حيدر العبدالله الشاعر السعودي الفائز بلقب أمير الشعراء وصاحب الصوت الأعلى صخباً في المجتمع السعودي خلال الأيام الماضية واستحق أن يكون مالئ الدنيا وشاغل الناس ومنذ ظهوره الشعري الأخير في مجلس الملك، لقي الشاب العشريني طالب الهندسة الميكانيكية ما لقيه، ولكنه ظل باسقاً كنخيل الأحساء عذب كمائها، له عبق الطين العتيق وأصالة إنسانها، حيدر الشاب الذي قال له الناقد الكبير الدكتور صلاح فضل منتشياً ذات مساء: "أنت غصن يانع لدن جميل ترضع من ثدي الشعر وخيالك وثّاب وقصيدتك يا حيدر فيها أصالة وقوة وجمال"، يروض جياده في أرض بكر وكلما هز جذع القصيدة نمت بيوتها للأعلى..
مسيرة وإنجاز
لم تأت به المصادفة أو الواسطة أو الحظ مثلما ادعى البعض وما ذلك إلا هرطقة تعودنا مثيلاتها بعد نشوء مواقع التواصل، فهذا النابغة البالغ من العمر (26) نخلة وشجرة ليمون، يستحق الاحتفاء ووقف في ذلك الموقف الفخم أمام الملك والجمع المهيب بعد أن ارتدى بردة شاعر شباب عكاظ في العام 2013 والأول في مسابقة نادي جازان الأدبية لعام 2014 وخاتم وبردة أمير الشعراء من أبو ظبي في 2015.
هو حفيد طرفة بن العبد شعره ليس محل اجتهادنا فطلائع قوافله وقوافيه كانت محل احتفاء كبار النقاد في الوطن العربي قال له الأديب الدكتور عبدالملك مرتاض: " أنت شاعر المستقبل".
حيدر حمل وطنه قصيدة رفعها على سارية ورفرفت لحناً فلكلورياً تراقصت له القرى والغيمات، يقول في قصيدته "رملة تغسل الماء" :
وطن كالقمح
إن أعطيته نية الفلاح
أعطاك غلاله
في دمانا وطن الكل الذي
لم ولن يرضى لقابيل اختزاله
سنفدّي بالحنايا غيمه
سندفّي بالشرايين تلاله
تواصل أم قطيعة
مذ دلفنا إلى مواقع التواصل ونحن نسحق بعضنا بعضاً نعيش غربة مع ذواتنا، وبات شيء من قيمنا الاجتماعية في خطر، بتنا أقل تسامحاً وإنسانية، مساحات الحب الخضراء تجف يوماً بعد يوم وأصبح لدينا مشكلة حقيقية في التعاطي مع الجمال أصبحنا أكثر خشونة في التعبير كلما انغمسنا في التقنية قتلنا حمامة سلام بداخلنا، حتى بيوت الطين جف الإسمنت في عروقها وديوك الفجر استعاضت صياحها بتطبيق جديد من "آبل" وقهوجي القبيلة بنوا على قبره فرعاً لـ"دانكن"، حتى صورنا لا تشبهنا.
كل ذلك توارد إلى الذهن مع العاصفة التي هبت تجاه حيدر بدلاً من الاحتفاء به كحالة إبداعية وصوت وطني بث الحياة في جسد الفصحى من جديد و لوحت له الضاد لغة وإنساناً من المحيط إلى الخليج، تلك الأصوات لديها القدرة على الضوضاء وخدش الجمال بزعيقها، فالسخرية أصبحت سمة كل شيء، والحياة والمجد في تويتر للأكثر صراخاً وعويلاً وخفة.
أين الخلل؟
الشعر والغناء والمسرح والرقص كل منها فن يتطلب سمة أداء مختلفة، وبعض المتابعين الذين تعودوا أن تقدم القصيدة المحكية بأسلوب أدائي انفعالي لاسيما وإن كانت في محفل للفخر والحماسة ذلك الأسلوب المنبري الذي أسسه على مدى سنوات شاعر الوطن خلف بن هذال العتيبي بات من يحيد عنه يعتبر خارجاً عن الشكل السائد والافتراضي لما يجب أن تكون عليه طريقة إلقاء القصيدة، حتى خرج جيل تورط في حالة خلف بن هذال شاعراً ومتلقياً، حيث إن شعراء القصيدة المحكية من الشباب يسقطون في المنابر بفخ خلف بن هذال، وفي خضم ذلك كان الشعر الفصيح ينأى بنفسه عن المقارنة فهو في نظر العامة نخبوي متقعر في ألفاظه وطريقة تقديمه، ولكن الشاعر حيدر العبدالله الذي طغت شخصية الفنان على أدائه وتحكمت في نبرة صوته وتنفسه صعوداً ونزولاً استطاع أن يعيد الناس إلى تداول الفصحى وليس ذنبه أن ذاكرة المتلقي تضيق على نمط واحد للحضور المنبري، فهو لم يكن مقلداً أو رتيباً بل كان يحلق خارج النسق ونبرات صوته مع تصويره لـ"مخطوطة القرى والظلال" كانت تشدنا وتدهشنا أكثر وأكثر.
ذات مرة قال حيدر: "لازال هناك الكثير من الشعر ينتظرني أن أكتبه" ونحن نقول لك "إننا بانتظار نص جديد تصافح به ذائقتنا".