أحمد عفيفي
احتلت قضية مقتل الشاب الاسكندراني خالد سعيد مساحات كبيرة من برامج الفضائيات المصرية اول من امس والذي تضاربت الاراء حول حقيقة مقتله.. هل مات كما يزعم بيان الداخلية الرسمي بسبب ابتلاعه لفافة مخدرات كانت بحوزته وقت ان رأى رجال الامن، ام انه مات كما يؤكد شهود العيان بسبب الضرب المبرح من قبل 3 من رجال الشرطة؟
سؤال على بساطته الا انه معقد جدا، فلو ان الشاب مات تعذيبا على هذا النحو المشين والمقزز والمؤلم فإن ذلك يمثل ادانة بالغة للداخلية ويفتح ملفا لا يغلق ابدا عن تعامل رجال الشرطة مع الجمهور او المتهمين ايا كانت جرائمهم.. وليس ببعيد ما حدث مع السائق عماد الكبير منذ 5 سنوات تقريبا والذي تم هتك عرضه داخل احد اقسام الشرطة، ولولا ان امتلأت مواقع الانترنت بصوره اثناء هتك عرضه ما أخذت قضيته كل هذا البعد الانساني ولما تم الحكم على الضابط الذي ارتكب هذا الجرم بـ 3 سنوات سجن مع الشغل والنفاذ.
لكن لنركز في القضية الجديدة وهى ربما تكون ابشع من حكاية عماد الكبير.. وللحكاية وجهان او روايتان تختلفان تماما احداهما عن الأخرى.. الاولى حسب الداخلية ان 3 من رجال الشرطة (اثنان من المخبرين ومعهما ضابط) اثناء تفقدهما المعتاد لأحد مقاهي الانترنت في حي سيدي جابر بالاسكندرية، دخلوا للتحري فرآهم شاب يبلغ من العمر 22 سنة، فاضطرب اضطرابا شديدا واخرج لفافة من جيبه اتضح انها لفافة مخدرات وابتلعها فسقط ميتا بالاختناق. واضاف بيان الداخلية ان هذا الشاب اتضح انه مطلوب على ذمة اكثر من قضية وانه متهرب من اداء الخدمة العسكرية و... و... و...
اما الرواية الاخرى حسب شهود العيان ومنهم صاحب المقهى نفسه وحسب ما قال في برنامج «العاشرة مساء» على قناة دريم فان الشاب الضحية خالد سعيد كان يجلس في المقهى على جهاز الانترنت واذا بثلاثة من رجال الشرطة يقتحمون المكان ويتجهون اليه مباشرة ويسحبونه كالذبيحة، وامسك به احدهم وضرب رأسه بعنف شديد في الحائط اكثر من مرة والمسكين يصرخ حتى «خلصوا عليه» بينما الرعب اسكت الجميع حتى ان صاحب المقهى نفسه صرخ خوفا وقال لهم: ان كنتم ناويين على قتله اقتلوه برة بعيدا عن هنا، فأخذوه واكملوا قسوتهم معه حتى مات صريعا.
اذن هناك تضارب شديد بين الروايتين، فمن نصدق.. بيان الداخلية ام شاهد العيان؟
الاقرب الى التصديق كما يقول الصحافي ابراهيم عيسى ومقدم برنامج «بلدنا بالمصري» على قناة «اون تي في» رواية شهود العيان «وذلك ما تدلل عليه صورة الضحية بعد موته (صورة بشعة) شخص لا نقول ـ والكلام لابراهيم عيسى ـ انه تعرض للضرب وانما تم (عجنه) وسحله بطريقة غير آدمية»، ويفترض عيسى ان الشاب متهم مثلا في قضية قتل وليس كما يدعي بيان الداخلية انه مسجل خطر وهارب من الخدمة العسكرية، فلماذا يتم التعامل معه بهذه الوحشية؟! المتهم يتم القبض عليه ومحاكمته مع كل الاحترام له وتوافر جميع حقوقه كمتهم، لكن ان يموت تعذيبا على هذا النحو فلا شرع ولا دين يبرر هذا الامر.
ويكمل ابراهيم عيسى: بيان الداخلية يقول انه متهرب من الخدمة العسكرية.. ثم يعرض ابراهيم نفسه وثيقة اداء الخدمة معتمدة ولا تشوبها شائبة.. ويتساءل: لو ان وزارة الداخلية لا تعرف وعندها من الاجهزة التكنولوجية ما يجعلها تعرف اين يختبئ الجاني ولو كان في بطن امه، وتصدر بيانا مغلوطا بمعلومة خاطئة فهذا جرم يجب ان تحاسب عليه. ونترك ابراهيم عيسى لنسأل: إيه الحكاية بالضبط؟
ونسمعها من امه ـ اقصد ام القتيل ـ التي اشارت الى شريط فيديو كان بحوزة ابنها، هذا الشريط تم تصويره في احد اقسام الشرطة ويبين واقعة فساد يشارك فيها رجال الشرطة حيث يتضح من الشريط ان هناك مخدرات (حشيش بالتحديد)، واحد رجال الشرطة يوزع نقودا على البعض، كما لو انه يبيع المخدرات او يقسمها على معاونيه. هذا الشريط تحديدا تم عرضه في برنامج «العاشرة مساء»، والحقيقة أننا لا نستطيع ان نقطع بأمر ما تجاهه بعد مشاهدته، فالصوت غير واضح والمكان ايضا غير محدد بحيث نقول انه في قسم شرطة، لكن وحسب مقدمة البرنامج منى الشاذلي، حين عرفت وزارة الداخلية بأمر هذا الشريط طلبت من البرنامج نفسه وبإلحاح ان تذيعه على الهواء مباشرة لأنه وسام فخر على صدرها، حيث ان الامر برمته مجرد احتفال بعض رجال الشرطة بضبطية مخدرات كبيرة، وهذا معتاد بعد كل ضبطية او انجاز على هذا النحو.
لكن السؤال الذي سألته الشاذلي وآلاف غيرها بعد ان عرضت على الشاشة صورتين للضحية قبل التعذيب وبعد: من الذي احدث بهذا الشاب كل هذه الاثار التعذيبية، وهل ابتلاع لفافة مخدرات من شأنه ان يترك كل هذا الاثر البشع؟
الداخلية تجيب في بيانها المضطرب: لقد حدثت مقاومة شديدة بين المتهم ورجال الشرطة بعد القبض عليه مما اضطرهم الى ضربه، وهذا امر طبيعي. ويبقى الملف مفتوحا ولن يغلق، وقد حظى باهتمام النائب العام المستشار عبد المجيد محمود ـ ومعروف أنه لا يخشى في الحق لومة لائم ـ وقد امر بفتح تحقيق موسع لمعرفة ملابسات هذه القضية ومحاكمة المتورطين فيها، واذا اوضحت التحقيقات ان الشاب قتل فعلا ولم يمت كما يقول بيان الداخلية مختنقا بعد ابتلاعه لفافة المخدرات، وليأخذ كل ذي حق حقه. والكل في انتظار كلمة الحق في هذه القضية التي اشعلت الشارع المصري وجعلت المظاهرات تخرج وتهاجم ـ في سابقة لم تحدث من قبل ـ مبنى وزراة الداخلية ويرفع المتظاهرون يافطات تطالب الوزير شخصيا بالرحيل.