كتب: أحمد الخلف - مخرج سينمائي وأستاذ أكاديمي
نعم.. عُرض فيلم «ابن بابل» للمخرج العراقي محمد الدراجي في دور السينما الكويتية تزامنا مع أعياد الكويت الوطنية في شهر فبراير، ولا يزال الفيلم يعرض حتى يومنا هذا. ولكن هل هناك مشكلة؟
قد يرى البعض ان المشكلة تكمن في كيفية عرض فيلم عراقي يحمل اسم «ابن بابل» أثناء الأعياد الوطنية للبلاد وتحديدا في العيد العشرين من تحرير الكويت من الاحتلال الصدّامي دون مراعاة لمشاعر شعب لايزال يستذكر بالمرارة طعنة الغدر والخديعة من قبل المقبور صدام حسين ونظامه البائد، وبذلك قد يتم توجيه أصابع الاتهام إلى شركة السينما الوطنية «سينسكيب» ومقص الرقيب في وزارة الإعلام الذي أجاز الفيلم ولم يمنعه من العرض في دور السينما الكويتية.
في حقيقة الأمر هذه مجرد تساؤلات تدور في الذهن فقط قبل مشاهدة الفيلم والنظر بتمعن في محتواه وقيمته الفنية ثم ما تلبث أن تتبدد، فالفيلم يتجاوز كونه مجرد عمل سينمائي ترفيهي إلى وثيقة سياسية تؤرخ مأساة الشعب العراقي في عهد الرئيس المقبور صدام حسين، وتدين الجرائم التي ارتكبها حزب البعث في حق الإنسانية، وما خلفته الحروب من مقابر جماعية في مناطق عديدة بالعراق، والتي ذهب ضحيتها أكثر من مليون مفقود عراقي مجهول المصير حتى عام 2009 تاريخ إنتاج الفيلم.
تدور أحداث الفيلم بعد مرور أسبوعين من سقوط صدام حسين ونظامه عام 2003، من خلال رحلة بحث عجوز كردية ومعها حفيدها أحمد ذي الـ 12 ربيعا عن ابنها إبراهيم ـ والد أحمد ـ المفقود منذ 12 سنة حيث لم يعد إلى منزله منذ حرب تحرير الكويت عام 1991، فتقرر التعرف على مصير ابنها المفقود، بعد ورود أنباء عن وجود أسرى عراقيين أحياء في سجن الناصرية، فتنتقل مع حفيدها من شمال العراق إلى جنوبه بحثا عنه في السجون وينتهي بها المطاف إلى المقابر الجماعية من دون جدوى في العثور عليه حيا أو ميتا.
أحداث الفيلم التراجيدية توضح وتدين وحشية نظام المقبور صدام حسين وجرائمه بحق الشعب العراقي، من خلال أحداث درامية مؤثرة ترجمها المخرج باحترافية إلى صورة سينمائية فنية تحمل في طياتها معاناة شعب عانى من ويلات الطاغية. الفيلم مثل العراق في أكثر من 60 مهرجانا سينمائيا عربيا وعالميا، وحصد في مشاركاته الخارجية أكثر من 20 جائزة دولية من ضمنها جائزة السلام في مهرجان برلين السينمائي وجائزة منظمة العفو الدولية.
لذلك، لا عجب ان يعرض فيلم ناجح ذو قيمة فنية وإنسانية في دور العرض السينمائية في الكويت، فنجاحه يستحق العرض والمشاهدة والتشجيع، انما العجب في عدم وجود فيلم كويتي سينمائي يؤرخ جرائم المقبور صدام حسين بحق الكويت وشعبها إبان الاحتلال عام 90، فيلم روائي طويل يشهد على تلك الحقبة السوداء التي لم يشهدها ويذق مرارتها الجيل الحالي، فيلم بصبغة كويتية يعرض على شاشات السينما المحلية والعالمية تزامنا مع أعياد البلاد بعد مرور 20 عاما على التحرير، فكم تمنيت وأنا أشاهد فيلم «ابن بابل» في ليلة يوم 26 فبراير أن يكون الفيلم بعنوان «أبناء القرين».