يستيقظ الأفغاني نور يوميا مع طلوع الفجر ليصلّي إلى جانب عمّال آخرين ثم يتناول معهم كوب شاي قبل الانطلاق في يوم عمل طويل في مدينة كلباء الاماراتية لصناعة أكبر عدد ممكن من اقفاص الصيد البحري.
تقع المدينة الساحلية المطلّة على خليج عمان على بعد حوالى 200 كلم شمال شرق أبوظبي، وقد تحولت على مدى عقود الى مصدّر رئيسي لاقفاص الصيد المصنوعة من الأسلاك الحديد والى موطن لعشرات الأفغان والباكستانيين الباحثين عن فرص عمل.
ويشرح نور المتحدر من مدينة خوست الواقعة جنوب العاصمة الأفغانية كابول والتي تشهد أعمال عنف منذ عقود ان "كل قفص يتطلب نحو سبع أو ثماني ساعات من العمل من دون توقف".
ويضيف نور وهو أب لثلاثة أبناء "أعمل على صناعتها هنا منذ تسع سنوات".
ويتقاضى الأب الافغاني والعمال الآخرون 25 درهما (حوالى سبعة دولارات) لقاء كل قفص صيد، وعادة ما ينجز كل منهم قفصا أو قفصين في اليوم الواحد. وتسمى هذه الأقفاص في المنطقة "دوابي".
لكن رغم ساعات العمل الطويلة في درجات حرارة غالبا ما تكون مرتفعة جدا والمردود المالي الذي يعتبر قليلا نسبيا نظرا الى طبيعة العمل المتعب، يعبّر الأب الافغاني عن سعادته بعمله هذا.
ويقول "أنا سعيد لانني أستطيع أن أجني أموالا وان أرسلها الى عائلتي في نهاية كل شهر. هذا العمل يؤمن لهم المأكل والملبس".
أكواخ اسكيمو
في غرف مفتوحة تحت أسقف من القش تخترقها أشعة الشمس، يعيش نور ويعمل الى جانب عشرات العمال الاخرين الذين تراوح أعمارهم بين 18 و60 سنة.
وتضم المنطقة الصناعية هذه عددا كبيرا من الشركات الصغيرة التي تؤمّن للعاملين لديها المأكل والمبيت والشاي، وتسمح لهم بالسفر الى بلدهم لستة أشهر كل عامين.
ورغم كونها منطقة صناعية، الا ان لا ضجة فيها. ولا يعكر صفو هدوئها هذا سوى الموسيقى الخارجة من الهواتف النقالة أو أصوات الممثلين ومقدمي البرامج ونشرات الأخبار الأفغانية والباكستانية المتصاعدة من اجهزة التلفزيون المتواجدة في كل غرفة.
وتنتشر على مداخل الغرف المفتوحة أقفاص الصيد المنجزة التي تشبه أكواخ الاسكيمو الصغيرة، بينما ينكب العمّال في الداخل على صناعة أقفاص أخرى تستخدم خصوصا لاصطياد أسماك الشعيري والزبيدي الأكثر شهرة في المنطقة.
ويروي أكبر (55 عاما) وهو أب لولدين، أنه وصل الى كلباء قبل 30 سنة آتيا من مدينة بيشاور الباكستانية.
ويضيف وهو يستعد لاستكمال عمله في احد أقفاص الصيد، انه يخطط للبقاء لأعوام اضافية قبل العودة النهائية الى بلده، موضحا "صحيح ان شعري شائب، لكنني لا أزال شابا في داخلي. وعلى كل حال، لا توجد وظائف في باكستان".
وبعدما أنهى كوب الشاي، غادر أكبر الأريكة البنية التي كان يشاهد منها مسابقة غنائية باكستانية على شاشة تلفزيون، ثم توجه نحو حفرة تتوسطها سجادة دائرية رمادية تحيط بها أسلاك حديد.