تحلم هيام أبوراغب بمستقبل زاهر لأطفالها الثلاثة، ولو انها تعلم ان هذا الحلم تعوقه صعوبات أهمها ان عائلتها تنتمي الى قبائل البدو المقيمة في شرق لبنان والتي لايزال العديد من أفرادها من «عديمي الجنسية».
وتؤكد هيام ان ابنيها بهاء وسعد، نسبة الى اسمي نجلي رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، سيصبحان طبيبين، وابنتها نازك، نسبة الى زوجة رفيق الحريري، ستكون محامية او صحافية.
الا ان التوائم الثلاثة الذين لايزالون في شهرهم التاسع عشر قد لا يتمكنون حتى من الذهاب الى مدرسة ابتدائية ما لم يحصلوا على أوراق ثبوتية، فهم غير موجودين في نظر القانون.
وتنتمي عائلة أبوراغب الى عشيرة الحروق وإلى مجموعة من البدو يتجاوز عدد افرادها الـ 100 ألف حصل بعضهم على الجنسية اللبنانية ويناضل العديد منهم منذ سنوات طويلة لاكتسابها.
وتخلت هذه المجموعة من البدو المقيمين في المنطقة الحدودية مع سورية في شرق البلاد عن ترحالها منذ عقود، واستقرت في أراض هي ملك الغير ولاتزال تصارع الفقر والإهمال والتمييز الاجتماعي. ويعمل رجالها إجمالا في ورش البناء وفي الحقول الزراعية في المناطق المجاورة.
وتقول عالمة الانتروبولوجيا هبة مرقس التي تقوم بدراسة عن حق المواطنة لبدو لبنان في اطار اطروحة دكتوراه مسجلة في جامعة بريتيش كولومبيا في فانكوفر (كندا)، «هذه مسألة حقوق انسان من الدرجة الأولى».
وتضيف ان «عدم اعطائهم الجنسية يمنع عنهم حقوق المشاركة السياسية والحصول على التعليم والخدمات الصحية».
ويعود القانون اللبناني حول الجنسية الى العام 1925، اي قبل الاستقلال في 1943، وهو محور انتقاد من العديد من الناشطين في المجتمع المدني، كونه يعتبر «لبنانيا من هو مولود من أب لبناني»، اي انه يحظر على المرأة اللبنانية اعطاء جنسيتها لأطفالها، كما لا ينص على آليات لاعطاء الجنسية للمقيمين الدائمين.
واعتبر قانون 1925 ان اللبنانيين هم الذين كانوا يعيشون في 1914 في ظل حكم الإمبراطورية العثمانية، ضمن لبنان بحدوده الحالية.
وأجري في 1932 في ظل الانتداب الفرنسي، احصاء سكاني رسمي بقي يتيما، وأعطيت الجنسية اللبنانية للمسجلين على أساسه، ما سمح لهم بنقلها الى المتحدرين منهم. وسجل بعض البدو اسماءهم في 1932، الا ان آخرين لم يفعلوا.
وتقول هبة «كان ارتباط البدو في ذلك الحين بالأرض لا بالدولة المنشأة حديثا في ظل القانون الفرنسي الأجنبي». وفي 1994، أعطى مرسوم جمهوري الجنسية لنحو 200 ألف شخص، وكان يفترض بالمبدأ ان يفيد منه البدو. وأثار هذا المرسوم ولايزال الكثير من الجدل والاعتراضات، وتوجد فيه مراجعات وطعون في مجلس الشورى، باعتبار انه شمل مئات الأشخاص غير المستحقين وأغفل العديد من مستحقي الجنسية.
وتبدو مظاهر الفقر والبؤس واضحة في الفاعور، في الأزقة الضيقة المتسخة، يلعب الأولاد بقطع معدنية.
ولا تصل الكهرباء الى العديد من المساكن، بينما يجلس رجال عديدون خارج منازلهم يدخنون السجائر ويشربون الشاي ويشكون من قلة فرص العمل.
وتقول ندى المتزوجة من لبناني «توقف شعبنا عن الترحال منذ اكثر من ثلاثين عاما بنينا خلالها منازل من الاسمنت، ونحن نتكلم اللهجة اللبنانية، ويبلغ عمر قريتنا 62 عاما».
وتضيف ندى التي ترتدي سروالا من الجينز وقميصا طويلا «الأمور تغيرت. فتياتنا يرغبن في العلم، ولم نعد نرتدي ملابسنا التقليدية ولا نرسم الوشم».
وتقول «ان مشكلتنا تزداد تعقيدا كلما أورثنا هذا الصراع الى أولادنا وأحفادنا». ولم يكتف مرسوم 1994 بالتمييز بين مستحق للجنسية وآخر، بل ميز بين أفراد العائلة نفسها أحيانا، اذ منح الجنسية لأفراد عائلة معينة وحرم منها آخرين تنطبق عليهم الشروط نفسها.