القاهرة ـ ايلاف: ما إن أعلنت شركة إنتاج سينمائي إيرانية عن اعتزامها تجسيد الرسول صلى الله عليه وسلم في فيلم يروي قصة حياته، حتى انطلقت عاصفة من الانتقادات ضد العمل الذي لم يخرج للنور. وأعلن الأزهر الشريف معارضته لتجسيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو أي من العشرة المبشرين بالجنة فنيا، وهدد وتوعد، لاسيما أن تلك الفكرة خرجت في أعقاب عرض مسلسل «الحسن والحسين» في شهر رمضان الماضي، رغم معارضة الأزهر له.
لكن المفاجأة أن عالما إسلاميا وداعية في وزارة الأوقاف المصرية أجاز تجسيد الصحابة، والنبي صلى الله عليه وسلم نفسه في شتى الأعمال الفنية سواء سينما أو مسرح أو تلفزيون أو أفلام الرسوم المتحركة أو الرسوم التشكيلية، مؤكدا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستخدم كل هذه الفنون في الدعوة للإسلام. وساق د. أحمد علي عثمان الداعية في وزارة الأوقاف المصرية وأستاذ سيكولوجيا الأديان في الجامعة الأميركية في القاهرة سبعة أدلة من الحديث والسنة النبوية تؤكد ما ذهب إليه من آراء جريئة.
لا نص صريحاً يحرم تجسيد محمد صلى الله عليه وسلم
وقال عثمان إنه لا يوجد نص صريح من القرآن أو السنة النبوية تحرم تجسيد الرسول الكريم أو الصحابة في الأعمال الفنية، مشيرا إلى أن الأزهر اعتمد في إصدار فتوى التحريم على أنه لا يجوز أن يجسد ممثل غير ملتزم دينيا شخصية إسلامية مثل النبي أو الصحابة، وأضاف عثمان أن هذا يتنافى مع قوله تعالى في سورة التحريم (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك). وأوضح أن المولى عز وجل استخدم المثل في تقريب الصورة إلى أذهان الناس، ولتعزيز الإيمان في قلوبهم، وقال تعالى (وضربنا لهم الأمثال)، و(اضرب لهم مثلا)، والتمثيل هو من مشتقات اللفظ «مثل»، كما أن القرآن الكريم جاء بثلاثة أمور: الأولى العقائد والثانية العبادات والثالثة القصص القرآني. مؤكدا أن القصص القرآني يعتبر أفضل أنواع السيناريو على الإطلاق.
الرسول يستخدم الفن التشكيلي
وقال عثمان: استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم جميع أنواع الفنون المتعارف عليها في عصرنا الحالي، وجميعها أحاديث صحيحة وردت في صحيحي البخاري ومسلم، ومنها استخدامه الرسوم الكاريكاتورية، أو التشكيلية حيث ورد في حديث صحيح «حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال حدثني أبي عن منذر عن ربيع بن خثيم عن عبدالله رضي الله عنه قال: «خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا، وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه، وقال: هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به، وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا». وقد عمد الرسول إلى تقريب الشيء البعيد بالشيء المحسوس. أليس هذا يعتبر بلغة عصرنا فنا تشكيليا، وبالتالي فالفن التشكيلي ليس محرما كما يفتي المتشددون من السلفيين. بل استخدمه الرسول في دعوته، ولو كان لمحرما ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
الرسول يستعين بالتمثيل
وتابع: لو نظرنا إلى تشبيهات الرسول كذلك لوجدنا أنه يرسم سيناريو لتمثيلية رائعة وكاملة الحبكة الفنية، ومنها مثلا حديثه الصحيح الثابت في صحيح البخاري أنه روى النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء، مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا». وهذا يعتبر بلغة العصر نصا فنيا أو سيناريو، فقد شبه الدنيا بسفينة، يستقلها أناس في الأعلى مؤمنون وآخرون في الأسفل عاصون، ولو ترك من هم الأعلى من هم في الأسفل يفعلون ما يشاءون في السفينة لهلكوا جميعا، وأراد النبي أن يقرب للناس الصورة، ويحثهم من خلالها على ضرورة التعاون وعدم ترك الآخرين وشأنهم يفسدون في الأرض كما يحلو لهم، لأنهم جميعا في سفينة واحدة.
الرسول يبتكر أفلام الخيال العلمي
ويذهب عثمان إلى أبعد من ذلك بالقول إن الرسول ابتكر أفلام الخيال العلمي، ومنها هذا الحديث الصحيح «دخل النبي ذات يوم على الصحابة، قال: فيم تفكرون؟ أفي الخلق أم في الخالق؟ قالوا ليس في ذلك نفكر. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم إن هناك أرضا تحذو أرض العرب، تدور حولها الشمس أربعين يوما، عليها قوم ما عصوا الله طرفة عين. فسألت الصحابة: أمن نسل آدم هم؟ فقال الرسول: هم لا يدرون آدم خلق أم لم يخلق. فسألت الصحابة: وأين إبليس منهم؟ قال الرسول: هم لا يدرون إبليس خلق أم لم يخلق». فخرج النبي بأذهان الصحابة إلى الخيال العلمي الواسع الرحب. حيث كان يتحدث عن الكواكب التي تسير بمحاذاة الأرض في مسارات شبه دائرية.
النبي يستخدم الفوازير
إن الرسول استخدم أيضا الفوازير مع الصحابة في الدعوة للإسلام، ومن أجل إعمال العقل والتفكير والحديث مازال للدكتور أحمد على عثمان وأوضح: ومنها هذا الحديث «سأل النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة ذات يوم، وقال إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها مثل المؤمن، فدلوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر الفواكه، ووقع في ذهن عبدالله بن عمر أنها النخلة، فقال الرسول: هي النخلة.
وفيما يخص التمثيل قال عثمان إن الرسول قال في حديث صحيح للصحابة «من يشتري هذا الجدي الأشج الميت؟ فقالوا يا رسول الله إنه جدي أشج ميت، فقال الرسول إن الدنيا أهون على الله من هذا عليكم». معنى ذلك أن الرسول ضرب للناس الأمثال لتقريب الأمور إلى أذهانهم.
سيناريوهات القصص القرآني
وأشار عثمان إلى أن المولى عز وجل كتب أعظم السيناريوهات في القصص القرآني، فمثلا قصة نبي الله موسى حكيت في صورة مشاهد متفرقة في السور القرآنية، حتى لا يمل الناس، وفي حالة تجميع تلك المشاهد سوف تظهر وكأنها مسلسل درامي عالي الحبكة ويتضمن الكثير من الإثارة، وهكذا مع باقي القصص، إلا قصة نبي الله يوسف رواها المولي عزل وجل في موضع واحد في سورة تحمل اسمه، لأنها قصة أسرية، ولا تحمل أي ملل. فضلا عن أن القصص القرآني لم يورد زمان حدوث أي قصة، ما يدل دلالة واضحة على أن ما حدث فيها يمكن أن يتكرر في أي عصر من العصور.
محمد بشر ويجب ألا يظهر في صورة نورانية
ويؤكد عثمان أنه في حالة تمثيل هذه القصص القرآنية في أفلام أو مسلسلات سيكون لها وقع على المسلم وغير المسلم أفضل من آلاف الخطب والدروس التي يقدمها الوعاظ للناس، ورفض عثمان أن يتم وضع هالة من النور على وجه من يجسد شخصية الرسول أو الصحابة في الأعمال الفنية، أو حجب شخصياتهم، وقال إن هذا الأمر يفقد العمل الفني تأثيره، موضحا أنه عندما يشاهد فيلم الرسالة للمخرج الراحل مصطفى العقاد يشعر بأن الرسول لم يكن بشرا، لأنه يظهره في شكل كتلة نور، ويؤكد عثمان أن الرسول بشر، وينبغي أن يجسد في الأعمال الفنية، كبشر وليس في صورة نورانية. كما أن جميع أوصاف النبي الجسدية موجودة في كتب السنة وصحيح البخاري، ويمكن أن نجد ممثلا يشبهه جسمانيا. واعتبر عثمان أن رفض الأزهر تجسيد الرسول والصحابة في الأعمال الفنية يعتبر بمثابة حجر على حرية الرأي والتعبير، وتصديا للدعوة الإسلامية بأساليب حديثة، مشيرا إلى أن تأثير فيلم واحد عن الرسول سوف يفوق إصدار آلاف الكتب والمحاضرات والخطب، وسوف يصل للغرب بسهولة، ما يساهم في تصحيح صورة الإسلام المغلوطة لدى الآخر.
لا لتجسيد الله فنيا
ورفض عثمان تجسيد الذات الإلهية كما حدث في فيلم «بيرسبوليس» الذي عرض في تونس مؤخرا، وقال إن تجسيد الذات الإلهية لا يجوز مطلقا، لأنه الله وصف نفسه قائلا (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).