شهد عام 1986 وتحديدا في الثالث من يوليو حل مجلس الأمة للفصل التشريعي السادس في فترة عصيبة مرت على الكويت تخللتها الحرب العراقية - الايرانية وانعكاساتها الخطيرة على الوضع الداخلي، وقيام تكتلات معارضة وأحزاب، فتشتتت الكلمة وتعارضت وجهات النظر ووصلت لمرحلة تهديد الوحدة الوطنية.
وتفجرت أزمة اقتصادية واسعة في تلك الفترة، وهي أزمة سوق المناخ التي كادت تعصف بالبلاد، وناقش مجلس الأمة تلك الأزمة وعمل على معالجتها، فشكلت لجنة للتحقيق في الأزمة، وكان حمد الجوعان أحد أعضائها، حيث طلب من وزير المالية جاسم الخرافي صورة من محاضر اجتماعات البنك المركزي الكويتي وبصورة من التقارير الخاصة بالنقد، ولكن الوزير رفض إعطاءه هذه الوثائق لسريتها، ما أدى الى طلب الحكومة تفسير المادة 114 من الدستور، ولكن المحكمة الدستورية قضت بأنه من حق النائب السؤال عن هذه الوثائق، ومن الأسباب التي أدت الى حل المجلس ظاهرة الاستجوابات، حيث تقدم عدد من النواب لاستجواب بعض الوزراء، إذ تقدم مبارك فهد الدويلة وأحمد الربعي وحمد الجوعان لاستجواب وزير العدل والشؤون القانونية الشيخ سلمان الدعيج، وبعد مناقشة الاستجواب تم طلب طرح الثقة في الوزير الذي استقال قبل يومين من انعقاد الجلسة الخاصة بطلب طرح الثقة، وشهد يوم 24 يونيو 1986 تقديم ثلاثة استجوابات، حيث تقدم النائب ناصر البناي وخميس عقاب وسامي المنيس باستجواب لوزير المالية والاقتصاد جاسم الخرافي، واستجواب آخر قدمه النواب مشاري العنجري وجاسم القطامي وعبدالله النفيسي لوزير النفط والصناعة الشيخ علي الخليفة، واستجواب ثالث قدمه محمد سليمان المرشد وفيصل الصانع وأحمد باقر لوزير المواصلات عيسى المزيدي، كما تلا تلك الاستجوابات استجواب ضد وزير التربية د.حسن الابراهيم، وقدمه كل من راشد سيف الحجيلان وأحمد نصار الشريعان في 1 يوليو 1986.
قرار الحل
وفي 3 يوليو أصدر سمو امير البلاد الراحل الشيخ جابر الاحمد ـ رحمه الله امرا اميريا بحل مجلس الامة ووقف العمل ببعض مواد الدستور.
وفيما يلي نص الامر الاميري بحل المجلس:
بسم الله الرحمن الرحيم
امر اميري بحل مجلس الامة
فقد شاءت ارادة العلي القدير ان نحمل المسؤولية عن هذا الوطن العزيز عاهدنا الله وعاهدنا المواطنين ان نعمل على حفظ الكويت من كل سوء.
ولقد تعرضت البلاد لمحن متعددة وظروف قاسية لم يسبق ان مرت بمثلها مجتمعة من قبل فتعرض امنها الى مؤامرات خارجية شرسة هددت الارواح وكادت ان تدمر ثروات هذا الوطن ومصدر رزقه.
وكادت نيران الحرب المستعرة بين جارتيها المسلمتين ان تصل الى حدودها وواجهت ازمة اقتصادية شديدة وبدلا من ان تتضافر الجهود وتتعاون كل الاطراف لاحتواء هذه الازمات تفرقت الكلمة وانقسم الرأي وظهرت تكتلات وأحزاب ادت الى تمزيق الوحدة الوطنية وتعطيل الاعمال حتى تعذر على مجلس الوزراء الاستمرار في مهمته.
ولما كانت الازمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد لن ينقذها منها الا عمل حاسم وجاد ولما كانت المؤامرات الاجرامية التي يتعرض لها الوطن لن يوقفها الا اليقظة التامة والاستعداد الكامل والوحدة الوطنية الشاملة.
ولما كانت ظروف المنطقة تتميز بالحرج وتحيطها ملابسات دقيقة وخطرة ولما كان استمرار الوضع على ما هو عليه سيعرض الكويت الى ما خشيناه ونخشاه من نتائج غير معهودة.
ولما كانت الحرية والشورى نبت اصيل نما وازدهر منذ نشأت الكويت، وكانت الكويت هي الاصل وهي الهدف وهي الباقية اما ما عداها فهو زائل ومتغير وفقا لحاجاتها ومصالحها فإن استمرار الحياة النيابية بهذه الروح وفي هذه الظروف يعرض الوحدة الوطنية لانقسام محقق ويلحق بمصالح البلاد العليا خطرا داهما لذلك رأينا حرصا على سلامة واستقرار الكويت ان نوقف اعمال مجلس الامة.
وأصدرنا بذلك الامر الآتي نصه:
مادة اولى: يحل مجلس الامة ويوقف العمل بأحكام المواد 56 فقرة 3 و107 و174 و181 من الدستور الصادر في 11 من نوفمبر 1963.
مادة ثانية: يتولى الامير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة لمجلس الامة بموجب الدستور.
مادة ثالثة: تصدر القوانين بمراسيم اميرية ويجوز عند الضرورة اصدارها بأوامر اميرية.
مادة رابعة: على رئيس مجلس الوزراء والوزراء ـ كل فيما يخصه ـ تنفيذ هذا الامر ويعمل به من تاريخ صدوره وينشر في الجريدة الرسمية.
المواد الدستورية المعطلة
مادة 56 فقرة 3: ولا يزيد عدد الوزراء جميعا على ثلث عدد اعضاء مجلس الامة.
مادة 107: للأمير ان يحل مجلس الامة بمرسوم تبين فيه اسباب الحل على انه لا يجوز حل المجلس لذات الاسباب مرة اخرى.
وإذا حل المجلس وجب اجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل.
فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن. ويستمر في اعماله الى ان ينتخب المجلس الجديد.
مادة 174: للأمير ولثلث اعضاء مجلس الامة حق اقتراح تنقيح هذا الدستور بتعديل او حذف حكم او اكثر من احكامه، او بإضافة احكام جديدة إليه.
فإذا وافق الامير وأغلبية الاعضاء الذين يتألف منهم مجلس الامة على مبدأ التنقيح وموضوعه ناقش المجلس المشروع المقترح مادة مادة، وتشترط لإقراره موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا يكون التنقيح نافذا بعد ذلك الا بعد تصديق الامير عليه وإصداره، وذلك بالاستثناء من حكم المادتين 65 و66 من هذا الدستور.
وإذا رفض اقتراح التنقيح من حيث المبدأ او من حيث موضوع التنقيح فلا يجوز اقتراح تعديل هذا الدستور قبل مضي خمس سنوات على العمل به.
مادة 181: لا يجوز تعطيل اي حكم من احكام هذا الدستور الا اثناء قيام الاحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون، ولا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد مجلس الامة في تلك الاثناء او المساس بحصانة اعضائه.
خطاب الحل
وقد وجه الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه، خطابا الى المواطنين اعلن فيه ان صورة الديمقراطية في البلاد بدأت تهتز وممارساتها تنحدر وتجذب معها القيم الاجتماعية والسلوكية ويتفكك معها التماسك الموروث في المجتمع الكويتي.
بسم الله الرحمن الرحيم
(ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين) الحمد لله والشكر له والصلاة والسلام على رسوله..
اخواني..
في حياة الشعوب أيام هي عند مفارق مسارها التاريخي وتفرض عليها المراجعة الشاملة للعلاقات بين المبادئ والممارسات وبين اهداف الوطن العليا والتصرفات الجزئية التي تمتص الجهود وتشتت النظرة وتفرق الكلمة.
واحسب اننا الآن نعيش يوما من هذه الايام.
أما عن المبادئ فقد آمنا جميعا بالشورى التي تلقيناها من كتاب ربنا في قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) وقوله تعالى (وشاورهم في الأمر).
وعشنا نمارس هذه الشورى على مستوى الأسرة والفريج والأهل والوطن وديوانياتنا صورة مصغرة لحرية الرأي والحوار تسودها روح المحبة والقلب المفتوح والباب المفتوح، وكانت هذه الممارسة الشعبية والرغبة في تطويرها الى صورة حديثة هي الدافع الأكبر الى تبني نظامنا النيابي.
اخواني..
ان اي نظام يجب ان يوزن بما يحقق للوطن من عطاء وصورة النظام ليست غاية في ذاتها وانما هي وسيلة يرتضيها المجتمع من اجل المحافظة على اصالته والتفتح على ما حوله وبناء مستقبله.
ولقد كان الأمل ان يظل الحوار بين السلطتين التنفيذية والتشريعية حاملا روح المودة والاخاء من البيئة الطيبة التي نبتا فيها وصعدا من جذورها خاصة ان هناك قضايا اساسية يتصدرها الوضع الأمني والوضع الاقتصادي الذي انحدر الى مستوى لا يمكن السكوت عنه.
وقد انتظرت طويلا لعل وعسى ان تتمكن السلطتان بالتفاهم وبالحوار البناء من حل هذه القضايا ولكن تحول الحوار الى مساجلات ومشاحنات واصبحت مواد القوانين واللوائح أسلحة متبادلة بدل ان تكون سواعد متعاونة وحجبت الصراعات بغبارها شمس الحقيقة، واختلطت القضايا العامة بالقضايا الخاصة واصبح النقاش تصفيات لحسابات قديمة او تخطيطا لتطلعات جديدة وتسجيلا لمواقف يقصد بها الاعلام لا العلم، والتجريح لا التصحيح، ولم نكتف بمشكلات الكويت الداخلية، وهي وحدها كفيلة بان تستغرق الجهد كله، ولكننا دخلنا في معارك خارجية ليست مفروضة علينا وخلقنا بها عداوات لا داعي لها، واصبح فينا من يقول ما شاء لمن شاء ناسيا او متناسيا حجم الكويت وامكاناتها وقدراتها ومصالحها، فهل نحن بحاجة الى هذه الجبهات المفتوحة؟
اليست مشكلاتنا اولى بعنايتنا ومواطنونا اولى بهذه الجهود؟
\لقد رأيت صورة الديموقراطية تهتز وممارستها تنحدر وتجذب معها القيم الاجتماعية والسلوكية. ويتفكك معها التماسك الموروث في المجتمع الكويتي.
واضطربت المسؤولية.. وتجاذبتها الأيدي وأصبح المواطن لا يعرف من هم المسؤولون عما يجري من أحداث. لقد نبهت أكثر من مرة بأن الوضع دقيق وأن مسلسل الإرهاب الذي استهدف ويستهدف الكويت سيستمر ما لم يتعاون الجميع بهذه الظروف بالذات وقوفا بوجه كل من يريد للوطن السوء. ولكن للاسف لم يشعر الاخوة الأعضاء بخطورة الوضع كما اراه من موقع المسؤولية.
اخواني:
هناك حدود ينبغي التزامها للجميع بين موقع المسؤولية وأمانة المسؤولية.
ان الديموقراطية الحقة تنبثق من مبادئ الشورى وهي حوار هادف وتعاون تفاهم وقرار حكيم. الديموقراطية في دارنا ان تكون الكويت أولا ونحن جميعا في خدمتها نحميها بأجسادنا وأرواحنا.
الديموقراطية ان تكون قلب الكويت النابض وعقلها المفكر.. ويدها البيضاء وإرادتها المستقلة.
اخواني
إنني على ثقة من ان ما يجري عندنا انما هو امتداد لمخطط أو أكثر ينطلق من مراكز تأثير دخيلة وانساق إليه من انساق وهو يدري أو لا يدري.
وانظروا ما حل بغيرنا لتروا كيف استطاعت الفتن أن تعصف بدول كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان.
هذا ما حاولوا تنفيذه لاختراق الصف الكويتي، ودفعوا الحرية حتى أصبحت فوضى، وهبطوا بالوطنية حتى أصبحت طائفية، وهزوا الثقة التي كانت عصمة مجتمعنا لتصبح شكا بين ابناء الوطن الواحد، ومتى كانت هناك تفرقة بين طائفة وأخرى. كلنا ابناء الكويت، هي الأم والأب ونحن الدرع التي تحميها من اعدائها.
ولعل السبب الأكبر في هذا التآمر الظاهر والمستمر ان القرار الكويتي لم يخفض الجبين لأي جهة أو جماعة أو دولة بل كان وسيظل بإذن الله نابعا من مصالح الشعب الكويتي ومعتزا بإرادته.
اخواني.
ان العاقل من اتعظ بغيره وبماضيه وارتفع فوق حسابات الماضي والتطلعات الذاتية الى آمال الوطن ومستقبله وأمن أن حق الكويت هو أولى الحقوق بالاداء.
إننا لا نعزل انفسنا عما يجري حولنا ولكننا نصون وطننا من الاخطار ونبني صرح الكويت على صخرة ثابتة وأساس متين.
اخواني.
في بعض المواقف يجد المسؤول نفسه أمام القرار الصعب والحازم وإذا اشتد الأمر لا يملك إلا اتخاذه لمسؤوليته امام الله المطلع على ما في النفوس وأمام الشعب الذي أولاه ثقته:
ان العواصف لا ترحم والأمواج لا تعرف صديقا لهذا كان لزاما علي وفاء للامانة التي احملها في عنقي ومن دافع مسؤوليتي تجاه هذا البلد الطيب والشعب الكريم التي احملها في عنقي ان اصدر امرا أميريا بحل مجلس الأمة ووقف بعض مواد الدستور بعد أن رأينا ما سيحيق بوطننا وشعبنا العزيز فيما لو استمرت الاوضاع على ما هي عليه.
وإننا بعون الله وتوفيقه لن نتخلى عن مسيرتنا النيابية التي امنا بها بما يكفل المحافظة على الكويت وشعبها ويعمق مشاعر الحب والتضحية لهذا الوطن الغالي ويحفظ اصالته ووحدته من أي انقسام او صراعات داخلية لكي يكون سدا منيعا امام المؤامرات التي تريد النيل من صلابته، وستبقى الكويت وشعبها العربي سندا لامتها العربية وقضاياها المصيرية وعونها لأمتنا الاسلامية وشريعتها السمحة ولكل مخلص امين على أرضها، ادعو الله جلت قدرته ان يعيننا ويهدينا الى ما فيه خير شعبنا وسلامة بلدنا انه سميع مجيب الدعاء حمى الله الكويت وشعبها من كل شر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دواوين الأثنين
بعد أن تم حل مجلس الأمة وتعطيل بعض مواد الدستور اعترض عدد من النواب الذين كانوا في المجلس على ذلك، وفي الفترة من العام 1989 حتى 1990 تم تنظيم ما يعرف باجتماعات دواوين الاثنين، وهي اجتماعات كانت تضم 26 نائبا من نواب مجلس الأمة الكويتي 1985 في دواوين مختلفة، وقد كان هدف هذه الدواوين أن يتم الرجوع إلى دستور عام 1962 وإعادة الحياة النيابية مرة أخرى في الكويت، وقد حدثت مصادمات كبيرة بين الجماهير التي كانت تحضر إلى تلك الدواوين والشرطة الكويتية، وقد حدثت مداهمات لبعض تلك الدواوين، ولم تتوقف هذه الحركة إلا بعد أن قام الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد بخطاب دعا فيه الى الحوار الوطني، وتم بعد ذلك تأسيس المجلس الوطني الكويتي، الذي قاطعه النواب بحجة عدم دستوريته، ولم تتوقف الاعتراضات الا عندما انعقد مؤتمر جدة في 13 أكتوبر حتى 15 أكتوبر 1990 في أثناء الاحتلال العراقي للكويت، حيث وعدت الحكومة بعودة الحياة النيابية مرة أخرى.