دق جرس المنبه الخاص بالفتى جاب فلايشر قبل ساعتين من موعد المدرسة “مما يعني أن الساعة الآن السادسة صباحا، أستيقظ وأسارع إلى اللابتوب وأبدأ في الكتابة مباشرة”.
يكتب الفتى البالغ من العمر 15 عاما نشرته الإخبارية “استيقظ للسياسة”«Wake Up to Politics» أثناء جلوسه على الفراش وإلى جانبه كلبه تشيبر الهجين، ثم يرسلها لنحو 50 ألف شخص من بينهم أعضاء مهمون في مجلس الشيوخ وصحفيون ذوو نفوذ ومستشارون سياسيون، ثم يتجه للمدرسة “ولا يبقى هنا وقت لتناول الفطور”.
ثم يبدأ بعد ذلك بالنسبة للفتى فلايشر يوم مثل بقية الفتية في مدينة سان لويس بولاية ميسوري الأمريكية، المدرسة وما تعنيه من مواد دراسية والتي يفضل منها فلايشر اللغة الإنجليزية والتاريخ، والأنشطة المدرسية والأصدقاء وفريق كرة القدم، ثم يأتي المساء و الواجبات المنزلية والوالدان.
وبين كل ذلك يقضي فلايشر ما أمكنه من الوقت مع هاتفه الذكي متصفحا موقع تويتر وغيره من التطبيقات ويقرأ ويبحث ويتحرى من أجل الإعداد لنشرته الإخبارية لليوم التالي “بالنسبة لي فإن الساعتين اللتين أكتب فيهما النشرة هما أهدأ ساعتين وأقلهما ضغطا نفسيا في اليوم كله حيث أستطيع خلالهما أن أفعل ما تهفو إليه نفسي، ثم يبدأ الضغط النفسي الذي يحمله معه اليوم”.
تعالج نشرة “استيقظ على السياسة” التي يختصرها بأول حروفها الإنجليزية WUTP التي يرسلها الفتى الأمريكي لمشتركيه عبر البريد الإلكتروني أبرز القضايا السياسية في الولايات المتحدة خلال اليوم، الرئيس، الكونجرس، المحاكم والانتخابات ولا يتجاوز طولها طول هذا النص. “أنا جاب فلايشر وأنقل لكم الأخبار بشكل حي من المقر الرئيسي لنشرة WUTP في غرفة نومي”، هكذا تبدأ النشرة اليومية.
يقول فلايشر: “في وقت يتعرض فيه الإنسان لقصف بمثل هذا القدر الكبير من الأخبار تطلع فيه نشرتي على جميع الأخبار وتقوم بتقسيمها حتى يتوفر للناس مصدر يظل محايدا وتكون أخبارها صحيحة ومؤكدة من عدة مصادر أخرى”.
طور فلايشر اهتمامه بالسياسة أثناء الانتخابات الرئاسية عام 2008 حيث سافر والده الذي لا يعمل في السياسة، حاله حال والدته أيضا، بشكل عفوي إلى واشنطن لحضور حفل تنصيب الرئيس السابق باراك أوباما، “ثار فضولي وبدأت أقرأ الكثير وأكتب بقدر ما أستطيع”.
ثم يختصر فلايشر ما كتبه كل يوم ويرسله كرسالة إلكترونية” إلى أمه.
“وفي وقت ما قامت بإعادة توجيه الرسالة لأفراد في العائلة والأصدقاء، ونما ثم نما، وربما بدأ كل شيء بشكل صحيح عام 2011، في صيغة مشابهة، ولكني آمل أن ذلك كان بجودة أقل مما هو عليه الآن حيث لم أكن أتجاوز سن التاسعة آنذاك”.
كان عدد المشتركين لدى فلايشر يبلغ 2000 مشارك في أيار/مايو الماضي عندما مر عليه محرر صحيفة “نيويورك تايمز” وعرف القراء بنشرة WUTP وقدمها لهم على أنها “اختصار عالي المستوى ويستند إلى بحث وتحر جيد للأخبار السياسية لليوم”.
ولم يمض كثير من الوقت على ذلك حتى أصبح لدى فلايشر نحو 50 ألف مشترك “وهو ما أرهقني تماما”.
يتلقى الصبي الأمريكي عشرات الرسائل يوميا من مشتركين يصححون له أخطاء أو يعرضون رؤيتهم للأمور أو يثنون عليه ببساطة. يقول فلايشر: “الكثير من الأطفال يهتمون بالرياضة بشكل حماسي وكذلك بالإحصائيات واللاعبين.
يجب ألا ينظَر للسياسة على أنها لعبة، ولكن هذا العنصر متوفر فيها وهو في الوقت ذاته، على الأقل بالنسبة لي، العنصر الأهم في الحياة. تجذبني الشخصيات المختلفة التي تدفع بهذا للأمام وما يتضمنه ذلك من أوقات سمان وعجاف، أدمنت ذلك”.
يقول فلايشر إنه وباعتباره فتى في الخامسة عشرة يعيش في مدينة سان لويس بعيدا عن الحدث السياسي في العاصمة وليس من حقه بعد أن ينتخب فإنه يقدم منظورا غير معتاد.
رأى فلايشر أن انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جعل نشرته أكثر أهمية له وأكثر صعوبة في نفس الوقت “ففي وقت يصف فيه الرئيس منظمات الأخبار على أنها أخبار مكذوبة فإن وظيفة أي صحفي تصبح أكثر صعوبة وتتعرض لنقد أكثر حدة، ولكني أرى ذلك تحديا يدفعني لأن أصبح أفضل وأفضل”.
يقول فلايشر إن ما يزعجه في الوضع السياسي الحالي هو تعامل السياسيين مع بعضهم البعض مضيفا: “أتفهم سبب شعور الكثير من الناس بهذا الإحباط من السياسة في الوقت الحالي لأنه من النادر أن ينصت أحد لآخر، ولدينا مشكلة في هذا الجانب”.
يقول الصبي الأمريكي إن جيله يختلف عن ذلك “فنحن ننصت لبعضنا البعض ونحترم بعضنا بعضا وآمل أن نحمل ذلك معنا عندما ننتقل إلى واشنطن وأن نجعل السياسة أكثر استعدادا للحلول الوسطى وأقل غضبا”.
يعتزم فلايشر أن ينتقل إلى واشنطن عقب التخرج من الجامعة ولكن كصحفي سياسي، تلك المهنة التي أصبح يزاولها بالفعل منذ وقت طويل وذلك منذ أن كان في الصف التاسع (الثالث الإعدادي) وإن تخلل ذلك فترات توقف.
يقول فلايشر: “أحيانا، عندما يكون لدي الكثير من الواجبات المدرسية أو يكون لدي امتحان هام أضطر لتعليق النشرة يوما ولكني أعتقد أن قرائي يسامحونني”.