تتراقص شابات عراقيات يرتدين ثيابا ضيقة وبراقة في ملهى ليلي وسط نظرات نهمة لمواطنين خليجيين يجلسون على موائد قريبة.
وتعزف الفرقة اغاني عراقية حتى الساعات المبكرة، فيما ينضم شبان الى الرقص او يستدعون الشابات للجلوس معهم دون محاولة تذكر لاخفاء حقيقة ما يحدث في الملهى الذي يقع شمالي دمشق على بعد رحلة نصف ساعة بالسيارة.
ولا ترغب الراقصات وبعضهن في بداية سن المراهقة في الحديث ولكن واحدة قالت انها الوسيلة الوحيدة لإعالة اسرتها وقالت الفتاة ذات الشعر الاسود وهي ترتدي ثوبا من اللونين الاسود والفضي «قتل والدي في بغداد ونفد مالنا». وتطلق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة على ذلك تعبير «جنس من اجل البقاء» وهو وسيلة يائسة لجأت لها لاجئات عراقيات نفدت مدخراتهن بعدما فررن من اعمال العنف في بلادهن كي يمكنهن مواصلة الحياة في دمشق.
وينفر كثيرون من بين 1.5 مليون عراقي في سورية من الفكرة ولكن الصراع من اجل توفير متطلباتهم اضطر البعض للاقامة مع عائلات اخرى في شقق صغيرة في الاحياء الفقيرة في دمشق ودفع اطفالهم الى العمل او تزويج بناتهم المراهقات.
وتقول هناء ابراهيم رئيسة هيئة ارادة المرأة العراقية انه في بعض الاحيان تكون مثل هذه الزيجات المبكرة غطاء لممارسة الدعارة اذ سريعا ما تجري المتاجرة في الزوجات الشابات. واشارت الى تزايد الزيجات المؤقتة المقبولة لدى الشيعة كوسيلة اخرى شائعة لتجارة الجنس وتضيف: «زواج المتعة» المؤقت للشيعة فقط ولكن من قال انه ليس لدى السنة سبل أخرى.
ويقول لوران جوليس ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ان الجنس من اجل البقاء يتناسب بشكل مباشر مع فقر اللاجئين بصفة عامة.
واضاف: نرى امثلة متزايدة لشابات او نساء قررن من تلقاء انفسهن او من خلال اسرهن الانخراط في ملاه ليلية لتكملة دخل الاسرة او لمجرد اعالة اطفالهن.
وينتهي الحال باحتجاز بعضهن ومن يخرجن يسدد من يستغلهن كفالتهن في اغلب الاحوال ليعدن للشارع من جديد. وتقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ان الفقر هو ايضا العامل الرئيسي الذي يدفع اللاجئين للعودة لديارهم اذ يعبر نحو 1500 الحدود للعودة للعراق يوميا مقابل وصول ما يصل الى 500 كل يوم.
واظهر مسح في نوفمبر ان 46% يعودون بسبب مصاعب مالية و26% لانتهاء تأشيراتهم، وفي الآونة الاخيرة شددت سورية اجراءات الدخول والاقامة. وبين عشرات الآلاف من الاسر العراقية اللاجئة التي سقطت في براثن الفقر عقد عدد كبير العزم على عدم التضحية بالشرف. وتقول رقية فضل (34 سنة) وهي تبتسم رغم الواقع الكئيب الذي يحيط بها «لا نفكر في مستقبلنا فقط، في مستقبل اطفالنا». ويتعين عليها ان ترعى زوجها فلاح جهيل المصاب بالشلل في النصف الاسفل من الجسم اثر اصابة بعدة رصاصات في متجره للهاتف المحمول في بابل جنوبي العراق قبل ثلاث سنوات.
وباع الزوجان منزلهما لسداد قيمة علاج جهيل في اول سبعة اشهر قضاها في المستشفى وفي النهاية فرا الى سورية مع طفليهما (7 و11 عاما) وأقامت الاسرة لمدة عام في حي السيدة زينب في دمشق المزدحم بالعراقيين.
وبعد ان نفدت مدخرات الاسرة اعتمدت على المعونات واي مساعدة يمكن الحصول عليها من وكالات الاغاثة الاجنبية وتأمل ان تحصل يوما على اموال للذهاب الى الخارج حتى يمكن حصول جهيل على علاج متقدم ربما يمكنه من السير مرة اخرى.
وتقدم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ووكالات مشاركة لها الغذاء والمال للاسر العراقية الاكثر عوزا التي يمكن الوصول اليها. وتنوي المفوضية تقديم عبوات غذائية لما لا يقل عن 200 الف في الشهرين المقبلين مقارنة مع 51 الفا في الوقت الحالي. وستحصل نحو 7 آلاف اسرة على 100 دولار شهريا.
واحيانا ما يصيب بشرى (39 عاما) التي احجمت عن ذكر اسم عائلتها اليأس جراء حياتها المهينة كلاجئة وكفاحها لرعاية اسرتها في بلد اجنبي.
وتوضح ان مشاكلها بدأت حين قتل اشقاؤها الثلاثة بأمر من المقبور صدام حسين مما دفع زوجها للتخلي عنها وهجرت ارملتا الشقيقين المتزوجين اطفالهما.
واضحت بشرى مسؤولة عن رعاية تسعة اطفال احدهم فقط طفلها وام مريضة وقتل احد الصبية على ايدي الميليشيات الشيعية في العراق وعذب سفيان الاكبر سنا (21 عاما) واصبح عاجزا عن العمل ويكتفي بمشاهدة التلفزيون.
وتقول بشرى القوية عادة بعدما غالبتها الدموع في حجرة رطبة دون تدفئة تنام فيها الاسرة «انا متعبة جدا، اصابني الكلل. ما هذه الحياة؟ لم نعرف الحياة في ظل حكم المقبور صدام ولم نعرف الحياة بعده».
وتتذكر والدتها حياة اكثر راحة في بغداد في وقت سابق وتقول ان مساحة شقتهم في دمشق اقل من مساحة رواق في ڤيلا كانت ملكهم في وقت ما.
وتضيف اعيدوني الى بغداد اريد ان اموت هناك. وبشرى التي عملت كمصورة فوتوغرافية ومصففة شعر في بغداد لم تجد عملا في دمشق اذ يحظر رسميا على اللاجئين العراقيين العمل في سورية، ويعمل احد الابناء البالغين من آن لآخر في مواقع بناء مقابل نحو ثلاثة دولارات في اليوم.
ونجحت بشرى بشكل ما في المحافظة على تماسك اسرتها ولكن من السهل ادراك السبب الذي يدفع بعض المهاجرين في نفس الموقف الصعب لارسال اطفالهم للعمل او التسول او تجاهل المحظورات الاجتماعية والدينية ودفع نسائهن لنواد ليلية او زيجات مشبوهة.