: (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) يوسف آية 55.
ومن هذه الضوابط ما يلي:
1- الأمانة والتخصص. قال القرطبي في قوله تعالى (إني حفيظ عليم): وفي التفسير: إني حاسب كاتب، وقيل أنه أول من كتب بالقراطيس. وقيل «حفيظ» لتقدير الأقوات «عليم» بسني المجاعات (أ.هـ).
2- فيما يتعلق بأعمال الوزير. قال القرطبي: قال بعض أهل العلم: بشرط أن يعلم أنه يفوض إليه في فعل لا يعارضه فيه، فيصلح منه ما شاء، وأما إذا كان عمله بحسب اختيار الحاكم الظالم فلا يجوز ذلك. قال الماوردي: ما يجوز أن يتولاه...، وللاجتهاد فيه مدخل كالقضايا والأحكام، فعقد التقليد محلول، فإن كان النظر تنفيذا للحكم بين متراضيين، وتوسطا بين مجبورين جاز، وإن كان إلزام إجبار لم يجز.
3- الثقة بالنفس. قال الشوكاني في الفتح: «إنه يجوز لمن وثق من نفسه إذا دخل في أمر من أمور السلطان أن يرفع منار الحق، ويهدم ما أمكنه من الباطل» أن يطلب ذلك لنفسه، وجاز له أن يصف نفسه بالأوصاف التي لها ترغيب فيما يرومه» (ا.هـ).
4- أن يعلم أنه لا يوجد أحد يقوم مقامه في العدل والإصلاح وتوصيل الفقراء الى حقوقهم، فإن وجد فالأولى أن لا يطلب.لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا عبدالرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها» رواه البخاري، أما قوله صلى الله عليه وسلم: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف فقد برئ ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع» رواه مسلم.
«فمن عرف فقد برئ» معناه - والله أعلم - فمن عرف المنكر ولم يشتبه عليه، فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيديه أو بلسانه، فإن عجز فليكرهه بقلبه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولكن من رضي وتابع» معناه: ولكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع وهنا مكمن الخطر فيمن يدخل هذا المجال ولا يكون معه إيمان يمنعه من الشهوات ولا علم يمنعه من الشبهات ويغيب الهدف الذي دخل من أجله.
5- عدم تزكية نفسه على الإطلاق. قال الماوردي: وليس هذا على الإطلاق في عموم الصفات، ولكنه مخصوص فيما اقترن بوصله، أو تعلق بظاهر من مكسب، وممنوع منه فيما سواه، لما فيه من تزكية ومراءاة، ولو ميزه الفاضل عنه لكان أليق بفضله، فإن يوسف دعته الضرورة إليه لما سبق من حاله، ولما يرجو من الظفر بأهله.
النقد: نطلاقا من الدور الرقابي في العمل النيابي وما جاء في المادة (114، 115، 116، 110، 112) من الدستور، وتأكيدا للدور الرقابي لعضو مجلس الأمة ومحاسبته الوزراء على أدائهم وطلب مناقشتهم وتقديم التوصيات اللازمة أو المطالبة بلجان تحقيق في التجاوزات وهذا كله يدخل في إطار النقد البناء الذي يجب أن يكون في إطار ما أراده واضع الدستور بعيدا عن تصيد الأخطاء أو التهويل أو التشهير وعليه يجب توضيح ما هو النقد المراد في ترشيد الأداء الحكومي والنيابي.
معنى النقد:
1- النقد هو: دراسة الأعمال وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها المشابه لها، والكشف عما فيها من جوانب القوة والضعف، والجمال والقبح، ثم الحكم عليها ببيان قيمتها ودرجتها.
2- أول ما استعملت كلمة النقد كانت بمعنى فرز الدراهم والدنانير، لبيان الصحيح والزائف منها، وتلك مهارة يختص بها الصيارفة، ثم انتقلت إلى نقد أخلاق الناس وعاداتهم، وبيان ما يتحلون به من كريم الصفات، وما يعاب على أحد من السلوك، ثم اتسع اللفظ حتى شمل مجالات عديدة.
أهمية النقد العلمي الموضوعي:
1- انتفاء الرؤى الذاتية أو المتطرفة، لأن صاحب العمل يعلم مسبقا أنه سيخضع لمعايير نقدية تحتاج إلى الموضوعية والوصول إلى نتائج علمية من خلال مقدمات واضحة وصحيحة.
2- يوضح مستوى ونوعية الأطروحات العلمية، فالنقد في أساسه عملية فرز الجيد من الرديء.
3- يساعد النقد العلمي على عدم الارتجال أو العشوائية في العمل العلمي.
المبحث الخامس المنهج الشرعي في التعامل مع الأحزاب المختلفة والمطالبة بالتغيير:
أولا: التأمل في أحوال الناس في الفتن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي ومن يشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ، أو معاذا فليعذ به» رواه البخاري.
- الفرار من الفتن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن وجد ملجأ، أو معاذا فليعذ به» وليس المقصود من هذه الاحاديث الشريفة أن يقف المسلم موقفا سلبيا من الأحداث وإنما المقصود بها الفتن الكبرى التي يختلط فيه الحق بالباطل ولا يعرف الحق وأهله.
- كف اللسان عن الدخول في الفتن، وقد سئل ابن المبارك عن الفتنة التي وقعت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما فقال: «فتنة عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا».
- كف اليد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كن عبدالله المقتول ولا تكن عبدالله القاتل» رواه أحمد.
- التروي: وهذه أمثلة كثيرة توضح أهمية التروي:
تطبيقات السياسة الشرعية في تروي السلف ونظرهم للعواقب:
- موقف ابن عمر لما خطب معاوية غاضبا:
وذلك عندما وقع بين علي ومعاوية ما وقع في صفين حين اختلفوا ثم راسلوا بقايا الصحابة وتواعدوا على الاجتماع فلما تفرق الناس خطب معاوية فقال: «من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه فلنحن أحق به منه ومن أبيه» يقصد أمر الخلافة فقال حبيب بن مسلمة لابن عمر: فهلا أجبته فحللت حبوتي وهممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك فذكرت ما أعد الله في الجنان قال حبيب: حفظت وعصمت.
- وصية عبدالرحمن بن عوف لعمر بعدم الخطبة أمام الغوغاء:
روى البخاري عن ابن عباس أن عبدالرحمن بن عوف قال له في آخر حجة حجها عمر رضي الله عنه: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان؟ يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم قال عبدالرحمن: فقلت يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وأشرف الناس فتقول ما قلت متمكنا فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها فقال عمر أما والله – إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة.
موقف مطرف من دعوة الخوارج إياه لقولهم.
ما رواه ابن سعد أن مطرف بن عبدالله رحمه الله أتاه الحرورية – وهم الخوارج – يدعونه إلى رأيهم فقال – على سبيل التعليم والتنبيه لهم: يا هؤلاء إنه لو كانت لي نفسان تابعتكم بأحدهما وأمسكت الأخرى فإن كان الذي تقولون هدى أتبعتها بالأخرى وإن كانت ضلالة هلكت نفس وبقيت لي نفس ولكنها نفس واحدة وأنا أكره أن أغرر بها.
موقف مطرف من دعوة أتباع ابن الأشعث والخروج معهم:
روى ابن سعد أن ناسا من أتباع عبدالله بن الأشعث الذي خرج على أظلم ولاة بني أمية: الحجاج بن يوسف – سفاك الدماء المعروف – أتوا مطرفا فدعوه إلى قتال الحجاج فلما أكثروا على مطرف قال: أرأيتم هذا الذي تدعوني إليه هل يزيد على أن يكون جهادا في سبيل الله قالوا: لا قال: فإني لا أخاطر بين هلكة أقع فيها وبين فضل أصيبه.
حوار مسلم بن يسار مع أبي قلابة حول فتنة ابن الأشعث:
روى ابن سعد أن مسلم بن يسار وهو فقيه البصرة وزاهدها لما أكرهه ابن الأشعث على أن يخرج معه للقتال نأى بنفسه عن مباشرة القتال والاشتراك الفعلي فيه، فلذا لم يزهق نفسا واحدة في تلك المعركة فقال لأبي قلابة – متحدثا بما يرى أن نعمة من نعم الله عليه (أحمد إليك الله: أني لم أطعن فيها برمح ولم أرم فيها بسهم ولم أضرب فيها بسيف فقال له أبو قلابة: «يا أبا عبدالله فكيف بمن رآك واقفا في الصف؟ فقال: هذا مسلم بن يسار، والله ما وقف هذا الموقف إلا وهو على الحق فتقدم فقاتل حتى قتل؟ فبكى وبكى حتى تمنيت أني لم أكن قلت له شيئا».
فرق ما بين موقف مسلم بن يسار والحسن البصري
وقد ذكر ابن سعد أيضا أن مسلم بن يسار كان أرفع عند الناس من الحسن البصري حتى خرج مع ابن الأشعث فوضعه ذلك عن الناس وارتفع عنه الحسن.
في موقع الناس اليوم من الهدي المذكور في النصوص
لا ريب أن كثيرين يبادرون إلى الفتن ويحرضون عليها بألسنتهم وأقلامهم وهذا واضح بالذات في وسائل الإعلام العصرية التي صارت تحرض الناس على الفتن كثيرا فأمر اللسان أمر خطير والمخالفون فيه كثير وإن تفاوتت قوة التأثير بين الناس ولاشك أن استهداف الشباب من الجنسين في بلاد المسلمين للتأثير عليهم وتجييرهم لخدمة مخططات الأعداء من خلال تغيير مفاهيمهم عن بلدانهم ومن خلال تثويرهم وتشجيعهم على التمرد وحمل السلاح.
المبحث الرابع: مظاهر الخروج عن طاعة ولاة الأمور القولية
هذه مجرد نماذج لمحاذير يجب أن يبتعد عنها النائب تحت قبة البرلمان ومنها:
أولا: رفع الشعارات البراقة التي تجلب الجمهور وتلهب حماس العوام:
وهذا يكون بحسب الأزمنة والأمكنة فقد يرفعون شعار (الخبز) وقد يرفعون شعار (الحرية) وقد يرفعون شعار (الدين) في كل زمان بحسب ما يميل إليه جمهور الناس حتى يقدروا على جمع أكبر عدد منهم وبذلك يكثرون سوادهم.
ثانيا: لفت الأنظار إلى النقائض والعيوب فقط:
وهذا مظهر من مظاهر الخروج على حكام المسلمين وقد تفشى في الآونة الأخيرة التي انبهر بها الناس بحال الغرب من كون أحدهم يتجرأ على نقد الحاكم والتشهير به وإسقاط هيبته وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ثالثا: القول بأن ولاة الأمر عندنا قد بلغوا من الكبر عتيا:
وهذا المبدأ كان موجودا عد الخارجين على عثمان رضي الله عنه فإنهم قالوا إنه قد كبر سنه وهكذا أصحاب الفكر الخارجي اليوم من مظاهر خروجهم يقولون إنه لابد من تقديم الشباب ويقولون أيضا لماذا يجلس الحاكم طول الزمن في الحكم؟ ولماذا يستمر حاكما حتى يموت؟
وهذا كله بسبب الانبهار بما عليه الغرب من الطرق المحدثة في تولية الأمور وإدارة الحكم بين حزبين أو ثلاثة على مدى سنين بالتوالي وسموا ذلك حرية وديمقراطية ويعبرون عنه بمبدأ «تداول السلطة».
رابعا: التصريحات والتشويش بعد خطابات الحاكم:
وهذا بدأ قديما وسيستمر مع وجود الفكر الخارجي، فأول من أنكر خطاب الحاكم هم خوارج حروراء على أفضل البشر في زمانه وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقالوا له: لا حكم إلا لله!؟ فأرادوا أن يشوشوا عليه في خطبته وأن يقطعوا عليه كلمته فقال رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل.
خامسا: اتهامهم للعلماء بالمداهنة للنظام الحاكم:
وهذا المظهر يسبق مظهر التكفير فإنهم يبدأون بالتنفير من العلماء الراسخين أولا ثم يبدأون بتصدير أحكامهم وترويج أفكارهم بعد إسقاط هيبة العلماء الربانيين عند أجيال الشباب مثل قولهم انهم علماء حيض ونفاس! وانهم لا يفهمون بالسياسة! او قولهم انهم حصروا أنفسهم في الكتب الصفراء التي لا تعالج واقع اليوم!.
سادسا: الغلو في التكفير:
من المظاهر التي تنبي عن وجود الفكر الخارجي وظهور بوادره في المجتمع تكفير الحاكم الظالم أو الفاسق وهذا مظهر من مظاهر الغلو الذي وقع فيه بعض المجتمعات فأصبحوا يكفرون الحكام جزافا ودون الرجوع إلى المفتين والقضاة المعتبرين وقد برزت هذه الأفكار بصورة لافتة إبان ثورات الربيع العربي المزعوم فأصبح التكفير لجميع الحكام بلا استثناء هو شعار مرحلة الثورات.
سابعا: الدعاء على ولي الأمر:
وهذا أشد أنواع الخروج القولي، فإنه يفوت الخير وينبت الشر ويزيد الشرور ويكثر الشحناء، ولهذا كان من عقيدة أهل السنة والجماعة التي امتازوا بها عن أهل البدع أنهم يرون الدعاء لولي الأمر بالصلاح والإصلاح عبادة وأن الدعاء عليه بالهلاك والبوار بدعة وضلالة ولهذا نجد أن منهج أهل السنة والجماعة الدعاء لولاة الأمور في الجمع والجماعات وفي الحج والأعياد وإظهار ذلك أمام الناس.
قال العلامة أبو جعفر الوراق الطحاوي في العقيدة الطحاوية: «ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعو عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعو لهم بالصلاح والمعافاة»
جاء في المذكرة التفسيرية للدستور ص 51: «فلقد امتاز الناس في هذا البلد عبر القرون، بروح الأسرة تربط بينهم كافة، حكاما ومحكومين. ولم ينل من هذه الحقيقة ذات الأصالة العربية، ما خلفته القرون المتعاقبة في معظم الدول الأخرى من أوضاع مبتدعة ومراسم شكلية باعدت بين حاكم ومحكوم.
ومن هنا جاء الحرص في الدستور الكويتي على أن يظل رئيس الدولة أبا لأبناء هذا الوطن جميعا»، فنص ابتداء على أن عرش الإمارة وراثي في أسرة المغفور له مبارك الصباح (مادة 4)، ثم نأى بالأمير عن أي مساءلة سياسية وجعل ذاته مصونة لا تمس (مادة 54) كما أبعد عنه مسببات التبعة وذلك بالنص على أن رئيس الدولة يتولى سلطاته الدستورية بواسطة وزرائه (مادة 55) وهم المسؤولون عن الحكم أمامه (مادة 58) وأمام مجلس الأمة (المادتان 101 و102).
المبحث الخامس: مظاهر الخروج الفعلية عن السياسة الشرعية
المبحث الخامس: مظاهر الخروج الفعلية عن السياسة الشرعية:
أولا: إقامة الندوات المخالفة لأمر ولي الأمر.
ثانيا: عدم السمع والطاعة:
وهذا يكون بالتشويش على خطابه أو بالتهوين من قوله أو بإظهار الامتعاض من الاستماع له.
ثالثا: إظهار شعارات الإصلاح السياسي:
وهو ما صار عليه بعض الخارجين على الحكام فأظهروا شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو في عصرنا الحاضر رفعوا شعار رفع الظلم أو توزيع الثروة أو النظام العالمي الجديد! أو حتى شعار كرامة الاوطان.
رابعا: توزيع النشرات التي تدعو إلى العصيان، ومنازعة ولي الأمر.
يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز «وهذه النشرات التي تصدر.. من دعاة الباطل ودعاة الشر والفرقة يجب القضاء عليها وإتلافها وعدم الالتفات إليها ويجب نصيحتهم وإرشادهم للحق وتحذيرهم من هذا الباطل ولا يجوز لأحد أن يتعاون معهم في هذا الشر ويجب أن ينصحوا».
خامسا: المظاهرات والاعتصامات، ثم الخروج المسلح:
والخروج إلى المظاهرات والاعتصامات من أظهر الأمور التي تدل على مظاهر الخروج على ولي الأمر وذلك لأن هذه الأمور تؤدي إلى الشرور ولا تجلب الحبور ولا تحقق الحق ولا تبطل الباطل.
ثم إن هذا المظاهرات فيها من المفاسد العظيمة ما يدركه كل عاقل ومصالحه وقتية غير حتمية ففي الخروج على الحاكم أضرار بالغة وتقويض للأمن وزعزعة للاستقرار وكم شاهدنا من مظاهرات قالوا عنها سلمية وإذا بها تخلف وراءها مئات القتلى والجرحى بسبب الغوغائية والديماجوجية.
الخاتمة والتوصيات
قال تعالى (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات) الأنعام 165، وقال تعالى: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) الزخرف 32، فجاءت الشريعة بصرف السلطان والمال في سبيل الله.
فإن كان المقصود بالسلطان والمال هو التقرب إلى الله، وإقامة دينه، وإنفاق ذلك في سبيله، كان ذلك صلاح الدين والدنيا، وإن انفرد السلطان عن الدين، أو الدين عن السلطان، فسدت أحوال الناس، وإنما يمتاز أهل طاعة الله عن أهل معصيته، بالنية والعمل الصالح.
فالواجب على المسلم أن يجتهد في ذلك بحسب وسعه، فمن ولي ولاية يقصد بها طاعة الله، وإقامة ما يمكنه من دينه، ومصالح المسلمين، وأقام فيها ما يمكنه من ترك المحرمات، لم يؤاخذ بما يعجز عنه، فإن تولية الأبرار خير للأمة من تولية الفجار.
ومن كان عاجزا عن إقامة الدين بالسلطان والجهاد، ففعل ما يقدر عليه، من النصيحة بقلبه، والدعاء للأمة، ومحبة الخير وأهله، وفعل ما يقدر عليه من الخير، لم يكلف بما يعجز عنه، فإن قوام الدين بالكتاب الهادي، والحديد الناصر كما ذكره الله تعالى.
فعل كل أحد الاجتهاد في إيثار القرآن والحديث، لله تعالى وطلب ما عنده مستعينا بالله في ذلك ثم الدنيا تخدم الدين، كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: «ابن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فإن بدأت بنصيبك من الآخرة مر بنصيبك من الدنيا فانتظمها انتظاما، وإن بدأت بنصيبك من الدنيا فاتك نصيبك من الآخرة، وأنت من الدنيا على خطر».
ودليل ذلك ما رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أصبح والآخرة أكبر همه، جمع له شمله، وجعل عناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن أصبح والدنيا أكبر همه فرق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له» رواه الترمذي.
وأصل ذلك في قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الذاريات 56-58.
فنسأل الله العظيم أن يوفقنا وسائر إخواننا وجميع المسلمين، لما يحبه ويرضاه من القول والعمل، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.