ألقى وزير المالية مصطفى الشمالي في بداية مناقشة قضية القروض بيانا يمثل وجهة النظر الحكومية جاء فيه: بداية فإن التعاون بين الحكومة والمجلس ليس امرا يفرضه الدستور فحسب بل هو ضرورة حتمية تفرضها روح الأسرة التي تربط بين ابناء هذا الوطن حكاما ومحكومين والتي كانت الاساس الذي قام عليه نظام الحكم في الكويت.
ومن هذا المنطلق سوف اطرح على حضراتكم في هذا البيان وجهة نظر الحكومة في المخالفات الدستورية والاجرائية التي وقع فيها التقرير العاشر للجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس الامة في شأن الاقتراحات بقوانين والاقتراحات برغبة المقدمة من بعض السادة أعضاء مجلس الامة الموقرين في شأن إعادة جدولة القروض الاستهلاكية واسقاط الفوائد عن القروض المستحقة على المواطنين للبنوك وشركات الاستثمار قبل مناقشة الاقتراح بقانون الذي انتهت اليه اللجنة، وقبل ابداء وجهة نظر الحكومة في هذا الاقتراح او في الاقتراحات المقدمة من الاعضاء.
وسوف اتناول هذه المخالفات الدستورية من الناحية الاجرائية ثم من الناحية الموضوعية.
المخالفات الدستورية الإجرائية:
من المعلوم لحضراتكم ان الهدف من انشاء صندوق معالجة اوضاع المواطنين المتعثرين في سداد القروض الاستهلاكية والمقسطة تجاه البنوك وشركات الاستثمار بالقانون رقم 28 لسنة 2008 هو حرص الحكومة على التوفيق بين امرين:
الأول: مساعدة هؤلاء المواطنين في اقالتهم من عثرتهم، وفقا لضوابط عملية وواقعية تتفق والأوضاع المالية لكل مدين، بحيث تكون ركيزتها الاساسية هي المحافظة للمدين على نصف دخله الشهري، بما يتيح له ولأسرته العيش الكريم، الأمر الثاني: هو ألا تقع هذه المعالجة في حومة مخالفة المبادئ الأساسية في الدستور واولها العدالة والمساواة.
وانه استجابة لرغبات بعض النواب المحترمين والمقترضين، فقد اعدت الحكومة مشروع قانون بتعديل بعض احكام القانون رقم 28 لسنة 2008 لتوسيع دائرة المستفيدين من هذا القانون، بإدخال شريحة المدينين الذين يمكن ان يكونوا قد تعثروا في سداد قروضهم بعد التاريخ الذي حدده القانون وهو 31/3/2008 وتمديد المهلة المحددة لتقديم طلبات الافادة من هذا القانون، وتلافي ما كشف عنه التطبيق العملي لهذا القانون من احجام البعض عن التقدم للصندوق بسبب حظر الاقتراض من جديد الوارد به، برفع هذا الحظر، ووضع ضوابط الاقتراض من جديد بالنسبة الى من يفيدون من هذا القانون، اذا كان الفائض من دخل العميل يسمح له بالحصول على قرض جديد.
وقد صدر المرسوم الاميري رقم 336 لسنة 2009 بإحالة مشروع قانون بتعديل احكام القانون رقم 28 لسنة 2008 المشار اليه والذي احيل الى اللجنة الموقرة لبحثه مع الاقتراحات بقوانين المقدمة من الاعضاء وبالرغم من حضور الحكومة خمسة اجتماعات للجنة الموقرة وابداء وجهة نظرها في هذه الاقتراحات وتقديم وجهة نظرها في المشروع الذي قدمته والذي يعتبر بديلا عادلا ومنصفا للمدينين، فإن اللجنة قدمت تقريرها، بما انتهى اليه رأيها فيه بدمج الاقتراحات بقوانين في مشروع واحد، دون ان تشر الى مشروع القانون المقدم من الحكومة الامر الذي يعد انكارا للدور التشريعي للسلطة التنفيذية وحقها في اقتراح القوانين وبما ينطوي عليه كذلك من انكار لدور اللجنة الموقرة الاصيل في بحث هذا المشروع وابداء الرأي فيه، لارتباطه بالاقتراحات بقوانين المقدمة من الاعضاء وهو ما اوقع تقرير اللجنة في حومة مخالفة المادتين 51 و65 من الدستور والاحكام المكملة لهما في اللائحة الداخلية لمجلس الأمة.
أولا: مخالفة المادتين 51 و65 من الدستور:
تنص المادة 51 من الدستور على ان السلطة التشريعية يتولاها الامير ومجلس الامة وفقا للدستور.
وتنص المادة 65 على ان للأمير حق اقتراح القوانين.
كما تنص المادة 109 على ان «لعضو مجلس الأمة حق اقتراح القوانين».
وكما تعلمون فإن صاحب السمو الأمير يمارس سلطاته بواسطة وزرائه وفقا لأحكام المادة 55 من الدستور.
وبذلك فقد اخذ الدستور الكويتي، بالنسبة الى اقتراح القوانين وهو جزء من العملية التشريعية بالاختصاص المشترك لكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية في حق اقتراح القوانين ولم يحرم السلطة التنفيذية من هذا الحق.
بل ان المشرع الدستوري قيد من اختصاص الاعضاء في اقتراح القوانين بما لم يقيد به السلطة التنفيذية في هذا الامر عندما نصت الفقرة الثانية من المادة 109 على ان كل مشروع قانون اقترحه احد الاعضاء ورفضه مجلس الامة لا يجوز تقديمه ثانية في دور الانعقاد ذاته.
وذلك على خلاف الحق المقرر للسلطة التنفيذية في اقتراح القوانين الذي جاء طليقا من هذا القيد وفقا لما قررته المحكمة الدستورية في تفسيرها لنصوص الدستور (جلسة 29/6/1985 طلب التفسير رقم 1 لسنة 1985).
كما اختص المشرع في اللائحة الداخلية لمجلس الأمة السلطة التنفيذية بحكم خاص، هو إحالة مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة إلى اللجنة المختصة مباشرة، على خلاف الاقتراحات بقوانين المقدمة من الاعضاء والتي تحال إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية قبل احالتها الى اللجنة المختصة.
ويرجع السبب في انفراد الحكومة بهذا الحكم الخاص، وفقا لما يقوله د.عادل الطبطبائي في كتابه النظام الدستوري في الكويت إلى ما يفترض ان يكون عليه المشروع المقدم من الحكومة من دراسة جدية عميقة لفكرته نظرا لما تملكه الحكومة من أجهزة متخصصة (ص 638 ـ الطبعة 1985) وأيده في ذلك المرحوم د.عثمان عبدالملك في كتابه «النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت» الجزء الأول ط 1989 ـ 469 وما بعدها.
وهو ما انتهى إليه رأي الخبير الدستوري للمجلس د.عبدالفتاح حسن في كتابه الذي درسه في جامعة الكويت (مبادئ النظام الدستوري في الكويت ص 182).
ويضيف المرحوم د.عثمان عبدالملك، بأن هناك دساتير تجعل حق اقتراح القوانين للسلطة التنفيذية وحدها مثل الدستور الفرنسي، ويعلل ذلك لأنها هي التي تتصل مباشرة بالواقع العملي وتسهر على إدارة المرافق العامة، ومن ثم فهي أدرى باحتياجات المجتمع وهي التي تقوم على التنفيذ اليومي للقوانين، فهي القادرة على التعرف على القواعد القانونية اللازمة وعلى ما يعتريها من أوجه نقص أو قصور.
وفي النظام البرلماني الانجليزي، يقدر عدد القوانين التي صدرت بناء على اقتراح الحكومة بأكثر من 90% من القوانين المعمول بها.
لذلك فإن إنكار التقرير المقدم من اللجنة لحق الحكومة في تقديم ما تراه من مشروعات قوانين فضلا عن مخالفته لنصوص الدستور واللائحة الداخلية لمجلس الأمة، هو تجاهل لأهمية الدور الذي تقوم به في إدارة شؤون البلاد وإلمامها الأعم والأشمل بالحاجات العملية.
ثانيا: تخلّي اللجنة الموقرة عن اختصاصها:
بادئ ذي بدء فإن لجان المجلس، تستمد وجودها أساسا من نص المادة 115 من الدستور، وأنه طبقا لنصوص الدستور وأحكام اللائحة الداخلية للمجلس فإن هذه اللجان لها دور أساسي في كل اعمال مجلس الأمة من أعمال تشريعية وسياسية ومالية، بل ان احالة كثير من أعمال المجلس على هذه اللجان، ليس خاضعا لتقدير المجلس، بل هو أمر تحتمه نصوص اللائحة الداخلية للمجلس، لما ارتآه المشرع عند اصدار هذه اللائحة من أن وجود هذه اللجان وما تملكه من صلاحيات واسعة وما يمكن أن يتاح لها من وقت والسرية التي تحاط بها جلساتها على عكس جلسات المجلس العلنية، ما يمكنها من تقصي حقائق الموضوع المطروح من جميع جوانبه من خلال اطلاعها على الاوراق والمستندات المتعلقة به ومناقشة المسؤولين والمختصين والخبراء وتقديم تقرير شامل للمجلس بالرأي الذي انتهت اليه اللجنة مع الاسباب التي بني عليها، وبالآراء الأخرى التي تداولت الموضوع في اللجنة، دون ان تحوز على الاغلبية اللازمة لاقرارها.
وألزمت اللائحة اللجنة بتقديم تقرير عن كل موضوع يحال إليها يلخص عملها ويبين توصياتها (مادة 55) مشتملا على مشاريع الموضوعات المحالة إليها أصلا والموضوع كما أقرته اللجنة والأسباب التي بنت عليها رأيها وأوجبت اشتمال التقرير كذلك على رأي الاقلية (مادة 56).
فإذا جاء تقرير اللجنة ـ الماثل أمام حضراتكم ـ خاليا من أي إشارة إلى مشروع القانون المقدم من الحكومة المحال إليها والمرتبط بالاقتراحات بقوانين المقدمة من الاعضاء فإن ذلك يعتبر انكارا للدور التشريعي للسلطة التنفيذية ومخالفا للدستور، فضلا عن مخالفته لاحكام اللائحة الداخلية فيما تنص عليه المادة 99 من أنه «إذا قدم اقتراح أو مشروع بقانون مرتبط باقتراح أو مشروع آخر معروض على إحدى اللجان، أحاله الرئيس إلى هذه اللجنة...» أي أن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة قدرت ما في ارتباط مشروع قانون باقتراح مقدم من أحد الاعضاء من أهمية فأوجبت إحالته إلى اللجنة.
ومثل هذا النص يصبح لغوا ينزه عنه المشروع إذا تخلت اللجنة الموقرة من اختصاصها بنظر مشروع القانون المقدم من الحكومة، ولم تلتفت إليه، بل ولم تشر إليه في تقريرها مثلما أشارت إلى رأي الأقلية.
وهو خطأ فادح إذا اعتقد كل فكر أنه يملك الحقيقة المطلقة، وأن الفكر الآخر خطأ مطلق.
المخالفات الدستورية الموضوعية:
أولا: عدم تحقيق مبدأ العدالة الذي نص عليه الدستور في المادة 7 كأحد المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي نظرا لعدم المساواة بين المواطنين المقترضين وغير المقترضين حاليا، وبين المقترضين أنفسهم، ومن سيحصل على قروض في المستقبل، وكذلك عدم مساواة هؤلاء المقترضين عملاء القروض التجارية والصناعية وعملاء القروض الأخرى الذين يساهمون في التنمية الاقتصادية وتنمية المجتمع والذين قد يطالبون بامتيازات او اعفاءات مماثلة لعملاء القروض الاستهلاكية والمقسطة وبما قد يترتب على ذلك من تداعيات مختلفة لمثل هذه القرارات.
كما تنطوي المطالبة باسقاط الفوائد على القروض المستحقة على المواطنين بشكل عام على اخلال واضح بمبدأ العدالة الذي نص عليه الدستور كأحد المقومات الاساسية للمجتمع الكويتي، ويمكن الاشارة الى اوجه الاخلال الذي تنطوي عليه المطالبات باسقاط الفوائد على القروض المستحقة على المواطنين وما لذلك من تداعيات مختلفة من عدم تحقيق العدالة بين جميع المواطنين، حيث يلاحظ وجود عملاء غير مقترضين لمثل هذه النوعية من القروض او غير مقترضين كليا، كما يوجد تفاوت في ارصدة الالتزامات القائمة فيما بين عميل وآخر وذلك في ضوء مبلغ القرض عند المنح وما تم تسديده من اقساط مستحقة وفوائد/ عوائد حتى الآن، بالاضافة الى عدم المساواة مع المواطنين ممن عليهم قروض لجهات اخرى بخلاف البنوك وشركات الاستثمار مثل الالتزامات القائمة على المواطنين تجاه شركات بيع السيارات وبيع الاجهزة الكهربائية والاثاث بالتقسيط.
ثانيا: ان هذا القانون هو بطبيعته وبحسب مضمونه وفحواه قانون ذو اثر رجعي، بمعنى انه يمس مراكز قانونية ذاتية تمت في الماضي.
ومع ذلك، فإن اللجنة لم تشر في تقريرها الى وجوب ان تكون موافقة المجلس على مشروع القانون المقترح منها بأغلبية الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس، اعمالا للمادة 179 من الدستور التي تنص على انه «لا تسري احكام القوانين الا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها اثر فيما وقع قبل هذا التاريخ، ويجوز في غير المواد الجزائية النص في القانون على خلاف ذلك بموافقة اغلبية الاعضاء الذين يتألف منهم مجلس الامة».
وقد قضت المحكمة الدستورية بجلسة 11/7/1991 في الطعن رقم 1 لسنة 1981 بأن القاعدة في تطبيق القوانين هي عدم سريانها على الماضي، لأن الرجعية تنزع من التشريع خصائصه نظرا لما تؤدي اليه من اخلال بالعدل واضطراب في المعاملات وزعزعة الثقة بالقانون، الا انه يرد على هذه القاعدة استثناء في المادة 179 من الدستور وهو استثناء يستلزمه الصالح العام للجماعة لقيامه على اساس فكرة الضرورة على الا يمس ذلك حقوقا للافراد كفل الدستور حمايتها.
كما ان القول بسريان القانون على الماضي فيه اهدار للثقة بالقانون، لأنه اذا جاء قانون جديد يهدم تصرفات الافراد التي كانت صحيحة طبقا للقانون فإن هذا من شأنه ان يعدم ثقتهم في القانون بصفة عامة (اذ يرون ان من الجائز ان تهدم تصرفاتهم في وقت ما، او ان سلوكهم القديم قد يصير فيما يتعلق مخالفا للقانون، وهذا من شأنه ان يوجد القلق في نفوسهم، فلا يطمئنون الى تصرفاتهم ولا الى ما اكتسبوا من حقوق).
ولعل هذه القاعدة يعززها ويدعمها ما تعارف عليه رجال القانون، بل اصبح نصا مقننا في كثير من التشريعات وهو ان العقد قانون المتعاقدين، وهي قاعدة تحث عليها الاديان جميعا، بل هي فوق كونها التزاما قانونيا، هي واجب ديني واخلاقي.
وهو الامر الذي كان يجب فيه على اللجنة ان تستخدم الرخصة المخولة لها بالمادة 101 من اللائحة الداخلية التي تنص على انه «اذا ادخلت اللجنة المتخصصة تعديلات على مشروع قانون جاز لها قبل رفع تقريرها الى المجلس ان تحيله الى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لتبدي رأيها في صياغة المشروع وتنسيق مواده واحكامه، وتشير اللجنة في تقريرها الى رأي لجنة الشؤون التشريعية والقانونية».
وذلك لبحث مدى قانونية الزام البنوك وشركات الاستثمار باعادة جدولة القروض الاستهلاكية والمقسطة المقدمة منها، آخذا في الاعتبار ان هذه القروض تحكمها عقود بين تلك الجهات وبين المواطنين المقترضين تم ابرامها وفقا للنظم والتشريعات السارية في حينه، كما ان التدخل بتعديل هذه العقود يخل بالاستقرار المطلوب للمعاملات المالية.
ثالثا: فقدان مشروع اللجنة لخصائص القانون
في حكم المحكمة الدستورية الصادر بتاريخ 11/7/1991 في الطعن رقم 1 لسنة 1981، اشارت المحكمة في اسباب حكمها الى ان الرجعية تنزع عن التشريع خصائصه.
وخصائص القانون ـ كما تعلمون ـ هي ان القانون قواعد عامة ومجردة بمعنى انها تنتظم كل الوقائع والمراكز القانونية التي تحكمها، ومجردة بمعنى انها لا تصدر لحالة او واقعة بعينها او لشخص بذاته، بما يضفي على التشريع طابعا غير ذاتي يستبعد معه كل احتمال للتعسف.
ومشروع اللجنة قد افترض ان جميع المقترضين او على الاقل معظمهم قد تعثروا في السداد، وهذه فرضية بعيدة تماما عن الواقع، حيث تتسم القروض الاستهلاكية والمقسطة بالانتظام بصفة عامة، وحيث تبلغ نسبة حالات التعثر في السداد المتخذ بشأنها اجراءات قانونية نحو 3.3% من اجمالي عدد القروض المقدمة للعملاء الكويتيين المقترضين لمثل هذه النوعية من القروض، ونحو 2.5% بالنسبة لقيمة تلك القروض، وذلك كما في 30/9/2009، الامر الذي يتنافى مع عمومية القانون وتجريده ان يصدر مشروع اللجنة هذه النسبة الضئيلة من المقترضين والمستفيدة أصلا من صندوق معالجة أوضاع المواطنين المتعثرين في سداد القروض الاستهلاكية والمقسطة تجاه البنوك وشركات الاستثمار.
رابعا: الإخلال بحق التقاضي:
وهي مخالفة دستورية وقع فيها مشروع اللجنة بمخالفته للمادة 166 من الدستور فيما تنص عليه من ان حق التقاضي مكفول للناس، ويبين القانون الاجراءات والأوضاع اللازمة لممارسة هذا الحق، حيث تضمن مشروع اللجنة حكما يقضي بعدم جواز اتخاذ اي اجراءات قضائية تحفظية، بما في ذلك المنع من السفر، بحق اي عميل يمنح بعد العمل بهذا القانون اي قرض استهلاكي او مقسط او كليهما ويتعثر في الوفاء بالتزاماته، وهو حكم يلغي حق الجهة الدائنة في اللجوء الى القضاء لاستيداء حقوقها، كما ان الاقتراح بقانون لم يحدد اي اجراءات بديلة في حالة عدم انتظام العميل في الوفاء بالتزاماته قبل البنك او شركة الاستثمار او الجهات الدائنة الأخرى.
ولا يخفى ان مثل هذا النص يكون بلاشك دافعا لبعض العملاء على عدم الانتظام في السداد مادامت الجهة الدائنة لن تستطيع اتخاذ اي اجراء قضائي قبل العميل، وعلى الجانب الآخر فإن هذا النص يمكن ان يخلق مشكلة للجهات الدائنة في استيداء حقوقها من بعض العملاء، كما قد يكون سببا في اتجاه البنوك وشركات الاستثمار الى الحد من تقديم هذه النوعية من القروض، وهي قروض تسهم في الوفاء بالاحتياجات الشخصية للعديد من المواطنين كما هو معلوم، وكذلك لها أثر ايجابي على النشاط الاقتصادي في الدولة.
خامسا: مخالفة اقتراحات الأعضاء للمادة 17 من الدستور:
تنص المادة 17 من الدستور على ان «للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن».
وأعلم علم اليقين حرصكم على حرمة وحماية المال العام والتي تجلت في وسائل الرقابة البرلمانية من سؤال واستجواب وتحقيق، وفي رقابتكم لاعتمادات الموازنة العامة والحساب الختامي.
ولا تزايد الحكومة عليكم في ذلك، ولكني أردت في هذا المقام ان اعرض لحضراتكم ما سيترتب على تنفيذ اقتراحات الأعضاء من تكلفة مالية، سنوضحها فيما يلي:
1 ـ يترتب على جدولة رصيد تلك القروض وأرصدة عمليات التمويل لسنوات تتراوح بين 12 سنة و15 سنة، مع تحمل الدولة فوائد وعوائد جدولة هذه القروض، تكلفة مالية سيتحملها المال العام (فوائد وعوائد الجدولة) تتراوح بين 2011.8 مليون دينار و3725 مليون دينار.
2 ـ فيما يتعلق بالاقتراحات بقوانين المتعلقة بإدخال تعديلات في بعض أحكام القانون رقم 28 لسنة 2008، فإن الحد الأدنى للتكلفة التي سيتحملها المال العام تبلغ نحو 777 مليون دينار، وترتفع هذه التكلفة لتصل بحدها الأدنى أيضا الى نحو 1689 مليون دينار.
3 ـ كذلك ومن جانب آخر، فإن مبالغ التكلفة على المال العام المشار اليها تمثل الحدود الدنيا وقد ترتفع بشكل كبير، حيث انها لا تشمل التكاليف الناتجة عن معالجة الالتزامات القائمة على المواطنين تجاه جهات اخرى من غير البنوك وشركات الاستثمار، وهي جهات غير خاضعة لرقابة البنك المركزي بل خاضعة لرقابة وزارة التجارة والصناعة، حيث ان هناك اقتراحات بقوانين تطالب ايضا بمعالجة تلك الالتزامات، وانه من غير المعروف حجم تلك الالتزامات وتكلفة معالجتها نظرا لأنه لا يتوافر لدى البنك المركزي بيانات بشأنها لكون تلك الجهات غير خاضعة لرقابته.
4 ـ ان العائد التراكمي المتوقع ان تخسره الهيئة العامة للاستثمار من الأموال المودعة بالبنوك المحلية، والتي تمثل نسبة 33.5% من اجمالي ودائع الجهات الحكومية سيبلغ 2863 مليون دينار وذلك في حالة استخدام ودائع الجهات الحكومية كأسلوب للتعويض عن الفوائد ـ العوائد التي تم اسقاطها وفقا للاقتراح بقانون، فإن المال العام، وبالقدر المودع لدى البنوك المحلية طوال فترة اعادة الجدولة، لن يحقق اي عوائد.
الأخ الرئيس.. الاخوة الأعضاء
وقد انتهيت من بيان المخالفات الدستورية الاجرائية والموضوعية في مشروع اللجنة وفي اقتراحات الأعضاء فسأعرض على حضراتكم بعض الحقائق، والسلبيات التي تترتب على الاتجاه الى اسقاط القروض الاستهلاكية سواء في أصلها أو فوائدها.
1 ـ ان هذه القروض قد تمت ضمن شروط وضوابط لا يترتب عليها اثقال كاهل المواطنين، والذي تم تحديده في اطار الضوابط المقررة من بنك الكويت المركزي في هذا الشأن، ذلك ان هذه القروض قد احتلت حيزا مهما من التعليمات الصادرة عن بنك الكويت المركزي الى البنوك وشركات الاستثمار منذ عام 1995.
2 ـ اتخذ بنك الكويت المركزي سلسلة من الاجراءات في مجال تصويب جميع المخالفات التي تمت لأسس وقواعد منح القروض الاستهلاكية والقروض المقسطة، والتأكد من قيام هذه البنوك والتأكد من قيام هذه البنوك والشركات بتصويب المخالفات وتصحيح اوضاع تلك القروض مع تحملها التكاليف المالية الناتجة عن التصويب، وقد قامت البنوك وشركات الاستثمار برد ما حصلت عليه من منافع الى العملاء كنتيجة لتصويب مخالفات القروض الاستهلاكية والمقسطة الناتجة عن تجاوز الحد الاقصى للقرض او القسط الشهري او فترة الاستحقاق وغيرها من الضوابط الاخرى التي تتضمنها التعليمات الصادرة عن البنك المركزي. جدير بالذكر ان تكلفة تصويب مخالفات القروض الاستهلاكية والمقسطة بلغت نحو 102.2 مليون دينار، كما بلغت قيمة العمولات والرسوم والتأمين التي تم استردادها من البنوك وشركات الاستثمار نحو 37.1 مليون دينار، وقد تم تحميل جميع تلك المبالغ على قوائم الدخل للجهات المخالفة.
3 ـ تم منع هذه الجهات من تقاضي رسوم سداد مبكر على القروض الاستهلاكية والمقسطة اعتبارا من تاريخ 15/4/2007.
4 ـ بلغ مقدار الجزاءات المالية التي تم توقيعها من البنك المركزي على الجهات المخالفة نحو 8.3 ملايين دينار وذلك استنادا لاحكام المادة 85 من القانون رقم 32 لسنة 1968 في شأن النقد وبنك الكويت المركزي وتنظيم المهنة المصرفية وتعديلاته.
5 ـ سوف يترتب على تنفيذ اي اقتراح من الاقتراحات المقدمة من الاعضاء خلق سابقة في مجال تحمل الحكومة اعباء القروض التي حصل عليها المواطنون الكويتيون وذلك في ظروف اعتيادية، الامر الذي سيصعب معه مواجهة المطالبات بالمعاملة بالمثل في المستقبل.
6 ـ سوف يترتب على تنفيذ مشروع اللجنة تغذية النزعة الاستهلاكية للمواطنين، وطلب المزيد من القروض على امل اسقاطها او اسقاط فوائدها مستقبلا، وعدم الانتظام في تسديد اي قروض جديدة وبالتالي تزايد المخاطر السلوكية والادبية في الجهاز المصرفي والمالي.
7 ـ هناك احتمال كبير ان تتوالد لدى المواطنين قناعات بمعاودة جدولة هذه المديونيات واسقاط الفوائد/ العوائد مما يؤدي الى التراخي وعدم الانتظام في سداد القروض الجديدة التي يتم الحصول عليها من وحدات الجهاز المصرفي والمالي مما يترتب عليه تزايد المخاطر الادبية في الجهاز المصرفي والمالي.
الأخ الرئيس.. الأخوة الأعضاء
ان القانون رقم 28 لسنة 2008 في شأن إنشاء صندوق لمعالجة اوضاع المواطنين المتعثرين في سداد القروض الاستهلاكية والمقسطة تجاه البنوك وشركات الاستثمار قد خرج الى حيز النور وتم تطبيقه بالفعل، وان النتائج التي اسفر عنها هذا التطبيق تسير بشكل جيد وتكشف عن اقبال من المواطنين للاستفادة من الصندوق، ويلاحظ ان العدد الذي تقدم بطلبات لإجراء تسويات بلغ نحو 12413 عميلا تصل مديونيتهم نحو 521.2 مليون دينار وحتى تاريخ 12/12/2009، وقد وافقت لجان التسوية على 7504 تسويات تبلغ قيمتها نحو 163 مليون دينار، ولاتزال لجان التسوية قائمة على دراسة الطلبات الاخرى المقدمة من العملاء من اجل اعتماد التسويات تمهيدا لتوثيقها، وذلك وفقا للبيانات الواردة من اتحاد مصارف الكويت حول تطبيق القانون المذكور.
وجدير بالذكر ان الحكومة تقدمت بتعديلات على القانون رقم 28 لسنة 2008 المشار اليه، وتشمل توسيع دائرة المستفيدين من القانون، كما تشمل التعديلات المقترحة زيادة المبلغ المخصص للصندوق ليصبح 750 مليون دينار لمواجهة الاحتياجات المالية الجديدة الناشئة عن الزيادة المتوقعة في عدد المتقدمين للاستفادة من الصندوق، وذلك بالاضافة الى اقتراح تعديل بما يسمح للمستفيدين من الصندوق بالحصول على قروض او تسهيلات جديدة من البنوك وشركات الاستثمار وغيرها من الجهات الاخرى المخاطبة بأحكام القانون رقم 2 لسنة 2001 بشأن انشاء نظام لتجميع المعلومات والبيانات الخاصة بالقروض الاستهلاكية الائتمانية المرتبطة بعمليات البيع بالتقسيط اثناء فترة سريان التسوية وقبل سداد كامل قرض الصندوق وذلك في ضوء مستجدات الوضع المالي للعميل وبما يتفق مع الضوابط المحددة من بنك الكويت المركزي بشأن منح القروض الاستهلاكية والمقسطة.
من جانب آخر نشير الى ان تعريف اجمالي الالتزامات الشهرية المستحقة على العميل المتعثر وفق احكام القانون رقم 28 لسنة 2008 المشار اليه لا يقتصر على ما هو منها في صورة قروض استهلاكية ومقسطة تجاه البنوك وشركات الاستثمار فقط، انما تشمل هذه الالتزامات ايضا ما قد يكون على العميل من التزامات مالية شهرية تتعلق بنفقة واحكام قضائية واجبة النفاذ، واقساط تجاه بنك التسليف والادخار او المؤسسة العامة للرعاية السكنية والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية واي اقساط شهرية مستحقة لأي من الجهات الحكومية، لذلك فإنه في حال اخذ هذه الالتزامات بالاعتبار فإن النسبة الفعلية لالتزامات العميل تجاه البنوك وشركات الاستثمار فقط ستكون عمليا في حدود 35% من الدخل الشهري للعميل.
وعليه، فإنه يتبين ان معالجة اوضاع المواطنين المتعثرين في سداد قروضهم الاستهلاكية والمقسطة تحت مظلة القانون رقم 28 لسنة 2008 في شأن انشاء صندوق لمعالجة اوضاع المواطنين المتعثرين في سداد القروض الاستهلاكية والمقسطة، يتم في اطار مجموعة من العوامل التي توفر العيش الكريم لهؤلاء المواطنين.
اخيرا، اود ان انبه الى اننا قد اقسمنا على حماية المال العام والحرص على انفاقه في الطرق السليمة لخدمة اهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي اطار مبدأ العدالة الذي نص عليه الدستور.
الأخ الرئيس.. الأخوة الأعضاء
وكما بدأت بياني، ان ما سوف أبينه من وجهة نظر الحكومة في مشروع اللجنة وفي تقريرها، انما هو من منطلق التعاون بين السلطتين، اسمحوا لي ان انهيها برغبة الحكومة في التعاون مع المجلس، من دون تجاوز للنصوص الدستورية والوقوع في حومة مخالفتها او اهدار للمال العام، ومن دون خلق سلوك اجتماعي وثقافة اجتماعية ستضر بهذا المجتمع على المدى الطويل، ولن تحقق ما ننشده له من تقدم ومواكبة العالم اجمع في سعيه للتنمية.
واخيرا فإنني واخواني الوزراء لنرجو من منطلق التعاون مع المجلس، وبرا بالقسم الذي أقسمناه جميعا وزراء ونوابا بالمولى عز وجل بالاخلاص للوطن وللامير واحترام الدستور وقوانين الدولة والذود عن حريات الشعب ومصالحه وامواله وان نؤدي اعمالنا بالامانة والصدق، لنرجو ان تعلو مصلحة الامة على المصالح الذاتية للافراد عند النظر في الاقتراحات بقوانين المقدمة للمجلس الموقر وفي مشروع اللجنة وفي مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة في تعديل بعض قانون رقم 28 لسنة 2008.
كما ارجو تصويبا للمخالفة الدستورية الاجرائية في التقرير ان يعاد الى اللجنة الموقرة لمناقشة الحكومة في مشروع القانون الذي قدمته وابداء رأي اللجنة فيه.