خلال الأيام الفائتة امتلأت الصحف العربية بعشرات المقالات التي كتبت عن فقيد السعودية الكبير غازي القصيبي، الذي رحل بعد معركة مرهقة مع سرطان المعدة، لتفقد بلاده واحدا من ألمع أبنائها، هو الذي كان خليطا إنسانيا لا يبدأ بوزير، ولا يمر بمثقف، ولا ينتهي بسفير، أو شاعر، يلتاع بالعروبة ويتتبع المتنبي ونزار حتى اللحظات الأخيرة. وكان ألفت ما كتب وأقربه إلى محبي غازي مقالة وزير سابق، وهو سليمان السليم، ليس لشيء، بل لأنه كان عضوا في «شقة الحرية»، حينما كان يدرس مع غازي في القاهرة وكتب عنها روايته الشهيرة التي كانت المصطفاة من بين رواياته كلها، وتلك الرواية كانت بحق وثيقة تاريخية عن عذابات وأحلام جيل بأكمله، لم ير ثورة النفط إلا بعد سنوات من العرق والتعب. وفي مقال نشرته الخضراء اللندنية، «الشرق الأوسط» يوم الجمعة، تحدث السليم عن رفيق دربه في الدراسة والوظيفة، وقصة رؤيته الموت أول مرة في «سانتا مونيكا»، وحكى عن «شقة الحرية» في القاهرة، وزملاء تلك المرحلة الشابة مثل محمد كانو ومحمد صالح الشيخ، وخالد القريشي وآخرين مروا خفافا على أديم تلك المرحلة أو ثقالا. وقصة القصيبي مع الموت لافتة، خصوصا أنه «يلعب بالربح» على حد تعبيره، بعد نجاته من الموت الأول في حادث سيارة على المحيط الهادي، حيث كان ذلك الموقف هو اللقاء المباشر الأول مع الزائر المزعج حسب ما جاء في مقال السليم الذي حمل عنوان «أعمارنا يالقصيبي عواري».
بدأ الموت مع غازي منذ الطفولة حين فقد أمه وهو لا يكاد يتذكر منها حتى الطيف، ولم ينته بالشباب المتأخر الذي لم يفقد فيه غازي حياته ولا حيوته، حين كان يقفز فوق الأربعين والخمسين والستين والسبعين، برشاقة من تعود على العواصف، وقصف الرعود، منذ مطلع الحبر، والشعر، وسنوات العمل الأولى في الدولة. وانتهت القصة برحيله بعد أن رأى أخوته وأحباءه يتساقطون في غيابة العمر ورثاهم واحدا واحدا حتى رثى نفسه عدة مرات كما ظهر واضحا في قصيدته الأخيرة.